2017 سنة الغضب الشعبي والحراك الحقوقي

شهدت السنة التي نودعها حراكا حقوقيا غير مسبوق، وضع الحياة الاجتماعية والسياسية ببلادنا على صفيح ساخن، ووصل الحد ببعض “المتلصصين” على المشهد إلى التنبؤ بتهديد هذا الحراك لمقولة “الاستثناء المغربي”.
فقد استقبل المغاربة سنة 2017 على إيقاع احتجاجات الريف وما تلاها من تطورات خطيرة، ماتزال تبعاتها مستمرة لحد الآن باستمرار المحاكمات بحق المعتقلين، مع ما سجل على هذه الاعتقالات والمحاكمات من انتهاكات. لكن الحراك الحسيمي كان له الأثر الإيجابي أيضا في لفت الأنظار إلى الأوضاع الاجتماعية المتردية التي تعيشها المنطقة، وتحرك السلطات المعنية لاحقا من أجل تصحيح ما يمكن تصحيحه منها.
وإلى جانب ملف حراك الريف، شهدت سنة 2017 مجموعة من الأحداث المأساوية التي حركت نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي ومعها احتجاجات الساكنة، من بينها أحداث مدينة الصويرة و”شهيدات القفة” التي أثارت سخطا وغضبا عارمين في صفوف جميع المغاربة، وكذا وفاة حمالات البضائع المهربة بباب سبتة، فضلا عن احتجاجات الماء بمنطقة زاكورة وما تلاها من اعتقالات.. وتصر سنة 2017 على ألا تودعنا أيضا إلا على إيقاع الألم والغضب الشعبيين بسبب ما وقع في مناجم جرادة التي شهدت خلال الأيام الأخيرة احتجاجات عارمة على وفاة منجميين في ظروف مأساوية، توجت يوم أمس الجمعة بتنظيم إضراب عام.
وإذا كان عدد من المتتبعين يعتبرون أن سنة 2017 بصمت على انفجار الوضع الاجتماعي وتنامي المطالب الشعبية من أجل الحق في العيش الكريم، وسجلت بالتالي مجموعة من الانتهاكات الحقوقية أثناء محاولة احتواء السلطة للأوضاع خلال موجات الاحتجاج في مناطق التوتر، فإن السنة التي نودعها لم تخل أيضا من بعض المؤشرات الإيجابية، بعضها جاء نتيجة للحراك الشعبي فيما شكل جزء أخر استمرارا للمجهود الذي يبذله المغرب منذ سنوات باتجاه بناء دولة الحق والقانون.
ويعتبر بوبكر لاركو، رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، في اتصال هاتفي أجرته معه بيان اليوم يوم أمس، أن من الأمور الإيجابية التي تؤكد على دينامية المجتمع المدني والحقوقي بالمغرب والتفاعل الإيجابي بين المطالب الشعبية والعمل الحكومي، تبني الحكومة مؤخرا لخطة العمل في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان التي تتجاوب في جوانب متعددة مع مطامح ومطالب الحركة الحقوقية- رغم بعض النقاط التي ماتزال موضع نقاش- وهو ما يعد، حسب لاركو، خطوة إيجابية أخرى باتجاه إرساء مجتمع العدالة وحقوق الإنسان. وعلى مستوى آخر، ذكر المتحدث بأن سنة 2017 شهدت ما ينيف عن 17 ألف حركة احتجاجية من بين مسيرات ووقفات وإضرابات، وهو ما يعبر بدوره، كما يقول عن دينامية المجتمع المغربي، مشيرا أن أغلب هذه الاحتجاجات مرت بسلام بما فيها احتجاجات الريف والتي دام طابعها السلمي لمدة 6 أشهر ولولا الأحداث التي أدت إلى مواجهات واعتقالات وإصابات سواء في صفوف المواطنين والسلطة، لأمكن اعتبارها مؤشرا إيجابيا على تطور مهم في تقوية مكتسبات الاحتجاج السلمي ببلادنا كان يمكن أن يمر بنا إلى مرحلة جديدة هي مرحلة التمتع بالحريات.
ويضيف لاركو أن سنة 2017 عرفت بالمقابل استمرار تردي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وذلك ضمن الإطار العام للخصاص الكبير الذي تعرفه هذه الحقوق خاصة في ظل الظرفية الحالية التي لا تقتصر على المغرب وحده بل تهم العالم بأسره وتتطلب من الحكومة والدولة بذل مجهود كبير ومستمر لمحاولة الحد من هول خصاص تكرس منذ أزيد من 50 سنة، وكذا محاولة التوفيق بين مقاربتين اثنين في مجال تكريس الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، أولاهما تشدد على ضرورة مراكمة الثروة قبل توزيعها بما يضمن الاستقرار، وثانيهما تؤكد على عدم إمكانية الاستقرار بدون إقرار الحقوق. والمؤكد، كما يقول المتحدث، هو أن ضمان تنمية وتطور المجتمع يجب أن يتم على هذه الركائز الثلاث، الاستقرار والاستثمار والتوزيع العادل للثروات.
واعتبر لاركو أن المناضل الحقوقي يجب أن يكون مسلحا بالأمل والتفاؤل في استشرافه للمستقبل لأن “شعبا بلا أمل هو شعب محكوم عليه بالموت”، خاصة، يضيف لاركو أن مستقبلنا مليء أيضا بالتحديات في كل المجالات من تعليم وصحة وتشغيل للشباب وغيرها، مؤكدا على ضرورة مراجعة أهداف ومخططات التنمية البشرية بما يتلاءم مع احتياجات الفئات الهشة وتعزيز دور الجماعات الترابية في هذا الصدد. كما عبر عن أمله باستمرار تعزيز المكتسبات الحقوقية والديمقراطية خاصة من خلال المحافظة على سلمية الاحتجاجات وتفادي استعمال السلطات للقوة من أجل قمع تحركات المواطنين الطالبين بتوفير أسباب العيش الكريم.
من جهته، اعتبر أحمد الهايج، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أن الأحداث التي عرفتها سنة 2017، أظهرت بشكل بارز الصبغة الحقوقية والاجتماعية للمطالب الشعبية، حيث تعتبر الحقوق الاجتماعية والاقتصادية هي الأكثر انتهاكا وتدهورا ببلادنا، وعلى رأسها الحق في العمل والصحة والتعليم والسكن، مما اضطر المواطنين إلى اللجوء إلى أسلوب الاحتجاج لتلبية تلك المطالب. ورغم إقرار الدولة بمشروعية هذه الأخيرة إلا أنها واجهت احتجاجات الساكنة في مرات متعددة بإعمال المقاربة الأمنية، مما أدى، يقول الهايج، إلى عدد من الانتهاكات وصلت إلى حد المس بحق الحياة خلال قمع احتجاجات الحسيمة، مرورا بالمس بحق الخصوصية من خلال استخدام أساليب التنصت واقتحام المنازل، وكذا انتهاك حق الحماية من التعذيب خلال الاعتقالات في صفوف المحتجين، كما جاء في تقارير حقوقية، ولاحقا انتهاك حق المحاكمة العادلة للمعتقلين. وأشار المتحدث أيضا إلى ما سجلته السنة التي نودعها من انتهاكات في مجال حماية حق حرية التعبير والصحافة.
وعبر الهايج بدوره عن أمله في أن تكون سنة 2018 قادمة بما هو أفضل على المستوى الحقوق والاجتماعي ببلادنا، من خلال، كما يقول، وفاء المغرب بالتزاماته الوطنية التي جاء بها دستور 2011 وكذا التزاماته الدولية في احترام مواثيق حقوق الإنسان. وأشار أن هناك عددا من المؤشرات الإيجابية التي تبعث على التفاؤل بالتكريس المؤسساتي والتشريعي للمكتسبات في المجال الحقوقي، ومن بينها إعادة تنظيم وهيكلة المجلس الوطني لحقوق الإنسان واستحداث آلية الوقاية من التعذيب وسوء المعاملة، وتحديث القانون المنظم لمؤسسة الوسيط.
يشار أنه من المقرر أن يكون الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان، الذي يضم مجموعة مهمة من الهيئات الحقوقية ببلادنا، قد نظم يوم أمس، أمام مبنى البرلمان، وقفة تضامنية مع كافة الاحتجاجات المطلبية في الريف وزاكورة وجرادة وباقي مناطق المغرب. وأعلن الائتلاف، في بلاغ توصلت بيان اليوم بنسخة منه، أن الوقفة هي بمثابة تعبير عن استنكار الهيئات الحقوقية للاعتداءات المتكررة الذي تتعرض لها ساكنة عدد من مناطق المغرب، بسبب ممارستها لحقها في التجمع والتظاهر السلمي، من أجل مطالبة المسؤولين بالوفاء بالتزاماتهم في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، والمدنية والسياسية.

> سميرة الشناوي

Related posts

Top