عام مر منذ 25 نونبر

أول أمس الأحد حلت الذكرى السنوية الأولى لانتخابات 25 نونبر، والتي مثلت لحظة ديمقراطية جوهرية في المسار المغربي، كما أنها، بالإضافة إلى دستور فاتح يوليوز 2011، تعتبر من الركائز المؤسسة للجواب المغربي عن دينامية الربيع الديمقراطي في المنطقة. 25 نونبر 2011، جسد لحظة اقتناع المغاربة بأهمية ولوج التغيير عبر دولة المؤسسات، وقد شكل خطاب الملك في تاسع مارس بداية تنزيل هذه القناعة الوطنية، ثم تلا ذلك الاستفتاء الشعبي عن الدستور الجديد الذي كان مسبوقا بحوار وطني واسع، وجاءت الانتخابات التشريعية، ثم تعيين رئيس الحكومة في احترام تام للمنهجية الديمقراطية.
وبعد انصرام عام كامل عن المحطة المذكورة، لازال مؤكدا صواب الاختيار، حيث إن المملكة عاشت حراكها المتميز بلا عنف أو إسالة دماء، وحافظت على استقرارها العام، وإن ما يجري اليوم في كثير من بلدان المنطقة العربية يحث على مزيد تشبث بهذا الاختيار.
إن انتخابات 25 نونبر أيضا، فرضت أجوبة لم يكن يتوقعها الكثيرون، خاصة ممن كانوا يخططون لمنظومة سياسية تحكمية، وبالتالي فقد شجعوا، من حيث لا يدرون، على رسم النتائج التي أفضى إليها الاقتراع، وجاءت الصناديق، بالتالي، معلنة فشل عقليات التحكم في السياسة وفي المجتمع، وكم هو راهني اليوم هذا الدرس أيضا.
وحيث إن اقتراع 25 نونبر كان قد أنتج تركيبة مختلفة لمجلس النواب الحالي، بها كثير من التجديد، ويحضر فيها الشباب والنساء بنسب أعلى من السابق، فإن مرور سنة على التجربة يستحق تقييما جديا حول الأداء البرلماني، وحول الممارسة التشريعية بصفة عامة.
إن المؤسسة البرلمانية، وخصوصا على مستوى الغرفة الأولى، لا زالت مطالبة بتقوية فعاليتها ونجاعة أدائها التشريعي والرقابي، ذلك أنه بالرغم من بعض الحيوية التي ميزت مناقشات قانون المالية مؤخرا، فإن الشعبوية والسجالات العقيمة لازالت تخترق سلوكنا البرلماني وتكبله أحيانا، كما أن الحجم الكبير من النصوص المطلوب إعدادها اليوم طبقا لما ينص عليه الدستور الجديد، يفرض أن يلتفت مجلس النواب إلى ذاته، ويطور أنظمته الداخلية وبنيته العلائقية وانفتاحه، وكذلك المستوى المعرفي والسياسي العام لمختلف مكوناته.
إن انتخابات 25 نونبر إذن، تستوقفنا اليوم في ذكراها السنوية الأولى لتجديد التأكيد على أن التغيير لن يكون إلا عبر المؤسسات والعمل الديمقراطي، وفي إطار تقوية دولة القانون والمواطنة، وحماية التعددية السياسية في بلادنا، وتحصين الاستقرار، وجعل التوافق الوطني فاعلا ومنتجا.
وإن درس الاستحقاق المشار إليه، ينبهنا اليوم كذلك إلى أن مسارنا الديمقراطي يحتاج باستمرار إلى اليقظة والتعزيز، ومن ثم، فإن رفض التحكم يجب أن يبقى مستمرا وثابتا، بالإضافة إلى أن مجلس النواب الجديد مطالب بالنهوض بمستوى أدائه العام، ومن ثم تحسين صورته لدى الناس، وجعل المغاربة يثقون في مؤسساتهم، وبالتالي، ينخرطون في مسلسلات تفعيلها وحمايتها.
من جهة أخرى، فإن المناسبة تفرض التأكيد على مسؤولية الحكومة المنبثقة عن نتائج هذا الاقتراع، وذلك من خلال تقوية أدائها، وتسريع وتيرة إنجاز المشاريع المهيكلة لفائدة الفئات المستضعفة والمتوسطة من شعبنا، بما يقوي فرص الانطلاقة التنموية، ويعزز ثقة شعبنا في مستقبل بلاده.
بعد العام الأول، يحق لشعبنا أن يلمس التغيير في حياته اليومية (اجتماعيا واقتصاديا وديمقراطيا)، ومن واجب الحكومة أن تمنحه هذه الثقة عبر المنجزات الملموسة.
[email protected]

Top