أقسام المداومة.. وحكايات الشخير والزفير

لن يتجادل اثنان بخصوص الواقع المتردي للخدمات المقدمة من طرف معظم أقسام المداومة بمجموعة من المؤسسات والمرافق العمومية. وخصوصا عند فترات العمل الليلية. الحديث هنا بالأساس نعني به معظم أقسام المستعجلات داخل المستشفيات العمومية، وبعض أقسام المداومة الأمنية لأجهزة الأمن الوطني والدرك الملكي والقوات المساعدة. ليست وحدها مشاكل الخصاص في الموارد البشرية ولا مجموعة من البنايات التي نالت الرطوبة من جدرانها وأسقفها. ونهش الصدأ أبوابها ونوافذها وتجهيزاتها.
لكن وهذا هو الأهم. أن يصطدم المرتفقون بسلوكيات غير مقبولة تصدر عن بعض العاملين والعاملات في تلك الفترات (أطباء ممرضون أمنيون دركيون.. ). فترات عمل يعتبرها البعض أوقات غير رسمية، يمكن التهاون والتكاسل وحتى التغيب عنها كليا أو جزئيا. كما يمكن حتى الانزواء ببعض مكاتبها من أجل لعب (الكارطة أو الضامة أو الشطرنج أو..). وتزداد معاملات البعض منهم سوءا مع كل من طرقوا أبوابهم طالبين خدمات أمنية أو صحية .بل إن هناك من لا يترددون في الدخول في سبات عميق إبان فترات المداومة. ينامون تاركين المرضى والمرتفقين عامة ينتظرون. حيث يسمع شخيرهم من خلف أبواب مكاتبهم التي يحولونها إلى غرف للنوم.
قد تعجل بالذهاب إلى قسم المستعجلات داخل مستشفى عمومي في ساعات متأخرة من الليل. لتجد في استقبالك حارس أمن خاص. يتعبك پأسئلته المختلفة. إلى درجة أنك تظن للحظات أنه ممرض أو حتى طبيب. قبل أن يصدمك پطلب الالتزام بالصمت لأن الطبيب المداوم نائم. أو أنه خرج لقضاء مصلحة ما. وما عليك سوى الانتظار. فالحارس لا يستطيع أن يوقظه.. وعلى مريضك أن يناجي الله حتى لا تزداد وضعيته الصحية تأزما. يأتي الفرج بعد دقائق أو ربما ساعات.. ليلتقي المريض بالطبيب المداوم. سواء كان عائدا من سبات عميق أو من جولة خارج المستشفى. ناذرا ما يحظى المريض بفحص طبي حقيقي. حيث يكتفي الطبيب (ويده تمسك القلم لتحرر الوصفة الطبية). بطرح سيل من الأسئلة التي جاء المريض من أجل الحصول على أجوبة لها. بعدها يحرر لك وصفة طبية لتخرج خائبا تبحث عن صيدلية للمداومة من أجل اقتناء أدوية تكون في غالب الأحيان سببا في الإصابة بأمراض أخرى. أو أنه يحيلك على مستشفيات أخرى ويعود لغرفة نومه أو لقضاء مآربه الخاصة.. وتنتهي القصة بعيدا عما ينتظر من طبيب أدى قسم أبقراط قبل ولوجه مهنة الطب النبيلة.
بل إن هناك من الأطباء الذين اعتادوا أن يغطوا في نومهم. عند كل فترة مداومة. يتحدثون إلى المرضى وهم نصف نيام. يحاولون فحص المرضى پأياد ثقيلة وعيون بالكاد يفتحونها.
الأكيد أن هناك أطر طبية نبيلة جادة وتقدم خدمات تجمع بين المهنة والأخلاق. لكن وكما يسري الفساد في كل القطاعات العمومية والخاصة. فداخل قطاع الصحة، هناك عدد كبير من هؤلاء المفسدين، الذين لا يقيمون وزنا لصحة وسلامة الناس. وهي الفئة التي حان الوقت لإصلاحها ووضع آليات الزجر والتقييم. طبعا مع توفير ما يلزم لهم من بنيات وتجهيزات طبية تمكنهم من العمل الجاد وخدمة المرضى.
ما يعيشه بعض مرتفقي أقسام المستعجلات من إهمال وسوء المعاملة. يشتكي منه حتى بعض مرتفقي أقسام المداومات الأمنية الليلية. حيث هناك من يشتكون من تسلط وتهكم بعض الأمنيين. الذين يغضبون كلما طرقت أبوابهم من أجل التدخل الأمني أو فتح ملف قضية ما مستعجلة. يشعرون المشتكين من أحداث عنف أو إجرام أو من حادثة سير.. أنهم ضيوفا ثقال عليهم. فيقضي المشتكون أوقات عصيبة مع ضعف تجاوب بعض الأمنيين الذين تظهر على وجوههم ونبرات أصواتهم وأجوبتهم حالات من الغضب المحبطة والمقلقة للمرتفقين. هذا إذا لم نعثر على بعض الأمنيين نيام داخل مكاتبهم.
ألم يحن الوقت لتقنين عمل فترات المداومة الليلية وخلال أيام العطل ونهاية كل أسبوع. من أجل ضمان حسن الاستعمال وجودة الخدمات الموجهة للمواطنين والمواطنات. ألم يحن الوقت للكف عن الاستخفاف والتقصير المهني خلال تلك الفترات سواء من طرف مسؤولي تلك الإدارات أو بعض العاملين والعاملات بها. ألم يحن الوقت لفرض اعتبار تلك الفترات بالنهار أو الليل أوقات رسمية وجب تقديم الخدمات بنفس الجودة من حيث المحتوى ومن حيث المعاملة. فالمهنية تقتضي أن يقدم المهني خدمته كاملة طيلة فترة عمله سواء كانت خلال ساعات العمل العادية أو خلال فترة المداومة. وأن نكف عن ممارسة الشخير داخل مكاتب العمل والزفير في وجه كل من تجرأ لإيقاظ المداومين. لأنهما ببساطة عادتين سيئتين من ضمن العادات المنسفة لحق من حقوق المواطن. المتمثل في تلقي خدمات مستعجلة تفرضها الحياة في أوقات وظروف غير معدة ولا مبرمجة من طرف أصحابها.

بقلم: بوشعيب حمراوي

[email protected]

Related posts

Top