على حافة الانهيار
يعيش المهنيون تحديا وجوديا في البحر الأبيض المتوسط، بفعل انخفاض المخزون، وانقراض بعض الأصناف السمكية، ومن أجل تحقيق استدامة الموارد البحرية، يقترح محمد البشير الجباري رئيس غرفة أرباب مراكب الصيد الساحلي بميناء العرائش، محاربة بعض الظواهر الإنسانية في المجال من قبيل الصيد العشوائي وغير القانوني، واحترام الأماكن الممنوعة لتجنب القضاء على بعض الأصناف السمكية الصغيرة.
وكشف محمد الجباري الرئيس السابق لغرفة الصيد البحري المتوسطية، وجود خلاف مستمر: “بين المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري والمهنيين، لأن INRH يقدم توصياته للوزارة بناء على الأبحاث العلمية، أما البحارة فلهم تحديات أخرى لهذا يرون الأشياء بشكل مغاير، وعلى سبيل المثال القرار الأخير الذي أخذته الوزارة بتوصية من المعهد، والقاضي بوقف صيد الأخطبوط لمدة 8 أشهر بجنوب المغرب، وبالفعل تم ذلك، وأعطى أكله، لكن هذا الإجراء أضر كثيرا بالمهنيين، ولم يكن عادلا في حقهم، علما أن المعهد أوصى مرة أخرى بتمديد غلق المصيدة لأيام أخرى”.
وشدد الجباري في تصريح لجريدة بيان اليوم، أن المهنيين لا يمكن أن يتحملوا: “مسؤولية نشاط القوارب غير القانونية، بحرمانهم من صيد جميع الأصناف، على سبيل المحافظة على محمية الأخطبوط، أو أي صنف آخر. أكيد أن مثل هذه الإجراءات جيدة، لكن ليس بهذه الطريقة التي تضر المهنيين الذين مصدر رزقهم الوحيد هو البحر”.
وأوضح رئيس غرفة أرباب مراكب الصيد الساحلي بميناء العرائش، أنه في الدول الأجنبية: “يتم اعتماد الراحة البيولوجية مقابل تقديم تعويض مادي، كما هو الحال لدى جيراننا الإسبان الذين يؤدون هذا المقابل من الصناديق الاجتماعية، لأن القطاع في الدول الأوروبية يشتغل بنظام خاص، حيث يتم تثمين المنتوج الذي تتكفل المؤسسات الرسمية للدولة ببيعه، ويخصموا فيما بعد مصاريف المحروقات، والثلج، وملابس البحري والرسوم الضريبية، في حين نحن كمهنيين لا نستطيع بيع منتوجنا في السوق بشكل كامل، ويمكن لك أن تتحقق من ذلك، لهذا أطرح سؤال من أين سنؤدي المقابل المادي للعامل البحري أثناء الراحة البيولوجية؟”.
وثمن المتحدث ذاته: “بعض القرارات الإيجابية التي تخدم مصالح الوزارة والمهنيين معا، مثل برنامج ‘أليوتيس’ الذي جاء ليحافظ على الثروات السمكية، استنادا إلى وضع أجندة خاصة لصيد كل صنف على حدة، كالأخطبوط والقشريات والأسماك السطحية، هذا الأخير الذي استطعنا أن نتوقف عن صيده لمدة شهر خلال هذه السنة (من 1 إلى 31 يناير)، وإذا استطعنا مستقبلا أن نتوقف عن صيده لمدة شهرين كاملين وعلى طول الشريط الساحلي المغربي سيصبح بحرنا في حالة جيدة، لأننا سنسمح لأنواع من السمك بأن تبيض وتتوالد، لأن الاستمرار على هذا النمط من الصيد سيفرغ بحرنا من السمك في يوم من الأيام”.
وفي هذا الصدد، قدم محمد الجباري، ملاحظة عما يقع في العرائش وطنجة وأصيلة والقنيطرة: “التي كانت تتوفر على مخزون بحري ثمين، تنشط به بعض المراكب القليلة جدا، قبل أن يزداد عددها اليوم، ليصبح الصيد مفتوحا بالليل والنهار، إلى درجة أن المراكب تقضي ما بين أربعة وسبعة أيام في رحلتها داخل البحر من أجل الحصول على القليل من السمك، وهذه الظاهرة لم تكن لدينا في السابق، وكنا نعتبرها عيبا لأن المركب كان يحصل على حصة جيدة في يوم واحد، بمعنى أننا كنا نشتغل في ساعات قليلة وليس لأيام طويلة، أي أنه لا مجال ليرتاح البحر من جر مراكب الصيد”.
وقال الجباري: “إنه نتيجة هذا النشاط المتواصل في البحر، انقرضت مجموعة من الأسماك التي لا يمكن أن نجرد كل أسمائها هنا، كما أن أصنافا أخرى أضحت جد قليلة، مثل سمك ‘الميرو’ الذي كان وزنه يتراوح بين 7 و35 كيلوغرام، وهذا الواقع يرجع إلى الإفراط في الصيد، واستعمال الوسائل الممنوعة والمحظورة دوليا”.
وأكد رئيس غرفة أرباب مراكب الصيد الساحلي بميناء العرائش، وجود أسباب أخرى لانخفاض المخزون، كتدهور المجال البيئي البحري المغربي: “بفعل تسرب المواد الكيماوية التي تستعمل من قبل الشركات الفلاحية الكبرى التي لا تحترم دفاتر التحملات، خصوصا في النقطة المتعلقة بإعادة تدوير المياه لإزالة السموم منها قبل إلقائها في البحر، إلى جانب رمي نفايات معامل الأسماك التي تستورد بعض الأصناف السمكية من الأرجنتين، وتتخلص من موادها الحافظة هنا في المغرب أثناء عملية التصنيع”.
وأشار محمد الجباري إلى أنه: “في السابق كان ‘خيار البحر’ موجودا بوفرة في الشمال لكنه بدأ يختفي اليوم نظرا للتغيرات البيئية الناتجة عن تلوث مياه الوديان، ناهيك عن انقراض أصناف أخرى كانت تعيش في الأنهار كـ’الميخا’ و’القمرون الأبيض’ و’الكرباتشو’، واليوم لم تتبق معنا إلا القليل من الأسماك التي تحاول أن تتكيف مع هذا التسمم البيئي”.
ونبه في الأخير إلى أن: “المخزون البحري على حافة الانهيار ولم يعد هناك مجالا للتهاون ولسياسة الترقيع، وإلا سنضطر في يوم من الأيام إلى التوقف بشكل قسري عن العمل، لأنه سيكون خيارنا الأخير”.
ضرورة الراحة البيولوجية
من جانبه، اعتبر مصطفى مزروع رئيس تعاونية ألبوران للصيد البحري التقليدي بوادي لو، أنه لا يمكن الحفاظ على المخزون السمكي بالمغرب إلا ببذل المزيد من المجهودات من قبل وزارة الصيد البحري والمهنيين: “وشخصيا جد مسرور لعودة الراحة البيولوجية بالنسبة للأسماك السطحية، لأنها الحل الأمثل للحد من تدمير الثروة البحرية التي يتحمل مسؤوليتها أولا وأخيرا المهني”.
وكشف مصطفى مزروع عضو غرفة الصيد البحري المتوسطية في تصريح لجريدة بيان اليوم، استرجاع مخزون الأخطبوط لعافيته بجنوب المغرب بعد التوقف عن صيده لـ 8 أشهر في إطار الراحة البيولوجية: “ثم التخلص من القوارب غير القانونية التي كانت بالداخلة، حيث ساهمت هذه الإجراءات في ارتفاع قيمة المنتوج”.
وقال مصطفى مزروع، إنه لا يوافق: “المهنيين الذين عبروا في البداية عن رفضهم لقرار الوزارة بالتوقف عن العمل طيلة هذه الأشهر، لأن كل ما تم القيام به كان يروم تنقية أجواء الاشتغال بالقضاء على القوارب غير القانونية، كما أنه يندرج في إطار الرؤية الاستباقية للحفاظ على المخزون، أي أن الوزارة لها نظرة بعيدة على عكس المهني الذي يجب أن يغير هو الآخر من تفكيره في الحاضر إلى المستقبل”.
ويرى مزروع أن المهنيين وحدهم: “من يجب أن يحمي المخزون، لأن الوزارة تسهر على تنظيم القطاع ولا تلج إلى البحر، ويصعب على الموارد البشرية للمندوبيات الجهوية للصيد، مراقبة تحركات الصيادين في المساحات الشاسعة من البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، أي أن إمكانياتها محدودة، باستثناء الصيد الساحلي الذي بدأت تراقبه عن طريق جهاز VMS، أما الصيد التقليدي فمع الأسف لا زال يعاني من العشوائية”.
وقدم رئيس تعاونية ألبوران للصيد البحري التقليدي بوادي لو، نموذجا عن عدم احترام: “الضوابط القانونية بين المهنيين داخل البحر، ففي الوقت الذي نحن في راحة بيولوجية عن صيد السردين تخرج القوارب و’السويلكات’ إلى جنبات البحر لصيد السردين في حين أنه في وضع التوالد، والدليل هو المنتوج الكبير لحجم السردين الذي يباع في السوق”.
وإلى جانب تجاوزات المهنيين في استنزاف المخزون البحري، أوضح المتحدث ذاته، وجود عوامل أخرى تساهم في تدمير هذه الثروة: “من قبيل تزايد عدد السفن التجارية بالبحر الأبيض المتوسط، الذي يعتبر بوابة لولوج البواخر نحو جميع دول العالم، لأن الأساطيل لها نصيب في تلويث مياه البحر بالمحروقات والزيوت، وهذا الأمر لا بد للسلطات المغربية أن تراقبه”.
وذكر مصطفى مزروع أنه يلاحظ: “أن المشاريع التي أنجزت والبنايات التي شيدت بجنبات الطريق الساحلي لمدن الشمال، والتي لم يراع فيها الجانب البيئي في دفاتر التحملات من قبل المستثمرين، ساهمت إلى حد كبير في تلوث البحر من خلال إلقاء الأتربة والرمال بجنبات الصخور التي تتوالد بها الأسماك، لأن هذه الأخيرة لا تلد في عمق البحر بل على هامشه”.
وشدد مزروع على أنه رغم: “المجهودات المبذولة في إنشاء محطات لإعادة تدوير المياه والنفايات إلا أن الوديان الحارة مازالت تصب في البحر، وهذا الأمر أثر على عيش الصدفيات التي تقاوم التلوث لتستطيع العيش، وأكيد أنه إذا بقينا على هذا الوضع، فمشاريع الأحياء البحرية لن تنجح في المغرب، والشاهد على هذا، هو نتائج الأبحاث التي قام بها INRH والتي صنفت بعض المناطق في القائمة B، ما يعني أنه لا يمكن تصدير منتوجها، لأن منتوجات المنطقة A وحدها من يؤشر لها بالتصدير، علما أننا نواجه منافسة شرسة من قبل شركائنا وجيراننا الذين يضعون شروطا تعجيزية، لتسويق منتوجاتنا في أسواقهم”.
وطالب في الأخير بضرورة تصحيح: “طريقة التعامل مع الأسماك سواء قبل ولوج البحر من خلال تنقية المركب، أو أثناء الصيد بالتعامل الجيد مع المنتوج، ثم أيضا لحظة تفريغه وعرضه للبيع، لأن ما نعاينه من صور حول تعاطي المهنيين مع المنتوج يحز في نفسنا”.
استنزاف البحر الأبيض المتوسط
في سياق متصل، اعتبر مصطفى أشباك رئيس الجمعية الوطنية للبحارة الصيادين بمدينة المضيق، أن استنزاف الثروات البحرية: “أدى إلى تراجع كبير في المخزون السمكي خصوصا بالبحر الأبيض المتوسط، ويهم هذا الانخفاض جميع أصناف الأسماك، وذلك نتيجة العوامل الطبيعية كارتفاع درجة الحرارة وتلوث المياه”.
وإلى جانب ذلك توجد ممارسات بشرية، بحسب مصطفى أشباك، أدت إلى هذا الاستنزاف: “من قبيل غياب احترام الراحة البيولوجية، واستعمال الأدوات المحرمة وغير القانونية، ودخول سفن الجر التي تصطاد بالماء البارد (RSW) إلى البحر المغربي، وهو ما سيؤدي إلى مزيد من هدر الثروات”.
وسجل أشباك في تصريح لجريدة بيان اليوم: “استمرار التلاعب في التصريح بالكميات المفرغة، وهذه الظاهرة منتشرة بين المهنيين في الصيد التقليدي والساحلي وأعالي البحار، وهذا الأمر ناتج عن الممارسات العشوائية التي تهدد القطاع بالتوقف مستقبلا، لأنه لا وجود لاستثمار بدون موارد بحرية، خصوصا وأننا نلاحظ ارتفاع أثمنة صناعة وتجهيز المراكب، أي أن المهنيين ينفقون أموالا طائلة اليوم قبل أن يدخلوا إلى البحر، وفي حال استمرار هذا الانخفاض الذي سيصل لا محالة إلى الانقراض، فأكيد أننا سنصل إلى السكتة القلبية”.
وكشف رئيس الجمعية الوطنية للبحارة الصيادين بمدينة المضيق، أن البحارة وأرباب القوارب والمراكب يعيشون أوضاعا مزرية: “فهناك من المراكب التي عليها ديون وقروض وأصحابها ليس لديهم أي سيولة مادية لتحريكها من جديد، كما توجد أخرى بجنبات الميناء لمدة أربعة أشهر وأكثر، بعد انصراف “الرايس” والبحارة إلى حال سبليهم بسبب غياب المدخول من البحر، بصيغة أخرى، هناك خسائر كبيرة بفعل الضعف المسجل في المنتوج على مستوى البحر الأبيض المتوسط”.
ومن جهة أخرى، تحدث عن وجود: “بعض المشاكل ذات طبيعة تدبيرية وقانونية وتتعلق أساسا بصيد سمك ‘التون’ حيث عندما تكون الوفرة في المنتوج لا يسمح لنا بصيده على سبيل تعويض الخسارة التي نتعرض لها أثناء فترات التوقف، أي أنه يجب إعادة النظر في ‘الكوطا’ التي نلزم بعدم تجاوزها، لماذا؟ لأن أسماك ‘التون’ و’الاسبادول’ (مسك أبو سيف) و’نويبي’، أسماك مهاجرة ولا تعيش بشكل دائم في منطقتنا، ما يعني أن المسؤولين يجب أن يستلغوا صيد هذه الأسماك المهاجرة لتخفيض الضغط على الأسماك المحلية، مثل ‘باجو’، ‘راسكاس’ و’كروفيت'”.
وقال مصطفى أشباك: “إننا كمهنيين تعبنا من الحديث عن الموضوع مع المسؤولين الذين لا يستوعبون الأمور بشكل جيد، ولا يأخذون ملاحظاتنا بعين الاعتبار، والسبب هو أن تمثيلية العمال (البحارة) لا توجد في الغرف المهنية، التي تعتبر الهيئة الاستشارية لوزارة الصيد البحري، بمعنى أن البحارين لا صوت لهم ليسمعوه أثناء الاجتماعات، رغم أننا أكثر الناس احتكاكا بالمهنة، ومستقبلنا مرتبط باستدامة الثروة السمكية، لأنه عندما سيتوقف البحر سنتوقف عن العمل، على عكس المستثمر الذي يمكن للدولة أن تعوضه أو يبيع مركبه بالمرة للاستثمار في مجال آخر”.
وأكد أشباك أن الجمعية التي يرأسها: “اشتكت في أكثر من مناسبة من الممارسات المخالفة للقانون في البحر، عن طريق نشر فيديوهات وإصدار بيانات وبعث رسائل إلى الهيئات الوصية على القطاع، لكن لا أحد يتجاوب مع نداءاتنا لاستغاثة البحر”.
وأتى رئيس الجمعية الوطنية للبحارة الصيادين بمدينة المضيق، على ذكر الأسباب التي دمرت مخزون المغرب من السمك: “كسفن الجر التي سمحت لها الوزارة بالدخول للصيد في مياه البحر المغربي، حيث استنزفت الثروة في عمق البحر وبدأت تأتي للقرب من الشاطئ لصيد السمك الذي يتوالد بالقرب من الصخور وجنبات البحر، والدليل يتمثل في السمك الصغير الذي يتم عرضه في السوق”.
وقدم المتحدث ذاته، ملاحظة تتعلق بـ: “وجود الأوحال على طول الشريط الساحلي للبحر الأبيض المتوسط، والتي تنتج عن الأتربة التي تلقيها الشركات في الوديان، وهذه الأوحال دمرت عمق البحر الذي يتكون من الأحجار والنباتات والأعشاب البحرية التي تتوالد وتتغذى عليها الأسماك”.
ولم تفت مصطفى أشباك المناسبة للحديث عن معاناة المهنيين: “مع مشكل تكاثر ‘النيكرو’ الذي يمزق الشباك ويتلف المنتوج الذي تصطاده المراكب، مخلفا كثير الخسائر المادية الفادحة للمهنيين بشمال المغرب”.
ولهذه الاعتبارات، طالب بـ: “إعادة النظر في ‘الكوطا’ القليلة جدا، مقارنة مع حجم الأسطول الكبير الذي أصبحنا نتوفر عليه، علما أن البحارين ليس لديهم أي مدخول شهري قار، بل مصدر عيشنا هو ما نصطاده أثناء ولوج البحر مع كل مرة، لهذا نقترح استغلال صيد بعض الأصناف السمكية أثناء فترة هجرتها، في إطار تقوية منتوجنا وإنقاذ البحار من وضع الهشاشة الاجتماعية”.
ودعا مصطفى أشباك في الأخير إلى: “تصحيح وضع التمثيليات داخل الغرف المهنية التي لا يوجد بها العامل البحري، وتعرف حضور أرباب القوارب والمراكب والسفن فقط، علما أن الوزارة يجب أن تستمع لجميع الأصوات التي لديها مصداقية، في إطار تبني تعدد الرؤى والتصورات المختلفة”.
اندثار الأصناف السمكية
من جهته، قال عزيز بالحاج رئيس جمعية إعانة وإغاثة بحارة الصيد الساحلي بميناء المضيق: “إن المهنيين يلمسون بشكل كبير تراجع المخزون البحري في الميدان، أي أن هذه المسألة أصبح الأمر مفروغا منها لا سيما على مستوى البحر الأبيض المتوسط، حيث لم نعد نشاهد مجموعة من أصناف الأسماك بفعل حدوث مجموعة من التغيرات في البيئة البحرية، والأمر نفسه يتعلق بالمحيط الأطلسي”.
وأكد عزيز بالحاج في تصريح لجريدة بيان اليوم، أن الجمعية وجهت أكثر من رسالة إلى وزارة الصيد البحري والمعهد الوطني للبحث في الصيد البحري: “نطلب فيها وضع قائمة الأصناف السمكية التي انقرضت من البحر، وإحصاء الأخرى التي ما زالت بمخزوننا، سواء في البحر الأبيض المتوسط أو المحيط الأطلسي، وذلك من أجل القيام بحملات تواصلية وتوعوية لتحسيس المهنيين بالوضع الذي بات عليه البحر خلال السنوات الأخيرة”.
وأوضح بالحاج أن التغيرات المناخية: “ليست وحدها المسؤولة عن تراجع المخزون البحري للمغرب، بل نحن المهنيين أيضا نتحمل مسؤولية استنزاف الثروات البحرية، بتدمير كل صغيرة وكبيرة داخل البحر، كتوظيف الجر في الأماكن الممنوعة واستعمال الشباك غير القانونية، وهذه أمور نعترف بها، ولا يمكن أن نتهرب منها كمهنيين لديهم الضمير والغيرة على القطاع”.
وشدد رئيس جمعية إعانة وإغاثة بحارة الصيد الساحلي بميناء المضيق، على أنه: “من أجل التأكد من تراجع المخزون، يكفي أن تسأل المهنيين عن الوقت الذي يقضونه داخل البحر لاصطياد المنتوج وتفريغه في الميناء، إذ أصبحت المهمة تتجاوز 4 أيام نظرا للانخفاض الذي بات عليه البحر، وتحديدا بجهة المضيق والحسيمة، حيث ظل نشاط الصيد غير مراقب لسنوات قبل أن تنتج عنه عديد المشاكل”.
وكشف المتحدث عينه، استمرار النشاط غير القانوني: “ويكفي أن أقدم لك نموذج الأخطبوط الذي حصلت عليه بعض المراكب خلال الراحة البيولوجية واليوم تبحث عن وثائق من أماكن أخرى كدليل على التصريح القانوني به، ويهم الأمر أساسا تجار السمك الذين يتوفرون على قوارب ومراكب للصيد البحري لأنه عندما يصطادونه خلال الراحة البيولوجية يتجهون به بشكل مباشر نحو وحدة الإنتاج والتخزين التي في ملكيتهم، على عكس صاحب المركب الذي لا يتوفر على مكان للتخزين، ويضطر إلى أن يحترم الوقت القانوني المحدد، ليتمكن من تسويقه في حينه”.
وذكر عزيز بالحاج أن هذه العملية: “تتم عن طريق التنسيق مع القوارب التي لا تصطاد الأخطبوط، أو متوقفة عن النشاط في البحر، حيث يتم التصريح بالحصص بوثائق هذه المراكب، وهو ما يجب على الوزارة أن تفتح تحقيقا فيه وتتأكد مما يحدث داخل الموانئ”.
وأشار بالحاج إلى أن: “المعهد والوزارة لا ينصتان لنا، ومنذ سنة 2012 تحدثنا عن مشاكل كانت منتشرة في البحر كـ’النيكرو’ الذي يسبب للمهنيين خسائرا كبيرة، إلى جانب أشياء أخرى لم تكن في علم المعهد والوزارة، وها هما يتأكدان منها اليوم”.
وتحسر في الأخير: “عن غياب التفاعل مع مطالبنا، وعدم أخذ رأي المسؤولين والخبراء بعين الاعتبار من قبل مرؤوسيهم في الإدارة، لأننا نشتغل مع هؤلاء الباحثين في الخرجات الميدانية وتكون بحوزتهم في الأخير توصيات مهمة، بيد أن صوتهم غير مسموع في الأجهزة الإدارية”.
نحو إجراءات ذاتية
للحفاظ على الثروة السمكية بالبحر الأبيض المتوسط، أوضح كريم المرابط، رئیس اتحاد البحر الأبیض المتوسط لتعاونیات الصید البحري التقلیدي، أنه يجب على الربابنة والمهنيين أن يقوموا بإجراءات ذاتية، مشيرا إلى أن: “الأبحاث العلمية لم تصبح مجدية، كما أن دراسات المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري لا تعطي الاهتمام الكافي لمنطقة الشمال، والدليل هو أننا نحترم الراحة البيولوجية، بيد أن الحالة جد مزرية”.
وسجل كريم المرابط عضو غرفة الصيد البحري المتوسطية، في تصريح لجريدة بيان اليوم، أن المهنيين يقدمون ملاحظاتهم: “في أكثر من مناسبة لمحمد ملولي الإدريسي مدير المركز الجهوي للمعهد الوطني للبحث في الصيد البحري بطنجة ويتفاعل معنا خصوصا في الشق المتعلق بمشكل سمك ‘النيكرو’، وإلى حدود الآن الدراسات مستمرة رغم أننا أصبحنا نشتغل بشباك الصيد السينية”.
وقال المرابط: “إن مخزون الأخطبوط ضعيف جدا بمصيدة الشمال، إذ بعد النتائج الجيدة في اليوم الأول والثاني من الموسم الشتوي لصيده، لم يعد المهنيون يحققون نتائج إيجابية، علما أن حجمه جد صغير، وقيمته المالية جد منخفضة بعدما كان في اليومين الأولين يصل سعره إلى 80 درهم”.
وكشف رئیس اتحاد البحر الأبیض المتوسط لتعاونیات الصید البحري التقلیدي، أن: “توصيات INRH بشأن مواعيد صيد الأخطبوط أو أصناف أخرى، دائما ما تكون مخالفة لفترة راحته البيولوجية، حيث عندما يكون حجمه كبيرا لا يسمح لنا بصيده، لهذا يجب إعادة النظر في هذه الدراسات لتحديد مواعيد التوقف بدقة، لأن الراحة البيولوجية تختلف بين الشمال والوسط والجنوب، أخذا بعين الاعتبار المعطيات المتصلة بالتغيرات المناخية التي تؤثر على عيش الأحياء البحرية”.
وقدم المتحدث ذاته، مثال عدم سماح الوزارة للمهنيين بصيد سمك “التون” المهاجر عندما يكون موجودا بالمغرب خلال شهر ماي من كل سنة: “لأن الموعد المحدد لصيده هو شهر غشت، وهو ما يحرمنا من مصدر مهم لنشاطنا البحري”.
وليست الممارسات البشرية وحدها مسؤولة عن تراجع المخزون، بل أيضا التغيرات البيئة، حيث نعثر على مشاكل: “تلوث مياه البحر الذي تعيش فيه الأحياء البحرية، بفعل مخلفات الأحياء الصناعية التي تسمم المحيط الذي تتغذى وتتوالد فيه الأسماك”، على حد تعبير كريم المرابط.
الصيد مقابل السلم الاجتماعي
يتابع الفاعلون في الشأن البيئي وضع الموارد البحرية عن كثب، حيث سجل عبد السلام الشعباوي الخبير في قضايا الصيد البحري بمرصد حماية البيئة والمآثر التاريخية بطنجة: “إخفاق برنامج ‘أليوتيس’ في عقلنة التعامل مع الموارد البحرية في كل المصايد المغربية”، موضحا أن: “الحفاظ على المخزون لا يتم بعملية الاستزراع، لأن الأسماك لا تستزرع، بل الصدفيات هي من تخضع لهذا الإجراء”.
وكشف عبد السلام الشعباوي في تصريح لجريدة بيان اليوم، أن وضع المخزون بالبحر الأبيض المتوسط أصبح كارثيا، مقدما مثال المصايد الممتدة من السعيدية إلى طنجة التي يكاد يندثر بها المخزون السمكي: “أضف إلى ذلك أن المياه البحرية للحسيمة التي كانت مشهورة تاريخيا بأجود أسماك السردين اختفت منها عديد الأصناف الجيدة من الأسماك، وها هي مراكب صيد السردين لم تعد تشتغل كما كان الحال سابقا، ويتعلق الأمر تحديدا بالشريط الساحلي الذي يربط الحسيمة بمنطقة الجبهة التابعة لإقليم شفشاون”.
وشبح الانخفاض بدأت تعرفه بحسب الشعباوي، مياه الناظور: “التي التحقت هي الأخرى بمدينة طنجة، أو لنقل إن وضعها بات شبيها بما يجري في مدينة العرائش والصويرة، لأنهما تعانيان من النقص في المنتوج”.
وذكر الخبير في قضايا الصيد البحري بمرصد حماية البيئة والمآثر التاريخية بطنجة، أن نزيف المخزون يسجل أيضا في الشريط البحري بين طنجة والدار البيضاء، الذي كانت توجد به أرفع مصايد جميع أصناف الأسماك، خصوصا سمك “لانشوفة”، و”الميرنا”، و”الصول” و”القمرون” الذين أصبحوا قاب قوسين أو أدنى من الاختفاء بين العرائش ومولاي بوسلهام، بفعل التلوث البيئي ونشاط الصيد في أعالي البحار الذي لا يخضع للمراقبة.
وأرجع المتحدث، هذا النقص الحاد: “إلى مجموعة من الأسباب والعوامل، من بينها إنهاك البيئة البحرية باستعمال الممنوعات ووسائل الصيد التدميرية، ثم التلوث البيئي عند مصبات الأنهار حيث تتوالد الأسماك التي باتت عاجزة عن مقاومة المواد الفلاحية الكيماوية المسمومة، والتي تدمر ما تبقى من أحياء بحرية خصوصا بالمصايد الشمالية للمغرب، أضف إلى ذلك المياه الحارة التي تصب في الأنهار والشواطئ”.
وأشار إلى أنه: “إذا اتجهنا من الدار البيضاء إلى أكادير، سنجد هذه المنطقة تحتفظ قليلا بالمخزون السمكي، لأنه كلما اتجهنا نحو جنوب المغرب كلما اتسعت مساحة البحر وأصبحت أكثر استهدافا لإنهاك مخزونها، فعندما تضيق المصايد وتتعرض كما أسميها إلى ‘الجفاف البحري’ تضطر مراكب الصيد إلى الاتجاه نحو الأماكن التي توجد بها الأسماك، خصوصا في ظل عدم وجود ‘الزونينغ’ في السواحل البحرية للمغرب”.
واتهم عبد السلام الشعباوي مراكب الصيد بتدمير المخزون البحري للمغرب: “من خلال استعمال الوسائل الممنوعة لامتصاص كل الأحياء البحرية خاصة السردين الذي يستغل في التسميد والعلف، والذي يستهدف من قبل المراكب المغربية والأجنبية (الأوروبية، الروسية والصينية…)، في ظل غياب المراقبة الكلية”.
ويرى الشعباوي أن المغرب لم تتبق في حوزته: “إلا القليل من المصايد التي تحتفظ نسبيا بالرخويات (الأخطبوط، الكلامار والسيبية..)، والتي يبدو أنها مهددة بالزوال بسبب الإنهاك والفوضى والتسيب في صيدها، بتوظيف الآليات المحظورة دوليا منها شباك العمق، وشباك الجر ذات العيون الضيقة، ولاحظ ما يحدث اليوم بجنوب المغرب، حيث باتت القوارب والمراكب والسفن مهتمة بصيد الأخطبوط دون غيره”.
وقال الناشط بمرصد حماية البيئة والمآثر التاريخية بطنجة، في حديثه مع بيان اليوم: “إن مصايد المغرب بدون استثناء عرضة للجفاف، والمسؤولية الكبيرة على عاتق وزارة الصيد البحري، التي اعتمدت برنامج ‘أليوتيس’ الذي كان فضفاضا ودعائيا، عوض أن يكون عمليا ومجاليا وبحريا، والدليل هو التقارير الرسمية التي تصدر عن المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري، والغرف المهنية التي تؤكد انخفاض المخزون واختفاء بعض المصايد في المياه المغربية”.
ودعا المتحدث ذاته، إلى ضرورة “تطبيق ‘الكوطا’ اليوم لصيد جميع الأصناف السمكية بدل جعل الأبواب مفتوحة لولوج البحر بدون توقف، أضف إلى ذلك الحاجة إلى تطبيق الراحة البيولوجية مع تعويض البحارة والمهنيين أثناء تعليق نشاط الصيد”، مشددا على أنه لم يعد من المسموح: “مواجهة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية في القطاع باستنزاف البحر، وعلى سبيل المثال كنا في حاجة إلى تمديد الراحة البيولوجية للأخطبوط، لكن تم السماح بصيده في إطار قرارات ذات طابع سياسي، لترضية هذه الفئة أو تلك، وهنا أود أن أشير إلى عدم أخذ الوزارة بتوصيات المعهد بحذافيرها تحت غطاء السلم الاجتماعي”.
وكشف عبد السلام الشعباوي: “لجوء المطاعم والفنادق المصنفة إلى الأسماك المجمدة التي تأتينا من الخارج، من قبيل استيراد ‘الكلامار’ من الأرجنتين وبالضبط من جزر الفوكلاند المستعمرة بريطانيا، وهو مؤشر يؤكد صعوبة وضع المخزون في المغرب”.
ونبه الشعباوي إلى أن: “المصايد التي تتعرض للتدمير لا تعوض إلا بعد عشر سنوات على الأقل، لهذا يجب وقف الوحوش الفولاذية التي تسبح في المياه المغربية لأنها تجرف الرمال والأحياء من قعر البحر، والخبراء الصامتون على علم بما يحدث، لكن ليست لديهم القدرة على أخذ القرارات لوقف هذا النزيف”.
واعتبر في الأخير، أنه: “لم يعد مقبولا استمرار التساهل في ضبط القطاع داخل وخارج البحر، فها هي شباك القوارب والمراكب والسفن تصطاد اليوم صغار سمك ‘السردين’، و’السبادا’ التي تهرب لتباع في أسواق طنجة بأثمنة بخسة أمام المسؤولين الذين لا يحركهم ضميرهم المهني لمعرفة ما يحدث في المجال”.
يوسف الخيدر