الأستاذ الجامعي والخبير في المجال الضريبي الدكتور جواد لعسري : التسوية الطوعية للضريبة عن الدخل قد تساهم في تعزيز التداول النقدي غير المراقب بسبب غياب التوضيحات اللازمة

في سياق الجدل المستمر حول التدابير الضريبية التي تضمنها قانون المالية لسنة 2024، برزت آلية التسوية الطوعية كأحد أبرز الإجراءات التي أثارت نقاشا واسعا في الأوساط المهنية والإعلامية.
تهدف هذه الآلية إلى تصحيح الوضع الضريبي للمواطنين، عبر السماح لهم بتسوية مداخيل لم يتم التصريح بها في السابق، مقابل إعفائهم من الغرامات والعقوبات المتراكمة.
لكن، على الرغم من الأهداف الظاهرة لهذه الآلية، إلا أن الانتقادات التي طالتها تتعلق بعدم تحقيق العدالة الضريبية، وبالآثار السلبية على الثقة بين المواطن والإدارة الضريبية.
في حوارنا مع الدكتور جواد العسري، الخبير في المجال الضريبي، نتعرف على تفاصيل التسوية الطوعية، التي تشمل ثلاث آليات رئيسية كما ورد في قانون المالية 2024: التسوية المتعلقة بالشيكات، التسوية الخاصة بالموجودات التي تم تأسيسها خارج التراب الوطني، والتسوية الخاصة بالمداخيل غير المصرح بها.
كما يوضح الدكتور جواد لعسري، مفتش إقليمي رئيس سابقا بالمديرية العامة للضرائب، في حديثه مع جريدة بيان اليوم، أن هذه المداخيل تشمل المبالغ المودعة في الأبناك والنفقات المرتبطة بالقروض والعقارات، شريطة أن تكون غير مصرح بها قبل فاتح يناير 2024.
ومع ذلك، يرى أستاذ التعليم العالي كلية الحقوق المحمدية، ومنسق ماستر الحكامة القانونية و القضائية، جواد لعسري، أن التسوية الطوعية قد تساهم في تعزيز التهرب الضريبي، خاصة في ظل التكرار المتواصل لهذه الآلية.
كما يشير الدكتور لعسري إلى أن عدم توفير حملات توعية كافية من قبل الإدارة الضريبية يزيد من حالة الغموض حول هذه التدابير ويؤدي إلى انعدام الثقة بين المواطن والإدارة؛ في هذا السياق، يوضح لعسري أن الإجراءات الضريبية يجب أن تكون أكثر شفافية وأن يتم ربط التسوية بمشاريع تنموية تهدف إلى تحفيز الاقتصاد الوطني، بدلاً من الاكتفاء بتغذية خزينة الدولة في الأمد القصير.
من خلال هذه المقابلة، يقدم الدكتور العسري رؤية متكاملة حول كيفية تحسين العلاقة بين الخاضعين للضريبة والإدارة الضريبية، بالإضافة إلى التحديات التي تواجهها السياسات الضريبية في المغرب، مشددا على ضرورة إشراك الأكاديميين وذوي الخبرة في صياغة التشريعات الضريبية لضمان العدالة والفعالية.
وهذا نص الحوار:

< هل التسوية الطوعية أو العفو الضريبي التي تثير جدلا واسعا مع نهاية دجنبر الجاري تعد آلية جيدة بالمغرب؟ وكيف يمكن تفسير هذا الإجراء وأهدافه؟
> لا، المغرب عرف آلية التسوية الطوعية أو العفو الضريبي منذ عقود.
التسوية الطوعية أو العفو الضريبي إجراء يهدف إلى المصالحة بين الخاضع للضريبة والإدارة الضريبية؛ بموجبه يعفى الخاضع من المراقبة الضريبية ومن الزيادات والغرامات وعلاوات التأخير، مقابل القبول بتسوية الوعاء الضريبي أو التحصيل، حسب الحالة.

<ما هي العروض التي جاء بها قانون المالية لسنة 2024 في إطار التسوية الطوعية؟ وما هي تفاصيل هذه العروض ؟
> قانون مالية 2024 تضمن ثلاث عروض:
1. التسوية المتعلقة بعوارض الشيك.
2. التسوية المرتبطة بالموجودات التي تم تأسيسها خارج التراب الوطني.
3. التسوية الخاصة بالمداخيل غير المصرح بها، وهي موضوع الاهتمام الإعلامي الأخير.
وتشمل التسوية المبالغ المودعة في الأبناك، المبالغ النقدية المحتفظ بها، النفقات المتعلقة بالقروض المدفوعة للغير، والمبالغ المستعملة في شراء عقارات غير مخصصة لأغراض مهنية.
يشترط القانون أن تكون هذه المداخيل غير مصرح بها قبل فاتح يناير 2024. أما الدخول المصرح بها سابقا أو المعفاة، فلا داعي للانخراط في هذه التسوية.

< من هم الأشخاص المعنيون بهذا الإجراء؟
> الإجراء موجه إلى الأشخاص الذاتيين فقط، ولا يشمل الشركات.
وتشمل الدخول المعنية جميع الدخول الخاضعة للضريبة على الدخل، مثل الدخول المهنية، التجارية، الصناعية، الحرفية، والأرباح العقارية، ودخول رؤوس الأموال المنقولة، والدخول الفلاحية، مع الإشارة إلى أن المداخيل التي سبق التصريح بها وتم تضريبها أو أنها معفاة من الضريبة غير معنية بالتسوية.

< هل يمكن اقتطاع الضريبة عن الدخل مباشرة من الحسابات البنكية دون سلوك مسطرة محددة كما يتم الترويج له مؤخرا على مواقع التواصل الاجتماعي؟

> لا يجوز للمؤسسة البنكية، من تلقاء نفسها، أن تقوم بالحجز على الحسابات المودعة لديها، وإلا ستواجه خطر التعرض للعقوبات الجنائية المتعلقة بجريمة خيانة الأمانة.
وفيما يتعلق بالحجز بسبب الدين الضريبي، فإنه يتم فقط بناء على ضريبة مستحقة تم إصدارها قانونيا.
في موضوعنا، نتحدث عن الضريبة على الدخل التي لا يمكن فرضها إلا بعد احترام المساطر المتعلقة بفرضها أو تصحيحها، وفقا لما تنص عليه المدونة العامة للضرائب.
بعد صدور أمر التحصيل، وفي حالة امتناع المعني بالأمر عن الأداء، يسمح للمحاسب العمومي باتباع مسطرة الإشعار للغير الحائز (Avis à Tiers Détenteur)، التي تخول له الحق في إشعار الأطراف الحائزة لأموال الملزم، بما في ذلك المؤسسة البنكية، لتحصيل المستحقات نيابة عن الملزم.
أما ما يتم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي بشأن سحب الأموال، فهو مبني على سوء فهم للمقتضيات القانونية المتعلقة بالتسوية الطوعية. ومن المهم توضيح ما يلي:
-يعفي المشرع المغربي الدخول السنوية التي لا تتجاوز 30,000 درهم.
-الدخول الفلاحية معفاة في حدود رقم معاملات سنوي لا يتعدى 5,000,000 درهم.
-سحب الأموال من الحساب البنكي لا يؤثر على الضريبة المستحقة، إذ تبقى الكشوفات البنكية للفترات السابقة دليلا على العمليات المدرجة في هذه الحسابات، وبالتالي فإن السحب اللاحق لن يؤثر على الوضعية القانونية السابقة.
وعليه، فإن ما يروج بشأن هذا الموضوع غير صحيح؛ فالضريبة على الدخل تخضع لمساطر معقدة تتعلق بالوعاء والتحصيل، والتي تستلزم إبلاغ الملزم بالإجراءات القانونية اللازمة، تحت طائلة بطلان عملية الفرض أو التصحيح أو التحصيل.
إن ضعف الثقافة القانونية في المجال الضريبي يجعل العديد من الأشخاص عرضة لسوء الفهم؛ ومع ذلك، يضمن القانون للملزمين الحماية من أي مباغتة، إذ يلزم المشرع بضرورة إشعارهم وإبلاغهم بواجباتهم.
كما يخول لهم الحق في المنازعة إداريا وقضائيا في حال وجود خروقات تمس بعملية تأسيس الدين الضريبي أو تحصيله.

< ما هي الملاحظات التي يمكن توجيهها للإدارة الضريبية بخصوص هذا الإجراء؟ وهل من تأثير لهذا الإجراء على مبدأ العدالة الضريبية؟
> هناك انتقادات موجهة إلى الوزارة بسبب انغلاقها وعدم القيام بحملة توعوية كافية لشرح المقتضيات القانونية، مما سمح للفضوليين بملء الفراغ بمعلومات مغلوطة.
تأخر نشر البلاغات وغياب الشفافية زادا من الضبابية، وأثرا على الثقة بين المواطن والإدارة.
نعم، تكرار العفو الضريبي يؤثر سلبا على العدالة الضريبية، ويشجع التهرب الضريبي. دفع مساهمة إبرائية بنسبة 5% عن مداخيل خاضعة عادة لضريبة تصل إلى 38% يشعر فئات عريضة بالغبن، وكأنهم يدفعون ضريبة عن المواطنة.

< ما هي الآثار المحتملة لتسوية الكاش، وما البدائل التي تراها مناسبة؟
> التسوية قد تزيد من وتيرة التداول النقدي، حيث سيتم شرعنة المبالغ النقدية بعد خصم نسبة 5%، مما يعيدها إلى التداول الرسمي دون رقابة.
كان على المشرع أن يربط الإبراء بمشاريع استثمارية لتوجيه هذه الأموال نحو التنمية.

< كيف يمكن تحسين العلاقة بين الخاضع للضريبة والإدارة الضريبية؟ وما هي العقبات التي تواجه هذه الآلية ؟
> تحسين العلاقة يتطلب وضوح البلاغات، فتح قنوات للتواصل، وشفافية في تفسير النصوص القانونية.
الثقة تبنى على وضوح الإجراءات وضمان العدالة للجميع.
العقبات تكمن في كون المعلومة كما توخاها المشرع المالي لم تصل أو لم يتم استيعابها من طرف السواد الأعظم مما يمكن معه القول أن الأهداف لم تتحقق بالشكل المطلوب.

< ما هي الإجراءات التي يمكن أن تتخذها الإدارة الضريبية لضمان عدم استغلال هذه الآلية من قبل المتهربين؟
> الإدارة تعد في كثير من الأحيان المشرع الفعلي في المجال المالي، بالنظر إلى أن مشاريع قوانين المالية تعد من قبل الوزير المكلف بالمالية، وفقا للمادة 46 من القانون التنظيمي للمالية.
ويلاحظ أن الإدارة كثيرا ما تلجأ إلى آلية الصلح في المجال الضريبي تحت تسميات مختلفة.
كما أشرنا سابقا، فإن الصلح الضريبي يتكرر بمعدل كل أربع سنوات، وهو ما قد يفسره البعض، لا سيما المتهربون الضريبيون، كإشارة ضمنية للتساهل أو فرصة لإعادة ترتيب أوضاعهم المالية.

< كيف يمكن تعزيز الوعي لدى المواطنين حول أهمية التصريح الطوعي والالتزام الضريبي؟
> التصريح الطوعي شكل أحد الأهداف الرئيسية التي وضعها المشرع المغربي ضمن قانون الإطار لعام 1984.
ومنذ دخول هذا القانون حيز التنفيذ، تبنى التشريع الضريبي المغربي، عبر ضرائب الشركات والقيمة المضافة والدخل، بالإضافة إلى واجبات التسجيل، آلية الإقرار الضريبي.
تهدف هذه التقنية إلى تعريف الإدارة بالعمليات المنشئة للضريبة وتحديد قيمة الدين المستحق دفعه، مما يعزز من شفافية النظام الضريبي وفعاليته.

< هل ترى أن هناك حاجة إلى تعديل أو تطوير التشريعات الضريبية الحالية لضمان عدالة أكبر؟
> الوعي الضريبي يتأثر بعدة عوامل متداخلة تشمل الجوانب الاجتماعية والثقافية والدينية والسياسية، وهي عوامل لا يمكن عزلها عن بعضها البعض.
هذه التداخلات تبرز الضريبة كعلم متعدد التخصصات، يمكن تناوله من زوايا متنوعة، مثل فلسفة الضريبة، القانون الضريبي، القانون الدستوري الضريبي، الاقتصاد الضريبي، والسياسة الضريبية.
غير أن التشريع الضريبي المغربي بات يعتمد بشكل شبه حصري على آلية قوانين مالية السنة، وهي ظاهرة تثير العديد من الإشكالات. فقد أصبح من النادر طرح مقترحات أو مشاريع قوانين ضريبية مستقلة، مما يحرم النصوص التشريعية من الخضوع لقراءة دقيقة وفحص معمق من قبل الجامعات والمجتمع المدني والجهات المعنية الأخرى.
الجدير بالذكر أن المحكمة الدستورية سبق لها أن ألغت الفصل السادس من القانون التنظيمي لقوانين المالية في صيغته الأولى، حيث كان يقيد اختصاص البرلمان في تقديم مقترحات ضريبية خارج إطار قوانين مالية السنة. هذا القرار يعكس أهمية الحفاظ على توازن السلطات وضمان نقاش أعمق وأكثر شمولية حول القوانين الضريبية لتحقيق العدالة والفعالية في النظام الضريبي.

< ما هو دور وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي في توضيح الإجراءات الضريبية ومكافحة المعلومات المغلوطة؟
> بصفتي أستاذا جامعيا، أعتقد أن الوقت قد حان لتفعيل دور الجامعة في المساهمة في صناعة القرارات السياسية بالمغرب، لا سيما القرارات المتعلقة بالسياسة الضريبية.
يتطلب ذلك تعزيز الانفتاح على المختبرات البحثية وخلق جسور للتواصل من خلال تنظيم ندوات مشتركة وبرامج تكوين مستمرة، تتيح تبادل الأفكار والرؤى بين الأكاديميين وصناع القرار.
كما يجب الإشادة بالدور الإيجابي الذي يمكن أن تضطلع به الصحافة والإعلام المتخصص في هذا المجال، إذ يسهمان بشكل فعال في سد الفجوات المعرفية وتوعية المجتمع بالقضايا الضريبية، مما يعزز من شفافية القرارات ويُثري النقاش العمومي حولها.

< كيف يمكن ربط التسوية بمشاريع تنموية؟
> منذ اعتماد التسوية الضريبية في المغرب لأول مرة في ثمانينيات القرن الماضي، طغى عليها هاجس تحقيق مردودية مالية فورية لدعم ميزانية الدولة. ومع ذلك، لم يقرنها المشرع المالي بمبادرات استراتيجية تحفز القطاع الخاص على إطلاق مشاريع تنموية تسهم في تخفيف العبء عن الدولة في مجالات الاستثمار وتنشيط سوق الشغل.
هذا النهج أدى إلى اقتصار أثر التسوية الضريبية على تغذية خزينة الدولة في الأمد القصير، دون أن يكون لها انعكاسات هيكلية تسهم في تحقيق تنمية مستدامة أو تعزيز الدور التنموي للقطاع الخاص.

< هل من إضافة ؟
> الإجراءات الضريبية تعد مسؤولية أساسية تقع على عاتق الحكومة، كون الالتزام الضريبي يشكل جزءا لا يتجزأ من المواطنة.
ومع ذلك، يبقى من الضروري إشراك الخبراء وذوي الاختصاص في تصميم وتنفيذ هذه الإجراءات لضمان عدالة وفعالية النظام الضريبي.
وأود التأكيد مجددا على أن المداخيل التي سبق التصريح بها وخضعت للضريبة، أو تلك المعفاة منها وفقا للقانون، ليست معنية بأي تسوية ضريبية. هذا الإيضاح يعزز الثقة في النظام الضريبي ويضمن احترام المبادئ القانونية التي تحكمه.

<حاوره: عبد الصمد ادنيدن

Top