مسمار الكيف
في أبهى حلة، وأنصع صورة تتراءى براءة صغيري، ودون توقف، وبلا كلل أقبله، منتشيا برائحة قطرات الحليب المتسايل على شفتيه، ثملا برائحته الجذابة، سائحا في تقاسيم ملامحه، التي لا أقوى على مقاومة سحرها الأخاذ.
ما أجمل أن تنضم إلى طفل لم يحسن الخطو بعد، لتتعلم منه، ولتأخذ عنه، ولتنهل من براءته المقدسة والتي تحللت من كل أطياف الخبث الآدمي.
يحذق في خلقتي، وكأنه يحاول تذكر هذه القامة المديدة التي اقتحمت خلوته على حين غرة.
كم هو جميل شعور الأبوة، وكم هو كبير نعيم الحياة المؤثثة بصراخ الصبيان الأشبه بسمفونية يتردد صداها في صحراء قاحلة، تكسر الصمت المطبق، وعدوانية القفار القاتلة، وتزرع الأمل في غد أفضل.
برسل أعيده إلى سريره، وكلي أمل أن لا تكون مغادرتي له مدعاة لاستئناف صخبه الجميل وضجيجه الأنيق.
بشبه كلمات تمردت على قوانين النحو، وبمتون لم تبلغ رشدها بعد، كان يخاطبني مغمغما بلغة لا تفقهها إلا الملائكة الواقفة بجنبات عرش البراءة الذي اعتلاه دون رصاص ولا نار، هكذا ودعني صغيري، الذي تخبره جيناته أنني والده، وأنني ذاك الذي يكد لأجل راحته.
محاولة خلع حذائي لا يمكن أن تمر بسلام، ودون ألم، لا لشيء إلا لأنني ابتليت بمسامير وجدتها في غفلة مني مغروسة في حواف أصابعي مسببة صداعا لا يعرفه إلا من ذاق مرارة ما يصطلح عليه في التداول الشعبي “مسمار الكيف”.
غريب أمر هذه التسمية التي تجمع المسمار بالكيف في توليفة عجيبة يستعصي فك طلاسمها.
كقارئة فنجان، بصرت ونجمت كثيرا، محاولا ما مرة فك لغز هذا الاصطلاح مستحضرا مبدأ الكم والكيف كواحد من ثالوث المنطق الديالكتيكي، لأسقطه على هذا الداء، لكن لا سبيل لهذا الإقحام المردود.
وأنا أبحر في أصل هذه التسمية الشاذة تحضرني فكرة استهلاك مخدر الكيف وعلاقتها بهذا المسمار اللعين، دون جدوى خاب مسعاي.
تبوء كل محاولات تأصيلي بالفشل، لأقر في نهاية المطاف بأن المسامير مهما اختلفت مجالات حضورها تخلق الحدث.
فمن مسمار جحا، إلى المسامير التي تدق في النعوش، وصولا إلى مسمار الكيف، يبقى هذا الذي يعرقل سيري سيدا حيث حضر.
بقلم: هشام زهدالي