“تشوبا تشوب” الحلوى المفترسة.. قراءة في نص مسرحي للكاتب محسن زروال

يعد الكاتب المغربي محسن زروال من الكتاب المسرحيين المغاربة الذين تمتاز كتاباتهم الدرامية بالجرأة في تناول قضايا حساسة ومستفزة، تلامس الواقع الاجتماعي من خلال النبش في المسكوت عنه مجتمعيا، وذلك بواسطة قالب مسرحي تتسم لغته بالكتابة الشذرية، تلك الكتابة المتقطعة الثاوية بين السطور، والمفصحة عن الصراعات والتصدعات التي تهز الدواخل النفسية لشخوص محسن زروال في نصوصه الدرامية، ما يجعل قارئ مسرحياته يصطدم بعنف لغوي يطبعه التوتر والتشظي اللذان يؤججان الصراع الدرامي في بناء الحدث، ولعل نص “تشوبا تشوب” لا ينزاح عن هذا المسار الدرامي الذي رسمه الكاتب لشخوصه، وذلك بتوظيف لغة واقعية أساسها الملفوظ اليومي المتداول في اللسان المغربي، وإن كانت هذه اللغة عبارة عن لهجة محلية، إلا أنها تمتاز بالقوة في التعبير عن القضايا التي يحفل بها هذا النص الذي نسعى لتحليله، والوقوف عند مستوياته الدرامية.

دراسة العنوان يختزل عنوان النص المسرحي “تشوبا تشوب” قضية اغتصاب الأطفال المسكوت عنها في المجتمع مخافة الفضيحة أمام الناس، وهي خطيئة يؤدي ثمنها الضحية الذي يعيش هول المصيبة لوحده، إذ يترك الجاني حرا أو معفوا عنه، وهو ما يدفع الضحية إلى البحث عن أساليب الانتقام حتى يتمكن من التخلص من ألم الفاجعة التي ألمت به، بغية الوصول إلى حالة التطهير النفسي من هول الفاجعة. 

يمكن تصنيف الطابع الجمالي لعنوان “تشوبا تشوب” ضمن الدراما الواقعية، أي دراما الحياة الاجتماعية، ذلك أن القضايا التي يطرحها محسن زروال نابعة من صلب المجتمع: الاعتداء الجنسي على الأطفال، السكر العلني، الكلام النابي والساقط، السلطوية، التدين، العلمانية وغيرها من التناقضات البارزة في هذا النص الدرامي.. كما أن صورة غلاف النص المسرحي توحي بدلالات عميقة تتجسد في العنف الجسدي الممارس عليه، من خلال غرس مخالب اليد فيه، ما يبرز دلالة الاعتداء الجسدي المفضي إلى الاغتصاب.

   تعتبر دراسة العنوان من أهم المداخل الأساسية التي تجعلنا نطلع على ما يحفل به النص الدرامي من قضايا فكرية وسياسية واجتماعية تلخص الحدث البارز للنص الدرامي، فعنوان “تشوبا تشوب” يحيل إلى دلالات عميقة تكشف عن مجموعة من التوترات والتناقضات التي تطبع المجتمع المغربي، حيث ظاهرة اغتصاب الأطفال من طرف البيدوفيليين، والكلام النابي الصادر عن السلطات المخزنية، وقمع التظاهرات وحرية التعبير، وإن كانت “تشوبا تشوب” في واقع الأمر عبارة عن حلوى ذات أشكال متعددة تستهوي الأطفال الصغار، لكنها تتحول في هذا النص إلى كابوس مرعب يفقد صاحبه لذة الحياة، فيصبح الغاصب حرا والمغتصب مقيدا ومهددا بتهم العصيان.

الحكاية   تستهل أحداث المسرحية بتقديم مول الكشكول بواسطة الميكرفون شخصية ولد المحزني المسمى يوسف سلام، سنه إثنان وثلاثون عاما، وسط فضاء متناقض يجمع بين المقدس والمدنس كما ورد في الإرشادات المسرحية للمؤلف، حيث يختلط صوت القرآن والأذان، بالقيء في المرحاض والتنظيف من حوض ماء، فيظهر والد يوسف سلام يلوم ابنه عما بدر منه من عصيان وتمرد على رئيسه لعدم الامتثال لأوامره، فيقوم بتهديده على الوعيد الذي ينتظره من قبل المخزن، فيرد ولد المخزني، أنه في تلك اللحظة لم يقو على الحركة، وأن جسده تثاقل عليه، خصوصا وأن الدافع الذي منعه، كان يعنيه بالدرجة الأولى، أناس خرجوا يحتجون ضد وحش اغتصب أحد عشر طفلا، يحضى بعفو من أعلى سلطة مخزنية.   يخضع ولد المخزني للتحقيق تحت السب والشتم من قبل محققين سبق وأن كانا معه في الخدمة المخزنية (السربيس)، إذ يشرع المحقق الأول في طرح العديد من الأسئلة حول ولد المخزني عن حياته الشخصية والعائلية والعاطفية، وعلاقته بمول الكشكول وعن حيثيات اللقاء الذي جمعهما في أول وهلة، ونفس الأمر يسير مع المحقق الثاني في استفساره عن مول الكشكول، إلى أن يصل معه إلى بؤرة الصراع التي تم إيقاف فيها ولد المخزني، ووضعه تحت الحراسة النظرية بغرض التحقيق معه عن عصيانه للأوامر في عدم المشاركة في فض تظاهرة 02 غشت 2013 ضد قرار العفو على البيدوفيلي المغتصب صاحب تشوبا تشوب التي لازمت ولد المخزني طوال حياته، فيستفسره المحقق الثاني عن التعاطف مع العائلة المحتجة (الأم والأب والابن)، لكن يوسف سلام (ولد المخزني) نفى نفيا قاطعا وجود أي علاقة أو صلة قرابة تجمعه بهما، إلا أن الأمر الوحيد الذي هيجه ومنعه من المشاركة لفض التظاهرة؛ هي تلك النظرات التي تبادلها مع الطفل الذي كان يحمله والده فوق كتفيه، فعاد به إلى طفولته، مستحضرا ذكريات أليمة ومحزنة، ذكريات اعتداء القائد على والده وهو يسبه ويشتمه ويركله، دون أن يحرك الطفل (ولد المخزني) ساكنا، بخلاف الطفل الذي كان في التظاهرة مع عائلته يحتج ويضحك في وجه ولد المخزني معلنا عن انتصاره.   طرحت مسرحية “تشوبا تشوب”، بكل جرأة قضية حساسة تمثلت في اغتصاب الأطفال من لدن بيدوفيليين ينعمون بالحرية في مجتمع ينشد سلطة القوانين والعدالة، والأمر لا يتوقف عند الإعفاء عن مغتصب أحد عشر طفلا، كما يثيره النص، بل إن محسن زروال يشير على لسان ولد المخزني أن هناك العديد من الأطفال ضحايا الاعتداء الجنسي يتمتع مغتصبوهم بالحرية، وغالبا ما يكون هؤلاء المعتدون إما من الأقارب، أو مرضى نفسيين تعرضوا بدورهم للاغتصاب، ما يدفع كثيرا من أسر الضحايا للتستر على تلك الجرائم مخافة الفضيحة أمام الناس.. يقول يوسف سلام: “وكيف ما اغتصبك انت.. اغتصب منك عداد ومزال.. وكل شي كيدوز حسي مسي حيث حتى واحد ما قادر يكر.. حتى واحد ما قادر ديكلاري.. كلشي خايف من الشوهة.. كلشي داير الحساب لكلام الناس.. وحتى واحد ما داير الحساب للجرح اللي كيبقى راكد في القلب.. وكل ما كبرت.. كيكبر معاك..” (ص:67-68)، والأدهى من ذلك قد يتجاوز الاعتداء الجنسي على الأطفال إلى القتل أحيانا، وتعتبر قضية الطفل عدنان الذي راح ضحية اغتصاب من لدن بيدوفيلي بطنجة سنة 2020، أبرز جريمة وحشية في حق الطفولة، وإن أدانه القضاء المغربي بعقوبة الإعدام.    كما كشفت لنا أحداث مسرحية “تشوبا تشوب” عن غلظة السلطة واستبدادها، وقمعها للمتظاهرين المطالبين بتطبيق القانون في حق المجرمين الذي يستغلون سذاجة الأطفال والاعتداء عليهم جنسيا، إذ بدت السلطة المخزنية في هذا النص سلطة متعسفة وقمعية، وعنيفة في ألفاظها التي لا تنطق إلا من تحت الحزام، مما يعني أن العنف اللغوي لرجال السلطة في هذا النص الدرامي ناتج عن الضغط الممارس عليهم من قبل مرؤوسيهم، في تنفيذ أوامرهم وعدم عصيانها، فيلجأون إلى استعمال أقبح الألفاظ الزنقاوية لتمريغ المتظاهرين أو الجناة، أو العاصين للأوامر بأبشع العبارات، كما هو الحال مع ولد المخزني مع المحققين والقائد، وهو ما يعني أن الصفات الخلقية والإنسانية تنعدم لدى رجال السلطة -في هذا النص – أثناء ممارسة سلطتهم، مثل ما وقع لوالد ولد المخزني عندما عنف القائد أباه أمام عينيه، وهو لازال طفلا صغيرا، وكذا تهديد المحققين ولد المخزني أثناء الاستنطاق بإدخال قنينة الخمر في دبره، وهي أساليب مخزية يتعرض فيها الجسد الإنساني إلى أبشع صيغ التعذيب.

إذا كان محسن زروال يصف نصوصه المسرحية بالمهادنة والمسالمة، فإن الأحداث البارزة في هذا النص الدرامي، كشفت عكس ذلك، فهي مشحونة بالتوترات والتصدعات، بل إنها صدمات قوية تعري عن واقع مهزوز نفسيا يخشى الفضيحة، ويتستر على الجريمة التي تتحول مع مرور الزمن إلى كابوس مرعب يصعب التخلص منه، وقد يتحول المغتصب إلى مجرم يبحث عن ضحايا ينتقم منهم، وهذا يعني أن الكاتب المسرحي لم تكن غايته تسليط الضوء على قضية اغتصاب الأطفال فقط، وإنما لمح لنا من خلال نصه، أن السكوت عن جريمة الاعتداء الجنسي على الأطفال من قبل أقاربهم، أو الجهات المعنية (سلطات، جمعيات مجتمع مدني…) أعظم خطيئة في حق الطفولة.

 يستحضر ولد المخزني عبر تقنية الفلاش باك بألم ومرارة فاجعة الاعتداء الجنسي من لدن البيدوفيلي (المسمى علال المخزني) الذي استدرجه بواسطة تشوبا تشوب، هذه الحلوى التي تحولت إلى وحش مفترس غرست أنيابها في جسد طفل عمره ثماني سنوات ونصف، وفي مناسبة عيد الأم فقد طفولته فوق قبر أمه التي لم تستطع القيام من تحت التراب لتخلص ابنها من ألم الفاجعة، وهو يصرخ صراخا قويا، منذ ذاك الوقت مات يوسف سلام، وصار ولد المخزني إلى أن استفاق مع ذاك الطفل المحتج يوم 02 غشت 2013 ضد العفو على تشوبا تشوب، رافضا الامتثال لأوامر رئيسه رغم السب والشتم والقذف.. “ما أطاكش.. صعيب يغتصبك واحد وأنت صغير.. ويوميا تشوفو قدامك….”، هكذا انتهت تفاصيل أحداث مسرحية تشوبا تشوب، بعدما تحرر ولد المخزني من ألمه وسكوته وخوفه، وبعدما علم بمقتل مغتصبه من لدن بونقشة الذي مزق جسد البيدوفيلي بطعنات أغرقته دما.

   وفي شق ثان من أحداث المسرحية يجتمع مول الكشكول وولد المخزني في فضاء يشبه حانة يحتسيان فيها الخمر ويتبادلان أطراف الحديث، فيظهر مول الكشكول بكونه شخصية متنورة ومتحررة ومنتفضة ضد الظلم والاستبداد الممارسين على الطبقات الشعبية المهضومة الحقوق، صابا جام غضبه على ولد المخزني واصفا إياه بالمتخلف والكلب المطيع، ما جعل ولد المخزني يدخل في نوبة من الضحك الهيستيري، لينعت مول الكشكول بالعلماني، آكل رمضان، متوعدا إياه بأقصى العقوبات حين يلتقيه بزيه المخزني.

تحكي أحداث نص مسرحية “تشوبا تشوب” ظروف حياة شاب في الثلاثين من عمره يدعى “ولد المخزني” تعرض في صغره، وهو ذو الثامنة والنصف، لاعتداء جنسي من قبل بيدوفيلي في صفة مخزني، فيكبر هذا الطفل، وتكبر معه الفاجعة التي غدت كابوسا يلازمه، وبما أن أحداث المسرحية في بنيتها الدرامية لا تعتمد حكاية خطية واحدة متسلسلة الأحداث، فإننا نواجه أحداثا متناثرة ومتناقضة يطبعها التوتر والاضطراب، بحيث تكون نهاية الحدث هي البداية، والبداية هي النهاية.

الشخصيات

وظف محسن زروال في نصه المسرحي شخصيات واقعية، لها وجود مادي في المجتمع المغربي، وجعل لكل شخصية قاموسها اللغوي حسب انتمائها ومستواها وطبقتها، ويمكن في هذا السياق جرد أهم الشخصيات مع تحديد صفاتها ومميزاتها وكذا علاقتها بباقي الشخصيات الأخرى.

ولد المخزني: يقدمه النص على أنه ينتمي لطبقة مخزنية عادية، والده مخزني، وأمه متوفيه، تعرض في صغر سنه إلى الاغتصاب، مما شكل له عقدة نفسية دفينة دفعته إلى التفكير في الانتقام من مغتصبه، فالتحق بصفوف المخزن لتحقيق هدفه، فأدمن على شرب الخمر، وتناول السجائر ظانا أنها ستنسيه ألمه وخوفه الطفولي من هول الفاجعة.

المخزني: رجل مقعد ومشلول، مخزني عاد، تعرض للضرب والسب من قبل رئيسه، رغم ذلك فهو مطيع للأوامر، صب جام غضبه على ولده يوسف سلام (ولد المخزني) بمختلف الكلمات النابية، عندما علم بمخالفته للتعليمات.

مول الكشكول: شخصية مبهمة ترتدي معطفا أسودا طويلا وشالا أحمرا، مدمن على شرب الخمر، يقدمه النص كوسيط وشاهد على الأحداث يرويها عبر الميكروفون، يدخل في بعض الجدالات مع بعض الشخصيات، متذمر من السلطة المخزنية وجبروتها الممارس على الطبقات الشعبية.

المحققان: شخصيتان مخزنيتان دورهما إخضاع ولد المخزني للمساءلة والتحقيق، يتصفان بالغلظة والشدة في التحقيق، لغتهما سلطوية، مطبوعة بالسادية والشتم والسب والتهديد.

البيدوفيل: شخصة ماكرة ومتنكرة، لها ميولات جنسية، تستعمل الحيل لاستغلال سذاجة الأطفال والاعتداء عليهم جنسيا.

القايد: يظهر في آخر أحداث النص وهو شخصية سلطوية، منفعلة ومتعسفة، تمارس السلطة بانفعالية زائدة، معجمه اللغوي سليط يتسم بالتهديد والوعيد في كل من خالف أوامر السلطة، كلامه ناب وقبيح.    وقد برزت شخصيات “تشوبا تشوب” بألقاب اختفت معها أسماؤها الحقيقية بشكل كبير، وذلك راجع إلى حمولة هذه الألقاب وتمثلاتها في المجتمع، فشخصيات ولد المخزني، والمخزني، والقائد، توحي دلاليا إلى نظام السلطة والتحكم في دواليب المجتمع، فكلمة المخزن في مخيال المجتمع المغربي لها دلالة واحدة وهي السلطة بكونها آلية من آليات الرقابة لفرض نظام معين، غير أن شخصية ولد المخزني باعتبارها شخصية محورية في هذا النص الدرامي، تصبح شخصية رافضة لنظام المخزن معلنة في مقابل ذلك العصيان ضد التعليمات جراء الانتهاك الذي تعرض له في ممارسته للمخزن من لدن رؤسائه الكبار، والاعتداء الجنسي الممارس عليه من طرف المخزن في صغره، مما يبين أن طبيعة العلاقة بين شخصية ولد المخزني وباقي شخصيات المخزن هي علاقة حقد وكراهية وانتقام، بينما شخصية مول الكشكول، فهي الشخصية الوحيدة التي لا تنتمي لدواليب السلطة، غير أن لها علاقة غير مباشرة بها عن طريق ولد المخزني، الذي سيستفزه، كونه كلبا مطيعا للمخزن الذي يقمع حرية التعبير، مقدما نفسه – كونه – شخصية مثقفة وفاعلة في المجتمع، ومناهضة للسلطة المخزنية في وظيفتها القمعية. 

   وقد ظهرت شخصيات نص مسرحية “تشوبا تشوب” – كما جاء في تقديم خالد أمين لهذا النص – “مجوقة، وذلك لكونها تشهد على الحدث وتتأمله في الآن نفسه من خلال المزج بين بوح مسترسل عبر أثير الميكروفون تسرد فيه مجزوءات من واقعة الاغتصاب أو وقائع أخرى موازية، والحالة الدرامية المعروضة بشكل مباشر في أحد الممرين الضوئيين”. (ص: 13)، ولعبت شخصية مول الكشكول هذا الدور بشكل كبير، سواء عن طريق السرد أو الغناء في تقديم شخصية ولد المخزني، أو أداء مقطوعات غنائية كما ورد ذلك في الإرشادات المسرحية.

   لقد منحت شخصيات النص المسرحي “تشوبا تشوب” المشار إليها، بعدا دراميا قويا، فهي شخصيات من وحي المجتمع المغربي، وليست شخصيات خيالية غير موجودة في الواقع، فرغم تصدعها وتشظيها، والتنافر الذي يطبعها، فقد جعل محسن زروال من شخوصه كائنات ورقية حية تتحرك وتتفاعل من خلال الممرين الضوئيين الواردين في النص، وعبر الميكرفون الذي كان وسيطا بين الشخصيات في التعبير عن ميولاتها النفسية أثناء البوح أو الغناء.

الفضاء 

تبين من خلال الإرشادات المسرحية أن الفضاء الذي دارت فيه الأحداث اتسم بالفراغ، وقد تم ملؤه بواسطة الإضاءة عبر تشكيل ممرين تتحرك فيهما الشخصيات، وحسب تنامي الأحداث مع سياقاتها تظهر أفضية اللعب الدرامي، فتارة يصبح الفضاء حانة لشرب الخمر، أو غرفة للتحقيق والاستنطاق، أو ساحة للاحتجاج أو باستعادة الماضي المؤلم إلى مقبرة تمت فيها عملية الاغتصاب، بينما الزمن، فقد مزج بين الماضي والحاضر، وهو زمن مطبوع بالتشظي والانكسار الذي عاشته شخصيات النص، حيث ألم ذكريات الماضي (التعنيف الجسدي، الاعتداء الجنسي)، وألم الحاضر (المعاناة النفسية، الرغبة في الانتقام، التذمر..).

اللغة والحوار 

   وظف محسن زروال الدارجة المغربية لشخوصه المسرحية، وذلك للإيحاء بواقعية الأحداث، بحيث اتسمت هذه اللغة بالجرأة في التداول بين الشخصيات من قبيل استعمال ألفاظ بمسمياتها في اللسان المغربي الدارج، وهو ما زادها قوة درامية جعلت من النص الدرامي أكثر تعبيرا في تبليغ رسالته للقارئ من خلال تعبير الشخصيات عن أحاسيسهم بواسطة لغة مجتمعهم، إذ كانت لغة السلطة المخزنية لغة قوية وعنيفة، ولغة غير المنتمين للسلطة لغة جدلية وفكرية، باستثناء لغة ولد المخزني التي كانت مخنوقة ومجروحة بألم ذكريات الماضي، وألم الحاضر الموسوم بلغة التهديد والوعيد، في حين اتخذ الحوار كلاما مباشرا بين الشخصيات، وتارة بشكل غير مباشر، رسم بعدا جدليا في النص سواء بين مول الكشكول وولد المخزني، أو مع المحققين والقائد، أو بصيغة استعادية بالرجوع للماضي بين يوسف سلام الطفل والبيدوفيلي علال المخزني.

محسن زروال

الإرشادات المسرحية  عموما، يمكن اعتبار النص المسرحي “تشوبا تشوب” نصا دراميا يعكس صورة مؤلمة لقضية الاعتداء على الأطفال عبر عنها الكاتب بأسلوب ولغة من نسيج واقع المجتمع المغربي، كاشفا عن الأمراض والأعطاب النفسية التي تتركها في نفوس الضحايا، كما امتاز نصه برؤية دراماتورجية ركحية حولت المكتوب إلى رؤية بصرية يستشرفها المتلقي وهو يتابع تنامي الأحداث وتطورها، مكونا بذلك صورة مركبة عن الحدث الدرامي لهذا النص، ليتبين أن الكتابة الدرامية عند محسن زروال هي كتابة معدة للعرض والفرجة، كما أنها كتابة موسومة بالتشظي والانشطار والتفكيك، وقد تبدى هذا كله في حوار الشخصيات التي كانت لغتها عنيفة بعنف السلطة المخزنية، وميؤوسة ومفجعة بلغة الانتقام، وجدلية بلغة التفكير والتحرر من سلطة العنف بشتى أشكاله، ومن ثم، فهي ليست كتابة مهادنة ومسالمة، بقدر ما هي كتابة مستفزة ومشاكسة تقتحم المحظور مجتمعيا عبر فضحه وتعريته بلغة درامية تنأى عن الشاعرية وتمس الواقع بآلالامه وجراحاته.  

خلاصة

استعمل محسن زروال بشكل كبير الإدرشادات المسرحية، والتي يمكن اعتبارها نصوصا موازية للنص الدرمي، إذ منحتنا صورة بصرية عن أهم تفاصيل أحداث المسرحية، مما يبدو أن محسن زروال كان يكتب للفرجة، فعن طريق هذه الإرشادات المسرحية رسم تصورا جماليا للإضاءة المسرحية ومدى تفاعلها مع الحدث، كما رسمت لنا تحركات الشخصيات وتفاعلها مع الأحداث مبرزة ملامحها وصفاتها وميولاتها.

* بقلم: هشام حكام

Top