عين جلالة الملك الفريق الجديد للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، وبذلك ولجت «الهاكا» مرحلة جديدة بتركيبة متجددة، ما يعيد للواجهة أسئلة وانتظارات جرى التعبير عنها خلال السنوات الأخيرة. وبغض النظر عن جدل حزبوي برز عقب الإعلان عن أسماء الحكماء الجدد، وأعاد طرح موضوع معايير التعيين في الهيئة، فمع ذلك لا يمكن إلا تسجيل كون التغيير جاء شاملا لكل الأعضاء، ماعدا طبعا الرئيس، فضلا عن توفر معظم الأعضاء على اهتمامات وانشغالات فكرية ومهنية على صلة بالمجال وبأسئلته، ما يجعلنا نتمنى لهم التوفيق، وننتظر تقييم أعمالهم من خلال الممارسة.
اليوم، نسارع إلى القول إن التجربة المغربية، إن على مستوى تحرير الإعلام السمعي البصري، أو على مستوى تقنينه، راكمت مسارا لا بأس به، لكنه أبان عن عديد نواقص واختلالات، ما يتطلب اليوم الانكباب باستعجال وبجدية على تقييم التجربة برمتها، بما في ذلك أسلوب عمل الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري وصلاحياتها.
الجميع اليوم يقر بأن التحرير كان خطوة شجاعة وتستجيب لتحديات العصر الذي نحياه، ولكن في الوقت ذاته، فإن الممارسة شابها العديد من تجليات الارتباك وغياب الشجاعة (الترخيص لقنوات تلفزيونية خصوصية مثلا)، كما أن تجربة الإذاعات الخصوصية، وإن كانت تعاني من الاختلال والتجاوز والعشوائية والهشاشة المهنية والاستثمارية، فإن التجربة مع ذلك كرست توسيعا واضحا لفضاءات التعبير والانفتاح، ولم تخل من تجارب ناجحة.
وإن الإعلام السمعي البصري، وخصوصا العمومي، يجب أن يكون قاطرة لتطوير المجتمع وتحديثه ولإنماء الوعي والمواطنة، ولهذا يطرح الكثيرون اليوم مشكل المضامين وجودة المنتوج، وأيضا مدى توفر «الخدمة العمومية» التي يفترض أن القطب العمومي مسؤول عن توفيرها.
سؤال المضامين والجودة إذن مطروح اليوم بحدة، علاوة على دور الإعلام السمعي البصري في مجالات تعزيز الديمقراطية وتكريس التعددية، ولا يمكن الاستمرار في التذرع بضعف التمويل وبضغط المعلنين من أجل تبرير فقرنا الواضح والفاضح في المضامين.
كما أن إشكالات الحكامة في مؤسسات الإعلام السمعي البصري العمومي باتت موضوع كثير من التقارير والاحتجاجات، زيادة على واقع علاقة هذه المؤسسات مع شركات الإنتاج، وحاجة ذلك إلى شفافية أكبر ونزاهة أكثر بما يضمن تكافؤ الفرص وجودة المنتوج وأيضا تطبيق القوانين.
هذه كلها قضايا يطرحها اليوم المجتمع، خصوصا في السياق السياسي الوطني والإقليمي الساخن الذي نحياه، وهي تمثل محاور مخطط استعجالي لا بد لـ «الهاكا» أن تنكب عليه، لتجعل دورها فاعلا ومحفزا على التغيير والتطوير في المضامين وفي إحداث الأثر، وليس الاكتفاء بمنغلقات تقنينية وتقنوية رغم أهميتها، فهي لا تمثل السؤال الوحيد للمرحلة.