أيوب كريطع: شخصية نور الدين في فيلم “البحر البعيد” تطلبت مني تركيزا خاصا

قدم أيوب كريطع أداء مميزا في فيلم “البحر البعيد”، بعدما أسند له دور البطولة المخرج سعيد حميش بن العربي، لتكون أول تجربة في المسار الفني لهذا الشاب الواعد الذي لم يسبق أن لعب شخصية رئيسية في السينما.

واختارت جريدة بيان اليوم أن تجري حوارا مع أيوب كريطع الذي يشق طريقه بثبات في عالم السينما والتلفزيون والمسرح، بعد تنويه الجمهور بأدائه اللافت في فيلم “البحر البعيد”، الذي لعب فيه دور نور الدين، المهاجر المغربي بمرسيليا (فرنسا).

وكشف أيوب كريطع، أن تشخيص هذا الدور، استدعى منه تركيزا عاليا، “وكأنه آخر عمل في مسيرتي”، كما قال أثناء تقديم العمل في المسابقة الرسمية بالدورة 21 للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش 2024. وعلى هامش هذه الدورة انتزعنا الممثل أيوب كريطع من زحمة البرنامج المكثف للمهرجان، وأجرينا معه الحوار التالي:

* يعتبر دور نور الدين في فيلم “البحر البعيد” للمخرج سعيد حميش بن العربي، أول عمل رئيسي في مسارك الفني، حدثنا عن كواليس الاشتغال في هذا العمل؟

** في البداية، لم أكن أعرف سعيد حميش بن العربي، ولم تكن لدي فكرة واضحة بشكل جيد عن العمل الذي يشتغل عليه، فكل ما كنت أعرفه، أنه يبحث منذ مدة عن ممثل لأداء دور البطولة في عمله، بيد أنه لم يجد بعد “البروفايل” المناسب لذلك.

وأثناء نقاش سعيد حميش بن العربي مع الممثلة نسرين الراضي، وأمين الوادني، بشأن طبيعة الممثل الذي يرغب في المشاركة معه في العمل، اقترحا عليه، اسم أيوب كريطع، وهكذا سيتواصل معي لاقتناعه بقدرتي على الاشتغال في الفيلم بناء على شهادتهما وبتزكية من أشخاص آخرين.

وطلب سعيد مني بعد الموافقة المبدئية على الاشتغال معا، أن أرسل له صورا شخصية ليطلع عليها. وفيما بعد دخلنا في مراحل “الكاستينغ” الفني، وكما يقال “دزت من عين الإبرة”.

قدمت له عن طريق تقنية التواصل عن بعد، سيرتي الذاتية والمهنية، وتحدثنا قليلا بالفرنسية والدراجة المغربية، ومن جهته، شرح لي كل ما يهم الدور الذي قرر أن يسنده لي، وأجريت بعدها، بعض التمارين كما طلب مني، المتعلقة بحوار السيناريو، والرقص… صورت ذلك، وأرسلته إليه، وضربنا مباشرة عقب ذلك، موعدا جديدا، حيث التقينا فيما بيننا بشكل مباشر في مقر شركة الإنتاج، من أجل أن يطلع عن قرب على أسلوب اشتغالي، وكانت مناسبة ليوجهني بشأن بعض التفاصيل.

ونظرا لطبيعة شخصية الفيلم، فقد طلب سعيد مني، العمل على التخفيف من وزني، وبالفعل فقدت 15 كلغ، وهذا طبيعي، لأنه سبق وأن طلب مني علاء أكعبون زيادة وزني خلال تصوير المسلسل التلفزيوني “لمكتوب”. عموما جسد وصوت الممثل دائما يتغيران بحسب حاجة المخرج الفنية والجمالية والتقنية. وهكذا بدأت في ممارسة الرياضة، والتحضير الجيد لشخصية نور الدين، بتعلم اللكنة “الوجدية”، والتحليل الدراماتورجي للشخصية، استنادا إلى القواعد المنهجية الأكاديمية التي درستها في المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، واستخرجت كل خصائص الشخصية النفسية والاجتماعية، وأرسلت ذلك لسعيد، الذي اعتبر ذلك جيدا جدا، وقال لي “يبدو أنك استوعبت طبيعة الشخصية التي ستؤديها، إذن انس كل هذا، واتبع خطواتي وخطتي في الاشتغال على العمل”.

أيوب كريطع إلى جانب طاقم عمل فيلم البحر البعيد

وهكذا، وضعت فيه الثقة، ودخلت في التحدي الذي تمثل، أولا، في لعب دور البطولة، ثم ثانيا، المشاركة مع ممثلين فرنسيين بتجربة كبيرة وثقافة مغايرة. صحيح أنني سبق وشاركت إلى جانب ممثلين أجانب، أثناء تدريبات المعهد، لكنهم كانوا مثلنا، متدربين كذلك. بتعبير آخر، كنت أحس بغربة المهاجر في فيلم يعالج موضوع الهجرة، علما أنني لأول مرة أشارك في عمل سينمائي بحضور ممثلين أجانب. والجميل اليوم، أن هذا الفيلم، يتم عرضه في مجموعة من الدول.

وأتذكر أنه خلال التصوير، كنت أنا وسعيد نتحدث عن العمل فقط، وكان الاشتغال يوميا سواء في وقت التصوير الذي استغرق منا 35 يوما، أو أثناء الاستعداد الجيد الذي استغرق مني 45 يوما، لأنني كنت مطالبا فيها بنقص الوزن، والحفظ، ومشاهدة الأفلام. وحرصت، بكل صدق، على جميع التفاصيل المتعلقة بالشخصية التي أديتها.

* تدور أحداث الفيلم بين سنة 1990 و2000، أي خلال فترة تاريخية مختلفة نسبيا في مجموعة من الأشياء، من قبيل طبيعة الملابس والفضاءات والديكور، كيف استحضرت كل هذه المعطيات، أثناء التحضير للشخصية؟

** أكيد، أثناء تحضيري للشخصية، كنت أحاول استحضار كل خصائص الفترة التي يجري فيها الفيلم، لأن الأمر يتعلق بالاشتغال على موضوع بين سنة 1990 و2000، فبداية شاهدت مجموعة من الأفلام الإيطالية، وغيرها، من قبيل فيلم Tous les autres s’appellent Ali لـ Rainer Werner Fassbinder، إنتاج سنة 1974، ثم الاطلاع على أفلام وثائقية. لقد سافرنا عبر الزمن في “البحر البعيد”.

وما كان ليكون هذا السفر، لولا القدرة على التخييل، لأن الفترة التي يتحدث عنها الفيلم، لم أعشها، لأنه كان تاريخ ولادتي، لهذا يعتبر الجانب التخييلي مهما في مثل هكذا أعمال، ولتحقيق ذلك، يحتاج الممثل إلى التفاعل مع الذاكرة الانفعالية، فعندما تكون مرتديا ملابس تلك الفترة، وتشتغل في ديكورها، تجد نفسك قد دخلت مباشرة في أجواء العمل. عموما، الخيال يستدعي الخيال.

صدقني، أيوب غير الممثل، كان ينتابه الخوف من الفشل، خصوصا فكرة الاشتغال مع ممثلين أجانب لديهم تجربة كبيرة في عالم السينما كآنا موكلاليس، وكريكوار كولان، وكنت أستحضر، باستمرار، فكرة “عدم التوفق” في الدور، فأثناء الأربعة أيام الأولى، انتابني التوتر، لكن سعيد دعاني إلى الإصرار على النجاح والثقة في النفس، لأنه، كما قال لي: “ركبنا السفينة، فإما النجاة جماعة أو الغرق جماعة”.

* تميزت شخصية نور الدين في “البحر البعيد” بمجموعة من الخصائص النفسية والاجتماعية جعتلها أحيانا تبدو معقدة، خصوصا عندما كان يتعلق الأمر باستحضار الجانب الهوياتي والثقافي والعائلي، هل يمكن أن تحكي لنا عن تجربة أداء هذه الشخصية المركبة سينمائيا والتي تختلف كليا عن التلفزيون؟

** ظلت شخصية نور الدين وفية لثقافتها ولإنسانيتها، وتطورها كان بين سنة 1990 إلى 2000، وخلال 10 سنوات، وقعت الكثير من الأشياء، لقد عاشت هذه الشخصية مجموعة من المواقف، والتقت بالكثير من الأشخاص، وكما تعلم لدى الجمهور فكرة واسعة عن المهاجر، فمن منا داخل عائلته لا يوجد شخص مهاجر.

الزميل يوسف الخيدر يحاور ايوب كريطع

عاشت شخصية نور الدين معظم الأحداث بفرنسا، المختلفة ثقافيا عن المغرب، وهو ما جعل هذه الشخصية العميقة تعيش بشكل عفوي وتترك للقدر أن يفعل ما يشاء، فنور الدين يأخذ من الناس أكثر مما يمنحهم، واستنادا إليه ننظر إلى الفيلم، فهو ليس بالفاعل الرئيسي الذي يقرر في مصيره، إن نور الدين لا يملك أي فكرة عما سيحصل له في المستقبل.

وانطلاقا من هذه المعطيات، أظن أن هذه هي قوة الفن التي تجلت في شخصية نور الدين والعفوية التي كان يتعامل بها. أكيد أن الفن هو انعكاس لأشكال الحياة ومظاهرها، لكن عندما نريد أن نصور التخييل في السينما، نحتاج إلى جعل الوضع أكثر تعقيدا، بعيدا عن تلك النظرة البسيطة كما يمكن أن تحدث في الحياة اليومية. فتسليط الضوء الفيلمي على موضوع معين في وقت زمني محدد، يستدعي التعقيد، وفهم الجمهور للشخصية يمر أولا عبر باب التعقيد، حتى تفهم الناس أكثر، وما أتحدث عنه هنا، ليس هو المبالغة في خلق التعقيد الذي إذا زاد عن حده جعل العمل سيئا.

* اهتم الجمهور كثيرا بموسيقى “الراي” التي كانت مصاحبة للفيلم، وهناك من ذهب إلى اعتبارها شخصية قائمة الذات داخل الفيلم نظرا لإضفائها قيمة مضافة وجمالية على العمل، كيف تعاملت مع هذا الاختيار، كشخصية رئيسية في الحكاية الفيلمية؟

** بالفعل، الموسيقى كانت شخصية لوحدها في الفيلم، وأؤكد بأنه اختيار فني موفق من المخرج، خصوصا أن فن “الراي” كان حاضرا بقوة، وقتها، في مارسيليا، لأنه هاجر من الجزائر والجهات الشرقية، بل وكل المدن المغربية، حيث كانت كل قاعات الألعاب (Salle du jeux) (الكولفازور، البيار) تشغل المقاطع الموسيقية، بما فيها التي تعالج موضوعات الغربة والهجرة.

* هل منحك المخرج سعيد حميش بن العربي هامشا من الحرية في لعب دور نور الدين؟

** نعم، كان لدي هامشا من الإبداع في الشخصية، وعندما كنت لا أحس بشيء حميمي في الشخصية أخبر المخرج بذلك، ونعيد مراجعتها معا، ليس لدرجة إعادة الكتابة، ولكن لتعديلها لتتلاءم وطبيعة الحوار. وأشكره على المواكبة النفسية. شخصيا كنت خائفا، وهو ما دفعني إلى التركيز لتجاوز كل المخاوف.

* بعد الأداء المحترم الذي قدمته في “البحر البعيد”، رهان الجمهور على موهبتك سيزداد من أجل تقديم الأفضل مستقبلا، أليس كذلك؟

** لابد من الإشارة بداية إلى أنني لست طارئا على التمثيل، وتدرجت في هذا المجال، بداية من المخيمات الصيفية، التي اكتشفت بها موهبتي، ونصحني والدي بتطويرها بالدراسة ولا شيء غير الدراسة، إلى جانب الممارسة، لهذا سجلني والدي رفقة أختي في دار الشباب ببنسليمان، لممارسة المسرح، رغم أنني كنت أريد ممارسة الرياضة.

وعندما شاهدت أول مسرحية في حياتي، بكيت، تفاعلا مع طبيعة القصة وبعض المشاهد، وعدت إلى والدي أخبره بأن التمثيل هو الخيار الأول لدي، وبعدما دار الحديث بيننا قررت إتمام مشوراي التعليمي في المعهد.

ويتذكر الجميع، أنني بدأت بمشهد واحد في التلفزيون، والآن ألعب دور البطولة في فيلم سينمائي شارك في عدة مهرجانات، وفاز بجوائز، من قبيل مهرجان كان بفرنسا، ومهرجان مانهايم – هايدلبيرغ بألمانيا، وها هو يشارك اليوم في المسابقة الرسمية بالمهرجان الدولي للسينما بمراكش. وأعتقد أن الفيلم حقق المبتغى من إنتاجه، نظرا لحجم التفاعل الإيجابي الذي حظي به من قبل الجمهور.

حاوره: يوسف الخيدر

تصوير: أحمد عقيل مكاو

Top