قال الوكيل العام للملك، رئيس النيابة العامة، الحسن الداكي، يوم الجمعة الماضي بالرباط، إن عدد المحكومين بعقوبة الإعدام تقلص من 197 شخصا سنة 1993 إلى 79 شخصا في دجنبر 2021. وأرجع الداكي، في كلمة له خلال الجلسة الافتتاحية للجمع العام للائتلاف المغربي من أجل إلغاء عقوبة الإعدام، هذا التراجع إلى الانخفاض المستمر لعدد الأحكام الصادرة عن المحاكم الوطنية القاضية بعقوبة الإعدام، وإلى استفادة المحكوم عليهم من تدابير العفو الملكي السامي التي تؤدي إلى تحويل عقوبة الإعدام إلى عقوبات سجنية مختلفة.
تقلص أعداد المحكومين بعقوبة الإعدام
وأكد، في كلمة ألقاها بالنيابة عنه مراد العلمي رئيس شعبة تتبع وتنفيذ السياسة الجنائية برئاسة النيابة العامة، أنه بالرغم من أن المغرب لم يلغ عقوبة الإعدام تشريعيا، إلا أن تنفيذها متوقف منذ سنة 1993 (أي لما يقارب ثلاثة عقود).
وباعتبار أن القانون الوطني يقر عقوبة الإعدام، بحسب الداكي، فإن تعاطي القضاء مع هذه العقوبة لا يمكن أن يخرج عن السياق القانوني، مضيفا أن “قاضي الحكم ملزم دستوريا بتطبيق القانون، وبما يكرس العدالة الواجبة (الفصل 110 من الدستور)، وقضاة النيابة العامة قد يلتمسون من جهتهم من هيئات الحكم في غرف الجنايات الحكم بالعقوبة الأشد حينما تكون آثار الجريمة تمس أرواح الغير ببشاعة “.
وأبرز أن ” رئاسة النيابة العامة تحرص على أن يظل موقف النيابة العامة بالنسبة لهذه العقوبة منسجما مع القانون ومتتبعا لتطلعات المجتمع المغربي الذي مازال النقاش فيه جاريا ومستمرا بشأن إلغاء هذه العقوبة أو الاحتفاظ بها، وتشجع قضاتها على حسن دراسة الملفات، وتوخي تحقيق الردع المناسب مع استحضار مصلحة المجتمع الذي تتولى النيابة العامة تمثيله أمام المحاكم “. وأشار إلى أنه إذا كان قضاء الحكم يقضي بالإعدام في حق متهم ما، تبعا لما تفضي إليه سلطته في تقدير الوقائع وتفريد العقاب، فإن للنيابة العامة دور بخصوص تلك العقوبة، حيث تسهر على تفعيل المقتضيات الإجرائية المسندة لها قانونا، والمتمثلة أساسا في تهيئ ملفات العفو، وإشعار السلطة الحكومية المكلفة بالعدل بالأحكام الصادرة بتلك العقوبة.
ملاءمة المنظومة القانونية الوطنية مع المواثيق الدولية
ومن جهته، أكد وزير العدل عبد اللطيف وهبي، أن ورش إصلاح المنظومة الجنائية بالمغرب يتجه لمقاربة إشكالية عقوبة الإعدام، وهو ما تجسده جهود ملاءمة المنظومة القانونية الوطنية مع المواثيق الدولية وتوصيات وملاحظات هيئات منظمة الأمم المتحدة ذات الصلة بحقوق الإنسان.
وأضاف وهبي، في كلمة له، إن هذه العقوبة التي لا زالت موضوع نقاش مجتمعي كبير، تعتبر من بين أهم الأوراش التي انصب عليها إصلاح العدالة الجنائية، مؤكدا أن ” توجه السياسة الجنائية المغربية يعكس التفاعل الإيجابي للمملكة مع القرار الأممي عدد 77/2002 المعتمد من طرف “لجنة حقوق الإنسان” في شهر أبريل 2002، والخاص بعقوبة الإعدام “.
عقوبة الإعدام انتهاك خطير للحق في الحياة
ومن جهتها، قالت آمنة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، إن الائتلاف المغربي ضد عقوبة الإعدام، بكل شبكاته، يشكل الحليف الاستراتيجي والفعلي للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، لتحقيق إلغاء الإعدام، مثمنة بالمناسبة، التفاعل المستمر والعمل الطويل الأمد الذي يخوضانه معا، كمناهضين للإعدام سواء كمؤسساتيين أو غير مؤسساتيين، معتبرة بكونه التزام جماعي للانتصار للحياة والذي لا يرتبط، لا بأيديولوجية أو ثقافة معينة، ولا بدوغمائية محددة.
وجددت بوعياش، التأكيد على قناعتها بإلغاء عقوبة الإعدام والإصرار على أن عقوبة الإعدام، انتهاك خطير للحق في الحياة، هذا الحق المتأصل والأسمى والمطلق، الذي من دونه لا حق، ولا حرية ولا عدالة، ورفضت، في الان ذاته، التفسيرات، التي كثيرا ما يستخدمها بعض الفاعلين السياسيين، مبررين مناهضة إلغاء عقوبة الإعدام، برفض الرأي العام للإلغاء.
وأكدت أن موقف المجلس الثابت من مسألة إلغاء عقوبة الإعدام يندرج في إطار مهامه وثوابته القائمة على حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، وأن المجلس يترافع لإلغاء عقوبة الإعدام، لأنها ترتكز على مفهوم الانتقام من المحكوم عليه، عوض مفهوم الإصلاح وإعادة الإدماج في المجتمع، وتبقى غير رادعة للجريمة وغير فعالة وهو ما أثبتته عدد من الدراسات الدولية في عدد من الدول التي تنفذ هذه العقوبة.
وأوضحت بوعياش، أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أكد على إلغاء عقوبة الإعدام في محطات وطنية ودولية متعددة، وشدد في مذكرته لمراجعة القانون الجنائي في أكتوبر 2019 على الإلغاء الرسمي لهذه العقوبة، ودعا السلطات العمومية لتخطو نحو الإلغاء بالتصويت لصالح الوقف العالمي لتنفيذ عقوبة الإعدام خلال شهر دجنبر 2020 وأن عقوبة الإعدام المنصوص عليها في التشريع المغربي هي عقوبة تتعارض والمقتضى الدستوري الواضح للفصل 20 من دستور المملكة.
واعتبرت بوعياش، أن تأكيد المجلس الوطني على ضرورة الغاء عقوبة الاعدام، يندرج في مجال اصلاح المنظومة الجنائية بأفق مقاربة عقلانية جريئة تسير في اتجاه، أولا الانسجام مع المسار الحقوقي للمجلس، وثانيا مع الدستور المغربي،ية إعمال ملموس للملائمة بين القانون الجنائي والدستور والمواثيق الدولية.
وختمت مداخلتها بالقول، بأن طريق الإلغاء الذي انطلق فيه المجلس الوطني لحقوق الإنسان، منذ حوالي 30 سنة، عرف تطورات هامة من حيث التداول العمومي وتوسيع قاعدة المساندين للإلغاء، والتنصيص على حماية الحق في الحياة بالدستور وعدم تنفيذ الاعدام وشبه اجماع بانها عقوبة غير رادعة للجريمة، مضيفة” إننا اليوم بحاجة لتلك الطفرة السياسية والتشريعية، نطمح ألا ننتظر طويلا وان لا نضيع فرصة إعادة هيكلة منظومتنا الجنائية لترتكز على تأصيل الحق في الحياة، منظومة جنائية بدون إعدام”.
إلغاء عقوبة الإعدام يتطلب انخراط كافة الفاعلين المعنيين
وبدوره، أعرب منسق الائتلاف المغربي من أجل إلغاء عقوبة الإعدام، عبد الرحيم الجامعي، عن أمله في التنزيل الدقيق للفصل 20 من دستور 2011 الذي “يعتبر الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان. ويحمي القانون هذا الحق”.
واعتبر الجامعي في كلمة له خلال افتتاح الجمع العام لـ”الائتلاف المغربي من أجل إلغاء عقوبة الإعدام”، أن إلغاء عقوبة الإعدام يتطلب انخراط كافة الفاعلين المعنيين، مشيرا إلى أن الائتلاف سيعمل على توسيع قاعدة المساهمين في نشر ثقافة إلغاء عقوبة الإعدام.
أما رئيس المرصد المغربي للسجون، عبد اللطيف رفوع، فاعتبر أن النقاشات الدائرة سياسيا واجتماعيا حول إلغاء عقوبة الإعدام تحتم إيجاد توازن بين حماية الحق في الحياة والحفاظ على النظام العام، ومن تم البحث عن حلول لضمان الحق في الحياة وبدائل لهذه العقوبة.
وأبرز أهمية ” إبداع صيغ جديدة للترافع والتحسيس من أجل الإلغاء التام لهذه العقوبة بالمغرب “.
من جانبه، أشاد المدير العام للمنظمة الفرنسية “جميعا ضد عقوبة الإعدام” ، رفائيل شنويل هزان، بالانخراط القوي للمجتمع المدني المغربي في جهود ومبادرات إلغاء عقوبات الإعدام .
وقال شنويل هزان “نعتز بدعم مبادرات جميع المنخرطين بقوة في المعركة المتواصلة من أجل وقف تنفيذ هذه العقوبة وتعزيز ثقافة إلغائها”.
< حسن عربي