فاتح يوليوز

تحل غدا الأحد الذكرى السنوية الأولى لمصادقة الشعب المغربي على الدستور الجديد، وهي موعد هام لتقييم مسار بلادنا على امتداد عام كامل بخصوص تطبيق مقتضيات القانون الأسمى للمملكة، والتنزيل الديمقراطي لأحكامه، كما أنها مناسبة لتأمل التجربة المغربية في سياق التحولات الكبيرة التي شهدتها المنطقة المغاربية والعربية ضمن ما عرف بالربيع الديمقراطي.
لقد مثل دستور فاتح يوليوز 2011 تتويجا للتفاعل المغربي الإيجابي مع حراك الشارع، ومع تنامي المطلب الشعبي حول التغيير والديمقراطية، وهو التفاعل الذي سارع إليه جلالة الملك من خلال الخطاب التاريخي لتاسع مارس 2011، وأيضا من خلال ما لقيه النموذج المغربي من اهتمام ومتابعة عبر العالم، ما جعلنا اليوم نعبر سنة كاملة، وقد تحققت خلالها عديد منجزات على المستوى السياسي والمؤسساتي والديمقراطي، والأهم أن البلاد عاشت كامل الدينامية من دون ولو قطرة دم واحدة، أو مس باستقرارها وأمنها.
اليوم عندما نتابع المآلات التي عاشتها بلدان الجوار المغاربي والعربي، والارتباكات التي لا زالت تحياها، ندرك أن الاختيار المغربي يمكن أن يمثل بالفعل نموذجا يقتدى به خارجيا، ويستحق داخليا التشبث به والسعي المستمر لتطويره.
إن 11 يوليوز2011 ليس تاريخا ليوم استفتاء فقط، إنما هو عنوان مرحلة كاملة اتفق المغاربة على جعلها تعني المشاركة الجماعية في صنع مستقبلهم ومستقبل بلادهم، كما أنهم اتفقوا على أن يمر التغيير عبر إصلاح دستوري حقيقي، ومن خلال تنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها، وتشكيل حكومة جديدة على ضوء نتائجها، وبعد ذلك استكمال تشكيل كل المنظومة المؤسساتية وفق الوثيقة الدستورية الجديدة، وهو ما تم بالفعل، ويتواصل اليوم عبر السعي لإنجاز باقي محطات ومراحل مسلسل الإصلاح السياسي والمؤسساتي.
لقد توجه المغاربة إلى إنجاز التغيير من خلال ما توفره منظومة وميكانيزمات دولة القانون والمؤسسات، ومن خلال تعميق المصالحات الوطنية، وأيضا من خلال تعميق بناء المشروع المجتمعي القائم على الديمقراطية والحداثة والمساواة وحقوق الإنسان، بالإضافة إلى الحرص على استقرار البلاد وحماية ثوابتها، ثم جاء خطاب ملكي آخر في 17 يونيو2011 ليعلن بوضوح انخراط جميع مؤسسات البلاد وقواها الحية في الدينامية التاريخية والتفاعلية من أجل جيل جديد من الإصلاحات.
إن دستور فاتح يوليوز يحيل إذن على كل هذه الحمولة السياسية والتاريخية، كما أنه يجسد منتوجا خالصا للكفاءات والأطر المغربية، عبر تشاور واسع في المجتمع، وهو ما جعله يمثل في الحقيقة واحدة من أهم اللحظات التاريخية في مسيرة المملكة.
الاحتفاء بالحدث اليوم يمر عبر مواصلة استكمال بناء باقي المؤسسات والهياكل والآليات التي ينص عليها الدستور الجديد، ومن خلال الحرص الجماعي على التأويل الديمقراطي الحداثي لمقتضياته، ومن خلال التعبئة الوطنية لربح رهانات التنمية الاقتصادية والاجتماعية المطروحة على بلادنا.
[email protected]

Top