مرصد يحمل الحكومة مسؤولية الاختلالات التي شابت تنزيل ورش الحماية الاجتماعية بالمغرب

حذر المرصد المغربي للحماية الاجتماعية من الاختلالات العديدة التي تطبع تنزيل سياسات الحماية الاجتماعية والتي من شأنها أن تعصف بهذا الورش على مستوى مبدأي الاستهداف والشمول.
على رأس هذه الاختلالات، حسب المرصد المذكور، مسألة التمويل، حيث لاحظ لجوء الحكومة إلى اعتماد توجه يقوم على تفكيك صندوق المقاصة، واستغلال مخصصاته التي بلغت 4.6 مليار درهم عند نهاية ماي 2024 ، لتمويل تدابير الحماية الاجتماعية ، وهو ما ستكون له تداعيات خطيرة ستؤدي إلى قتل الطبقة المتوسطة وانهيار ورش الحماية الاجتماعية، وفق تعبير العربي حبشي نائب رئيس المرصد.
جاء هذا التنبيه، خلال الندوة الصحفية التي نظمها المرصد المغربي للحماية الاجتماعي، مساء يوم الجمعة الماضي بالرباط، والتي قدم خلالها تقرير الخاص حول سياسات الحماية الاجتماعية بالمغرب على مدى سنوات 2021-2024، والي حمل عنوان” حماية اجتماعية أم تقويم هيكلي مقنع؟، منتقدا الحكومة بالاجتهاد في تنفيذ دفتر البنك الدولي بخصوص الحماية الاجتماعية الشاملة المعممة، والتي تركز على فلسفة تطلق تقليص برامج الحماية المعممة ممثلة في الدعم واستبدالها بأنظمة الحماية المشروطة.
هذا وأعلن المرصد المغربي للحماية الاجتماعية، عن قرار برفع مذكرة أعدها إلى جانب التقرير السالف الذكر، ضمنها مقترحاته لتجاوز مجموع الاختلالات التي يشهدها تنزيل سياسات الحماية الاجتماعية ،حيث كشف كمال لحبيب رئيس المرصد أنه سيتم توجيه نسخة من المذكرة والتقرير إلى جميع المتدخلين في مجال الحماية الاجتماعية ، ويتعلق الأمر بالمسؤولين على رأس وزارة الاقتصاد والمالية والوزارة المنتدبة المكلفة بالميزانية ووزارة الداخلية ووزارة الصحة، فضلا عن الصنوق الوطني للضمان الاجتماعي و صندوق منظمات الاحتياط لمنظمات الاحتياط الاجتماعي.
و قال العربي الحبشي نائب رئيس المرصد المغربي خلال تقديم نص التقرير، ” إن المقاربة الحكومية لمسألة تمويل الحماية الاجتماعية، بنهجها رفع اليد التدريجي عن دعم المواد الغذائية الأساسية والطاقة سيمس بالقدرة الشرائية للأسر المغربية ولاسيما المنتمية للطبقة المتوسطة ويجعلها مهددة بالهشاشة ، علما أنها مستثناة إلى حد كبير من التغطية الاجتماعية “.
وأعلن المتحدث أن التوجه الذي اتخذته الحكومة في مسألة التمويل لتدابير تنزيل السياسات العمومية للحماية الاجتماعية ،أظهر أن مجمل الإصلاحات البنيوية التي تم اعتمادها بالنسبة لمنظومة الدعم والتي ستؤدي تداعياتها إلى تفكيك صندوق المقاصة، يراد منها أن تتحمل الفئة الطبقة المتوسطة والفئات الهشة تمويل الحماية الاجتماعية بدل أن تحمل ذلك الفئات الغنية التي تم إحاطتها بكامل الحماية على هذا المستوى” قائلان في نداء مدو” لانريد أن يتم تمويل هذا الورش من طرف الفقراء والفئات الهشة وقتل الطبقات الوسطى”.
ومن الاختلالات التي عددها العربي الحبشي ، والمتضمنة في التقرير الخاص حول سياسات الحماية الاجتماعية بالمغرب، والذي يعد محصلة عمل قام به المرصد على مدى أربع سنوات شمل التقييم والتتبع لمختلف المبادرات الحكومية الخاصة بتنزيل المنظومة الوطنية للحماية الاجتماعية ، سجل المرصد عناصر اختلال على مستوى الحكامة والمشاركة، حيث تخلفت رئاسة الحكومة عن انعقاد اللجنة الوزارية لقيادة إصلاح منظومة الحماية الاجتماعية ، ولم تترأس إلا اجتماعا واحدا سنة 2024.
كما كشف التقرير عدم دعوة كافة القطاعات الحكومية المكونة للجنة الوزارية لقيادة إصلاح منظومة الحماية الاجتماعية لاجتماعات عقدتها هذه الأخيرة، حيث أشار التقرير إلى الحكامة المشوشة التي تطبع تنزيل ورش الحماية الاجتماعية، فضلا عن منظومة قانونية مرتبكة وتغييب تام لمشاركة المجتمع المدني وغياب مساهمة الجماعات الترابية في تنزيل هذا الورش.
ومن بين الاختلالات التي أشار إليها التقرير، الخلل البنيوي الذي يعاني منه العرض الصحي الوطني ، الأمر الذي يحد من فعالية نجاح ورش تعميم الحماية الاجتماعية ، حيث لازال يقع الثقل على كاهل الأسرة، مسجلا في هذا الصدد ضعف الميزانية المرصودة للقطاع والتي تترواح بين 6 و7 في المائة بدلا من 12 في المائة التي توصي بها منظمة الصحة العالمية، فضلا عن سوء تدبير الموارد البشرية و البنيات والتجهيزات التي توجد في حالة عطالة، بينما جزء آخر تحت الضغط، وهو ما يفسر وفق التقرير تركز حوالي 70 في المائة من ألأطباء في محور الرباط – الدار البيضاء.
ولم يفت التقرير أن يعبر عن استغرابه من المقاربة التي تنهجها الحكومة لإصلاح المنظومة الصحية الوطنية ، مثيرة ملاحظة مفادها الغموض الذي يلف حقيقة الإصلاحات التي تباشرها الحكومة لهذا القطاع، والتي تفيد بكونها تدخل في استراتيجية تفكيك القطاع الصحي الوطني إلى مجموعة من المؤسسات العمومية لتسريع خوصصته.
ولفتت في هذا الصدد إلى ما رصده التقرير من تطور سريع وكثيف للمصحات الخاصة التي أصحت تستقطب الطلب على خدمات الاستشفاء والعلاج أمام ضعف منسوب الثقة والمصداقية في المنظومة الصحية العمومية ، وهذا الوضع يشير المرصد ينعكس سلبا على المستشفيات العمومية ،حيث تتعرض لمنافسة غير عادلة ، لكونها لاتستفيد من تعميم التغطية الصحية الأساسية ولاسيما جانب التمويل، إذ لاتقطف سوى من 6 في المائة من الإنفاق الصحي .
وتشمل الاختلالات التي عددها المرصد ، مستوى الأثر والتضخم، حيث اشار أن الغرض الأساسي لمختلف سياسات الحماية الاجتماعية في العالم هو توفير الرفاه وحماية الجميع من مختلف مخاطر وتقلبات الحياة، وفي الحالة المغربية يحدث نقيض هذا الهدف حيث تتحمل الأسر المغربية أكثر من نصف كلفة التغطية الصحية الأساسية عن المرض، بينما يحد التضخم من أثر الدعم الاجتماعي المباشر.
هذا وضمن المرصد في تقريره مجموعة من التوصيات والتي يرى أن من شأنها المساهمة في معالجة مختلف الاختلالات التي تسم تنزيل ورش منظمة الحماية الاجتماعية، دعا إلى تعزيز الإرادة السياسية لتوزيع الثروة، وذلك عبر العمل على إعادة الثقة في المؤسسات واحترام أحكام الدستور واعتماد التشاور والمشاركة لجميع مكونات المجتمع المدني ، هذا مع ضمان التوزيع العادل للثروة بكيفية تمكن من تصحيح الاختلالات البنوية في النموذج الاجتماعي والاقتصادي المغربي بدل الاستمرار في معالجة ألأعراض عبر توظيف التمويلات المبتكرة لتوسيع سياسات التخلي عن المسؤولية الاجتماعية للدولة وتحميل عبء الإصلاح على الطبقة المتوسطة بما يخل بالتوازن المطلوب بين مختلف الشرائح الاجتماعية.

< فنن العفاني

Top