جاء صيف 2023، وها هم مغاربة العالم يتوافدون على الوطن من كل أصقاع المعمور، مفضلين إياه لقضاء عطلتهم السنوية، رغم غلاء أسعار التذاكر، ورغم المزايا والإغراءات التي تتيحها وجهات سياحية أخرى.
تشير التقديرات إلى أن هذا الصيف سيعرف أكبر توافد للجالية المغربية مقارنة بسابقيه، حيث إن عدد الوافدين قد يتجاوز ثلاثة ملايين زائر.
وتعتبر الجالية المغربية في الخارج هي أكثر جالية ارتباطا بوطنها الأم، ليس فقط من طرف الجيلين الأول والثاني، بل حتى من طرف الأجيال الجديدة التي ولدت وترعرعت خارج المغرب. وأظن بأن هذا موضوع مثير يستحق البحث فيه من طرف طلاب الجامعات المغربية.
وارتباط مغاربة العالم بالوطن الأم لا يتجلى خلال فصل الصيف فحسب، بل إن أحد أبرز تجلياته كذلك هي التحويلات المالية التي يتم إرسالها، سواء إلى الحسابات الخاصة في الأبناك المغربية أو كمساعدات إلى الأقارب والمحتاجين في المغرب.
كلنا نعرف بأن انطلاق الهجرة المغربية إلى أوروبا منذ أوائل ستينيات القرن الماضي، ومن شمال المغرب بالخصوص ومن الريف بشكل أخص، كان بدافع تحسين الوضع الاقتصادي للمهاجر ولعائلته. كان الاعتقاد السائد آنذاك لدى رواد الجيل الأول هو الهجرة للعمل لبضع سنوات ثم العودة نهائيا بعد توفير مبلغ من المال لاستثماره في مشروع قار بالمغرب. ولكن أمد هذه الهجرة المؤقتة سيطول ليتحول مع مرور الوقت إلى إقامة دائمة، وباقي فصول الحكاية وتفاصيلها نعرفها كلنا أيضا.
وخلال كل هذه الفترة الممتدة على مدى ستين سنة، لم يتخل المهاجرون المغاربة (من منظور المغرب) والمواطنون من أصل مغربي (من منظور بلدان الاستقبال) عن إرسال تحويلات إلى وطنهم الأم. مصارف هذه التحويلات يمكننا تصنيفها إلى ثلاثة أقسام:
وكل هذه التحويلات تعتبر أحد أهم الموارد المالية للخزينة العامة من حيث مساهمتها في تقليص عجز ميزان الأداءات وفي الرفع من احتياطي العملة الصعبة لتغطية الواردات وسداد الديون الخارجية. هذا دون أن ننسى الجانب التنموي لهذه التحويلات من خلال مساهمتها في التخفيف من الفقر، وخلق مشاريع صغيرة في المناطق التي ينحدر منها المهاجر (وأحيانا خارجها) تساعد في تنمية الاقتصاد المحلي (مقاهٍ، دور سكنية، ضيعات فلاحية، محلات تجارية).
في الحقيقة أن المبلغ الحقيقي لما يحوله مغاربة العالم إلى المغرب يتجاوز بكثير مبلغ التحويلات التي يتم الإعلان عنها من طرف مكتب الصرف. فبجانب التحويلات المالية الصرفة يجب ألا ننسى المساعدات العينية التي يرسلها مغاربة العالم كأفراد أو جمعيات أو يستصحبها أفراد الجالية خلال القدوم إلى البلد في فصل الصيف من ألبسة وتجهيزات مختلفة. فسيارات الإسعاف وسيارات النقل المدرسي والتجهيزات الطبية والتعليمية التي تطرقت إليها، لو ترجمناها إلى مبالغ مالية سنحصل على أرقام ستدهشنا أكثر.
واليوم، والمغرب يحتفل باليوم الوطني للمهاجر، أرى بأن الظرف قد حان أكثر من أي وقت مضى لتتحلى الحكومة والبرلمان الحاليين بالشجاعة الكافية من أجل تنزيل مضامين دستور 2011 المتعلقة بمغاربة العالم، وإشراكهم داخل الهيئات الاستشارية ومجالس الحكامة، والإسراع بتفعيل توصيات تقرير لجنة “النموذج التنموي الجديد”، الذي تم تقديمه أمام عاهل البلاد السنة الماضية، التي تهم مغاربة العالم أيضا.