انطلقت مؤخرا بمدينة الإسكندرية المصرية، فعاليات مؤتمر عربي حول “صناعة التطرف.. قراءة في تدابير المواجهة الفكرية”، تنظمه (مكتبة الاسكندرية) بمشاركة خبراء في مجالات التطرف والإرهاب وعلم الاجتماع والعلوم السياسية والإسلامية من 18 بلدا عربيا من بينها المغرب.
وبحث هذا المؤتمر الفكري الذي استمر حتى أمس الثلاثاء، سبل مواجهة ظاهرة الإرهاب والتطرف التي أصبحت مستفحلة في الوطن العربي والإسلامي.
وبحسب خالد عزب، رئيس قطاع المشاريع والخدمات المركزية بمكتبة الإسكندرية، فإن هذا الملتقى يندرج في إطار استراتيجية للمكتبة تروم عقد شراكات مع مؤسسات مماثلة في عدد من الدول لمكافحة ظاهرة التطرف.
وقال إنه تم في إطار هذه الاستراتيجية عقد مؤتمر نظم بتعاون بين مكتبة الإسكندرية والرابطة المحمدية للعلماء في المغرب خلال الشهر الماضي بالرباط، كما أن مؤتمرا آخر سيعقد بمملكة البحرين بالتعاون مع مركز عيسى الثقافي في ماي المقبل.
وفي هذا الإطار، أكد أسامة نبيل، رئيس المرصد الإسلامي، ممثلا عن شيخ الأزهر، في كلمة خلال افتتاح المؤتمر على جهود مشيخة الأزهر في نشر وسطية الإسلام، وخدمة المسلمين وغير المسلمين من خلال إشاعة ثقافة الإسلام والتأكيد على قيم المواطنة والتعايش السلمي ورفض التمييز والعنف.
وقال إن الأزهر وإمامه “قد اتخذا موقفا واضحا لمكافحة كافة التيارات الفكرية المخالفة ورفض وإدانة كل أشكال الإرهاب، كما وضع ملامح خطته لمكافحة الإرهاب منذ أواخر عام 2014 في أول مؤتمر عالمي لمواجهة الإرهاب”.
ومن جهته، قال إسماعيل سراج الدين، مدير مكتبة الإسكندرية، “لقد بات علينا نحن المثقفون العرب أن نحمل لواء الدفاع عن الدين الحنيف، فلم يكن المسلمون في محنة طيلة تاريخهم مثلما هم عليه الآن، وهي معركة كل العرب، مسلمين ومسيحيين، للدفاع عن أوطاننا ضد التطرف والإرهاب”.
وأكد أن التطرف بوصفه غلوا في الدين أو الفكر أو المذهب، ومجاوزة الاعتدال في الأمر، رفضه المسلمون الأوائل، و”علماؤهم منذ قرون يرون في القول المخالف للشرع والفعل المخالف للشرع تطرفا، لأنه يعبر عن فهم للنصوص الشرعية بعيد جدا عن مقصود الشرع وروح الإسلام”.
وقال إنه “إذا كان للتطرف في المنطقة العربية منابع من سوء الفهم، ومغالاة وجهل بالدين الحنيف وأصول الفقه الإسلامي، فإن هناك أسبابا عدة تضاف إلى جواره منها تراجع منسوب الحريات العامة وتفشي الشمولية وانخفاض جودة التعليم والجهل والفقر والتهميش والتدخل الخارجي في شؤون الأقطارالعربية”.
وفي كلمة بالمناسبة، قال الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء بالمغرب أحمد العبادي، إن التطرف أصبح صناعة لها هندستها وروافدها وأنسقتها وثمارها البغيضة، مشيرا إلى أن هذه الأنساق تتحرك من عدة روافد، النصي منها والعسكري، والاقتصادي والسياسوي، والدعائي والتواصلي الذي يستهدف الوصول للناس وخاصة الشباب.
واستعرض الأعمدة التي تقوم عليها صناعة التطرف، وأبرز أن تحليل خطابات (داعش) يبين الأفكار التي يعتنقنها المتطرفون، مشددا على أن المعركة الأساسية التي ينبغي التركيز عليها في محاربة أفكار التطرف هي معركة “النص”، حيث يجب تنسيق الجهود لوضع النص في سياقاته الصحيحة لمنع التأويل الذي لا يضع اعتبار للمآل، مؤكدا كذلك على أهمية تحرير المصطلحات والمفاهيم حتى لا تستخدم من قبل أي جهة لأغراض معينة، وأيضا الاعتماد على القياس، والحكم على الأمور بثمارها ونتائجها.
واعتبر أن القياس يكون من خلال مدخل المقاصد الكبرى، وهي حفظ الحياة عن طريق قياس مؤشرات مدى تحقيق الحياة الكريمة، وحفظ الدين من خلال العلماء الوسطيين، وحفظ العقل، مبرزا أهمية العمل على تفكيك خطاب التطرف وتنظيم وترتيب الأمور التي تأتي في هذا الخطاب، وهو ما قامت به الرابطة المحمدية للعلماء وظهرت فيه بعض النقاط، ومنها قضية المؤامرة على الأمة، وقضية الاستعمار، وإسرائيل، والمعايير المزدوجة، ونهب الثروات، والإهانة في وسائل الإعلام، وتزوير التاريخ والجغرافيا.
ومن جهتها، قاربت أم العز الفارسي، الأكاديمية والسياسية الليبية، موضوع التطرف والإرهاب في ضوء “قراءة موضوعية” لما حدث في ليبيا ،وقالت إنه ” في الوقت الذي قمنا فيه بالثورات كانوا هم يؤسسون المعسكرات ويشهرون أسلحتهم في وجوهنا”.
وأبرزت أن التيار المدني العربي لم يكن مزودا باللازم لإدارة معركة يكون فيها بديلا عن التطرف في أذهانهم، وأن هؤلاء المتطرفين هم أبناء الوطن العربي ولم يأتوا من الخارج، مما يستوجب فهم أسباب ما آلت إليه الأمور، مؤكدة أنه “إذا لم يكن لدينا خطاب متوازن قادر على طرح الأسئلة الواقعية الحقيقية سيكون مصيرنا أن نحترق بأيدي أبنائنا”.
ومن جانبه، أكد نبيل يعقوب الحمر، مستشار الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل مملكة البحرين لشؤون الإعلام، أن عنوان المؤتمر الذي يسعى لبلورة مواقف واستراتيجيات لمواجهة التطرف والإرهاب، “يعكس حجم التحديات التي تواجه منطقة تموج بالصراعات والحروب الفوضى والإرهاب”.
وأبرز الدور الكبير الذي لعبه الإعلام ، ليس فقط في إبراز الاتجاهات الدينية والسياسية والاقتصادية بل في صنع هذه الاتجاهات، مضيفا أن الإعلام هو منبر تنويري يصل صوته لملايين البشر، ولذلك يجب أن يكون محورا رئيسيا في المواجهة الفكرية للتطرف لما له من تأثير.
وأشار يعقوب الحمر إلى أن المؤسسة الإعلامية لها دور كبير في رسم ملامح المجتمعات، وقدرة هائلة للوصول بشكل أسرع وأكثر جاذبية، وقال إن “هناك من استغل هذا التأثير بشكل إيجابي وهناك من استغله بشكل سلبي للتأثير على اتجاهات الأجيال الجديدة وتخريب المجتمع”.
صناعة التطرف وتدابير المواجهة الفكرية
الوسوم