رشيد حموني: الإجراءات الحكومية معزولة عن بعضها ولا تندرج ضمن مخطط ورؤية شمولية

قال رشيد حموني رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب إن قانون المالية ليس وثيقة محاسباتية، وليس مجرد أرقام محايدة، بقدر ما هو تعبير عن اختيارات سياسية، باعتباره خارطة طريق من المفترض أن تعكس تصورات الحكومة ورؤيتها بخصوص الإصلاحات الكبرى المنتظرة.
وأضاف حموني الذي كان يتحدث الخميس الماضي في المناقشة العامة لمشروع قانون المالية لسنة 2024 ضمن أشغال لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب، أن قانون المالية، بما يحمله من إجراءات ميزانياتية، يمكن أن يكون آلية لإعادة توزيع الثروة بشكل أكثر عدالة.
وتابع حموني في تدخله أن من شأن قانون المالية أن يكون أداة لتعميق التفاوتات الاجتماعية بين الفئات والمجالية بين الأقاليم والجهات؛ في بعض الحالات، مشددا على ضرورة الحاجة إلى سن إصلاحات من الجيل الجديد لتنمية البلاد ومواجهة العجز الحاصل في مجموعة من المجالات والقطاعات وتجاوز الصعوبات والأزمات المتتالية والعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية بدل توسيع الهوة المجتمعية.
وشدد حموني على أن قانون المالية وسيلة للحكومة لترجمة مدى انسجامها مع ما تعلنه من التزامات، وما تقول به من سعي نحو تعزيز التضامن الوطني بين فئات المجتمع وطبقاته ومجالاته الترابية.
وذكر حموني بكون قانون المالية المنتظر لسنة 2024 يعد ثالث قانون مالي للحكومة الحالية “أي أننا في وسط وقلب الولاية الحالية، بما يعني أن هذا هو المحك الرئيسي لقياس مدى التزام الحكومة بتعهداتها والتزاماتها الواردة في برنامجها الذي نالت ثقة البرلمان على أساسه”، وفق تعبيره.
وفي بسطه لرؤية التقدم والاشتراكية في التعامل مع مسار الإصلاح، ذكر رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب إلى أن الحزب من موقع المعارضة يمارس معارضة وطنية بناءة تنبه وتقترح وتؤيد ما يستحق التأييد وتعارض ما يؤيد المعارضة، مشيرا في نفس الإطار، إلى أن حزب التقدم والاشتراكية يؤكد على حاجة البلاد إلى إصلاحات شاملة، ومتكاملة، ومتوازية اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا.
وجدد حموني التأكيد، في هذا السياق، على أهمية النهوض بالمسار الديمقراطي في علاقته بالمسار التنموي، حيث قال إنه “لا تنمية من دون ديمقراطية، ولا ديموقراطية من غير تنمية”.
وبعدما لفت إلى إيجابية بعض الإجراءات التي تسنها الحكومة، أوضح رئيس فريق “الكتاب”، بمجلس النواب أن هذه الإجراءات الحكومية تظل إما معزولة عن بعضها ولا تندرج ضمن مخطط ورؤية شمولية، أو لا يتم التواصل الكافي مع المجتمع لتفسيرها، أو أنها إجراءات يصاحبها كلام كثير دون أثر.
وبشأن تحجج الحكومة بعدد من الأحداث والأزمات المتتالية، يرى حموني أن الإصلاح ممكن جدا، رغم هذه الأزمات المتتالية، “لأن التاريخ يبرهن لنا أن البلدان التي حققت قفزات تنموية نوعية، فهي قامت بذلك بمناسبة خروجها من الأزمات ومعرفتها كيف تتعامل مع ذلك بنجاح”، حسب تعبيره.
وتابع حموني “وما يزيد اقتناعنا بأن الإصلاح الذي يجعلنا ننتقل إلى بلد متقدم هو أمر ممكن هو هذه الثروة اللامادية العظيمة التي يمتلكها المغرب، وأكد عليها جلالة الملك بمناسبة افتتاح البرلمان: ثروة القيم الدينية والروحية والوطنية والتضامنية، والتي يتعين أن نعززها بقيمة الجدية في كل أعمالنا الفردية والجماعية”، يقول المتحدث.
وزاد حموني “وما يجعل الإصلاح ممكن هو أنه وسط كل الصعاب، استطاعت بلادنا الصمود، وليس الصمود فقط، بل استطاعت النجاح في انتزاع شرف تنظيم كأس العالم لكرة القدم. وهو ليس استحقاقا رياضيا فقط، بقدر ما هو استحقاق تنموي بامتياز”. مضيفا “فمثلما استطاعت بلادنا أن تنال ثقة عالم الكرة وعشاقها، علينا أن نعرف أن نجعل من بلادنا قبلة جاذبة لكبار المستثمرين”.
ودعا حموني الحكومة إلى استثمار أجواء الحماس والتفاؤل والتضامن، الوطني والشعبي، من أجل تحقيق الطفرة التنموية المنتظرة، مجددا التأكيد على أن المغرب بلد التحديات، حيث حث الحكومة على العمل بدل البحث عن مبررات في كل مرحلة.
واعتبر المتحدث أن هذه السياقات التي تستعملها الحكومة من أجل التبرير، يمكن جعلها دافعا للحكومة من أجل الإبداع في البدائل والابتكار والاجتهاد في إيجاد الحلول، متسائلا في هذا الصدد عن مدى عملها وبحثها عن حلول في ظل الأزمات المتتالية ومدى تفكيرها في إعادة صياغة البرنامج الحكومي وأولوياته.
كما تساءل حموني حول مدى قدرة المالية العمومية على التوفيق بين كثرة التحملات والمتغيرات، وبين الحفاظ على نفس الأولويات والالتزامات الواردة في البرنامج الحكومي، موضحا أن الشك لا يعتري صمود المالية العمومية، بقدر ما يكمن في القدرة على مواجهة ضغط الظرفية ومباشرة الإصلاحات والأوراش التنموية في نفس الوقت وبنفس حظوظ النجاح.
وشدد حموني على أن الحكومة مطالبة بأن تكون واضحة مع عموم المغاربة بهذا الشأن، وأن تتحلى بالجرأة السياسية التي طالما جرى الحديث عنها، حيث لفت حموني في هذا الإطار إلى أن فريق التقدم والاشتراكية يتفق مع توجهات مشروع قانون المالية التي جرى تحديدها في أربعة محاور وتوجهات، أساسية وهي مواجهة تأثيرات الظرفية وتنزيل برنامج مواجهة تداعيات زلزال الحوز؛ ثم تكريس أسس الدولة الاجتماعية؛ ثم مواصلة تنزيل الإصلاحات الهيكلية؛ بالإضافة إلى النقطة الرابعة المتعلقة بتعزيز استدامة وتوازن المالية العمومية.
وأوضح حموني أن الفريق يتفق مع هذه التوجهات لكن يتسائل عن مدى تطابقها مع إجراءات مشروع القانون المالي المرتقب، حيث قال “أعتقد أنه لا أحد يمكن أن يختلف عن هذه التوجهات الكبرى المعلنة لمشروع قانون المالية، لكن اختلافنا مع الحكومة موضوعه هو في طبيعة الإجراءات والتفعيل، والتي لا تعكس بالتمام عناوين التوجهات”.
وبعد تفصيله في كثير الأرقام المعلنة من قبل مشروع قانون المالية لسنة 2024، عبر حموني عن تساؤله بخصوص التوقعات والفرضيات التي جاءت بها الحكومة والتي قال إنها هناك تساؤلات حول مدى واقعيتها ومصداقيتها، كما جرى مع قوانين المالية السابقة، خصوصا في وقت تقول فيه الحكومة باللايقين العالمي، وفي ظل شبح الجفاف الذي يزال قائما.
وخلال تدقيقه في كثير من الإجراءات التي دبجتها الحكومة في مشروع مالية 2024، قال حموني إن دعم القدرة الشرائية للمغاربة ومواجهة غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار ليس واردا في تصور الحكومة بالشكل المنتظر، بأدلة عديدة منها: عدم جرأتها على مباشرة إصلاح ضريبي عادل وشامل، إذ لم تعمل على إعادة النظر في أشطر الضريبة على الدخل، مما يجعل الطبقة الوسطى تستمر في التقهقر الاجتماعي.
كما لفت حموني إلى عدم جرأة الحكومة على الاقتراب من تضريب الثروات الكبرى غير المنتجة، ولا من تضريب مناسب للفاعلين في سوق المحروقات وسوق الاتصالات، بالنظر إلى حجم الأرباح والحاجة إلى التضامن الوطني من الجميع في ظرفية صعبة؛ فضلا عن توجهها نحو إجراءات الضريبة على القيمة المضافة التي قال إنه سيكون فيها نقاش كبير، على أساس أن هناك تناقضا ما بين إعلان الحكومة عن تعزيز أسس الدولة الاجتماعية وما بين طرحها للزيادة في ضريبة القيمة المضافة على الماء والكهرباء وتطهير السائل.
وحتى بشأن بعض الإعفاءات الواردة في مشروع المالية، أوضح المتحدث أن الإعفاءات من TVA للمنتجات الصيدلية والأدوات المدرسية والزبدة ومسحوق الحليب ومصبرات السردين في مشروع المالية الجديد يقابله الرفع من TVA على الماء وتطهير السائل وعداد الماء والسكر المصفى، وعلى نقل المسافرين والبضائع، وعلى عداد الكهرباء، وعلى السيارات الاقتصادية.
هذه التناقضات التي جاءت في مشروع قانون المالية الجديد وصفه رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب بكونه يعني أن “ما تعطيه الحكومة من هنا تأخذه من هناك”.
وحتى بالنسبة لتقديم الدعم المباشر قال حموني إن الحكومة تعتزم تمويل جزء كبير منه انطلاقا من المساهمة التضامنية على الأرباح الخاصة بالمقاولات، إلى جانب العمل على عقلنة ونجاعة برامج الدعم الاجتماعي الموجودة حاليا، وخاصة إصلاح نظام المقاصة من خلال تحديد الاعتمادات المفتوحة في إطار مشروع قانون المالية لسنة 2024 في 16,4 مليار درهم فقط.
واعتبر حموني أن الإصلاح/التخلي التدريجي عن صندوق المقاصة دعم البوطا، يسائل الحكومة حول تفكيرها في الاستقرار الاجتماعي، وفي استدامة تمويل هذا الدعم على البعيد والمتوسط، وهل اتخذت إجراءات مواكبة لدعم الطبقة الوسطى.
وأوضح حموني أن طرح هذه الأسئلة، نابع من كوننا “لا نريد إجراءات عرجاء، بل إجراءات متوازية ومتكاملة” حسب تعبيره، منبها إلى مخاطر جمة على الحكومة مواجهتها من قبيل خطر السيولة الذي سيواجه نظام المعاشات المدنية للصندوق المغربي للتقاعد اعتبارا من السنة الجارية والذي سيستهلك احتياطاته المالية في أفق سنة 2026، وكذا النظام العام للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، الذي سيواجه خطر السيولة ابتداء من سنة 2028 إذ سيعرف أول عجز مالي، حيث ستبدأ معه الاحتياطات في الانخفاض لتمويل التزاماته، بالإضافة إلى النظام العام للضمان الاجتماعي للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، الذي من المنتظر أن يسجل عجزا تقنيا فرع طويل الأمد في أفق سنة 2029.
وتساءل حموني عن مدى إبداع الحكومة الحالية في امتلاك حلول من أجل حل القضايا الاجتماعية الهامة وحل هذه المعضلة في إطار مفهوم الدولة الاجتماعية، مشيرا إلى أن مشروع المالية لسنة 2024 لا يوجد فيه أي جواب بهذا الخصوص وبخصوص هذه المخاطر المنتظرة.

< محمد توفيق أمزيان

تصوير: رضوان موسى

Top