ولأحزابنا مسؤولية

جاءت الأحداث التي شهدتها بعض مدن المملكة عقب احتجاجات «20 فبراير»، وما تخللها من أعمال شغب وتخريب ونهب، لتفتح أعيننا جميعا على أن «ثقافة» أخرى ومسلكيات مختلفة قد تكون في طور التبلور وسط شبيبتنا، وتهدد بتحولها لتكون الشكل المطلوب للاحتجاج في المستقبل. هذا الافتراض الذي يتقاسمه اليوم كثير متابعين لمشهدنا الاحتجاجي ولما يفرزه محيطنا المغاربي والعربي، وتنقله القنوات الفضائية، يفرض أيضا على أحزابنا قراءة المتغير، واستخراج الخلاصات الضرورية.
لم يعد كافيا اليوم المطالبة بانخراط الأحزاب في مسلسلات تأطير المواطنين، وخصوصا الشباب، فهذا بدهي، ولكن المطروح اليوم هو إيجاد الأشكال والآليات المناسبة للجواب على تحولات المطالب والسلوكات والأجيال.
لقد أبرزت الأحداث الأخيرة مثلا دور وسائل الاتصال الحديثة والمواقع الإلكترونية في التأطير، وطفت على السطح لغة سياسية مباشرة في بلورة المطالب وفي التعبير عنها، وعلى أحزابنا الجدية أن تقبل على هذه المستجدات لتستثمرها، ولتؤسس عبرها لتواصل فاعل مع أجيال اليوم، وبدون ذلك نخشى أن نجد أنفسنا مستقبلا أمام منطقين متباعدين ولا يلتقيان أبدا.
وفضلا عما سلف، فإن التطورات التي أفرزتها أحداث الأسبوع الماضي، والتي لا زالت تداعياتها متواصلة، تحمل الأحزاب الديمقراطية اليوم مسؤولية الانتقال بالبلاد إلى مرحلة جديدة في مسارها السياسي والديمقراطي، وذلك عبر خطوات كبرى وجوهرية.
اليوم، أكثر من أي وقت مضى، يتأكد أن «الكتلة الديمقراطية» مثلا مدعوة للتحرر من كل الترددات وتجليات السبات، والإعلان عن مبادرة سياسية معبئة شعبيا، وحاضنة لمطالب الإصلاح، وتعيد للناس الثقة في السياسة وفي العمل السياسي وفي المستقبل.
اليوم، أكثر من أي وقت مضى، مطلوب من كل تنظيمات اليسار الخروج من عقم الماضي، ومن وهم التمجيد الذاتي، والانكباب على قراءة الواقع والمستقبل بجدية وواقعية وذكاء، وبالتالي الإقدام على خطوات أكثر جرأة تقود نحو تحالف يساري ديمقراطي حقيقي.
اليوم، أكثر من أي وقت مضى، مطلوب من كل القوى الوطنية الصادقة والجدية وذات الهوية الواضحة أن تلتقي فيما بينها على قاعدة أرضية وطنية دقيقة ترفع شعار «جيل جديد من الإصلاحات السياسية والدستورية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية»، وتبني تعاقدات أساسية قادرة على التفاعل مع نبض شعبنا، وعلى احتواء كل الأصوات المطالبة بالتغيير وبمحاربة الفساد.
للأحزاب الجدية اليوم مسؤولية تاريخية تجاه شعبنا، وعلى رأسها الكتلة الديمقراطية، وعليها أن تتحرر من السبات والتيه، وتستعيد المبادرة، لأن البلاد في أمس الحاجة إلى قوة سياسية وطنية ذات رؤية، وذات قرار مستقل، وذات مصداقية وشرعية.

[email protected]

Top