الجزء الرابع
مشروع الأطروحة السياسية
الباب الرابع
القضايا المجتمعية والثقافية
القسم الأول
الوحدة والاختلاف في المجتمع المغربي
الحزب ومفهوم الحداثة
إن الحداثة، بكونها في ذات الوقت استعمال للعقل والتحليل العلمي في مقاربة الواقع والقدرة على استيعاب الجديد والمساهمة في ديناميات التقدم، تصطدم موضوعيا بالفكر والممارسة المحافظة اللذين يتمسكان، من منطلق اليقينيات الدائمة، بالقديم والمتوارث من قيم وطرق عيش ويعملان على إعادة إنتاجها مع استيعاب استهلاكي للتطورات التحديثية للسلع والخدمات، دون اعتبار للمنظومة القيمية التي أفرزها نمط الإنتاج.
والحداثة تعني كذلك النظر في التراث الوطني الذي شكل الشخصية المغربية للمحافظة وتثمين شواهده التاريخية المادية وكذا التجليات المشرقة لعناصره اللامادية بتعددها اللغوي وتنوع تعابيرها الثقافية، ولمحاربة جوانبه السلبية، خاصة منها تلك المستبعدة للفكر النقدي والمضرة بالصحة البدنية والعقلية والمناصرة لصورة نمطية سلبية للمرأة.
والحداثة هي أيضا القدرة على الانفتاح على العصر وعلى التعامل الايجابي مع منتوجاته المادية والقيمية والارتباط بالديناميات الكونية خاصة على مستوى الحقوق والحريات، وهو تعامل لا ينبني على التقليد والتبعية، بل على مزج إرادي وخلاق وتراكمي مع مكونات المجتمع والاقتصاد والدولة.
ويعتبر حزب التقدم والاشتراكية أن الطريق الى المجتمع الديموقراطي الحداثي وتحقيق التنمية المستدامة يمر عبر هذا البعد الثقافي الأساس في تاريخ الشعوب والحضارات.
المسألة الأمازيغية.. تراكمات إيجابية
اهتم حزب التقدم والاشتراكية منذ بداية السبعينات من القرن الماضي بالمسألة الأمازيغية، لغة وثقافة، كمكون رئيسي للهوية الوطنية، عانى من التهميش، ووجب رد الاعتبار إليه وتعزيز تعابيره الثقافية.
ولهذه الغاية، ترافع الحزب وناضل داخل البرلمان وخارجه، وعلى أعمدة جريدتيه وداخل مؤسساته الحزبية ومنابر متعددة لرفع الحيف الذي طال اللغات والثقافات الأمازيغية، مساهما في إنضاج وعي جماعي بهذه القضية وأبعادها، أثمر موقفا إيجابيا للدولة، عبر الخطاب الملكي لأجدير سنة 2001، الذيشكل منعطفا حاسما في التعاطي مع القضية على أساس الاعتراف بالأمازيغية كمكون أساسي للثقافة الوطنية ومسؤولية الدولة في النهوض بها.
ويعتبر إقرار دستور 2011 بتنوع وغنى مكونات الهوية الوطنية والعمل على حمايتها وتعزيزها ودسترة اللغة الأمازيغية كلغة وطنية، تراثا مشتركا لكل المغاربة، وكلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية، استجابة لمطالب ملحة ساهم حزب التقدم والاشتراكية في الدفاع عنها والترافع من أجلها كحق لغوي وثقافي.
وتعد استجابة الدستور لهذا المطلب، الذي أضح اليوم مكسبا تاريخيا، انتصارا لأطروحات حزب التقدم والاشتراكية المتعلقة بالهوية الوطنية والمسألة الثقافية، وتتويجا للنشاط الفكري والميداني للحركة الثقافية الأمازيغية التي تربطها بالحزب علاقة تعاون وطيدة، وكذا لنشاط الحركة الحقوقية.
وعلى مستوى تفعيل وأجرأة منطوق روح الدستور على مستوى السياسة الحكومية، قام حزب التقدم والاشتراكية خلال تدبيره لقطاعي الاتصال والثقافة بإغناء السياسة العمومية بجملة من التدابير في هذا المجال. وهي جهود ومبادرات في حاجة إلى توسيع رقعتها وتكثيف مضامينها.
إن الاعتراف بالأمازيغية كمكون للهوية الوطنية وبالأمازيغية كلغة رسمية يستدعيان مضاعفة الجهود وتسريع وتيرة الإنجاز على أصعدة متعددة، منها إصدار النصوص المتعلقة بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وتفعيلها لإحداث دينامية جديدة، ومنها كذلك مستوى التعليم لإغناء محتوى البرامج التعليمية والرفع من عدد المتمدرسين، وتأهيل موظفي الدولة والجماعات الترابية، وكذلك تمكين الأمازيغية من حضور إعلامي يناسب مكانتها الدستورية، وإشاعتها في الحياة العامة، في أفق المساواة التامة بين اللغتين الرسميتين للبلاد.
الانفتاح على الثقافة الكونية وعلى اللغات الأجنبية.. فرص وتحديات
إن الولوج الى مختلف التعابير الثقافية أصبح اليوم أمرا يسيرا في ظل العالم الرقمي، ويتيح للمواطنين المغاربة التقاط المحتويات الثقافية والفنية من مختلف بقاع العالم، ويمكنهم من الانخراط في عملية الاستهلاك والتفاعل مع معروضات هذا العالم.
وهذا “الولوج الديموقراطي” هو نتيجة ثورة رقمية هائلة، أنتجت نموا متسارعا للشبكات الاجتماعية وأبناك المعلومات الضخمة والمخازن الافتراضية، وفرضت تدريجيا أنماطا جديدة للإنتاجوالمشاركة في الثقافة والإبداع والمعلومة على المستوى العالمي.
وإذا كانت هذه التحولات التكنولوجية الكبرى تحمل فرصا لتقوية العرض الثقافي والفني المتنوع، فإنهاتطرح بالمقابلإكراهات أمام التداول المتكافئ للإنتاج على الصعيد الدولي في ظل الفجوة الرقمية بين الدول المتقدمة والدول النامية، كما تطرح إشكاليات جديدة في مجالات التجارة الرقمية وحقوق التأليف وحرية التعبير وغيرها.
في ظل هذه الأوضاع، لم تنجح السياسات العمومية الوطنية ذات الصلة في مواكبة مستلزمات التحديات المطروحة، إذ بقيت الإنجازات محصورة في توفير البنيات والتجهيزات، في حين بقي الاهتمام بمحتوىالمنتوج الإبداعي الوطني بأنواعه ومكوناتهيراوح مكانه.
ويبقى اكتساب اللغات الأجنبية الأكثر تداولا في العالم أحد مفاتيح التواصل والولوج والتفاعل مع منابع المعرفة والبحث العلمي، والإغناء لحوار الثقافات على أساس استيعاب جيد للمحتويات الثقافية والمتمثلات الرمزية.
ولهذا، يؤكد حزب التقدم والاشتراكية على ضرورة سن سياسة عمومية للغات، وإحداث بنية داخل قطاع الثقافة تسهر على تحقيق انسجام السياسة اللغوية والثقافية الوطنية.
مسألة المساواة والمناصفة وتجسيد الحقوق الإنسانية.. ورش مستعجل
تشكل قضية المساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات إحدى المرتكزات الثابتة في المشروع المجتمعي، وكذا في المسار النضالي لحزب التقدم والاشتراكية، على امتداد تاريخه.
وقد توج الدستور نضالات القوى التقدمية والديموقراطية والحركة النسائية بإقراره مبدأ المساواة والمناصفة ضمن منظومة جديدة ومتكاملة للحقوق والحريات، مكرسا مجموعة من المكاسب وفاتحا الطريق أمام تعزيز وأجرأة هذه الحقوق في سياق كوني، مع مأسسة دستورية لهيأة المناصفة ومكافحة أشكال التمييز ضد النساء.
إن حزب التقدم والاشتراكية وهو يثمن أهمية هذا الإنجاز الدستوري ويسجل المكتسبات المنجزة في حقل المساواة والمناصفة (الاستراتيجيات متعددة القطاعات لمناهضة العنف ضد النساء، تنسيق السياسات العمومية لمناهضة التمييز بسبب النوع، قانون الجنسية، قانون الحماية ضد التحرش الجنسي..)، يشدد على خطورة عدم التكافؤ الحاصل بين الرجال والنساء في مجالات الصحة والتعليم والسياسة والاقتصاد، حيث يصنف المغرب في المراتب الأخيرة للمعدلات العالمية، ويدعو إلى تصحيح هذا الوضعباستعجال، خاصة وأن طبيعة التمييز حسب النوع، تتمتع بجذور نسقية (Systémiques) تريد لنفسها أن تكون بنيوية (Structurelles).
وفي هذا السياق، نؤكد على أن مقاربتنالقضية المساواة والمناصفة ليس فقط من مدخل حقوقي، ولكن كذلك باعتبارها رهانا للعدالة الاجتماعية وعنصرا للتنمية والتقدم، من شأنه أن يؤسس لثقافة عدم التمييز حسب النوع داخل المجتمع والدولة، ويعزز الاستقلال الاقتصادي للمرأة عبر المساواة في الإرث والولوج لسوق العمل ولمناصب القرار، وييسر التوازن بين متطلبات الحياة العائلية والمهنية والجمعوية والسياسية.
مسؤولية المثقفين في النهوض بأدوارهم
لعب المثقفون تاريخيا دورا رياديا داخل حزب التقدم والاشتراكية، كما في منظمات حزبية أخرى، وساهموا بشكل ملحوظ في تقعيد الفكر التقدمي وبلورة المواقف السياسية للحزب، وانخرطوا في الصراع الطبقي وفي الدفاع عن الطبقات الفقيرة والمستضعفة، واضعين علمهم وخبرتهم وابداعهم في خدمة قناعاتهم، وكانت لهم الشجاعة والجرأة الكافيتين للدفاع عن القيم والقضايا والمشروع الذي يؤمنون به، لعلمهم أن الصراع الايديولوجي جزء مهم من الصراع من أجل التغيير والانعتاق.
المثقف الملتزم، الذي يحمل مسؤولية قناعاته، فاعل سياسي قريب من مواطنيه، من اهتماماتهم، من انتظاراتهم، من مطالبهم، يشغل نبوغه للتفكير في القضايا المجتمعية والسياسية وغيرها، وفي البحث عن الحلول، صاحب رأي مجتهد، قادر على الترافع، وعلى المساهمة في النقاش العمومي…
إن العمل السياسي في حاجة دائمة الى تجديد النخب، في حاجة الى هذه الطينة من المثقفين التي تضع الخبرة في خدمة اليوتوبيا، في خدمة تأطير الرفاق والرفيقات، في خدمة الصراع الايديولوجي ضد الفكر الدوغمائي والظلامي، ومن أجل اكتساح مساحات أكبر من الحقوق والحريات، وتوزيع أحسن للخيرات…
إن حزب التقدم والاشتراكية، الذي يدعى بحزب المثقفين، بما راكمه من تجربة ومن تجدر، يشكل واجهة للاستقطاب قادرة على تعبئة هذه الفئة من النخبة. الا أن ضعف التنظيم ونقص استثمار طاقات الحزب لهذه الغاية، مع استثناء بعض المبادرات الناجحة، لم يسعفا في تحقيق الزخم المنتظر. لذلك، يظل الاجتهاد في هذا الباب مطلبا ملحا ودائما.
القسم الثاني
الثقافة الوطنية الديمقراطية
في صلب المشروع التنموي في المغرب
تعبر الثقافة في مفهومها الواسع عن كينونتنا، بتعدد مرجعيتها الهوياتية وتنوع تعبيراتنا الثقافية، وهي التي تعكس صورة المغربفي العالم، باعتباره يمتلك هوية وطنية مركبة، أفرزها بناء وتراكم تاريخي، قادرة على احتواء التطور في اتجاه مشروع الحداثة والتقدم.
ويشكل دستور 2011 أول قانون سام يقف على العلامات التاريخية البارزة لمحتوى الهوية الوطنية، ويدمج أحواضا للتقدم تتيحها جملة من مقتضياته، كسمو الاتفاقيات الدولية على التشريعات الوطنية، والاعتراف بالتعدد اللغوي وتنوع مكونات الهوية الوطنية، وضمان الحقوق الثقافية بطابعهاالكونيبما فيها حرية التعبير والإبداع والحق في الدعم العمومي.
إن التنوع الثقافي بشقيه، التعدد اللغوي وتنوع التعابير الثقافية، يشكل ثروة لا مادية يجب الحفاظ عليها وتثمينها. لأنها تساهم في الغنى الجماعي للهوية الوطنية. وفي التغذية المستمرة للرابط الاجتماعي.
وتمثل الثقافة مسألة عرضانية تستدعي مقاربة قائمة على التفاعل والالتقائية ما بين القطاعات الحكومية (ثقافة واتصال، تعليم، سياحة، صناعة تقليدية، علاقات خارجية…) والجماعات الترابية والقطاع الخصوصي والمجتمع المدني، بغرض تطوير اقتصاد الثقافة وتقوية إشعاع المغرب وخدمة قضاياه عبر العالم.
على المستوى الإيديولوجي: الثقافة منبر للصراعات حول الحداثة والقيم
تعتبر القضايا الثقافية محل نقاش وصراع حول القيم والحداثة لتوسيع ممارسة الحريات، وعلى رأسها حرية المعتقد وحرية التعبير والإشكالات المرتبطة بالمساواة بين الجنسين وبالتعدد اللغوي.
وتبقى الهوية الوطنية كبناء اجتماعي/ تاريخي الإطار الذي تتبلور فيه الصراعات الإيديولوجية لتحديد دائرة وحدود بنيانها ومحتوياتها وطرق انصهار الهويات المحلية والجهوية داخلها.
إن جل الصراعات المجتمعية الدائرة، في الظرفية الأخيرة، حول مسائل مجتمعية هي في جوهرها ذات بعد ثقافي (الإجهاض والصوم والإرث وتعدد الزوجات والمثلية الجنسية وحرية التعبيـر …) وهي صراعات تدور بين قوى التقدم التـي تسعى إلى تعزيز دينامية ثقافة الحقوق والحريات، وبين القوى المحافظة المتشبثة عن قناعة أو لحسابات سياسية بقراءة متحجرة وعقيمة لتراثنا الثقافي وللدين الإسلامي، خاصة بعد حجب مقتضى حرية المعتقد من الدستور.
على المستوى السياسي: الثقافة دعامة استقرار البلاد
تلعب الثقافة دورا محوريا في ضمان الاستقرار، ذلك أن مواجهة المخاطر النابعة من التيارات المتطرفة التي تتغذى من إيديولوجية دينية وتوظف خطابا يستقي استدلالاته من قراءة ومراجع مختلفة، وتدعو الشباب إلى استعمال العنف لفرض ونشر فكر ظلامي، تستدعي جوابا ثقافيا علاوة على الجواب الاقتصادي والأمني.
إن فتح منافذ الشغل وتقليص الفوارق الاجتماعية يخفف إلى حد كبير من التوترات الاجتماعية ويجفف منابع التجنيد لصالح هذا المشروع، على أن التنمية الثقافية بما تتيحه من ولوج إلى الإبداع والفن تقوي لحمة الانتماء الوطني من جهة، وتفتح الإنسان وفكره على عوالم جمالية، وعلى محاسن الحوار والاختلاف. وبالتالي تنتج التنمية الثقافية آثارا حاسمة لتقليص هذه المخاطر بشكل عميق ودائم.
على المستوى الاجتماعي: الثقافة تساهم في دعم التماسك الاجتماعي
تساهم الثقافة في تعزيز التماسك الاجتماعي، ذلك أن تقاسم القيم والشعور بالاعتزاز بالتراث المشترك والتواصل باللغات الأم واللغتين الرسميتين وباللغات الأجنبية والانفتاح على الآخر والاستمتاع بالثقافات وتعبيراتها الفنية يقوي الرابط الاجتماعي ويسهل العيش المشترك بين الأجيال المختلفة. وداخل المدن الكبيرة حيث تتسارع وتيرة التهجين والانصهار الثقافي. ويتعزز التماسك الاجتماعي بدمقرطة الثقافة من خلال إتاحة الولوج إليها عبر التراب الوطني ومعالجة عدم التوازن المجالي في إحداث البنيات الثقافية وفي توزيع الأنشطة.
على المستوى الاقتصادي: الثقافة كمصدر لإنتاج القيمة والشغل
أضحت الثقافة منبعا مهما لإنتاج القيمة ومصدرا لأحداث مناصب الشغل تناهز قيمتها المضافة في الإنتاج الوطني 6% في بعض الدول. وتبرز الصناعات الثقافية والإبداعية كقاطرة لهذا القطاع ضمن منظومة (Ecosystème) متكاملة ومتفاعلة للعناصر الفنية والمالية والتقنية والتكنولوجية والقانونية. كما تغذي المكونات الثقافية إنتاج قطاعي السياحة والصناعة التقليدية.
ويعتبر المغرب من الدول التي تتمتع بمؤهلات ثقافية متفردة من تراث مادي ولا مادي متنوع وغني، يحظى باعتراف دولي واسع، ومواقع طبيعية لافتة وحركية فنية تمنحه امتيازا هائلا في قطاعي السياحة والصناعات الثقافية.
إن حاجة المغرب لملحة إلى مجهود تشاركي عميق ومستمرفي قطاع الثقافة لوضع آليات منظومة متكاملة لتعزيز الصناعات الثقافية والإبداعية.
على المستوى الدبلوماسي: الثقافة كعنصر أساسي لإشعاع البلاد
تلعب الثقافة، من حيث كونها تراثا وفكرا وإبداعا وصناعة، دورين متكاملين. لتقديم صورة عن العمق الحضاري والنبوغ المغربي والمساهمة في خدمة المصالح الوطنية.
الدور الأول يبرز في إطار العلاقات الثقافية التي تهدف إلى التعريف بالتعبيرات الثقافية للتواصل وتعزيز التفاهم بين الشعوب والدول، ولتمتين الروابط مع مغاربة العالم.
أما الدور الثاني يندرج في استثمار الثقافة في العلاقات الخارجية بحماية المنتوج الثقافي المغربي في السوق العالمية عبر التشبث:
بالاستثناء الثقافي في اتفاقيات التبادل الحر،
بالدفاع عن القضية الوطنية بتثمين التنوع الثقافي والتعدد الثقافي على المستوى الدولي،
بخدمة الاقتصاد عبر استقطاب السياح والاستثمار الأجنبـي وتقوية الصادرات الثقافية،
بالمساهمة في الإشعاع الدبلوماسي للمغرب على المستوى القاري والمتوسطي والعربي ورفع مستوى تأثيره من خلال إبراز مكامن تفوق خصوصياته من قبيل تمسكه ونشره لقيم الاعتدال والوسطية والتسامح وتقوية حضوره وريادته في المؤسسات الدولية والإدماج الفعلي والمستمر للثقافة في الاتفاقيات الثنائية.
إن حزب التقدم والاشتراكية وهو السباق إلى الاهتمام بالقضايا الثقافية من خلال أدبياته حول دور العناصر غير الاقتصادية في عملية التنمية وضرورة النهوض بالأمازيغية وتراثها، يعتبر أنه في سياق تفعيل مقتضيات الدستور والأخذ بنموذج اقتصادي جديد يروم تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية وتثمين الرأسمال الرمزي للمملكة، يدعو إلى إبراز الثقافة كأولوية وطنية تقودها توجهات واستراتيجية نابعة من مسلسل تشاركي يهدف ضمان الحقوق الثقافية وتطوير اقتصاد الثقافة وتعزيز الإشعاع المغربي بالخارج، عبر رصد الوسائل والآليات الضرورية، مع إيلاء الجماعات الترابية دورا ديناميا متناميا على المستوى المحلي والجهوي.
إن الإقرار بالأدوار المحورية للثقافة والارتقاء بها إلى مصاف الأولويات الوطنية، يقتضي سن سياسة وطنية للثقافة، واتخاذ مبادرات خلاقة وفاعلة، قادرة على إعطاء وإطلاق نفس دينامي جديد.
الباب الخامس
حزب التقدم والاشتراكية
والمميزات الأساسية للأوضاع الدولية
القسم الأول
أزمة الليبرالية الجديدة المعولمة
الأزمة في بعدها المالي
من الواضح أن الانخراط في العولمة (Mondialisation) لم يعد خيارا، بل ضرورة بالنسبة لجميع البلدان، بالنظر لاستحالة تقوقع أي كان على الذات، تكنولوجيا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا. إلا أن صيغة العولمة الليبرالية (Globalisation)التنميطية التي تحاول فرضها القوى الرأسمالية الكبرى لا تقوم على أسس وقيم التعاون والتضامن والشراكة المتوازنة، بل على منطق البحث، بجميع الطرق، عن الربح الذي لا سقف لحدوده، مما يؤدي إلى إفقاد البلدان السائرة في طريق النمو فرصها وحقوقها في حماية اقتصادياتها ومَالِيَاتِها العمومية، ويحرمها من الهامش اللازم لبناء سياسات عمومية داخلية مستقلة، ولو نسبيا، لاسيما في عدد من بلدان إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا.
وقد أدت “العولمة المتوحشة”، في شقها المتعلق بالتبادل المالي، من بين ما أدت إليه من تناقضات بنيوية، إلى أن صارت البلدانُ الناميةُ أداةً من أدوات الضغط في أيدي الشركات الكبرى بالبلدان الرأسمالية الكبرى في صراعها الطبقي ضد الطبقة العاملة، من خلال سياسة نقل، أو التلويح بنقل، وحدات الإنتاج إلى مناطق وبلدان أقل تكلفةً، أي أقل أجرا وأقل احتراما لحقوق العمال.
يُضاف إلى ذلك، لجوء الحكومات بالبلدان الرأسمالية الكبرى إلى خفض الميزانيات الاجتماعية، والدفع في اتجاه الإغراق والإفراط في الاقتراض، وفرض مرونة الشغل لشرعنة تسريح العمال، مقابل رفع ميزانيات التسلح، كما هو شأن دول الحلف الأطلسي التي تعتزم رفعها إلى 2 بالمائة في أفق 2022 بطلب من الولايات المتحدة المزود الرئيسي لهذه الدول بالأسلحة.
إن هذا الواقع اللامتوازن، وغير العادل، هو ما أدى إلى نشوء مبادرات وردود أفعال مُنَظمة، حتى من داخل منظومة اقتصاد السوق، للحد من التوجه الهيمني لمجموعة السبع، لاسيما من خلال تأسيس تحالف (بريكس) الذي يضم بلدانا تمثل تقريبا نصف ساكنة العالم، وتساهم في الناتج الداخلي الخام العالمي بما يناهز 35 بالمائة، ويتعلق الأمر بالبرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب إفريقيا، كتعبير عن الرغبة في إحلال واقع ينزع نحو التوازن، متعدد القطبية ومنفتح على بلدان أخرى.
الأزمة في بعدها الاقتصادي والاجتماعي
كان لأزمة الرأسمالية، التي انطلقت من الولايات المتحدة الأمريكية سنة 2008، انعكاساتٌ سلبيةٌ على مختلف أوجه وأشكال النشاط الاقتصادي والتنموي عبر العالم، وظلت عمليات التبادل الدولي تحت هيمنة شبه كلية للقوى والتكتلات الاقتصادية الكبرى، مُسَخِّرة في ذلك أدواتها المُعتادة المتمثلة بالخصوص في صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والمنظمة العالمية للتجارة، وكذا شركاتها متعددة الجنسيات، وذلك على حساب الدول النامية التي، في ظل هذا الواقع، تواجه صعوبات كبيرة في صون سيادتها الحقيقية، وفي إيجاد موقع اقتصادي لها على قدم المساواة في الفرص، وبالأحرى في الإمكانيات، مما يُفضي إلى اضمحلال الصناعات المحلية والفلاحة البسيطة، مقابل ارتفاع الهجرة والبطالة وتفاقم جميع مظاهر الفقر والهشاشة.
وتعبر الاختلالات الاقتصادية الهيكلية التي يتخبط فيها النظام الرأسمالي عن عجز الأخير على تقديم الأجوبة السليمة بخصوص سؤال التوفيق بين النمو الاقتصادي والتقدم الرقمي والتكنولوجي من جهة، وبين العدالة والرفاه الاجتماعيين من جهة ثانية، لتظل الحركات والتعبيرات والتصورات الحاملة للقيم اليسارية البديلة مُجَسِّدة لطموح وآمال الشعوب في حياة أكثر عدلا وكرامة، لاسيما في ضوء ملاحظة أن الدول الرأسمالية الكبرى تلجأ إلى اعتماد مقاربات “يسارية” صرفة في معالجة اختلالات نظامها الاقتصادي، من خلال تقوية دور الدولة وتوسيع مجال تدخلها وتقنينها للاقتصاد، والاعتماد على الاستثمار العمومي للنهوض به، وغيرها من التدابير التي تعيد البرهان على حيوية المرجعية الاشتراكية ( وليس التجارب التطبيقية السابقة).
الأزمة في بعدها الإيكولوجي
إن البُعد الإيكولوجي في أزمة الليبرالية الجديدة لا يقل خطورة ولا أهمية عن باقي الأبعاد، فالنموذج الاقتصادي العالمي صار مُؤسسا، أكثر فأكثر، على الارتفاع المهول للتصنيع، وعلى منطق الإنتاجوية، وما يقتضيه من إجهاز على الثروات الطبيعية وعلى التوازنات البيئية، وعلى حقوق الأجيال اللاحقة في مناخ آمن.
فمستقبل البشرية بات مهددا، بشكل جِدي، بفعل التغيرات المناخية الناتجة عن هذا النموذج الذي لا يستحضر سوى هدف الربح السريع والأقصى، والذي أدى إلى ظاهرة الاحتباس الحراري جراء انبعاث الغازات الدفيئة بسبب الإفراط في استعمال الطاقات الأحفورية.
هكذا، يمكن لارتفاع حرارة الأرض أن يصل في أفق سنة 2100 إلى ثلاث (03°) درجات، مما سيؤدي، علميا وحتميا، إلى ارتفاع وتيرة وحدة الظواهر الطبيعية القصوى، من فيضانات وحرائق وبراكين وجفاف، ومد بحري…، وهو الأمر الذي قد يُفضي إلى اختفاء مناطق نهائيا من العالم، وسيدفع بملايين الناس إلى الهجرة المناخية.
ولذلك، أكدت قمة المناخ 21 على ضرورة التعاون الدولي الجاد والمسؤول والمُلتَزِم من أجل حصر حرارة الأرض في أقل من درجتين مائويتين.
وإذا كانت مختلف الحركات اليسارية عبر العالم، في طليعة حاملي المشروع السياسي الإيكولوجي، كأداة لتحويل أنماط الإنتاج والاستهلاك في اتجاه الحفاظ على الثروات الطبيعية وسلامة البيئة واعتماد اقتصاد مُعقلن، فإن تمادي بلدان رأسمالية في التغاضي عن المخاطر الحقيقية المُحدقة بالعالم، واستمرارها في نهج نفس أنماط الإنتاج والاستهلاك، وإصرار بعضها على التملص من التزاماتها ومسؤولياتها الثابتة، سينتج عنه لا محالة، ما تخشاه وتتوقعه العلوم المختصة، وهو انهيار النظام البيئي العالمي وتعريض مستقبل الحياة على الأرض، بالتالي، إلى تهديد في منتهى الجدية والخطورة.
إن هذا المستقبل رهينٌ، في جزء كبير منه، بمدى نجاح الحركات السياسية اليسارية والإيكولوجية والقوة المدنية الحاملة للتوجهات البديلة، في إحلال القيم الاشتراكية، وفي مقدمتها التوزيع العادل للثروات، موازاة مع إقرار المبادئ الإيكولوجية الساعية إلى الحفاظ على البيئة والتنوع البيولوجي، وذلك تعبيرٌ عن الخط الجديد الذي بات يُعرف بالاشتراكية الإيكولوجية.
القسم الثاني
التجليات السياسية للأزمة
عدم الاستقرار
تشهد كثير من مناطق ودول العالم انعداما للاستقرار، أو استقرارا هشا، لأسباب مختلفة تتعلق، في الغالب، بغياب الديمقراطية، أو بتعثر التنمية داخليا، أو بالصراع العنيف حول السلطة، أو كذلك لأسباب تتصل بنزاعات بين الدول حول الحدود أو توسيع النفوذ، أو كذلك حول الثروات الطبيعية وغيرها.
لكن ما يزيد في تعميق عدم الاستقرار، وأحيانا في خلق أسبابه، هو العجز الجزئي أو الكلي لهيئة الأمم المتحدة على استصدار، وبالأحرى فرض، قرارات كفيلة بالحد من النزاعات والظلم والاعتداء والتهديد، وبإقرار العدل الدولي، رغم أن أهداف ووسائل هذه الهيئة الأممية واضحة من خلال ميثاقها الذي باتت مُراجعتُه أمرا مُلِحا وضروريا، لجعله أكثر عدلا وإنصافا ومساواة.
ويرجع هذا الواقع، بالخصوص، إلى محاولة الإدارة الأمريكية المستمرة لتحييد الأدوار الإيجابية لهيئة الأمم المتحدة، والتجميد العملي للكثير من نشاطها ومبادراتها، من خلال نهج سلوك أحادي يروم الاستقواء وفرض السيطرة ومحاولة إخضاع الدول غير الموالية، كما هو الشأن بالنسبة لكوريا الشمالية وفينزويلا وكوبا وإيران …
إن الإمعان في هذه السياسة هو ما يشكل خطرا حقيقيا على السلم العالمي ويساهم في توسيع بؤر التوتر، وفي تفاقم هشاشة الأمن الدولي، ويغذي أيضا ردود الفعل المتطرفة ويُنَمّي الشعور بالعداء تجاه الولايات المتحدة الأمريكية وكل القوى الدولية التي تسايرها في توجهاتها تلك، لاسيما منها توجهات الإدارة الحالية المتسمة بالدفع في اتجاه الرفع من مستويات التسلح وعودة النفوذ العسكري- الصناعي.
كما أن اختيار الحكومات الاشتراكية الديمقراطية الاصطفاف ضمن المعسكر الليبرالي، والانخراط الكلي في تحالف الناتو، لم يُفْضِ فقط إلى سحب الشعوب ثقتها انتخابيا من هذه الحكومات، بأوروبا خصوصا، بل إنه اختيار يؤدي أيضا إلى صعود متفاوت لأحزاب اليمين المتطرف، والشعبوية، لكنه يفسح بالمقابل مجالا واسعا، لإمكانيات صعود قوى مختلفة لليسار، بما فيها الحركات الاشتراكية الإيكولوجية.
الصراعات المسلحة
تُعود أسباب الأوضاع الدولية الحالية، في جزء كثير منها، إلى التقلبات الناتجة عن واقع الأحادية القطبية، وإلى التطورات اللاحقة الناجمة عن انهيار ما عُرف في القرن الماضي بالمعسكر الشرقي، بقيادة الاتحاد السوفياتي سابقا، وكذا إلى محاولة الليبرالية الإمبريالية فرض واقع يبرر اختلاقها لأطروحة وهمية يمينية تُنبئ بصدام الحضارات.
ويتسم الوضع الدولي، راهنا، بنشوب، أو استمرار أو احتمال، نزاعات مسلحة دولية في كثير من مناطق العالم، من قَبيل الحرب فوق الأراضي الأفغانية، والحرب في، وعلى، العراق وسوريا واليمن وليبيا، والحرب العدوانية المستمرة لإسرائيل على الشعب الفلسطيني ضدا على حقوقه الوطنية المشروعة.
الإرهاب
تشكل ظاهرة الإرهاب إحدى أبرز السمات السلبية للوضع الدولي، وتُجسد واحدا من أهم محددات السياسات الوطنية والدولية.
وإذا كان الرفض القاطع والإدانة التلقائية الشديدة من طرف حزب التقدم والاشتراكية للإرهاب مسألة بديهية، فإن الحاجة مُلحة إلى الاتفاق الدولي حول تعريف موحد وموضوعي للإرهاب، حتى لا يتحول إلى مبرر لتغطية سياسات وتوجهات منغلقة أو عدائية لبعض الدول، وحتى يتم الفصل الواضح بين الظاهرة وبين حق الشعوب في مقاومة الاحتلال.
كما يتعين أن تتوجه المقاربات المتصلة بمعالجة الإرهاب إلى عمق وشمولية الظاهرة وتعدد أبعادها وتنوع أسبابها، حيث أن تجفيف منابع الإرهاب، يمر بالضرورة من خلال الاقتناع الراسخ والفعلي أولا بأنه لا لون ولا دين ولا جنسية له، وكذا من خلال استحضار كافة أبعاده وأسبابه وتجلياته الفكرية والعقائدية والاقتصادية والثقافية والتربوية والاجتماعية والأمنية والحقوقية والسياسية.
هذا مع الإقرار بالحق الكامل والمشروع لجميع الدول في حماية أراضيها ومواطنيها، بالأساليب التي تراها مناسبة، مع ما ينطوي عليه ذلك من ضرورة وأفضلية الحماية الوقائية، لاسيما عبر إحلال منطق الحق والإنصاف على مستوى العلاقات الدولية كما على الأصعدة الداخلية، كمدخل لمعالجة الاختلالات المؤدية إلى التطرف الأعمى الناتجِ بَعْضُه عن الشعور الفردي أو الجماعي بالظلم واللاعدل.
والمغرب، ليس استثناء في ذلك، إذ أنه يواجه بدوره خطر الإرهاب تحت غطاء ديني. ولئن تراجعت حدته في السنوات الأخيرة بفضل الموقف الحازم والصارم للدولة، وبسبب رفض المجتمع المغربي للسلوك الإرهابي، فإن الأخير مازال قائما، بحكم عولمة وتعقد الظاهرة الإرهابية، باعتبارها جوابا منحرفا لبعض الأفراد والجماعات على إشكاليات الواقع المُرَكب، مما يقتضي مزيدا من اليقظة المجتمعية المتواصلة ومزيدا من التعاون الدولي لمحاصرة الإرهاب بجميع أشكاله ومستوياته.
القسم الثالث
أي مكانة وأي ديبلوماسية للمغرب؟
التموقع المغربي الجديد في القارة الإفريقية
إن الاستراتيجية، التي يقودها الملك محمد السادس، القائمة على تعزيز حضور المغرب إفريقيا على جميع المستويات، وتتويج ذلك بالعودة المؤسسية إلى الاتحاد الإفريقي، والحرص على بلورة تعاون وشراكات مثمرة تراعي مصالح الجميع، تُعد عناصر قوة إيجابية من شأنها تعزير مكانة بلادنا على الصعيد الدولي عموما، فضلا عن ما يُتِيحه ذلك من إمكانيات جديدة في ما يتصل بقضية وحدتنا الترابية، لاسيما من خلال نسج علاقات الصداقة وتطوير جدي للديبلوماسية الاقتصادية، مع بلدان وتكتلات إفريقية، ومن بينها دولٌ لَطالما كانت مناوئة لمصالح بلادنا.
إن استرجاع الدور السياسي والاقتصادي والإشعاع الثقافي والديني المشهود بها للمغرب تاريخيا في الفضاء الإفريقي، يقتضي مواصلة تنشيط التعاون متعدد الأوجه مع الأشقاء الأفارقة، على مختلف الأصعدة الرسمية والموازية.
وحزب التقدم والاشتراكية، بما راكمه من رصيد في مجال الدبلوماسية الموازية، يتعين عليه إعطاء نَفَس جديد للتبادل والتنسيق مع المكونات السياسية والنقابية والمدنية الإفريقية، خدمة للمصالح الوطنية العليا، وفي مقدمتها قضية وحدتنا الترابية.
كما يثمن الحزب عاليا السياسة الرسمية لبلادنا إزاء ملف المهاجرين الأفارقة بالمغرب وينوه بالإجراءات الهادفة إلى إدماجهم في المجتمع وحماية حقوقهم على كافة المستويات.
الدفاع عن قضايا الوطن، وتعريف بمواقف الحزب بخصوص القضايا العادلة
بالنظر إلى البعد الأممي للحزب منذ نشأته، فهو يواصل عزمه على تقوية علاقاته بالأحزاب الصديقة عبر العالم.
وبقدر ما يرتبط حضوره الدولي، مبدئيا، بهويته اليسارية، فإنه بالأساس، خاضعٌ لمقاربة تجعل من هذا الحضور وسيلة لحمل انشغالات وأولويات الوطن والدفاع عن قضاياه الكبرى ومصالحه العليا، وفي مقدمتها قضية وحدتنا الترابية، وكذا إبراز رصيده الإيجابي في شتى المجالات،
كما أن نشاط الواجهة الدبلوماسية للحزب، باعتباره فصيلا حيا وأصيلا ضمن الحركة الاشتراكية العالمية، سيتواصل نحو مناصرة قضايا السلم والتضامن بين الشعوب، وفي نفس الوقت نحو العمل على تقوية الحضور والتمثيلية في مختلف الهيئات الدولية وكل فضاءات التبادل والحوار والمنتديات التقدمية الدولية، للتعريف بقضايا المجتمع المغربي والدفاع عن مصالحه العليا أولا، ثم التعريف بمواقف الحزب وتموقعاته وصواب وتميز اختياراته وتوجهاته فيما يتعلق بالحياة الوطنية الداخلية.
إن حزب التقدم والاشتراكية، وهو يُدافع عن مِحْورية الديبلوماسية الحزبية خاصة، والموازية عموما، فإنه بذلك يعتبر الأخيرةَ سنَدا أساسيا للديبلوماسية الرسمية، مما يقتضي تكامل الاثنتين والتقائيتهما في الاضطلاع الفعال بالالتزامات الطبيعية لبلادنا تجاه الأوضاع الدولية، بما يصون المصالح العليا للوطن، ويعزز السلم العالمي.
فبالنظر لأهمية التكتلات الاقتصادية الجهوية، يتعين على المغرب تعزيز حضوره ضمن الفضاءات الاقتصادية القارية والإقليمية والدولية، مع الحرص الشديد على تأمين الشروط الضرورية لكي يكون التواجُدُ ذا تأثير إيجابي على المصالح الاستراتيجية لبلادنا، حيث يجب أن تَنْطبقَ هذه المقاربةُ على سعي بلادنا نحو الانضمام إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “سيداو”، كما على غيرها من المجموعات والتكتلات.
وبالنظر إلى الأهمية الاقتصادية والجيوسياسية البالغة للشراكة المغربية الأوروبية، يظل المغرب مُطالبا بالتعاطي اليقظ والدينامي، في هذا الشأن، حفاظا على مصالحه الوطنية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
ويكتسي العُمق المغاربي بالنسبة لبلدنا أهمية خاصة، حيث من الحيوي مُوَاصَلَةُ السعي نحو تهييئ الشروط الكفيلة ببناء تكتل سياسي واقتصادي يستجيب لتطلعات الشعوب المغاربية المشروعة في تحقيق حلم المغرب الكبير القوي والقادر على إرساء أسس التنمية المستدامة والتقدم الاجتماعي، وعلى رفع الرهانات الحالية،خاصة في مجالات مكافحة الإرهاب، الهجرة، التهريب، الاتجار بالأسلحة والمخدرات والبشر، وغيرها…، وذلك على الرغم من تعنت دولة الجزائر ومعاكستها لوحدتنا الترابية واستمرارها في إغلاق الحدود البرية، ناهيك عن التفاوت البَيِّن في مستويات الدمقرطة والاستقرار.
ويقتضي تحقيق التكامل الاقتصادي والسياسي والثقافي على مستوى المنطقة العربية ضرورةَ مراجعةِ ميثاقِ الجامعة العربية، مع إصلاح وتطوير هياكلها، من أجل أن تتمكن هذه المُنَظمة من أن تكون جزءً من الحلول، وأن تُسْهِمَ فعليا في معالجة الأوضاع المتدهورة في العديد من البلدان العربية التي تتعرض لأبشع مظاهر تمزيق نسيجها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والحضاري والثقافي. وفي هذا السياق، يتعين تثمين وتطوير العلاقات المتعاظمة بين المغرب ودول مجلس التعاون الخليجي بما يخدم المصالح المشتركة والتضامن العربي.
وفي هذا الإطار، يجدد الحزب مساندته لحق كل من سوريا ولبنان في استرجاع أراضيهما المحتلة من قِبَلِ إسرائيل، كما يؤكد تضامنه مع شعوب العراق وليبيا وسوريا واليمن، في التطلع نحو إنهاء التواجد أو العدوان العسكري الأجنبي على بلدانهم التي تحولت أجزاءٌ منها إلى ساحات حرب متواصلة وإلى موطن مُفَضّل للإرهاب المَقيت.
ويعتبر حزب التقدم والاشتراكية أن آمال هذه الشعوب في غذ أفضل وفي صيانة وحدة تراب الأوطان وتماسك النسيج المجتمعي والحفاظ على السيادة الوطنية. لن يتحقق إلا بتغليب القوى الوطنية المختلفة بهذه الدول مَنطقَ الحوار والتوافق ونبذ اللجوء إلى “الدعم” الأجنبي المشروط، وإلا باستحضار وتبني الأفق الديمقراطي الذي بإمكانه أن يضمن فرص الإصلاح في ظل الاستقرار والسيادة الوطنية، وأن يُؤَمِّنَ لجميع المكونات والأطراف الداخلية حقوقها وحظوظها في المساهمة لإعادة البناء الوطني على أسس متينة.
كما يجدد حزب التقدم والاشتراكية التأكيد على تضامنه المطلق ومساندته الكاملة لنضالات الشعب الفلسطيني البطل، ولحقوقه المشروعة في بناء دولة فلسطينية مستقلة وموحدة، وعاصمتها القدس، ولكفاحه من أجل التصدي لسياسة الاستيطان والعدوان الإسرائيلي ومحاولات تهويد القدس، ويدعو الحزب إلى إعطاء نَفَس جديد للحوار والمصالحة بين المكونات الفلسطينية، بما يقوي الجبهة الداخلية للفلسطينية.
ويعرب الحزب عن تثمينه واعتزازه بكل المبادرات التضامنية التي تتخذها القوى الوطنية المغربية الحية، نصرة لقضية الشعب الفلسطيني الشقيق.
استحضار مغاربة العالم كجزء لا يتجزأ من الأمة المغربية والدفاع المستمر عن حقوقهم في بلاد المهجر
مغاربة العالم جزء أساسي ومُكون من مكونات الشعب المغربي، لهم حقوق المواطنة التامة، والجالية المغربية إحدى أهم الجاليات في عدد من بلدان الاستقبال، خاصة الأوروبية، ومصدر هام للعملة الصعبة لبلادنا، وقبل ذلك ثروةُ كفاءات يمكن توظيفها في تعزيز إشعاع بلدنا خارجيا، وفي الدفاع عن قضاياه الوطنية ومصالحه العليا.
وإذا كانت ظاهرة الهجرة السرية قد تراجعت نسبيا، فإنه يُسَجل تزايدُ هجرة الكفاءات، مما يطرح على الدولة مسؤوليات مُضاعفة في تطوير أدوات وأساليب مصاحبة جميع فئات أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج، بمن فيهم أولئك الذين يعيشون أوضاعا صعبة، وحماية كافة مصالحهم، وتمكينهم جميعا من ممارسة حقوقهم المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، والتفاعل الناجع مع متطلباتهم الإدارية والاجتماعية وحاجياتهم الثقافية، وتوفير الشروط الملائمة لإشراك الطاقات التي تزخر بها هذه الجالية في تنمية الاقتصاد الوطني.