تسريع إنجاز برنامج السدود رهان حقيقي لضمان الأمن المائي والغذائي

يشكل تسريع إنجاز برنامج السدود الكبرى والصغرى رهانا حقيقا للمغرب لتحقيق الأمن المائي والغذائي، حيث يطمح المغرب في إطار البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027 إلى رفع الطاقة التخزينية من المياه الصالحة للسقي إلى 24 مليار متر مكعب في أفق سنة 2030، طبقا للتوجيهات الملكية، و رفع الطاقة التخزينية للمياه العادمة المعالجة إلى مليار متر مكعب سنويا عبر توسيع برنامج استغلال المياه العادمة المعالجة في سقي المساحات الخضراء، وكذا تحسين مردودية شبكات التوزيع وتسريع وتيرة إنجاز محطات تحلية مياه البحر بكل من الدار البيضاء، آسفي، الجديدة ، والناظور، للانتقال من تسعة محطات حاليا إلى 20 محطة في أفق 2027،  بالإضافة إلى الإسراع في إنجاز الشطر ألاستعجالي لمشروع الربط بين حوضي سبو وأبي رقراق بالإضافة إلى  استمرار إنجاز مشاريع جديدة لتأمين التزويد بالماء الصالح للشرب بالعالم القروي والتي تهم 1970 دوارا و40 مركزا. ولقد لعبت التدابير الاستعجالية لمواجهة شبح الجفاف صيف 2022 إلى تجنب السيناريورهات الأسوء حيث تم توفير 706 شاحنات صهريجية لضمان تزويد 2,7 مليون نسمة موزعة على 75 عمالة وإقليما، وكذا اقتناء 26 محطة متنقلة لتحلية مياه البحر لاستغلالها في 17 إقليما و15 محطة لتحلية المياه الأجاجة لاستغلالها في 9 أقاليم.

فالمغرب اليوم يعد من بين أكثر البلدان تأثرا في العالم بالإجهاد المائي، إذ انخفضت بين عامي 1960 و 2020 الموارد المائية المتجددة المتاحة من 2560 مترا مكعبا إلى حوالي 620 مترا مكعبا للفرد سنويا مما أدى بالبلاد إلى حالة من “الإجهاد المائي الهيكلي”، وخلال نفس الفترة، قامت المملكة ببناء أكثر من 120 سدا كبيرا، مضاعفة السعة التخزينية للمياه بمقدار عشرة، ومع ذلك فقد انخفض الحجم الفعلي للمياه المخزنة في السدود الرئيسية في البلاد خلال معظم العقد الماضي.

وخلال فترة الجفاف الأخيرة، كان معدل الملء الإجمالي حوالي 33٪ فقط، مما يهدد الأمن المائي في بعض أحواض الأنهار ويدفع السلطات إلى اتخاذ تدابير طارئة، لذلك ينبغي للمغرب أن يدعم جهود تطوير البنية التحتية بسياسات إدارة الطلب على المياه التي تشجع الاستخدام المستدام والفعال والعادل لموارد المياه.

ولقد أظهرت الأحداث الأخيرة أن الحلول التقنية لم تعد كافية لحماية الاقتصاد من الصدمات المناخية وتسليط الضوء على الحاجة إلى سياسات تكميلية، مثل تلك الموضحة في النموذج التنموي الجديد، والتي من شأنها أن تأخذ في الاعتبار القيمة الحقيقية للموارد المائية وتشجيع استخدامات أكثر كفاءة وأكثر منطقية”، كما يقول جيسكو هينتشل، مدير عمليات البنك الدولي للمغرب العربي ومالطا، وتشمل هذه الإصلاحات تحديد أسعار الموارد المائية التي أصبحت أكثر ندرة بقيمة مناسبة، وتطوير آليات فعالة لتخصيص المياه، على سبيل المثال عن طريق نظام الحصص القابلة للتداول، وإنتاج ونشر بيانات دقيقة ومفصلة عن الموارد المائية، ويلقي التقرير أيضا نظرة فاحصة على عواقب ارتفاع التضخم بسبب الحرب في أوكرانيا. حتى لو تم التخفيف من حدته عن طريق الدعم، فمن المتوقع أن يتسارع تضخم أسعار المستهلكين إلى 5.3٪ هذا العام من 1.4٪ فقط في عام 2021. ومن المرجح أن يؤدي هذا إلى تآكل القوة الشرائية للأسر الأشد فقرا والأكثر ضعفا، وتؤدي المساعدة المقدمة للمزارعين والمستهلكين من خلال الإعانات إلى زيادة الإنفاق، بينما يؤدي ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء العالمية وانخفاض إنتاج الحبوب المحلي إلى زيادة متطلبات الاستيراد، ونتيجة لذلك، من المتوقع أن يصل عجز الميزانية وعجز الحساب الجاري إلى 6.4٪ و 5.2٪ من الناتج المحلي الإجمالي على التوالي في عام 2022، مقارنة بـ 5.6٪ و 2.3٪ في عام 2021، ومع ذلك يتم تخفيف مخاطر الاقتصاد الكلي هذه في سياق يتميز براحة تامة. مستوى احتياطيات النقد الأجنبي، وأسعار الفائدة المحلية الحقيقية المنخفضة نسبيا، وهيكل دين عام قوي، وإمكانية وصول جيدة إلى الأسواق المالية الدولية.

 

رهان المغرب للتخفيف من تغير المناخ و التكيف معه

ومع اقتراب الدورة السابعة والعشرون لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ  في شرم الشيخ حان الوقت لأن يعمل المجتمع الدولي على مكافحة تغير المناخ مع تحسين سلامة الأغذية بالنظر إلى الزيادة المطردة في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والارتفاع السريع في درجات الحرارة  حيث يظهر التقرير السادس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، الذي نشر في منتصف الصيف الماضي أنه من الملح العمل ضد الاحتباس الحراري وأن القطاع الزراعي يمكن أن يلعب دورا حاسما ولم ينته التقرير السادس للجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ بشأن تغير المناخ، الذي نشر في 9 غشت 2021 من تقديم دروسه فقد ارتفع متوسط ​​درجة الحرارة على الأرض بمقدار 1.1 درجة مئوية مقارنة بالفترة 1850-1900، أما بالنسبة للإنسان فيشبه الانتقال من 37 درجة مئوية إلى 39.5 درجة مئوية لكن هنا لا مجال للمقارنة فالنظام البيئي مريض يعني مباشرة أن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المرتبطة بالأنشطة البشرية تتزايد باطراد ومنذ عام 1900، إن العواقب على الزراعة، التي تمثل في المغرب 19٪ من هذه الانبعاثات، عديدة وواضحة بالفعل ولها تأثيرات مباشرة على غذاء الإنسان والحيوان من حيث السعر والجودة، فلم يعد التحدي يكمن في التخفيف من آثار تغير المناخ فحسب، بل في التكيف معه أيضا. فعلى سبيل المثال  انخفض متوسط ​​الطلب على المياه للذرة من 2000 إلى 3000 متر مكعب/هكتار/السنة بسبب الجفاف بينما انخفضت إنتاجية الأعلاف بنسبة 25٪ بين عامي 1980 و 2006 بسبب تدهور التربة  بينما في يونيو الماضي دمرت عواصف البرد في حوض سايس وبالضبط إقليم صفرو معظم المحاصيل وتسبب الصقيع في فقدان معظم المنتوجات المزراعية الموسمية، إذن من المحتمل جدا في المستقبل  أن تكرر هذه الأحداث نفسها أكثر، حتى الآن، تساعد السوق العالمية في سد الثغرات، لكن سيناريوهات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ تشير إلى تدهور الوضع، على سبيل المثال فيما يتعلق بحصاد القمح، الذي يقدر بالفعل بنسبة -2٪ كل 10 سنوات من قبل الأمم المتحدة في عام 2014، إذن من الواضح أن السوق الزراعية ستضيق أكثر.

وتوجد حلول للعالم الزراعي للتقليل من انبعاثاته: التغيير في طرق الإنتاج، وعزل الكربون عن طريق التربة، والبيع في دائرة كهربائية قصيرة، والتنويع…. تلتزم فرنسا بخفض الانبعاثات الزراعية بنسبة 46٪ بحلول عام 2050. ووفقا لخبراء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، يساهم القطاع الزراعي بنسبة 40٪ من انبعاثات غاز الميثان بسبب تربية الماشية، من خلال تقليل انبعاثات الميثان بنسبة 45٪، يمكن للقطاع الزراعي تجنب سيناريو + 0.3 درجة مئوية من الاحتباس الحراري، خطوة إلى الأمام من شأنها أن تساهم بشكل كبير في تحقيق هدف الحفاظ على ارتفاع متوسط ​​درجة الحرارة على الأرض أقل من 2 درجة مئوية، وهي أولوية يجب أن يتقاسمها الجميع، فلا يمكن أن يتحقق هذا التطور دون إعادة التفكير بشكل عاجل في نماذجنا الاقتصادية وأنظمتنا الغذائية.

 

توقف الاقتصاد المغربي نتيجة الجفاف وارتفاع أسعار السلع

بعد انتعاش مستدام في عام 2021، عانى الاقتصاد المغربي هذا العام من آثار الجفاف الشديد وتباطؤ الاقتصاد العالمي وارتفاع أسعار الطاقة العالمية ومواد غذائية. وبحسب آخر تقرير متابعة للوضع الاقتصادي في المغرب: التعافي الاقتصادي آخذ في الجفاف، وسيظهر الاقتصاد تباطؤا ملحوظا، وتشهد عواقب الجفاف، التي تفاقمت بسبب الحرب في أوكرانيا، على تعرض المغرب للصدمات المناخية والصدمات العالمية على أسعار السلع. وتعتبر فترات الجفاف المتتالية على مدى ثلاث من السنوات الأربع الماضية بمثابة تذكير قوي بضعف الاقتصاد المغربي من عدم انتظام مستويات هطول الأمطار المتزايدة. يقدم المنشور الجديد تحليلا لتأثيرات الجفاف وندرة المياه على وضع الاقتصاد الكلي في المغرب، وهو جزء من تقرير قادم حول قضايا المناخ والتنمية في البلاد، في حين أن صدمات انخفاض هطول الأمطار كانت دائما عاملا من عوامل تقلب الاقتصاد الكلي في المغرب، فقد أعقب الجفاف عموما انتعاش قوي ولم يعيق نمو الناتج المحلي الإجمالي الزراعي القوي والطويل الأجل، ومع ذلك، مع زيادة تواتر مواسم الأمطار السيئة ، يمكن أن يصبح الجفاف تحديا هيكليا، مما يؤثر بشكل خطير على الاقتصاد على المدى الطويل.

 

استراتيجية وطنية للفلاحة المستدامة

شكل تغير المناخ على الدوام، أحد الإكراهات الأساسية أمام تنمية القطاع الفلاحي بالمغرب، وفي هذا الصدد، تشير سيناريوهات التغيرات المناخية إلى أن مناخ المملكة المغربية سيصبح قاحلا أكثر بسبب قلة التساقطات المطرية وارتفاع درجات الحرارة والظواهر الطبيعية الحادة المتكررة. ومن شأن هذا التوجه أن يؤثر سلبيا على الموارد المائية والتنوع البيولوجي وكذا على المشهد الفلاحي، وتجدر الإشارة إلى أن المغرب عرف خلال 70 سنة الأخيرة عشرين موسم جفاف، وبهدف التخفيف من آثار التغيرات المناخية، وانخراطا منها في السياسة الوطنية للحد من تداعيات التغيرات المناخية والاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، قامت الاستراتيجية الفلاحية على محورين رئيسيين، وهما التكيف مع التغيرات المناخية والتخفيف من آثار الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وارتكزت الجهود المبذولة على تدبير وعقلنة استعمال مياه السقي. فيما اتجهت جهود التخفيف من آثار تغير المناخ صوب برامج توسيع المساحات المغروسة بالأشجار المثمرة بهدف الرفع من القدرة على امتصاص الكربون والتخفيف من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وفي انسجام تام مع السياسة الوطنية لمكافحة تغير المناخ والاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، اعتمدت الاستراتيجية الفلاحية مكونين أساسيين، ويتعلق الأمر، من جهة، بالتكيف مع التغيرات المناخية، ومن جهة ثانية، بالتخفيف من آثار الغازات المسببة للاحتباس الحراري. وفيما تمحورت مجهودات التكيف بشكل خاص حول التحكم في مياه السقي، اتجه مجهود التخفيف على الخصوص، إلى توسيع المساحات المغروسة بالأشجار المثمرة بهدف الرفع من قدرات امتصاص الكربون والتخفيف من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وإضافة إلى المجهودات المبذولة في مجال تعبئة التمويلات المناخية، تمكنت وكالة التنمية الفلاحية من الولوج المباشر للموارد المالية لصندوق التكيف سنة 2012 والصندوق الأخضر للمناخ  سنة 2016. بذلك تم تمويل مشاريع التنمية المستدامة الموجهة للتكيف والتخفيف من آثار الغازات المسببة للاحتباس الحراري، داعمة بذلك التزامات المغرب في إطار المساهمة الوطنية المحددة في الاتفاقية الإطار للأمم المتحدة حول التغيرات المناخية، وحظي السقي الفلاحي بمكانة مركزية ضمن البرامج الإصلاحية الأفقية والمهيكلة الرامية إلى مواجهة ندرة الموارد المائية. وفي هذا الإطار، أولى مخطط المغرب الأخضر أهمية خاصة لترشيد استعمال مياه الري كوسيلة لتحسين الإنتاج الفلاحي والإنتاجية الفلاحية، مع ضمان استعمال ناجع ومستدام للموارد المائية في سياق يتميز بالتغيرات المناخية، تتمحور سياسة التحكم في المياه وتدبيرها في إطار مخطط المغرب الأخضر حول عدة برامج مهيكلة للري، منها البرنامج الوطني للاقتصاد في مياه السقي والذي يهدف إلى تطوير السقي بتقنيات الري الموضعي على مساحة تناهز 000 550 هكتار في أفق 2020، وذلك بهدف تحسين نجاعة استعمال مياه السقي في المجال الفلاحي، مما سيمكن في نهاية المطاف من اقتصاد وتثمين 1.4 مليار متر مكعب سنويا. وبلغت المساحة المجهزة بتقنيات الري الموضعي إلى غاية 2019 حوالي 585 ألف هكتار، متجاوزة الهدف المحدد لسنة 2020 الذي كان 000 500 هكتار، وبرنامج توسيع الري بسافلة السدود  ويهدف إلى توسيع السقي على مساحة 130 ألف هكتار بسافلة السدود المنجزة أو المبرمجة، سواء عبر إحداث مجالات سقوية جديدة أو عن طريق تعزيز السقي في النطاق السقوي الموجود. ويتوخى هذا البرنامج مواجهة ضعف تثمين حوالي 1.2 مليار متر مكعب من الموارد المائية المعبئة في السدود والموجهة للسقي الفلاحي. وقد بلغت المساحة المجهزة أو في طور الإنجاز في إطار هذا البرنامج حوالي 280 82 هكتار إلى غاية متم سنة 2019، وبرنامج تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مجال الري والذي يهدف إلى تحسين الظروف التقنية والاقتصادية والتمويلية لتدبير خدمات مياه الري داخل المجال الفلاحي المسقي ويهدف هذا البرنامج إلى الحفاظ على المياه الجوفية، عبر تعبئة الموارد المائية غير التقليدية من خلال العديد من المشاريع منها مشاريع المحافظة على مياه السقي ومشاريع تحلية مياه البحر.

وفي هذا السياق، تم إبرام 4 اتفاقيات شراكة بين القطاعين العام والخاص إلى حدود نهاية سنة 2019، ضمنها مشروعين لتحلية مياه البحر بغرض استعماله في الري الفلاحي على مساحة 000 15 هكتار في منطقة شتوكة آيت باها و000 5 هكتار في الداخلة، وقد مكنت هذه البرامج السقوية، التي تم إطلاقها في إطار مخطط المغرب الأخضر، من تجهيز وتحديث حوالي 800 ألف هكتار بتقنيات الري الموضعي إلى حدود نهاية سنة 2019، أي ما يمثل 50% من المساحة المسقية على المستوى الوطني، وبلغ حجم الاستثمارات المنجزة في إطار هذه البرامج حوالي 36,1 مليار درهم، استفادت منها 235 ألف ضيعة، الشيء الذي مكن من اقتصاد وتثمين أكثر من 2 مليار متر مكعب من مياه السقي سنويا، منها 1.6 مليار متر مكعب في إطار البرنامج الوطني لاقتصاد مياه السقي. وتجدر الإشارة إلى أن هذا البرنامج مكن زيادة نسبة المساحات المسقية بتقنيات الري الموضعي ضمن المساحة المسقية الإجمالية من 9% سنة 2008 إلى 37% سنة 2019.

 

برامج التخفيف من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري

وتشكل التغيرات المناخية الناتجة عن الاحتباس الحراري إشكالية رئيسية ذات بعد عالمي، والتي يتطلب تخفيفها تدخلات واسعة النطاق. وعلى الرغم من كون المغرب يعتبر من بين البلدان الأقل تسببا في انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري، إلا أنه انخرط بنشاط في الجهود الدولية الرامية للحد من تأثير التغيرات المناخية، خاصة من خلال المصادقة على اتفاقية باريس للمناخ وتقديم مساهمته الوطنية المحددة بشأن التغيرات المناخية والتي تتضمن أهدافا للتخفيف من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري والتكيف مع التغيرات المناخية في أفق 2030. وفي هذا الإطار، بلور المغرب مجموعة من التدابير تضم 55 إجراء، بينها 14 إجراء خاصا بالفلاحة والتي تتعلق أساسا ببرامج غرس الأشجار المثمرة، وبلغت المساحات المغروسة في إطار الدعامة الثانية لمخطط المغرب الأخضر إضافة إلى عقود البرامج الخاصة بتنمية سلاسل الزيتون والحوامض والنخيل والأشجار المثمرة، حوالي 490 ألف هكتار ما بين 2008 و2019، متجاوزا بذلك هدف مخطط المغرب الأخضر المحدد في غرس 12 مليون شجرة في السنة، مساهمة بذلك في الرفع من قدرة امتصاص ثاني أوكسيد الكربون لمجموع القطاع الفلاحي بنسبة تتجاوز 33%.

 

فلاحة قادرة على التكيف بشكل متزايد

ساهمت مختلف تدابير التخفيف من آثار الغازات المسببة للاحتباس الحراري و التكيف مع التغيرات المناخية،  التي تم اتخاذها في إطار مخطط المغرب الأخضر، في جعل القطاع الفلاحي أكثر قدرة على التكيف ومقاومة التغيرات، وذلك عبر تقليص ارتباط نمو القطاع الفلاحي بإنتاج الحبوب، وتجدر الإشارة بهذا الصدد إلى أن مساهمة قطاع الحبوب في القيمة المضافة الفلاحية عرفت انخفاضا وصل إلى 11- % خلال الفترة2015-2019  مقارنة مع الفترة 2003-2005، لصالح ارتفاع مساهمة الأشجار المثمرة بنسبة +11% واللحوم البيضاء بنسبة +2%، كما سجل الناتج الفلاحي الخام، منذ انطلاق مخطط المغرب الأخضر، نموا مستقرا وأقل تقلبا وتبعية لقطاع الحبوب، وبهدف تطوير فلاحة مستدامة وأكثر مرونة، تسعى وزارة الفلاحة إلى مواصلة وتعزيز مجهوداتها في إطار الاستراتيجية الجديدة “الجيل الأخضر”2020-2030″، وذلك من خلال مجموعة من التدابير الهادفة على الخصوص إلى تحسين النجاعة المائية عبر مواصلة برامج الري والتهيئة الفلاحية وكذا تعبئة الموارد المائية غير التقليدية؛ وتشجيع استخدام الطاقات المتجددة في القطاع الفلاحي (الطاقة الحيوية، الطاقة الشمسية،…) وتشجيع تحول الفلاحين لاستعمال هذه الطاقات؛ ومواصلة برامج غرس الأشجار بما في ذلك الأصناف الأكثر ملائمة للمناطق القاحلة؛ وتنمية الزراعة البيولوجية؛ تعزيز ونشر التقنيات المحافظة على التربة؛ مواصلة برنامج التأمين الفلاحي؛ اعتماد ونشر التكنولوجيا الخضراء وتطوير الرقمنة الفلاحية ومواصلة تعبئة التمويلات المناخية لدى المانحين المتخصصين في تمويل المناخ، خاصة من خلال ولوج وكالة التنمية الفلاحية للموارد المالية لصندوق المناخ الأخضر وصندوق التكيف.

ضمان الأمن الغذائي في مواجهة تغير المناخ

لقد تعلم الإنسان كيف يتعايش مع تقلب المناخ على نطاقات زمنية مختلفة، من اليومي إلى العقد. ومع ذلك، فإن تقلب المناخ الذي اعتدنا عليه يتغير بسرعة، مصحوبا بارتفاع متوسط ​​درجات الحرارة العالمية بسبب زيادة تركيزات غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، وسيصبح الفقراء في البلدان النامية، الذين يكافحون بالفعل للتكيف مع التقلبات المناخية الحالية، أكثر عرضة للخطر، على الرغم من أنهم من بين أولئك الذين يساهمون بأقل قدر في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، يجب عليهم تعلم كيفية التكيف مع تغير المناخ بموارد تقنية أو مالية قليلة، ويحتاج أصحاب الحيازات الصغيرة إلى التكيف مع تقلب المناخ في أقرب وقت ممكن إذا أرادوا ضمان أمنهم الغذائي، بينما توفر التنبؤات المناخية وتقييم تأثير التغيرات المناخية طويلة الأجل الأساس لتدابير التكيف.

إن تغير المناخ من خلال تأثيره على الاحتياجات البشرية الأساسية – بما في ذلك الغذاء والملبس والمأوى – يحدد سبل عيش الفقراء والأغنياء على حد سواء، إن المكونات الأربعة للأمن الغذائي – توافر الغذاء، والحصول على الغذاء، واستخدام الغذاء، واستقرار نظم الإنتاج الغذائي – هي في صميم المهمة الموكلة إلى الأمم المتحدة لتحقيق الأمن الغذائي الأغذية والزراعة في حين أن الأربعة جميعها ذات صلة بالمناخ  فإن الأول (من المحاصيل إلى المنتجات الحيوانية والمأكولات البحرية ومنتجات تربية الأحياء المائية وكذلك منتجات الغابات الخشبية وغير الخشبية) هو الأكثر ارتباطا بالمناخ وتغيراته، حتى عندما يكون الإنتاج كافيا، إذا تعطل نظام تخصيص الغذاء، سواء كان مدفوعا بالسوق أم لا، فإن الوصول إلى الغذاء يتعرض للخطر ويهدد الأمن الغذائي.

إننا نشهد، في العديد من بلدان الكوكب، التوسع الحضري السريع، مما يخلق فئة من سكان المدن الفقراء الذين لا يمارسون الزراعة بأنفسهم، وبالتالي يكونون معرضين بشدة لتغير المناخ، إن إسقاطات الآفات والأمراض المتزايدة بسبب تغير المناخ لها آثار مهمة على التغذية. ستتعرض المحاصيل والماشية والأسماك والبشر لمخاطر جديدة، عندما تتعرض صحة الإنسان للخطر، وخاصة صحة النساء اللائي يعدن وجبات الطعام لأسرهن، فإن القدرة على استخدام الطعام بشكل فعال تتضاءل بشكل كبير، حيث يمكن أن يهدد الأمن الغذائي أيضا تدهور الظروف الصحية المحيطة بإعداد الوجبات، إذا أصبحت موارد المياه العذبة أو قدرات تخزين الطعام أكثر ندرة بسبب الاحتباس الحراري. يمكن أن يتفاقم سوء التغذية أيضا نتيجة الفقد التدريجي للتنوع البيولوجي والاعتماد المفرط على عدد قليل من الأطعمة الأساسية.

إن للتغيرات المناخية عواقب مباشرة على استقرار أنظمة إنتاج الغذاء، وإن الزيادة في تواتر وعدد الأحداث المتطرفة مثل الجفاف أو الفيضانات من شأنها أن تهدد هذا الاستقرار بشكل خطير، سواء كانت الآثار محسوسة على المستوى الوطني أو من خلال سوق الغذاء العالمي، ويمكن أن يشتد تواتر ونطاق حالات الطوارئ الغذائية نتيجة للتفاعلات المعقدة بين الصراع السياسي والهجرة وسط تزايد المنافسة على الموارد المحدودة، ويعد توافر الغذاء والإنتاج الزراعي في مناخ متغير  ركز عليه تقرير التقييم الرابع للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ وبشكل عام، سيزداد غلة المحاصيل في المناطق الباردة، حيث تحد درجات الحرارة المنخفضة حاليًا من نموها، من ناحية أخرى، في المناطق الحارة، الإجهاد الحراري، التي ستخضع لها المحاصيل والموارد المائية ستؤدي إلى انخفاض الغلة.

ويمكن أن يزداد إنتاج الغذاء على مستوى العالم، ولكن ينبغي توقع توازن سلبي شامل إذا ارتفع الليل ومتوسط ​​درجات الحرارة بأكثر من بضع درجات مئوية، ومن المتوقع أن يتفاقم هذا التأثير السلبي المحتمل على الإنتاج الغذائي العالمي بسبب القيود المرتبطة بالنمو السكاني المتوقع في معظم البلدان النامية، ويتضح ذلك من خلال رسم بياني لصافي الإنتاج الأولي  من الكتلة الحيوية – وهو مؤشر فيزيائي حيوي لإمكانيات الإنتاج الزراعي- مأخوذ من دراسة حديثة لمنظمة الأغذية والزراعة والتي حددت تصنيفا للبلدان المعرضة لتغير المناخ من توقعات درجات الحرارة والتساقطات المطرية والسكان، تم حساب صافي الإنتاج الأولي للفرد في عام 2030 واستنادا إلى العوامل الفيزيائية الحيوية والجيوفيزيائية والديموغرافية البحتة، يبدو أن جزءًا فقط من أوروبا والاتحاد الروسي واليابان يمكن أن يستفيد من زيادة الإنتاجية بسبب الاحترار على مدى العقدين المقبلين ومع ذلك، فإن الإسقاطات المقدمة على المستوى الوطني لها صلة محدودة بالأمن الغذائي لسكان الريف، في الواقع، بينما يتوقع حدوث ارتفاع في درجات الحرارة في جميع أنحاء العالم تقريبا، فإن التغييرات في نظام هطول الأمطار تختلف اختلافا كبيرا من منطقة إلى أخرى وعلى المستوى دون الوطني بسبب التضاريس والقرب إلى حد ما من المسطحات المائية الكبيرة.

 

التأثيرات على إنتاج المحاصيل الزراعية

من أجل تقييم الأمن الغذائي في ظل تغير المناخ للبلدان الصغيرة ومختلف السكان داخل البلد، تعتبر المعلومات المناخية على نطاق مكاني صغير أكثر أهمية من أي وقت مضى، ويتطلب تطوير تدابير التكيف مع تغير المناخ معلومات مناخية ذات نطاق مكاني أدق يمكن دمجها في نماذج تقييم تأثير المناخ مثل محاكاة المحاصيل، هناك حاجة إلى بيانات مناخية تاريخية جيدة النوعية لمعايرة نماذج التأثير والتوقعات المناخية المستقبلية لحساب قيم غلة المحاصيل المستقبلية، وأظهر عدد من التجارب أن زيادة تركيز ثاني أكسيد الكربون له تأثير إيجابي على نمو النبات والمحصول، ومع ذلك، فقد وجد أن التسميد بثاني أكسيد الكربون لن يكون ذا فائدة تذكر للمحاصيل المغربية المستقبلية بسبب الإجهاد المائي الذي تتعرض له المحاصيل البعلية، ومن ناحية أخرى، لا يزال بإمكان الزراعة المغربية الاستفادة من التقدم التكنولوجي مثل تحسين كفاءة أنظمة الري والأصناف النباتية وكفاءة استخدام الأسمدة. يمكن للزراعة ، مقابل تكلفة ، التكيف من خلال التغلب على بعض الآثار السلبية لتغير المناخ.

إن زيادة قوة الحوسبة والتقدم في البحث العلمي يجعل من الممكن استخدام النماذج المناخية الإقليمية  لتوفير المعلومات المناخية على نطاق مكاني أصغر. يمكن للنموذج الديناميكي الإقليمي أن ينتج إسقاطات لجميع المتغيرات المناخية متسقة ماديا وديناميكيا وهيدرولوجيا مع بعضها البعض، بينما يمكن لنماذج المناخ العالمية إجراء عمليات محاكاة متعددة العقود مع تباعد شبكي يزيد عن 100 كيلومتر، يمكن أن تصل النماذج المناخية الإقليمية إلى تباعد شبكي، وشبكة بطول 10 كيلومترات أو حتى أقل. وفي هذا الصدد ، فإن مبادرة المنظمة لإنشاء مراكز مناخية إقليمية  قادرة على توفير مجموعة واسعة من المعلومات المناخية على النطاق الإقليمي هي خطوة مرحب بها.

ومن أجل تعزيز الاستخدام الصحيح للبيانات المناخية يجب تشجيع العلاقة بين علماء المناخ والباحثين الذين يعملون على تطبيقات التأثيرات المادية والاجتماعية، في الواقع  يجب أن يفهم واضعو نماذج المناخ بشكل أفضل احتياجات المستخدمين النهائيين فيما يتعلق من بين أمور أخرى بالمتغيرات المطلوبة، وشكل البيانات، والتردد الزمني، والمقياس المكاني، وطول فترة البيانات، وقبل كل شيء فعلماء المناخ مسؤولون عن تقديم المشورة حول كيفية استخدام البيانات بشكل صحيح في التطبيقات وتفسير نتائج نماذج التأثير. من ناحية أخرى، يحتاج الباحثون المعنيون بالتأثير إلى التأكد من استخدام البيانات المناخية للغرض الذي صممت من أجله وأن يفهموا بدقة الافتراضات وعدم اليقين المرتبط بها، ويتركز السكان المعرضون للخطر في المناطق القاحلة وشبه القاحلة، مع توقعات الوصول إلى المياه العذبة في سياق تغير المناخ باعتبارها متغيرا رئيسيا في تقييم الإنتاج الزراعي، ومع ذلك، فقد تبين أن نماذج المناخ العالمي لا تتفق بالضرورة مع التوقعات المتعلقة باتجاه تطور هطول الأمطار في خطوط العرض المنخفضة إلى المتوسطة، والتي تتزامن مع منطقة مناخية قاحلة تؤوي السكان المعرضين للخطر والزراعة البعلية.

 منطقة البحر الأبيض المتوسط ​​ بما في ذلك المغرب، هي واحدة من الأماكن القليلة التي تتفق فيها معظم النماذج على أن هطول الأمطار سينخفض ​​في المستقبل، لتقييم الأمن الغذائي في المناطق التي لا تكون فيها النماذج مجهزة بشكل جيد لعمل توقعات هطول الأمطار، ينبغي توخي مزيد من الحذر عند اختيار النماذج المناخية ومخرجات النماذج التي سيتم استخدامها، في الواقع، يمكن الوصول إلى استنتاجات مختلفة جذريًا حول التنمية المستقبلية للزراعة البعلية باستخدام بيانات من نماذج مناخية مختلفة، وينطبق هذا أيضا على سيناريوهات الانبعاثات.

من الممكن الحصول على مجموعة واسعة من التوقعات المستقبلية اعتمادا على مستوى التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ويجب أن يؤخذ عدم اليقين هذا في الاعتبار في النتائج التي تم الحصول عليها من خلال نموذج المحاصيل من مخرجات نموذج المناخ. لا تهدف هذه إلى التنبؤ بدقة بالمستقبل، بل تشير إلى كيفية تفاعل الأنظمة المناخية مع التغيرات في التأثير، لا يكون انخفاض محصول الشعير بنسبة 20٪ في موقع معين بحلول عام 2030 دقيقا إلا إذا كانت الافتراضات الموضوعة في إطار سيناريو الانبعاث وعدد من الافتراضات المتعلقة بالنماذج المناخية وأنماط الاستزراع صحيحة. قد يؤدي الإفراط في الاعتماد على نماذج التأثير إلى منع تطوير تدابير التكيف السليمة.

ويقدم مركز نشر البيانات التابع للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ مجموعة واسعة من نتائج الإسقاط التي تم الحصول عليها من مجموعة من النماذج المناخية وسيناريوهات الانبعاثات، ومع ذلك، غالبًا ما تفتقر دراسات الأثر إلى الموارد اللازمة لاستخدام جميع البيانات المتاحة، وترتبط تكلفة هذه الدراسات بالحاجة إلى تصغير حجم البيانات لتحقيق الدقة المكانية القابلة للاستخدام. تم تصميم معظم النماذج المصغرة لاستخدام نتائج نموذجين مناخيين عالميين فقط، وفي المثال المغربي، أحد الافتراضات الرئيسية هو أن الممارسات الزراعية الحالية ستبقى دون تغيير في المستقبل، ومع ذلك، نشك كثيرا في أن هذه الفرضية سيتم التحقق منها حتى نهاية القرن، ما يهمنا أكثر هو المستقبل القريب، ولنقل حتى عام 2030، من أجل تصميم تدابير التكيف المناسبة للظروف المحلية، فالتنبؤات المناخية والبدء في تطبيقها نظرا لأن إشارة بداية تغير المناخ قد تكون مخفية وراء التقلبات المناخية الكبيرة، فقد يكون من المفيد في العقود القادمة إجراء تنبؤات لعام 2100 وإعادتها عن طريق الاستيفاء حتى عام 2030، لا تأخذ حتى توقعات إنتاج المحاصيل حرفيًا للنهاية من القرن، كما سنرى إذا أخذنا في الاعتبار الصورة التي قدمتها الزراعة قبل 100 عام في حين أن الأفق الزمني الذي يجب أن نركز عليه، من منظور الأمن الغذائي والتكيف مع المناخ، هو العشرين عاما القادمة، فإن التنبؤات المناخية خلال هذا الإطار الزمني غير مفهومة تمامًا ومحدودة، في هذا الصدد، فإن اختيار موضوع المؤتمر العالمي الثالث للمناخ مثالي، فقد بدأ علماء المناخ في معالجة هذه المشكلة الخطيرة وتوفر تقوية المهارات في التنبؤ بالمناخ العقدي، جنبا إلى جنب مع تصغير النطاق، معلومات أكثر صحة لإجراء تقييمات الأثر التي تؤثر على الأمن الغذائي مثل محاكاة المحاصيل أو نمذجة مستجمعات المياه، من بين أمور أخرى.

وبغض النظر عن الالتزامات الدولية للحد من غازات الاحتباس الحراري، فإن درجة معينة من تغير المناخ أمر لا مفر منه، حيث من المتوقع أن يستمر متوسط ​​درجة حرارة سطح الأرض في الارتفاع لعقود قليلة على الأقل، مما يطرح الحاجة الملحة، خاصة بالنسبة للبلدان النامية، للتكيف مع تغير المناخ،

  • محمد بن عبو
  • خبير في المناخ والتنمية المستدامة رئيس المكتب الوطني لجمعية
    مغرب أصدقاء البيئة

Related posts

Top