“حماية المعطيات الشخصية وحقوق الإنسان معادلة دقيقة، تتطلب وضع سياسات رقمية ترتكز على كرامة الأفراد، تضمن حرية التعبير وتحمي البيانات الشخصية من أي استغلال أوانتهاك لحقوقهم الأساسية”، هذا ما أكدته آمنة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، خلال مشاركتها في الندوة الوطنية التي نظمتها اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي مع المؤسسات الدستورية حول موضوع “حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي في خدمة القيم الدستورية”.
وأكدت بوعياش في مداخلتها على أهمية حماية المعطيات الشخصية كحق أساسي في صلب حقوق الإنسان، مبرزة التحديات المعاصرة التي يفرضها العصر الرقمي والتكنولوجيا المتقدمة. وأوضحت بوعياش أن مقاربة المجلس الوطني لحقوق الإنسان لحماية المعطيات الشخصية ترتكز على ستة عناصر أساسية. يتمثل العنصر الأول في اعتبار حماية الخصوصية حقًا رئيسيا لصون كرامة الأفراد وضمان حرياتهم الأساسية. أما العنصر الثاني فيشدد على ضرورة وضع تنظيمات صارمة تؤطر جمع البيانات الشخصية ومعالجتها في ظل التحولات الرقمية. وركزت في العنصر الثالث على حماية الفئات الهشة، مثل النساء والأطفال والمهاجرين من الاستغلال أو الاستهداف الناتج عن إساءة استخدام المعطيات الشخصية.
ويتعلق العنصر الرابع بضرورة تعزيز الوعي والثقافة الرقمية لدى الأفراد، مشيرة إلى أن العديد من المستخدمين يفتقرون إلى الدراية الكافية حول كيفية حماية بياناتهم وطرق استخدامها. وفي العنصر الخامس، أكدت على الارتباط الوثيق بين حماية المعطيات الشخصية وحقوق أخرى، مثل حرية التعبير وحرية الوصول إلى المعلومات، مشددة على أن هذه الحقوق مترابطة وتكمل بعضها البعض دون تراتبية واضحة. أما العنصر السادس، فقد ركزت فيه على التحديات التي يطرحها الذكاء الاصطناعي والخوارزميات الحديثة، والتي تتطلب ضمان الشفافية والتناسب وعدم التمييز لمنع أي انتهاكات.
وأبرزت رئيسة المجلس أن استخدام المعطيات الشخصية بشكل غير منظم قد يؤدي إلى انتهاك الخصوصية واستغلال الفئات الهشة، إلى جانب نشر الأخبار الزائفة التي تهدد التماسك الاجتماعي. وشددت على أن مواجهة هذه التحديات تستدعي وضع ضمانات صارمة وسياسات رقمية متجددة ترتكز على احترام كرامة الأفراد.
وفي معرض حديثها عن تداخل الحقوق، أوضحت بوعياش أن حماية المعطيات الشخصية قد تتعارض أحيانا مع حقوق أخرى مثل حرية التعبير أو الوصول إلى المعلومات، مبرزة أن التوازن بين هذه الحقوق يعتمد على السياقات المحددة، وأن حقوق الإنسان مترابطة وتكمل بعضها دون وجود أي تراتبية أو أولوية مطلقة.
فضلا عن ذلك، تطرقت بوعياش في مداخلتها إلى جهود المجلس الوطني لتعزيز الثقة في الفضاء الرقمي، مؤكدة أن المجلس يعمل على الترافع لضمان الشفافية في تصميم التكنولوجيا، إجراء تقييمات حقوقية مسبقة لمعالجة البيانات وضمان حماية المعطيات الشخصية خلال الأزمات والطوارئ، مع الالتزام بمعالجة المعطيات في هذه الحالات بشكل مؤقت وطوعي ومحدد الأهداف، مع ضمان حذف المعطيات فور انتفاء الحاجة إليها، مشددة على أن هذه الجهود تأتي في إطار رؤية شاملة تهدف إلى وضع الإنسان وحقوقه الأساسية في صلب السياسات الرقمية.
تجدر الإشارة إلى أن هذه الندوة، التي شهدت حضور رؤساء وممثلي المؤسسات الدستورية، بما في ذلك النيابة العامة، المجلس الأعلى للسلطة القضائية، مؤسسة الوسيط، المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، مجلس الجالية المغربية بالخارج، الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري، مجلس المنافسة، والهيأة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، نظمتها اللجنة الوطنية لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي (CNDP) تندرج في إطار “أسبوع حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي واحترام الحياة الخاصة”، الممتد من 27 إلى 31 يناير 2025، والمنظم بمناسبة اليوم العالمي لحماية المعطيات الشخصية الذي يصادف 28 يناير من كل سنة.