الوظيفة: حلم أم فخ؟

“ادرس جيدا يا عزيزي.. “

“مذهل !! لقد حصلت على علامة كاملة.. استمر على هذا النحو.. “

“احصل على شهادتك الجامعية وكل الأبواب سوف تفتح في وجهك… “

“كفاك لهوا وركز في مسارك الدراسي، فهو منفذك الوحيد لجني حياة أفضل.. “

“احلم بمهنة.. اعرف ما تريده من هاته الحياة.. “

تلقنا جميعنا منذ الصغر أن طريق النجاح واحدة.. تلقين مقدس في منحى واحد لم نفكر يوما في مناقشته أو في احتمال أن يكون غير صحيح.. وتوجهنا صوب ذلك الهدف الواحد والأوحد: حلم العمل والمسار الوظيفي المتميز..

نلهث خلفه في تلك الطريق المرسومة لنا من قبل.. نسقط ونتعثر وننهض.. ثم نعيد الكرة مرة أخرى.. لماذا؟ لأن هدفنا هنالك في الأفق ينتظرنا.. يجب علينا فقط العمل دون كلل ولا ملل، فسوف نكبر، نعمل ونرتاح!

ألم يشكل هذا المشهد نظرة مشتركة لأغلبنا؟ ألم يكن حلما مشرقا من أحلام طفولتنا البريئة؟ منفذا لبعضنا ممن قست عليهم الحياة منذ صغرهم وطريقا للبعض الآخر من الذين يطمحون لتحقيق ذواتهم والبراعة في ميدان معين؟ وهنالك فئة ثالثة قد تجمع بين الاثنين..

اختيار مهنة واحدة، مسلك واحد، مسار واحد.. اختزال الحياة بكل أبعادها في حلم: العمل فقط، لم يكن أمرا يثيرني أو يستهويني يوما.. وأنا التي تبحث عن حلم: التوازن، التنوع، اختلاف التجارب والتحديات في الحياة الواحدة..

كلنا سئلنا ونحن صغار ذلك السؤال البريء: ما الذي تريد أن تصبح عندما تكبر؟ أجبت يوما: أريد أن أكون صحافية جريئة وإعلامية مشهورة، وفي يوم آخر: عالمة أحياء كبيرة وآخر: أديبة مرموقة، مسؤولة بإحدى أكبر المنظمات الإنسانية العالمية…

لم تركد أفكاري يوما واحدا، وكنت حالمة دائمة البحث والتفكير.. كانت تتغير أحلامي وتتغير معها نظرتي للحياة مع مرور السنوات، وفي كل فترة كان لي حلم مغاير، تارة أردت إنقاذ أولئك الذين هم في أمس الحاجة للمساعدة، وتارة أخرى رغبت في أن يكون لي وقع وتأثير في الكثير من القضايا.. ربما أردتهما معا.. وربما أشياء أخرى كذلك.. فاعتقدت أن حلمي غير واضح وتحسرت لأنني لم أتعلم كيف أختار المسار الذي سيضفي لحياتي معنى.. ذلك المعنى الذي يبحث عنه الجميع ككنز ثمين لا ندري حتى ماهيته..

لماذا لم أجد ذلك الحلم بعد؟ لماذا ليس لدي أيضا حلم يلوح في الأفق؟

الآن أدرك أنني لست مجبرة على الإختيار وأنني لم أعد أبحث عن معنى.. بل معان.. الآن فقط أدرك أنني لست مضطرة إلى اتباع خطوات غيري ولو كانوا من أكبر الناجحين..

شكسبير.. دافينشي… وغيرهم وجدوا معانيهم في الحياة فبرعوا في جميع الأبعاد التي اختاروا لها..

قد يكون عملنا حلمنا وهذا رائع..

قد يكون عملنا وسيلة لتحقيق أحلام أخرى وهذا أيضا رائع..

قد تكون لنا أحلام عدة تهز جميعها أوتار قلوبنا بشدة.. وهذا رائع كذلك..

سواء كان عملك حلمك، أو لم تكن حياتك كلها عبارة عن عمل، الأهم ألا تحاول الدخول في إطار لتبدو حياتك لوحة فاتنة لغيرك..

 بقلم: هاجر أوحسين

الوسوم , , ,

Related posts

Top