بنك يتكلم بالأمازيغية

أدرج البنك المغربي للتجارة الخارجية اللغة الأمازيغية ضمن اللغات التي أصدر بها تقريره السنوي الأخير، وهي خطوة ليست شكلية في المطلق، إنما هي مبادرة غير مسبوقة وتحمل الكثير من الإشارات والدلائل، وتستحق أن يحتفى بها. تقرير البنك جاء بأكثر من لغة، وهذا في حد ذاته مهم وجديد، كونه يضع العملية التواصلية للمؤسسة في مستوى أكبر، وتصير المعطيات والأرقام والتحاليل والتوقعات في متناول مستعملي كل هذه اللغات، أي في متناول عدد أكبر من الزبناء والفاعلين الاقتصاديين والماليين والمؤسسات، لكن مع ذلك فإن إدراج الأمازيغية ضمن ألسن التخاطب التي اعتمدها البنك، من خلال إصداره الأخير، يجعلنا نقف عند الخطوة.
إن الدرس الأكبر هنا يهم الأمازيغية نفسها، حيث أن مبادرة البنك المغربي للتجارة الخارجية تعطي الدليل على أن لغة المغاربة ليست قاصرة، وليست في المرتبة الأدنى بالمقارنة مع اللغات الأخرى، إنما هي أيضا تستطيع استيعاب تيرمينولوجية الاقتصاد والمال والأعمال والبورصة، فضلا عن المعاجم الأخرى.
الدرس الآخر المرتبط بسابقه، يتعلق بكون مبادرة المؤسسة البنكية اعتمدت حرف تيفيناغ، ولم تبحث للأمازيغية عن حرف آخر من خارج صلبها لتتبناه وتتكلم به، وهذا دليل آخر بأن تيفيناغ بإمكانه أن يحمل معارف من مختلف العلوم والتخصصات، ويوصلها للناس.
لقد انكب باحثو المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية طيلة سنوات من أجل الإعداد والتهيئة اللغوية، وأنجزوا برمجيات على الحاسوب للغة الأمازيغية، وتقدموا كثيرا على مستوى معيرة اللغة، وإعداد القواميس والمقررات التعليمية والأدوات البيداغوجية، ومع ذلك بقي من يسخر من كل هذا الجهد العلمي الرصين، بل وحتى عندما نص الدستور الجديد على رسمية اللغة الأمازيغية إلى جانب العربية، واحتفى بتعددنا  الهوياتي والثقافي، وتنوعنا اللغوي، بقي أيضا من لا يريد الانخراط في هذه الدينامية الحضارية الجديدة، ولهذا، فإن مبادرة البنك المغربي للتجارة الخارجية اليوم قدم لكل هؤلاء الرافضين والمترددين درسا قويا، اعتمادا على جهد علمي حقيقي، وعلى عمل ملموس بلا خطابات أو شعارات أو شعبويات فارغة.
إن أهمية المبادرة التي أقدم عليها البنك تكمن في كونها تأتي في السياق السياسي والدستوري الحالي، حيث أن مثل هذه الخطوات هي التي تسند السعي السياسي والمؤسساتي من أجل التنزيل الديمقراطي السليم لأحكام الدستور الجديد، وإن مثل هذا الجهد هو الذي يحمل الخطوات السياسية ولا يتركها معلقة في الهواء.
مبادرة البنك يجب أن تحفز باقي المؤسسات الاقتصادية والمالية على القيام بمبادرات مماثلة، وتدفع باقي المجالات مثل: الطب، الهندسة، الصناعة، التجارة، الصحة، وغيرها إلى مراكمة المنجزات الملموسة على هذا المستوى، حتى يكون للمكتسب الدستوري امتداده المجتمعي الواضح.
شكرا للبنك المغربي للتجارة الخارجية على السبق والريادة.
[email protected]

Top