جلسة الغرفة الثانية

أخيرا انعقدت جلسة الغرفة الثانية أول أمس الثلاثاء وخصصت لمساءلة رئيس الحكومة حول قضايا ذات صلة بالسياسة العامة للحكومة، ورغم الملاسنات ونقاط اللانظام التي يبرع فيها دائما رئيس فريق معروف في مجلس المستشارين، فان الجلسة إجمالا تميزت بالهدوء عكس ما كان متوقعا منها، وعلى خلاف كل التهديد واللغط اللذين سبقاها.
على هذا المستوى إذن يمكن تهنئة أعضاء مجلس المستشارين الذين استعادوا الحكمة المفترضة فيهم، ونجحوا في تمرير الجلسة الدستورية بسلام، ما يقتضي استثمار هذا النفس الايجابي لتطوير المكتسب الذي جاء به الدستور الجديد، بعد أن بقي حضور رئيس السلطة التنفيذية إلى البرلمان للجواب على الأسئلة  مطلبا لسنوات.
وإضافة إلى جو الهدوء الذي ميز على العموم جلسة مجلس المستشارين أول أمس، فان أجوبة رئيس الحكومة وخطابه الذي تابعه المغاربة عبر الإعلام العمومي تميزا بصراحة واضحة، وبأسلوب تواصلي نافذ جعل المعطيات المقدمة مقنعة للكثيرين، وبالتالي استحقت الجلسة في عموميتها أن تتصف بصفتي الهدوء العام والمصارحة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.
المؤشران المذكوران أعلاه نجحا إذن في جعل الجلسة البرلمانية تتحول من جلسة عادية للمراقبة، إلى لحظة حوار عميق بين السلطتين حول السياسات العمومية، وحول السياقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تميز الوضع العام في البلاد.
إن مقتضيات الدستور الجديد تفرض اليوم إعمال منظومة جديدة للعلاقة بين البرلمان والحكومة، وبين الأغلبية والمعارضة، وهو الأمر الذي يستوجب على الطرفين معا تقوية مجهودهما الفكري والسياسي، وإنماء مهاراتهما التقنية والحرفية في تأهيل العلاقة المؤسساتية بينهما.
لقد خول الدستور الجديد صلاحيات هامة للحكومة، كما مكن قوى المعارضة من اختصاصات وصلاحيات لم تكن متاحة في السابق، وهذا يفرض الانتقال بالصراع السياسي إلى مستوى الجدل المنتج حول السياسات العمومية وحول البدائل المدروسة، ومقارعة الحجة بالحجة والاجتهاد بمثله، وذلك حتى تصير الجلسات الشهرية بين رئيس الحكومة والبرلمان لحظات منتجة للمعرفة السياسية، وحتى تتحول مراقبة البرلمان بغرفتيه للحكومة إلى رقابة حقيقية على التدبير وعلى المنجز السياسي والتنموي.
وان بداية التأسيس لهذا الطريق تجسدها كلمات ورسائل شدد عليها رئيس الحكومة أول أمس في معرض الردود التي قدمها أمام مجلس المستشارين، وتتعلق بإصرار الحكومة على التخليق ومحاربة الفساد، وبالنظر الواقعي الذي يسم تعاطيها مع الوقائع والملفات والتراكمات، ومع الموروث، وأيضا بتشبثها بلغة الحقيقة والصراحة مع الرأي العام الوطني ومع ممثليه في المؤسسات، واليوم يجب أن تندرج المنظومة العلائقية برمتها ضمن هذا السلوك القائم على الصراحة والواقعية والعقل، وهي مسؤولية الجميع.
[email protected]

Top