أكد جلالة الملك محمد السادس، أن إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة شكل منعطفا حاسما في مسار التحول الديموقراطي والتنموي بالمغرب، باعتبارها لبنة أساسية ضمن أسس البناء والانتقال الديموقراطي، وتوطيد دولة الحق والقانون والمؤسسات، وحماية الحريات.
وأبرز جلالة في رسالة موجهة إلى المشاركين في المناظرة الدولية، المنعقدة بالرباط تحت الرعاية الملكية السامية، حول موضوع “مسارات العدالة الانتقالية من أجل إصلاحات مستدامة”، والتي انطلقت أشغالها الجمعة تخليدا للذكرى العشرين لإحداث هيئة الإنصاف والمصالحة، أن قرار جلالته بإحداث هذه الهيئة، استمرارا للهيئة المستقلة لتعويض ضحايا الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي، التي كان قد أحدثها جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، كان قرارا سياديا ضمن مسار طوعي لتدبير الشأن العام، يقوم على مفهوم جديد للسلطة، وعلى مسؤولية المؤسسات ومحاسبتها، لضمان كرامة كل المغاربة.
وأضاف جلالة الملك في هذه الرسالة التي تلتها آمنة بوعياش رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن قرار الإحداث هذا كان يهدف أساسا، علاوة على تحقيق المصالحة الوطنية ومعالجة انتهاكات الماضي، إلى جعل العدالة الانتقالية ضمن أولويات خيار الانتقال الديموقراطـي، مشيرا جلالته إلى أنه تبلورت لدى المغاربة حينها، دولة ومجتمعا، رؤية استباقية لعمق التحولات التي دخلها العالم نهاية الثمانينات من القرن الماضي، ولأهمية القيم الديموقراطية وحقوق الإنسان، ضمن الاختيارات السياسية الاستراتيجية.
وبعد أن أكد جلالة الملك محمد السادس أن مسيرة العدالة الانتقالية بالمغرب، شكلت تجربة متفردة ورائدة، أحدثت طفرة نوعية في المسار السياسي الوطني، ومكنت من تحقيق انتقال ديموقراطي سلس ومتوافق بشأنه، وإقرار ممارسات فضلى على درب استكمال بناء أسس دولة الحق والمؤسسات،
أوضح جلالة أن المغرب، بفضل هذه التجربة التي حظيت بإشادة دولية واسعة وتنويه كبير، قد كان سباقا لإدخال مفهوم العدالة الانتقالية إلى محيطه العربي والإفريقي، حيث تردد صداها في العديد من بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
في ما يلي نص الرسالة الملكية التي تلتها السيدة آمنة بوعياش رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان:
” الحمـد لله، والصـلاة والسـلام عـلى مـولانـا رسـول الله وآلـه وصحبـه.
حضـرات السيـدات والسـادة،
يطيب لنا أن نتوجه إلى المشاركين في هذه المناظرة الدولية، المنعقدة تحت رعايتنا السامية، حول موضوع “مسارات العدالة الانتقالية من أجل إصلاحات مستدامة”، تخليدا للذكرى العشرين لإحداث هيئة الإنصاف والمصالحة.
وإن تخليدكم اليوم لهذا الحدث الهام في تاريخ المغرب المعاصر، لهو مناسبة سانحة للتذكير بأهمية ووجاهة هذه المحطة البارزة، التي شكلت منعطفا حاسما في مسار التحول الديموقراطي والتنموي ببلادنا، باعتبارها لبنة أساسية ضمن أسس البناء والانتقال الديموقراطي، وتوطيد دولة الحق والقانون والمؤسسات، وحماية الحريات.
وتشكل هذه الندوة، بما تحمله من رمزية تاريخية واجتماعية وحقوقية وسياسية، مناسبة للإشادة بما تم تحقيقه ببلادنا من مكاسب، خلال المسار الوطني للعدالة الانتقالية، التي اعتمدت مقاربة متبصرة ورزينة، تتسم بالشفافية والموضوعية. وهي أيضا فرصة لتذكير الأجيال الحالية والمقبلة، بما راكمته المملكة المغربية من إصلاحات ومصالحات، في إطار من التوافق والجرأة في قراءة تاريخنا وماضينا، دون ع قد أو مركب نقص.
حضـرات السيـدات والسـادة،
إن قرارنا بإحداث هيئة الانصاف والمصالحة، استمرارا للهيئة المستقلة لتعويض ضحايا الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي، التي كان قد أحدثها والدنا المنعم جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، كان قرارا سياديا ضمن مسار طوعي لتدبير الشأن العام، يقوم على مفهوم جديد للسلطة، وعلى مسؤولية المؤسسات ومحاسبتها، لضمان كرامة كل المغاربة.
وقد كان يهدف أساسا، علاوة على تحقيق المصالحة الوطنية ومعالجة انتهاكات الماضي، إلى جعل العدالة الانتقالية ضمن أولويات خيار الانتقال الديموقراطـي ؛ حيث تبلورت لدى المغاربة حينها، دولة ومجتمعا، رؤية استباقية لعمق التحولات التي دخلها العالم نهاية الثمانينات من القرن الماضي، ولأهمية القيم الديموقراطية وحقوق الإنسان، ضمن الاختيارات السياسية الاستراتيجية.
وقد استندت هذه العدالة الانتقالية في بلادنا على أسس صلبة، منها التاريخية المرتبطة بخصوصية الشخصية المغربية، ومنها المجالية والجغرافية. وكان هدفها الأساسي الاهتمام بكل الضحايا، على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم، والانكباب على كل الانتهاكات المرتبطة بحقوق الإنسان، من السنوات الأولى للاستقلال، إلى تاريخ إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة. وهو ما مكن من تحديد وتحليل كافة أشكال وأوجه الانتهاكات التي شهدتها بلادنا في الماضي، كيفما كان نوعها وحجمها، والقيام بالتحريات الميدانية والتحقيقات اللازمة، وتنظيم جلسات استماع عمومية، في المدن والقرى، وأخرى لاستقاء الشهادات، بهدف كشف الحقيقة المتوفرة، وجبر الأضرار الفردية والجماعية، مع مراعاة ب عد النوع، وبالتالي تعزيز المصالحة بين المجتمع المغربي وتاريخه.
ولعل أحد أكثر الجوانب المميزة للتجربة المغربية، هو انخراط المجتمع المدني، بكل أطيافه، في بلورة وإنجاح العملية، حيث كان لقرار العدالة الانتقالية الفضل في فتح الفضاء العام أمام نقاشات عمومية، وحوارات مجتمعية، حول مختلف الإصلاحات والقضايا الجوهرية التي تحظى باهتمام الرأي العام الوطني.
كما أسهمت العدالة الانتقالية، بمبادراتها المتعددة والمتواصلة، في تعزيز الوعي الجماعي بشأن مناهضة انتهاكات حقوق الإنسان، حيث تم استخلاص الدروس من هذه التجربة، والتأكيد على ضرورة مواصلة ترسيخ أسس دولة القانون، بما يضمن احترام الحقوق والحريات وحمايتها، ويوازن بين الحق في ممارستها، بروح المسؤولية والمواطنة الملتزمة، والتقيد بالنهوض بالواجبـات.
حضـرات السيـدات والسـادة،
لقد شكلت مسيرة العدالة الانتقالية بالمغرب، تجربة متفردة ورائدة، أحدثت طفرة نوعية في المسار السياسي الوطني، ومكنت من تحقيق انتقال ديموقراطي سلس ومتوافق بشأنه، وإقرار ممارسات فضلى على درب استكمال بناء أسس دولة الحق والمؤسسات.
ومن ثم، فقد تسنى من خلال توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، التي طرحت مقترحات همت أيضا السياسات العامة، فضلا عن التشديد على الحاجة لتعزيز الحماية الدستورية لحقوق الإنسان، وضع إطار ناظم لإصلاحات مجتمعية واسعة، بما فيها الدستورية والتشريعية، وإنشاء آليات تشاورية ومؤسساتية، بهدف القطع مع انتهاكات الماضي، وترسيخ تدبير عمومي يعتمد قواعد دولة الحق والقانون، وإبراز ديناميات مجتمعية متجـددة.
ومن هذا المنطلق، ح ر ص نا على أن نعطي لحقوق الإنسان، في الدستور وفي القوانين وفي السياسات العمومية، مدلولها الواسع، الذي يمتد من السياسي إلى البيئي، مرورا بالاقتصادي والاجتماعي والثقافي. كما أحدثنا المؤسسات والآليات الدستورية الضرورية لحماية حقوق الإنسان في أبعادها المختلفـة.
وفي هذا الصدد، كان ح رص نا الشخصي، وفي الميدان، على إ ع مال مفهوم العدالة المجالية في السياسات الإنمائية، ودمج مفهوم ج ب ر الضرر الجماعي في خططنا الإنمائية، ورفع التهميش عن المناطق والمجالات التي لم تستفد من التنمية، بالقدر المطلوب والممكن، ومن عائد التقدم الذي تحققه المملكة المغربية. إن الأمر يتعلق بمصالحات كبرى مع التاريخ ومع المجال. وأكثر من ذلك، فإن هذا الحرص مك ن عددا من مناطق المغرب، التي كانت تعاني من نقص كبير في التنمية، من تدارك هذا النقص، بل إن من بينها ما أصبح نموذجا في التنمية المجاليـة. وفي هذا الإطار، يشهد العالم اليوم، والمراقبون الموضوعيون، بثمار النموذج التنموي الجاري تنفيذه في أقاليمنا الجنوبية، في إطار التضامن والتكامل والعدالة المجالية بين أقاليم المملكة. إذ تغير وجه أقاليمنا المسترجعة نحو الأفضل، وأصبحت منطقة جاذبة للاستثمارات، وهي اليوم تزخر بالمشاريع التنموية، والمنشآت والتجهيزات الكبـرى.
حضـرات السيـدات والسـادة،
لقد كان المغرب، بفضل هذه التجربة التي حظيت بإشادة دولية واسعة وتنويه كبير، سباقا لإدخال مفهوم العدالة الانتقالية إلى محيطه العربي والإفريقي، حيث تردد صداها في العديد من بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيـا. وقد مك ن النموذج المغربي من المساهمة بشكل كبير في تطوير مفهوم وتجارب العدالة الانتقالية، والدفع بها إلى آفاق جديدة، ليس فقط على المستوى الإقليمي، بل أيضا على المستوى القاري والأممـي. ومع ذلك، فإن ما أنجزناه على طريق صيانة حقوق الإنسان وضمان احترامها، وفي مجال التنمية وبناء المؤسسات الديمقراطية، لا يعني الكمال، ولكنه، كما يشهد بذلك العالم، نموذج ديموقراطية أصيلة ومتأصلة صاعـدة. حضـرات السيـدات والسـادة،
إننا لنأمل أن تمكن الجلسات المقررة للتداول في المواضيع المطروحة للنقاش، من إبراز الممارسات الفضلى لتجارب دول بما فيها المغرب، خصوصا تلك المتعلقة بالتفاعلات بين مسارات العدالة الانتقالية والإصلاحات التشريعية والمؤسساتية والدستورية، وبأدوار البرلمانات والفاعلين المؤسساتيين والمجتمع المدني في دعم تنفيذ توصيات هيئات العدالة الانتقالية.
وكلنا يقين أن هذا الملتقى الهام سيشكل فرصة لتحديد معالم وجوانب انعكاسات مسارات العدالة الانتقالية في القطع مع انتهاكات حقوق الإنسان، وتفعيل توصياتها، من أجل إصلاحات مستدامة، كعمليتين متداخلتين لحماية الأفراد والجماعات، وصون كرامتهم وضمان حقوقهـم.
وفي هذا الصدد، نتطلع لأن تحظى التجربة المغربية بالمكانة اللائقة بها في مناقشاتكم وتحليلاتكم، باعتبارها من ميزات ومعالم تاريخنا السياسي المعاصر، المرتكز إلى عراقة الدولة المغربية، الضاربة جذورها في التاريـخ. وإذ نرحب بكافة الفعاليات المشاركة في هذه المناظرة الدولية، فإننا ندعو الله تعالى أن يكلل أشغالكم بكامل التوفيـق. والسـلام عليكـم ورحمـة الله تعـالـى وبـركـاتـه “.
***
في اختتام أشغال المناظرة الدولية حول “العدالة الانتقالية”
آمنة بوعياش: التجربة المغربية في مجال العدالة الانتقالية لم تكن لتنجح لولا تضحيات الدولة والمجتمع
اختتمت، أول أمس السبت بالرباط، أشغال المناظرة الدولية حول “العدالة الانتقالية” المنظمة تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس، وذلك تخليدا للذكرى العشرين لإحداث هيئة الإنصاف والمصالحة.
وفي كلمة بالمناسبة، أكد رئيس مجلس النواب، راشيد الطالبي العلمي، أنه فضلا عن الرعاية الملكية السامية، فإن ما يزيد من قيمة هذه الندوة الدولية هو أنها جمعت بين من كانوا في صلب اشتغال هيئة الإنصاف والمصالحة كممارسة مطبوعة بطابع مغربي، والهيئات الحقوقية الدولية، والمشرعين، والسلطة التنفيذية، والمجتمع المدني الوطني العامل في مجال حقوق الإنسان بمفهومها الواسع.
وفي هذا الصدد، قال الطالبي العلمي “ما أحوجنا في عالم اليوم، وفي سياق ازدهار خطابات التعصب والانطواء والتوترات والأنانيات الوطنية أحيانا، إلى مثل هذه اللقاءات”، خاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا هي من جوهر الضمير، أي الحقوق بمعانيها وأجيالها المختلفة.
وبخصوص التجربة المغربية في مجال العدالة الانتقالية، أبرز رئيس مجلس النواب “الديناميات الإصلاحية التشريعية العميقة التي كانت توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة الحافز في اعتمادها، وأثر التشريعات التي تم سن ها، ت م ث لا لتوصيات الهيئة، وأساسا إعمالا للحق، وتحصينا لحاضر ومستقبل المملكة”.
وأضاف الطالبي العلمي أنه ” ليس العمق فقط هو ما طبع الإصلاحات التي اعتمدتها بلادنا، ولكن من سماتها الأساس، الامتداد في مجالات وقضايا سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، والشجاعة في قراءة الماضي، وتحويله إلى تاريخ حي يحفز على الوحدة، والجرأة في الإصلاح دون تردد، والثقة في الذي ننجزه”، مسجلا أنه ” هذا ما ت و ج بدستور 2011 ذي الجوهر التحرري، الذي يكفل الحقوق في مختلف أبعادها، ويضع لها المؤسسات والمقتضيات القانونية التي تكفلها”. وخلص رئيس مجلس النواب إلى أن الأوراش التي يرعاها صاحب الجلالة في مختلف المجالات تعكس ذلك الحرص على إعطاء الديمقراطية وحقوق الإنسان معناها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي بأبعاد مجالية ومجتمعية.
من جهته، أكد رئيس مجلس المستشارين، محمد ولد الرشيد، أن الرسالة السامية التي وجهها جلالة الملك إلى المشاركين في هذه المناظرة الدولية، تبرز العمق الاستراتيجي والتفرد الذي طبع التجربة المغربية في مجال العدالة الانتقالية، كما مثلت دعوة صريحة للمضي قدما في ترسيخ المكتسبات المحققة، وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان في التشريعات والمؤسسات الوطنية. وأضاف أن التجربة المغربية خصت الأولوية القصوى لمبدأ إقرار الحقيقة حول طبيعة ومدى الانتهاكات، وحرصت على أن يتم هذا الإقرار بشكل علني من خلال التناظر والمناقشة بصفة جماعية وبصفة مفتوحة داخل المجتمع، عبر تنظيم جلسات استماع عمومية شملت مختلف ربوع المملكة.
وقال ولد الرشيد في هذا الصدد إنه “لا مبالغة في التأكيد على أن تفرد التجربة المغربية، يكمن من بين مقومات أخرى، في فتح قنوات الحوار مع مختلف المتدخلين قصد تسوية ملفات ماضي الانتهاكات، مما أسهم في خلق انفراج وانفتاح في الأجواء السياسية، و فتح أمام بلادنا مسارات إصلاحية ودينامية ديمقراطية وطنية منقطعة النظير، نجني ثمارها اليوم في سياق إقليمي ودولي متقلب ومتسم باللايقين”.
وفي هذا السياق، توقف عند بعض العناصر الإضافية لتميز التجربة المغربية في مجال العدالة الانتقالية، من بين أخرى تم تناولها في الجلسات الموضوعاتية من قبل باحثين وفاعلين من ذوي الاختصاص، والتي تكمن أساسا في التقدم غير المسبوق في استجلاء الحقيقة بشأن انتهاكات الماضي، وجعل الإصلاحات المؤسساتية التي أوصت بها الهيئة، مرجعا أساسيا، توجت بتأكيد العرض الدستوري الوارد في الخطاب الملكي ل9 مارس 2011 على ضرورة د س ترة التوصيات الوجيهة منها، وهو ما تحقق فعلا في مقتضيات الدستور الحالي للمملكة.
وأضاف رئيس مجلس المستشارين أن الأمر يتعلق أيضا بالتسريع في إعمال التوصيات المتعلقة بجبر الأضرار الفردية، وببرنامج جبر الضرر الجماعي الذي شكل قيمة مضافة في تجارب العدالة الانتقالية، إلى جانب اعتبار مقاربة النوع الاجتماعي في مختلف برامج الهيئة، والتدابير المتعلقة بحفظ الذاكرة والأرشيف والتاريخ. من جانبها، قالت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، آمنة بوعياش، إن التجربة المغربية في مجال العدالة الانتقالية أكدت قدرة المجتمع المغربي على تحقيق تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية عميقة.
وأبرزت بوعياش أن هذه التحولات ” لم تكن لتنجح لولا تضحيات الدولة والمجتمع، ما يعكس النضج الذي تتم به معالجة القضايا المجتمعية اليوم، والتي تعتمد على مقاربة التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بمشاركة الجميع، وعلى إيجاد التوافقات بشأن مختلف التوجهات والأفكار ضمن إطار الهوية المغربية المتعددة كما جاء في الدستور المغربي “.
كما أكدت أن هذا المسار مكن المملكة من رئاسة مجلس حقوق الإنسان، في اعتراف دولي وأممي بمسارها المتفرد. وتميزت أشغال اليوم الأخير لهذه المناظرة الدولية بتنظيم جلستين موضوعيتين، ناقشت الأولى موضوع “العدالة الانتقالية والإصلاحات القضائية”، في حين تطرقت الجلسة الثانية لـ”مسارات العدالة الانتقالية والإنتاج الفكري والمعرفي”. كما تم تقديم مؤلف جماعي أصدره المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول العدالة الانتقالية. وشارك في أشغال هذه المناظرة على مدى يومين، ثلة من المسؤولين الوطنيين والأجانب، يمثلون الحكومة والبرلمان والقضاء والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان والآليات الوطنية للوقاية من التعذيب، فضلا عن مسؤولين من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، وممثلين عن منظمات المجتمع المدني وخبراء وأكاديميين.
وتناولت هذه المناظرة، بالخصوص، مواضيع مرتبطة بمسارات العدالة الانتقالية، بما فيها التفاعلات الممكنة بين العدالة الانتقالية والإصلاحات الدستورية والتشريعية والقضائية، وأدوار المؤسسات العمومية والمجتمع المدني في هذه المسارات ودعم تنفيذ توصيات هيئات العدالة الانتقالية، إضافة إلى قضايا الذاكرة.
كما تطرقت لسبل الاستفادة من مسارات تشكل بانعكاساتها ونتائجها مرجعا لتجارب أخرى حالية ومستقبلية، خاصة هيئة الإنصاف والمصالحة، باعتبارها تجربة غنية بممارساتها الفضلى، ومتفردة من حيث تدبيرها، وإنجازها ومنجزها وتوصياتها.