نظمت جامعة القاضي عياض بكلية الآداب والعلوم الانسانية بمراكش (شعبة الجغرافيا)، ندوة علمية بمناسبة انعقاد الدورة الثانية من المؤتمر الوطني للجغرافيين الشباب، التي احتضنتها، حول موضوع : ” التراب: الفاعلون، التجديدات ورهانات التنمية «Territoire: acteurs، innovation، et enjeux de développement»
وتمت الندوة العلمية بمدينة مراكش يومي 22 و23 أبريل 2016. وقد ساهمت فيها عدة فعاليات جامعية وجمعية وفاعلين محليين بمداخلات تصب في صميم الموضوع، تهم عدة محاور.
وتعميما للفائدة، ننشر مداخلة الباحث موسى كرزازي، أستاذ التعليم العالي وعضو “مجموعة البحث حول الأرياف” جامعة محمد الخامس بكلية الآداب الرباط، حول موضوع “شروط تنمية الجماعة الترابية بالوسط القروي المغربي (دور المنتخب والفاعل الجمعوي في تفاعل مع السلطات المحلية)”.
ملخص
من خلال الاطلاع على بعض التجارب المرتبطة بتنمية البادية المغربية والوسط الريفي بصفة عامة، ودينامية وسرعة تطور الجماعات الترابية، يمكن استخراج بعض العوامل الحاسمة، إما في التنمية القروية أو في الإبقاء على المجالات الريفية على أوضاعها المتأخرة اقتصاديا واجتماعيا.
لا شك أن التنمية المحلية (وأساسها التنمية البشرية والمستدامة) تنطلق من قاعدة الدوار في إطار الجماعة الترابية بالإقليم والجهة. ولن تقوم قائمة لتنمية حقيقية بالجماعة الترابية إلا في إطار تحقيق شروط ذاتية وموضوعية، يتبنى ويحتضن مشاريعها فاعلون محليون مباشرون وغير مباشرين. فهم الذين يسهرون على تنفيذ أوراشها، وفي مقدمتهم المنتخبين، في تنسيق محكم وتناغم مع السلطات المحلية والمسؤولين الإداريين والمشرفين على المصالح الخارجية لمختلف الوزارات (الصحة والتعليم والسكن والشغل….)، وكذا الفاعلين المحليين بالمعنى الواسع، ونعني بهم: السياسيين الذين منحهم دستور 2011 دورا أساسيا في تأطير المواطنين، وكذا النقابيين الذين يسعون لتحسين ظروف عمل وسكن ومعيشة الأجراء والطبقة العاملة، والجمعويين التنمويين الفاعلين في الميدان بالدواوير والجماعات الترابية، أولئك الواعين بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم لتعبئة المجتمع في عدة قضايا مرتبطة بعدة إشكاليات مجتمعية ومجالية.
هذه العناصر الأساسية المؤطرة والفاعلة في مسلسل التنمية القروية في تفاعل مع الأقطاب الحضرية، لا يمكنها بلوغ أهداف التنمية المحلية بدون حكامة جدية، وتخطيط محكم يراعي الحاجيات الحالية والمتوقعة؛ وهوما يعني تشجيع ومواكبة الديناميات الاقتصادية، وفي مقدمتها المقاولات الصغرى والمتوسطة والمشاريع التنموية وخاصة ما يطلق عليه الاقتصاد الاجتماعي والتضامني (تعاونيات.).
وتتوفر الجماعات الترابية بالعالم القروي على أفق تنموي بارز يتمثل في تنفيذ آلاف المشاريع المبرمجة والموجهة لأزيد من ثمانية ملايين قروي يعيشون الهشاشة والفقر، خصها خطاب ملكي بالأهمية التي تستحقها، ووجب توفير آليات التتبع والتقييم والتقويم لأي مخطط أو تدخل لتنمية جماعة، يحكمها تطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
انطلاقا من معايشتنا لبعض التجارب والاطلاع على أخرى، سنحاول في هذه المداخلة التركيز على العوامل الكابحة للتنمية في الجماعة القروية وسبل تجاوزها، عبر توفير شروط أساسية مرتبطة بالحكامة وبوعي النخبة المشكلة للفاعلين المحليين، في إطار الجماعة الترابية داخل الجهة الموسعة والمتقدمة التي دخلت حير التنفيذ منذ منتصف 2015، والتي ستصبح واقعا ملموسا مع تطور وعي الساكنة وتوفر الإرادة السياسية وتعبئة الموارد الطبيعية والبشرية.
تمهيد
من خلال استثمار بعض الأبحاث الميدانية التي أنجزناها حول الأرياف، والاطلاع على بعض التجارب المرتبطة بتنمية البادية المغربية أو الوسط الريفي المغربي عموما (وأساسا الغرب، تريفة، الأطلس الكبير، المغرب الشرقي.. )، والأبحاث التي أجرينا فيها خلال أربعة عقود (1977-2017)، ودينامية وسرعة تطور الجماعات الترابية بها، يمكن استخراج بعض العوامل الحاسمة في التنمية القروية عند توفر الشروط والمقومات الأساسية، وفي مقدمتها الإرادة السياسية ووعي النخبة. ذلك أنه في حال غياب الشروط المذكورة، تظل تلك المجالات الريفية على أوضاعها المتأخرة اقتصاديا واجتماعيا.
لا شك أن التنمية المحلية (وأساسها التنمية البشرية والمستدامة في الجماعة الترابية) تنطلق من قاعدة تهيئة أو إعادة هيكلة الدوار كخلية أولى في إطار الجماعة الترابية بالإقليم والجهة. وحسب تجارب الأمم، فلن تقوم قائمة لتنمية حقيقية إلا في إطار تحقيق شروط ذاتية وموضوعية، مرتبطة بتبنى واحتضان مشاريع التنمية من قبل فاعلين محليين مباشرين وغير مباشرين. فهم الذين يتبنون المشروع التنموي بعد الاقتناع بجدواه وأهميته، ويسهرون على تنفيذ أوراشه وتتبع أشغاله إلى حين تحقيقه على الأرض.
ولا بد من التذكير بأن أوضاع البوادي المغربية بصفة خاصة، والأوساط الريفية بصفة عامة، متخلفة عن نظيرتها بالمدن بصفة خاصة، والأوساط الحضرية بصفة عامة. فظاهرة الفقر والهشاشة أضحت قروية بامتياز (79.4% و64% على التوالي)، كما ورد في البحث الوطني حول الاستهلاك ونفقات الأسر الصادر مؤخرا عن المندوبية السامية للتخطيط (2016). ولذا تدعو الضرورة تطويرها وتنميتها لردم الهوة بين الوسطين القروي والحضري.
ويمكن الانطلاق من السؤال المحوري التالي: “إلى أي حد يمكن وضع استراتيجية تنموية لتراب الجماعة الترابية (جماعة قروية أو جهة)، من خلال الأدوار المحورية الذي يضطلع به الفاعلون المحليون، وأساسا المنتخبون بمجالس الجماعة الترابية، في علاقتهم الجدلية مع السلطات المحلية والمجتمع المدني، في مسلسل التنمية الترابية، لرفع تحدي التنمية، في سياق دستور جديد (يوليوز2011)، وجهوية متقدمة (أبريل 2015)، وسعي نحو سياسة لا تمركز ولامركزية، وتطبيق لمقاربة ترابية وديمقراطية تشاركية، محورها الإنسان؟”
فانطلاقا من خلاصات بعض الأبحاث العلمية التي هي من إنجازنا أو من أنجاز باحثين مهتمين بالعالم الريفي في العقود الأخيرة (1980-2017)، وكذا من معايشتنا لبعض التجارب والاطلاع على أخرى بالبادية وباقي الأوساط الريفية في علاقتها بالأقطاب التنموية بالحواضر، سنحاول في هذه المقال التركيز على استخراج أهم العوامل الكابحة للتنمية في الجماعة القروية، وسبل تجاوزها عبر توفير شروط أساسية مرتبطة بالحكامة، وبوعي النخبة المشكلة للفاعلين المحليين، في إطار الجماعة الترابية بالقرى والمدن، بارتباط وتفاعل متبادل مع الجهة الموسعة والمتقدمة التي دخلت حيز التنفيذ منذ منتصف 2015، والتي ستصبح واقعا ملموسا مع تطور وعي الساكنة وتوفر الإرادة السياسية وتعبئة الموارد الطبيعية والبشرية.
على هذا الأساس سنقسم موضوع مقالنا إلى ثلاثة محاور:
أولا: العوائق المادية والمؤسساتية والسياسية بالأرياف المغربية؛
ثانيا: الجماعة الترابية المحلية والجهوية كإطار مؤسساتي للتنمية المحلية؛
ثالثا: سبل تجاوز الاختلالات الجهوية في إطار حكامة جيدة.
أولا: العوائق المادية والمؤسساتية والسياسية بالأرياف المغربية
تعاني الأرياف المغربية بصفة عامة، والجماعات القروية النائية “المهشمة” بصفة خاصة، فيما يطلق عليه مجازا “المغرب العميق”، من عدة مشاكل، وأساسا في الجبال المتضرسة الصعبة الولوج والاستغلال، والواحات، والمناطق الجافة. بل قد ينطبق الأمر حتى على بعض الدواوير والقرى بالسهول والسواحل القريبة جغرافيا من الحواضر الكبرى، كمنطقة “اسهول” على أبوب الرباط العاصمة الجهوية والإدارية للبلاد، على سبيل المثال. ويمكن التأكيد على ضعف البنيات التحتية التي تساهم بطريق مباشر أو غير مباشر في العزلة القروية، في غياب طرق معبدة، وقناطر وجسور تربط هذه المجالات بأقطاب التنمية؛ وفي غياب شبه تام لتجهيزات أساسية تقدم الخدمات الضرورية الاجتماعية من تعليم في المدارس وخاصة على مستوى الإعداديات والثانويات التأهيلية ودور الطالب والطالبة، وكذا المراكز الصحية، التي، حتى في حالة تشييدها وتجهيزها، تظل مفتقرة غالبا إلى الموارد البشرية للاشتغال بها، من أطباء وممرضين في حالات متعددة، كمستوصف دوار “أرمد” في دائرة آسني بالأطلس الكبير الغربي، بأحواز مراكش، وهي حالة تنطبق على جهات أخرى؛ فهو المركز الصحي الذي بني وجهز، وظل يعاني من غياب الموارد البشرية.
كما يسجل غياب لدور الشباب والملاعب الرياضية والمراكز الثقافية في المجال القروي. وحتى في حال وجود بعض المراكز الموجهة للمرأة القروية للاشتغال فيها كأندية نسويه أو تعاونيات نسويه لنسج الزرابي وفتل الكسكس، تظل ضعيفة المردودية؛ نظرا لأزمة التسويق، في غياب التعريف بالمنتوج بالداخل والخارج، كما هو حال تعاونية الزرابي النسوية بقرية “زاوية إفران” بالأطلس المتوسط، القريبة من مدينة آزرو. ولذا يعيش قسم كبير من سكان البوادي، وخاصة الشباب منهم والفتاة والمرأة القروية، وضعية الهشاشة والفقر في شبه غياب أوراش للتشغيل، وضعف في الموارد الطبيعية والبشرية والمالية، وأحيانا ضعف استغلال حتى تلك الموارد المتوفرة فيها، لغياب أطر كفؤة قادرة على بلورة مشاريع للتنمية.
ولترجمة التشخيص العام للعالم القروي في أرقام، والتعرف على أهم القضايا المطروحة به، يمكن الاعتماد على إحصائيات رسمية لسنة 2015، منبثقة من دراسة ميدانية شخصت أوضاع الأرياف المغربية، أنجزتها وزارة الداخلية بطلب من عاهل البلاد، الملك محمد السادس. فمن خلال هذه المعطيات، يتبين مدى الخصاص المهول في البنيات التحتية والتجهيزات الأساسية وضعف خدمات القرب، رغم التحسن الذي حصل في الفترة (1996-2016) هم التزود بالماء الشروب (تغطية بنسبة 95%) والكهربة القروية (بتغطية 98%)، والطرق والمسالك التي فكت العزلة عن قسم كبير من الأرياف (تغطية بنسبة 80%).
ونقدم انطلاقا مما ورد في بعض الخطب الملكية الأخيرة من نقد لاذع للإدارة المغربية وجمودها وبيروقراطيتها التي تكرس التخلف (أكتوبر 2016)، وتقديم معطيات صادمة للرأي العام حول أوضاع العالم القروي، والتي لم يكن يتصورها بهذه الفداحة، حتى المختصون في دراسة الأرياف والمسؤولون والمنتخبون، نظرا لضعف الإحصائيات الخاصة بهذه الأوساط وندرتها. فالدراسة التي أنجزتها وزارة الداخلية شملت 29 ألف دوار تنتمي ل 1272 جماعة بربوع المغرب. وبينت من خلال الأرقام مدى الاختلالات المهولة بالعالم القروي؛ منها تحديد 24 ألف دوار يعاني من الخصاص الاجتماعي والاقتصادي والثقافي …يقطنها أزيد من ثمانية ملايين نسمة. كما أن برنامج التغطية الصحية الموجه للفئات المعوزة والهشة (راميد) يمس تسع ملايين مواطنة ومواطن. وهي أرقام رسمية لا تحتاج إلى تعليق.
كما أن الأوضاع المزرية التي يعيش فيها سكان الأرياف وهشاشة هذه الأوساط، مترجمة في نتائج البحث الوطني حول الاستهلاك ونفقات الأسر (المندوبية السامية للتخطيط، 2016). فقد أبرز هذا البحث وبوضوح، بأن أوضاع البوادي المغربية بصفة خاصة، والأوساط الريفية بصفة عامة، متخلفة عن نظيرتها بالمدن وبالأوساط الحضرية. كما بين بأن ظاهرة الفقر والهشاشة أضحت قروية بامتياز (تغطي 79.4% و64% على التوالي). . وهذا يعني بأن البادية المغربية هي خزان للفقر الذي يمس ثلاثة أرباع سكانها، وكذا الهشاشة التي تمس64 % من سكانها.
ورغم التحسن الذي حصل في العقد الأخير في مستوى معيشة الساكنة القروية والتقلص النسبي للفارق الذي يفصلها عن نظيرتها في المدينة، فإن الأوضاع لا تزال غير مرضية، والفوارق المجالية كبيرة. فهناك مجموعة أولى للجهات، يفوق مستوى نفقات الاستهلاك السنوي للفرد بها، المعدل الوطني، كجهات الأقاليم الصحراوية: “الداخلة وادي الذهب” (28627 درهم) ، وجهات “الدار البيضاء- سطات” (19006 درهما)، و”الرباط -سلا –القنيطرة” (بأزيد من 17700 درهم)؛ بينما تنتمي المجموعة الثانية إلى جهات تعيش الفقر والهشاشة، وهي جهات يقل فيها مستوى نفقات الاستهلاك السنوية للفرد عن المستوى الوطني، كجهات “درعة تافلالت” (11923 درهم) وبني ملال خنيفرة (11745 درهم)، وهي مجالات تعيش ساكنها في وضعية هشاشة (المندوبية السامية للتخطيط ، 2016) (راجع خريطة امتداد الجهات 12 بالمغرب ).
هذه الأوضاع تفرض اختيارين؛ الاختيار الأول: الإبقاء على التخلف الاقتصادي والتنموي للعالم القروي بما لا يخدم التنمية المحلية، في غياب إرادة سياسية ووعي للنخبة المحلية، وهو ما ينبئ بحدوث كوارث اجتماعية كلما تعرضت هذه الأوساط للجفاف أو الفيضانات والجراد أو أزمات اقتصادية؛
الاختيار الثاني: مواجهة الوضع المزري والهش للعالم القروي، بما يلزم من عمل جاد، في إطار استراتيجية ورؤية واضحة لتنميتها. وهذا الاختيار، يقتضي توفر الإرادة السياسية، ووعي الفاعلين المحليين بأهمية المشروع المجتمعي لإخراج هذا المجال من التخلف والهشاشة. ويتم ذلك عبر حسن استغلال الإمكانيات المتوفرة الطبيعية والبشرية الغير مستغلة، وفتح أوراش لتشغيل الشباب وتشجيعهم هم أنفسهم على خلق مقاولات صغرى ومتوسطة (التشغيل الذاتي)، على أساس مصاحبتهم ومواكبة وتمويل مشاريعهم، وخلق أنشطة مدرة للدخل للمرأة القروية، خاصة الأرملة والمطلقة، في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، والقضاء بصفة نهائية على آفة الأمية. ولا شك أن صندوق التنمية القروية الذي خصص له مبلغ 50 مليار درهم، خلال ثلاث سنوات، ابتداء من 2016، سيشكل دعامة أساسية للفئات الهشة من العالم القروي إذا أحسن استغلاله في إطار الشفافية والحكامة، لكونه موجه بالأساس لسكان الأرياف الذين يعيشون الفقر والهشاشة. كما يمكن لصغار الفلاحين الاستفادة من الدعم المخصص لهم في الدعامة الثانية من مخطط المغرب الأخضر.
على أساس سياسة دعم الدولة المترجمة في إنفاق ملايير الدارهم المخصصة لتنمية الأرياف والمبادرات التنموية لمختلف البرامج التي تسعى لفك العزلة عن هذا العالم، يمكن بلورة سياسة مجالية إرادية تنبنى على مبادئ التشاور مع السكان المعنيين وإشراكهم في مسلسل التنمية، في إطار ديموقراطي وحكامة جيدة، وتنسيق بين كل القطاعات الاقتصادية والمصالح الخارجية للوزارات، فيما يطلق عليه “إلتقائية التدخلات” بالجماعات الترابية، سواء كانت قروية وحضرية أو جهة متقدمة. كل ذلك من شأنه الحفاظ على الموارد الطبيعية وتسخيرها لخدمة الإنسان، في إطار بلورة مشاريع تنمية تهم هذه المجالات الهشة، وربطها بالحواضر الكبرى التي تشكل أقطابا للتنمية.
(دور المنتخب والفاعل الجمعوي في تفاعل مع السلطات المحلية) …
لكن يلاحظ في عدة حالات، سلوكات ومواقف سلبية للمواطن وأساسا الشباب وعزوفه عن المشاركة في المسلسل الديموقراطي، وخاصة التعبير عن رأيه والإداء بصوته في الانتخابات المحلية والتشريعية، مما يؤدي في غيابه عن الساحة إلى إضعاف الديموقراطية المحلية والمشاركاتية التي تصبح حبرا على ورق، غير مفعلة. وقد تهدد استقرار البلاد، لكون المواطن غير مهتم بالشأن المحلي وغير مكترث بما يخطط له. ومن هنا تبدو أهمية الفاعل الجمعوي في المجتمع المدني لتأطير وتوعية مثل هذه الفئات العمرية، وتشجيعها على الانخراط في البناء الديموقراطي لتنمية محيطها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وقد تكون هذه الوضعية السلبية هي نتيجة تعثر المسلسل الديمقراطي ببلادنا خلال المحطات التي اجتازتها البلاد وغياب الشفافية في العمليات الانتخابية على الصعيد المحلي والتشريعي (الانتخابات المحلية والتشريعية منذ 1976 إلى دستور يوليوز 2011) نظرا لتزوير إرادة الناخبين وصعود قوى المال والجاه بدعم من بعض مراكز السلطة محليا وجهويا ووطنيا. ولذلك صعب استرجاع الثقة بين المواطن والفاعل السياسي وجهاز الدولة الساهر على العمليات الانتخابية، رغم التطور الإيجابي الذي عرفته البلاد كمنحى في اتجاه التخلص من ثقل الماضي في المجال الديموقراطي. ورغم ذلك، فقد حدث تطور نوعي إيجابي مؤخرا في التمارين الديموقراطية بعد إقرار دستور 2011. فباعتراف المراقبين الدوليين والمحليين، تم التأكيد على أن الانتخابات الجماعية (شتنبر 2015) والتشريعية (لسابع أكتوبر 2016)، مرت عموما بشكل عادي، وإلى حد ما، في جو من الشفافية والنزاهة، رغم الخروقات التي سجلت هنا وهناك، لبعض أعوان السلطة تحيزا لأحد الأحزاب، واستعمال المال لبعض الأعيان لشراء أصوات الناخبين. ولكن تعثر تشكيل الحكومة بعد أربعة أشهر من تعيين رئيسها واستمرارها، ينذر بعواقب وخيمة إذا تم التراجع عن التعبير الشعبي في انتخابات 7 أكتوبر 2016. وهو ما قد يؤدي إلى عزوف أكثر عن المشاركة في التصويت في الاستحقاقات المقبلة.
فإلى أي حد يستطيع الفاعل المحلي، وأساسا المنتخب الجماعي، مواجهة الوضع المتأزم بين المواطن والفاعل السياسي المنتخب والسلطة المحلية، للتفاعل معه، لإرجاع الثقة إليه، عبر مشاركته في التعبير عن رأيه، واختيار من يمثله في تدبير الشأن المحلي وفي اتخاذ القرار، وفي وضع المشاريع التنموية بجماعته الترابية؟
ولا بد من التذكير في هذا الصدد بأن حوالي 20 مليون مواطن ومواطنة من مجموع 27 مليون في سن التصويت لم يشاركوا في العملية الانتخابية لسابع أكتوبر 2016، إما لأنهم غير مسجلين أصلا في اللوائح الانتخابية، أو لمقاطعتهم العملية الانتخابية في صمت أو جهر، بوعي أو بغير وعي. وهو رقم يسائل كل القوي الحية في البلاد من أحزاب سياسية ومجتمع مدني ومنتخبين وسلطات محلية وعمومية، للجواب عن التساؤل الجوهري، لتجاوز هذا الوضع الغير صحي.
لكن على مستوى آخر، فإن المشكل المطروح في عدد من الجماعات الترابية وخاصة في العالم القروي، يتمثل في ضعف الموارد البشرية فيما يخص الكفاءات، وضعف المستوى التعليمي والخبرة والمهارة للمنتخبين الجماعيين وحتى بعض رؤساء الجماعات، مما لا يساعدهم على تسيير وتدبير الشأن العام بجماعاتهم الترابية بالنجاعة والفعالية والحكامة المطلوبة. وهو عطب يصعب علاجه في الوقت الحاضر. فبعض المنتخبين الجماعيين لم يستوعبوا حتى اختصاصات الجماعة والمفاهيم القانونية ومفاتيح التنمية، مما يشكل أحد العوائق الموضوعية في تطوير الشأن المحلي.
وقد يكون أحد التبريرات لهذا الوضع المتردي، هو أن العالم القروي ظل لعدة عقود خزانا للأصوت، يتم استعمالها أو استمالتها من لدن السلطات المحلية والجهاز التنفيذي والأعيان المتفاعلين معها، في منأى عما يجري في المدن، لتغليب الكفة لصالح من ترغب الدولة فيه، لتسيير شؤون الجماعات الترابية، وحتى المؤسسة البرلمانية، ومجلس المستشارين. وعلى سبيل المثال، ربما هذا ما أفرز في الانتخابات التشريعية لمجلس النواب (7 أكتوبر 2016)، في الحزب الذي دعمه بعض أعوان السلطة المحلية، أفرز غلبة فوز الأعيان بثلثي المقاعد. واتضح بأن خمسهم انتقل من أحزاب أخرى كان يترشح باسمها سابقا، إلى هذا الحزب. وقد أضر هذا السلوك بالديمقراطية المحلية، وهو ما يفسر البون الشاسع بين المدن والقرى فيما يخص التنمية والتجهيزات العمومية وخدمات القرب. وهو ما يفسر أيضا الهجرات الريفية والنزوح القروي نحو المدن والضواحي خلال العقود الماضية بعد استقلال البلاد، نظرا لاستمرارية أوضاع الهشاشة والفقر الناتجين عن سوء التدبير وغياب الديمقراطية والنخبة الواعية التي تسير الجماعة الترابية في شفافية وحكامة جيدة.
فكلما كان حضور عملي للمنتخب المحلي وتم الإنصات للمواطنين في جماعته وكان واعيا بالمسؤولية الملقاة على عاتقه، إلا وساهم في حل مشاكل المواطنين وشجع المستثمرين على الاستثمار في جماعته. والعكس صحيح عندما يلاحظ غياب عدد من المنتخبين عن منتخبيهم، حيث يتم تجديد الاتصال بهم فقط خلال الحملات الانتخابية، وهو ما يؤثر سلبا على العمل الجماعي وعلى المشاركة السياسية في الشأن المحلي، مما يضعف مستوى التنمية بالجماعة الترابية. كما أن بعض المنتخبين يسيئون للعمل الجماعي عندما يفضلون قضاء مصالحهم الشخصية عبر قنوات الجماعة بالداخل والخارج، عوض خدمة من انتخبوهم.
ثانيا: الجماعة الترابية المحلية والجهوية كإطار مؤسساتي للتنمية المحلية
يمكن الانطلاق من تساؤل محوري: هل يمكن اعتبار الجماعة الترابية (جماعة كانت أو جهة) إطارا للتنمية المحلية؟
الإجابة عن هذا التساؤل ستتم انطلاقا من فحص بعض بنود الدستور الجديد (يوليوز 2016) الذي خص الجماعة الترابية، وأساسا الجهة المتقدمة، بالعناية الكاملة لتكون مختبرا للتنمية، وأيضا عبر الاطلاع والتمعن في ترسانة القوانين التنظيمية والظهائر التي تبين الاختصاصات الموسعة للجماعات الترابية، والأدوار المحورية للفاعلين المحليين، وخاصة المنتخبين في تفاعلهم مع السلطات المحلية والمجتمع المدني، والتي تنص على أهمية التنمية المستدامة والتعاون التضامن ومشاركة النوع والحكامة. لكن المفارقة الكبيرة تكمن في الفارق بين بنود الدستور والقوانين المتقدمة، وبين رصد الوسائل واللوجستيك والموارد البشرية للتطبيق، وكذا فرز واختيار النخبة الواعية التي ستسهر على التدبير والتسيير والتنمية في الجماعات الترابية. وهذا هو جوهر المشكل في تخلف تنمية بعض الجماعات الترابية، وخاصة في الأرياف.
لقد وسع ظهير 2002 (المعدل سنة 2009) اختصاصات الجماعات المحلية التي أصبح يطلق عليها جماعات ترابية، حيث أصبحت الفاعل الأساسي والمحور المركزي في تنمية التراب. ومن هنا تستمد الجماعات الترابية أهميتها لكونها تشرف على كل ما يجري في الجماعة من أنشطة، وتساهم في البناء الاقتصادي والاجتماعي والثقافي بالجماعة. بحيث يكون مجلسها المنتخب على بينة من كل تغيير قد يحدث في تراب الجماعة.
2.1 الجماعة على المستوى القانوني والتشريعي والمؤسساتي وما توفره من إمكانيات
تعريف الجماعة الترابية: لا بد من تفحص بنود الدستور الجديد (2011) والقوانين التنظيمية وما توفره على المستوى القانوني من إمكانيات تسهل المهام على مختلف الفاعلين المحليين للنهوض بأوضاع سكان الجماعات الترابية. وننطلق بداية من المادة 2 من القانون التنظيمي للجماعات الترابية التي تعرف الجماعة بأنها “تشكل أحد مستويات التنظيم الترابي للمملكة، وهي جماعة ترابية خاضعة للقانون العام، تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الإداري والمالي”.
كما تعتبر الجهة هي الأخرى “جماعة ترابية خاضعة للقانون العام تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الإداري والمالي، وتشكل أحد مستويات التنظيم الترابي للمملكة، باعتباره تنظيما لا مركزيا يقوم على الجهة المتقدمة” . لكنها تتبوأ وفق أحكام الفصل 143 من الدستور مكانة الصدارة بالنسبة للجماعات الترابية الأخرى فيما يخص عمليات إعداد برامج التنمية الجهوية والتصاميم الجهوية لإعداد التراب وتنفيذها وتتبعها… وينطبق عليها ما يخص الجماعات الترابية فيما يهم التدبير والاختصاصات الذاتية والمشتركة بينها وبين الدولة والمنقولة إليها من الدولة.
في هذا الإطار، يمكن لجماعة أو أكثر أن يؤسسوا مع جهة أو عمالة أو إقليم، مجموعة تحمل إثم “مجموعة الجماعات الترابية”، بناء على اتفاقية تصادق عليها مجالس الجماعات بهدف إنجاز عمل مشترك أو تدبير مرفق لفائدة المجموعة. كما يمكن للجماعات إبرام اتفاقيات للتعاون أو الشراكة فيما بينها أو مع إدارات وهيئات عمومية أو جمعيات ذات المنفعة العامة لإنجاز مشروع ذي فائدة مشتركة (مثلا تشييد قنطرة لفك العزلة القروية عبر شراكة مع جمعية أدمر في إقليم أزلال). وتتوفر الجماعة على ميزانية سنوية تتضمن الموارد والنفقات؛ جزء منها مخصص للتسيير، والجزء الثاني للتجهيز، يمول البرامج والمشاريع، معتمدة في ذلك على موارد ذاتية ومن الدولة أو مقترضة.
وقد أفرد القانون مقتضيات خاصة بالجماعات ذات نظام المقاطعات (الدار البيضاء، الرباط، طنجة، مراكش، وفاس وسلا) المجردة من الشخصية الاعتبارية، مع تمتعها بالاستقلال الإداري والمالي. وتتوفر على مجالس، لها صفة استشارية تعمل تحت مراقبة مجلس الجماعة. ولكنها تحت إشراف رئيسها، تعتمد التقييم لأدائها والرقابة الداخلية والافتحاص وتقديم حصيلة تدبيرها وبرمجة دراسة تقارير في مجلسها، لتنشر ويطلع عليها عموم المواطنين. وفي إطار الحكامة والشفافية يتسلم كل عضو في المجلس نسخة من محاضر الجلسات ويمكن للمواطنين والفاعلين المحليين والجمعويين الاطلاع على المقررات.
دور المواطنين والمجتمع المدني في تعميق الديموقراطية على مستوى الجماعات الترابية لقد أولى دستور 2011 الجماعة الترابية أهمية بالغة. وتترجم هذه الأهمية في الأحكام العامة للقانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات طبقا لأحكام الفصل 146من الدستور والتي تحدد شروط تدبير الجماعة بكيفية ديموقراطية. ومنها، كيف يقدم المواطنون والمواطنات وكذا الجمعيات عرائض، وقواعد الحكامة في حسن تدبير المشاريع التنموية والمراقبة والتقييم والمحاسبة. بل يسمح القانون للمواطنات والمواطنين حضور جلسات مجلس الجماعة التي هي مفتوحة للعموم، وهي فرصة لغير المنتخبين لتتبع أشغال المجلس للتعرف على ما يجري وما يتخذ من قرارات بصفة مباشرة.
لقد أعطى المشرع للجماعة استقلالها الإداري والمالي. كما أن تنظيمها يرتكز على مبدأي التضامن والتعاون مع الجماعات، وبينها وبين الجماعات الترابية الأخرى، لتحقيق مشاريع التنمية المشتركة. وإذا كان للجماعة اختصاصات ذاتية، فإن لها أيضا اختصاصات مشتركة بينها وبين الدولة في إطار تعاقد، واختصاصات منقولة إليها من الدولة، مصحوبة مع الموارد التي تمكنها من ممارسة ذلك الاختصاص، منها حماية التراث والواقع الطبيعي وصيانة التجهيزات المائية الصغيرة والمتوسطة. وعليها يتوقف تنمية الاقتصاد المحلي وإنعاش الشغل، وحماية التراث المحلي وتشجيع الاستثمارات، والمساهمة في إحداث دور الشباب والمكتبات والمركبات الثقافية والمسارح والمعاهد الفنية ومراكز الترفيه، والأندية النسوية ودور الأطفال والعجزة، وتهيئة الشواطئ وتدبير السواحل والمسابح، وصيانة المدارس والمستوصفات والطرق والمسالك، وتأهيل المواقع السياحية والمدن العتيقة. كل ذلك، لتتمكن الجماعة الترابية، سواء كانت قروية أو جهة، من التعبئة مع الجماعات أو الجهات المجاورة لها، للتغلب على إنجاز مشاريع مشتركة يستفيد منها الطرفان.
2.2 الجماعة كإطار عام للتنمية المحلية
فالجماعة تقوم بأعمال في إطار ممارستها لاختصاصات ذاتية داخل حدودها الترابية في عدة مجالات تهم التخطيط والبرمجة والإنجاز والتدبير والصيانة. وللجماعة اختصاصات مشتركة مع الدولة أو منقولة عنها. فقد أناط المشرع الجماعة باختصاصات تهم خدمات القرب المقدمة للمواطنات والمواطنين؛ إذ هي التي تسهر على تنظيمها وتنسيقها وتتبعها. في هذا الإطار، تقوم الجماعة بإحداث وتدبير المرافق والتجهيزات العمومية لتقديم خدمات القرب، في مقدمتها توزيع الماء والكهرباء والإنارة العمومية والتطهير ومعالجة المياه العادمة والنظافة، والصحة والنقل العمومي، وكل ما يهم السير والجولان، والسهر على تنظيم الأسواق الجماعية، ومحطات الطرق لنقل المسافرين وتنظيم المخيمات ..وتسهر إلى جانب فاعلين آخرين، على تدبير مرافق تهم سوق الجملة والمجزرة وسوق السمك.. كما يمكنها تفويض تدبير بعض الخدمات إلى شركات القطاع الخاص وبعض الاختصاصات إلى مجالس العمالة أو الإقليم.
وتسهر الجماعة على بعض الميادين المرتبطة بالتعمير وإعداد التراب، فيما يخص احترام الضوابط المنصوص عليها في مخططات التهيئة في وثائق إعداد التراب والتعمير، وإبرام اتفاقيات مع فاعلين أجانب في إطار التعاون الدولي.
وتكمن أهمية الجماعة في كونها إطارا تنمويا إذا توفرت شروط تنميتها، لكونها هي التي تضع برنامج عمل التنمية (التي حلت محل ما كان يعرف بالمخطط الجماعي للتنمية PCD). وهي التي تسهر على تسييره وتتبعه وإنجازه خلال ثلاث سنوات، في انسجام مع توجهات البرامج التنموية على مستوى الجهة، وبتنسيق مع السلطات المحلية المتمثلة في عامل العمالة أو الإقليم. إن “برنامج عمل الجماعة” يتضمن تشخيصا لحاجيات وإمكانيات الجماعة، مع تحديد الأولويات وتقييم الموارد التي تتوفر عليها الجماعة، وتقدير النفقات خلال الثلاث سنوات، مع مراعاة مقاربة النوع. وتقوم الجماعة بتتبع البرنامج وتدبيره وتقييمه واختيار آليات التنسيق والتشاور والتحاور مع الشركاء منذ مرحلة الإعداد، مع إمكانيات تحيين البرنامج.
كما تقوم الجهة في حدود اختصاصاتها بإعداد التصميم الجهوي لإعداد التراب وبرامج التنمية الجهوية وتسهر على تتبعها وتحيينها وتقييمها …ويساعد والي الجهة في تنفيذ التصميم الجهوي لإعداد التراب الذي يعتبر وثيقة مرجعية للتهيئة المجالية لمجموع التراب الجهوي، الهدف منها تحقيق التوافق بين الدولة والجهة حول تدابير تهيئة المجال وتأهيله، وفق رؤية استراتيجية واستشرافية؛ مما يسمح بتحديد توجهات واختيارات التنمية الجهوية. وهو ما يعني السعي لوضع إطار لتنمية جهوية مستدامة بالوسط الحضري والريفي، وتحديد اختيارات مرتبطة بالتجهيزات والمرافق العمومية الكبرى المهيكلة بالجهة وكذا مجالات المشاريع. فالجهة تمارس على مستوى ترابها اختصاصات مشتركة مع الدولة في إطار تعاقدات، تهم التنمية الاقتصادية (تقوية التنافسية ، الشغل) والتنمية القروية (تأهيل العالم القروي وخاصة المجالات الهشة كالجبال والواحات)، والتنمية الاجتماعية، والاهتمام بقضايا البيئة (المحافظة على الموارد الطبيعية) والشؤون الثقافية والسياحية (الاهتمام بالتراث والثقافة..) ، واختصاصات منقولة من الدولة تهم التجهيزات والبنيات التحتية الجهوية في كل القطاعات الاقتصادية والاجتماعية (الطاقة والماء والبيئة والصناعة، التجارة والتعليم والصحة والرياضة والثقافة..) .
وللجماعات الترابية أملاك عقارية تسيرها، وتقوم بجباية الضرائب وتبرم صفقات وتقترض، ويحضر رئيس مجلس الجماعة أو الجهة للدفاع عن مصالح الجماعة الترابية. وقد تم إحداث صندوق التأهيل الاجتماعي لسد العجز في مجالات التنمية البشرية والبنيات التحتية والتجهيزات بالجهة (الماء الكهرباء، الطرق التربية والصحة)، تسهر عليه لجنة تقنية. وإحداث صندوق التضامن بين الجهات يهدف ضمان التوزيع المتكافئ للموارد قصد تقليص التفاوتات بين الجهات تسهر عليه وزارة الداخلية.
وقد أكد القانون التنظيمي المتعلق بالجهات في المادة 243 على قواعد الحكامة المتعلقة بحسن تطبيق مبدأ التدبير الحر عبر احترام المبادئ العامة، في مقدمتها المساواة بين المواطنين في ولوج المرافق العمومية بالجهة، والاستمرارية في أداء الخدمات وجودتها، مع تكريس قيم الديمقراطية والشفافية والمحاسبة والمسؤولية وترسيخ سيادة القانون والتشارك والفعالية والنزاهة، عبر اتخاذ مجلس الجهة ورئيسها ومختلف الجماعات الترابية إجراءات لضمان احترامها (آليات الشفافية، ربط المسؤولية بالمحاسبة…)، وفعالية التدبير والتتبع للبرامج والمشاريع وتقييمها والمراقبة والافتحاص، وتقديم الحصيلة ونشر التقارير ليطلع عليها العموم، وإخضاع تدبير الجهة للتدقيق، ومحاسبة المعنيين إذا وجدت اختلالات بعد توصل الوالي بتقرير يمكنه إحالته على المحكمة المختصة.
وللتذكير، فإنه يجري انتخاب وتنظيم مجالس العمالات والأقاليم على منوال الجماعات الترابية. وتسري عليها نفس المقتضيات القانونية والتنظيمية.
من خلال هذه الاختصاصات وما ينص عليه القانون والدستور من مبادئ ومناهج الاشتغال، في شفافية وحكامة لخدمة المواطن، تتبين أهمية العمل الجماعي في الجماعات الترابية، وما تتطلبه من عمل لتسهيل المساطر وتقديم خدمات القرب وتشجيع الاستثمار والتعاون والتضامن والشراكة. ومن هنا تبدو أهمية اختيار الفاعلين لممارسة الشأن المحلي والجهوي وفق قواعد القانون في إطار الشفافية والحكامة لتنمية تراب الجماعة. لكن الواقع لا يساير في غالب الحالات ما نص عليه الدستور والقوانين نظرا لعدة أسباب ذاتية وموضوعية.
> يتبع في عدد الغد
*مجموعة البحث حول الأرياف، جامعة محمد الخامس الرباط
هوامش
راجع في هذا الصدد “منشورات مجموعة البحث حول الأرياف” (بين 2001-2016)، والأبحاث التي أنجزناها حول العالم القروي (مقالات فردية أو مشتركة، 1984-2017) الموقع الإلكتروني (www.gremr.ma) وكذا تجربة “جمعية تنمية عالم الأرياف” لفك العزلة عن العالم القروي. الموقع الإلكتروني: www.admr-maroc.com .
2 من خطاب الملك محمد السادس يوم 31 يوليوز 2015 بمناسبة الذكرى 16 لعيد العرش؛ وخطاب افتتاح مجلس النواب (أكتوبر 2016).
3 راجع البحث الوطني حول الاستهلاك ونفقات الأسر الذي أجرته المندوبية السامية للتخطيط في الفترة (ما بين يوليوز 2013 و يونيه 2014) على عينة مكونة من 16000 أسرة في كل جهات المغرب
4 القوانين التنظيمية الجديدة للجماعات الترابية (الجماعات، العمالات، الجهات)، إعداد وتقديم امحمد لفروجي، نصوص قانونية محينة رقم 74، (قانون تنظيمي رقم 14.113 يتعلق بالجماعات والمقاطعات) 2015.
5 القوانين التنظيمية الجديدة للجماعات الترابية قانون تنظيمي رقم 111.14 يتعلق بالجهات (أحكام عامة، المادة 3). 2015
6المادة الرابعة والخامسة من القوانين التنظيمية للجماعات الترابية 2015، (قانون تنظيمي رقم 14.113 يتعلق بالجماعات والمقاطعات)
7إعداد التراب: المادة 88 و89 من القانون التنظيمي للجهات رقم111.14
بقلم: موسى كرزازي