في مستهل مداخلته لتفسير تصويت فريق التقدم والاشتراكية على مشروع القانون المالي لسنة 2025 في قراءته الثانية بمجلس النواب، يوم الجمعة الماضي، أدلى النائب البرلماني الرفيق أحمد العبادي بملاحظتين أساسيتين:
فبخصوص الملاحظة الأولى، اعتبر المتدخل أن “الزمن المخصص للقراءة الثانية لمشروع قانون المالية ليس كافياًّ، مع العِلم أن هذه المرحلة من مراحل المصادقة هي أيضاً مهمة دستوريا وسياسيا، وكذلك مهمة من حيث المواضيع المطروحة”؛
أما الملاحظة الثانية، فأشار بصددها النائب العبادي، بلغة استنكارية، أن ثمة “تعديلات تطرح في مجلس النواب، وتَرفضها الحكومة، ثم تعود لتَقبلَها في الغرفة الثانية المُحترمة”. وهذا الأمر، يقول المتحدث، “يعطي الانطباع بأن تجاوب الحكومة مع التعديلات لا يخضع لمنطق مبدئي، بل لمنطق التوزيع فقط”؛ مؤكدا أن هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها ذلك..
وعلى العموم، يواصل المتدخل، “فقد تفاعلنا في اللجن إيجاباً مع تلك التعديلات الطفيفة والقليلة التي أُدخِلت على النص، رغم أن الأثر يظل محدوداً جدا”. حيث مثلاً: “المبادرة المتخذة فيما يتعلق بالمعاشات الأساسية، لا يجب أن تنسِينا معاناة عدد كبير من المتقاعدين، مع الأمراض وضعف الولوج إلى الخدمات الصحية، ومن هزالة المعاشات، وغلاء الأسعار؛ كما لا ينبغي أن تنسينا الضرورة الملِحة لإصلاح منظومة التقاعد جذريا لكن دون المساس بمصالح الأجراء”؛
من جهة أخرى؛ يضيف أحمد العبادي، “يهمنا جدا أن يَعرف الرأي العام لماذا صوَتنا برفض مشروع قانون مالية 2025.”؟ فيجيب بسرعة ووضوح: “قمنا بذلك ليس لأن المشروع لم يأتِ بأي إيجابيات، بل هي موجودة، والحكومة تشتغل، لكن دعونا نتساءل، بكل صدق وصراحة، بعيدا عن التموقعات السياسية، معارضة أو أغلبية: هل عمل الحكومة، وهل تدابير مشروع قانون مالية 2025، توجد في مستوى ما نعيشه اليوم من تحديات؟ فتصويتنا، مرة أخرى، برفض مشروع قانون المالية لسنة 2025 يأتي بناءً على تقييم موضوعي؛ فرغم أن المشروع يتضمن بعض الإيجابيات، إلا أنها لا تؤثر في المضمون العام للمشروع، ولا تنسجم كلياًّ مع التوجهات العامة المعلنة”؛
ويعتبر فريق التقدم والاشتراكية أن “هذا المشروع لا يعكس الإجابات اللازمة على العديد من القضايا الراهنة وانتظارات المواطنين العديدة وعلى الصعوبات الاقتصادية الراهنة، وعلى تطلعات المقاولة المغربية”.
ويرى الفريق البرلماني لحزب الكتاب “أن هذا المشروع لا يتضمن الإبداع اللازم للحلول والبدائل؛ كما أنه لا يحمل تدابير كافية وعملية لأهم المعضلات الاجتماعية والاقتصادية، خاصة في مجالات التشغيل، ومواجهة غلاء الأسعار وارتفاع كلفة المعيشة، وفيما يتعلق بتقوية النسيج المقاولاتي وتعزيز السيادة الاقتصادية..”.
واعتبر النائب العيادي أن هذا المشروع “غيبَ إجراءات وتدابير الإصلاحات الهيكلية التي تحتاجها بلادنا، وأساسا إصلاح منظومة التقاعد؛ وفي مجالات الإنصاف المجالي، والعدالة الضريبية، وإصلاح المحفظة العمومية وإدماج القطاع غير المهيكل في الاقتصاد الرسمي..”.
ويضيف المتدخل، متوجها إلى الحكومة وأغلبيتها، أن “تصويتنا بالرفض لهذا المشروع يأتي أيضاً من اختلافنا معكم حول الفرضيات التي تبدو أنها غير واقعية ومفرطة في التفاؤل”؛ مشددا على أن “هاجس البطالة يكاد يكون غائباً، وهو الذي أصبح كابوسا مؤرقا، حيث أن تقارير المؤسسات الدستورية الوطنية تحصر نسب البطالة في أرقام قياسية ومرتفعة بشكلٍ غير مسبوق منذ عقود”..
وهذا يحيلنا، يقول النائب أحمد العيادي، إلى استحضار تلك الإشكالية البنيوية “التي تتجلى في التفاوتات ما بين حجم الاستثمارات العمومية وفرص الشغل المحدثة، وكذا الولوج المنصف والعادل لمختلف المجالات الترابية للخدمات العمومية الأساسية”.
وأبرز النائب البرلماني باسم التقدم والاشتراكية، إحدى أهم المعضلات السياسية لهذه الحكومة لافتا أنه “عندما نتصفح وثائق مشروع قانون المالية، نعثر بصعوبة على اهتمام الحكومة بالأبعاد الحقوقية والديمقراطية، وكأنها أمر جد ثانوي؛ علماً أن للديمقراطية ارتباطا وثيقا بقانون المالية، شكلاً ومضموناً؛ حيث عندما نتحدث عن الثقة، وعن تحرير الطاقات، وعن التعبئة الاجتماعية، وعن جاذبية الاستثمار وثقة المستثمرين، وعن حكامة المؤسسات واستقرارها، وعن ثقة المؤسسات المالية الدولية في المغرب، وعن صبر الناس على بعض الإصلاحات والقرارات رغم صعوبتها، وحين نتحدث عن معايير اختيار المغرب لاحتضان تظاهرات دولية كيفما كان نوعها، وعندما نتحدث عن السلم الاجتماعي، وعن الأمن القانوني، وعندما نتحدث عن ثقة الشباب في بلدهم وفي مؤسسات الوساطة المجتمعية، وحين نتحدث عن الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية للحكومة، فإن ذلك كله مرتبط تماماً بالأبعاد الديمقراطية والحقوقية الغائبة تماماً عن أجندة الحكومة”، يؤكد الرفيق أحمد العيادي في متم تدخله أمام مجلس النواب..
بيان اليوم