سقوط نظام آل الأسد

سقوط النظام السوري ووقوع البلاد في قبضة معارضة مسلحة متعددة الولاءات والتوجهات، وسيادة القلق والغموض بشأن المستقبل في ظل تسارع التطورات والأحداث على الأرض، يعيدنا جميعا إلى دائرة السياسة، وإلى أهمية حسن التقدير واستثمار فرص الإصلاح والتغيير وعدم تضييعها أو عدم المبالاة بالزمن وما يحدث من وقائع أو ما يعبر عنه الشعب من انشغالات وتطلعات ومطالب.
هذا هو الدرس الجوهري الذي لم يستوعبه بشار الأسد في حينه، وهوى نظامه الديكتاتوري بشكل غريب بعد أن حكم البلاد ل54 سنة، منذ عهد والده الذي ورثه الحكم.
يعرف المحللون أن سوريا عاشت على وقع انقلابات وصراعات متتالية منذ 1963، ثم لما استطاع حافظ الأسد التربع على الحكم عام1970، أسس لمنظومة حكم قامت على الإنفراد والتحكم والقمع، علاوة على توترات تكاد تكون دائمة مع بلدان مجاورة، وتدخلات في شؤونها الداخلية (العراق، لبنان، الأردن)، وتحتفظ قوى سياسية ومنظمات حقوقية وصحف بكثير من مآسي وقصص هذه المرحلة، كما ترويها سير ومعاناة آلاف اللاجئين والمنفيين عبر العالم.
وكأن الرئيس الراحل لم ينس مؤامرات بداية عهده ووصوله إلى السلطة، فقد عمد إلى توريث الحكم إلى إبنه بشار، وعدل، من أجل ذلك، الدستور بشكل بلطجي وفج، ومنذ ذلك الوقت هناك من قال إن الخطوة تعتبر بداية… الانهيار، وذلك لافتقار الإبن للخبرة وللشخصية اللازمة ولحسن التقدير السياسي لمصلحة بلده.
ولم ينتظر خليفة الوالد كثيرا لتتعدد قراراته الخاطئة، والتي أوصلت البلاد في نهاية المطاف إلى التفريط في سيادتها، والى فقدان الحلفاء وقوة السند، وبالتالي الى تسريع وتسهيل… السقوط، كما حدث الآن.
هل نسي العالم ما عرف في وسائل الإعلام بـ«ربيع دمشق»؟، وكيف ظهرت وعود بشار بالإنفتاح والإصلاح ثم بعد أشهر فقط تراجع عن كل ذلك وأنكره؟
هل نسي الناس أن النظام البعثي السوري جثم على صدور اللبنانيين لسنوات، وتورط في اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، قبل أن تضغط قوى إقليمية ودولية لخروجه من لبنان؟ وهل يذكر المراقبون اليوم أن الإحتجاحات بسوريا انطلقت منذ 2011، ولو توفر العقل لدى حاكم سوريا لوجد الطرق السلمية والسياسية لمعالجتها والتفاعل مع مطالب الشارع؟
نظام بشار الأسد فضل إدخال قوات أجنبية للدفاع عنه، وبذلك بدأ يفقد سيادته على البلاد تدريجيا، كما استمر في ارتكاب جرائم ضد شعبه وضد المحتجين، ومع توالي السنين بدأت تتمركز في مناطق البلاد قوات وقواعد لروسيا ثم ميليشيات تابعة لـ«حزب الله» وإيران، وجماعات مسلحة أخرى من اليمن والعراق، وكل هذا أشعل النيران حوالي البلاد، وهي المتواجدة في جغرافية سياسية معقدة ومشتعلة.
وحيث أن نظام بشار الأسد صار معزولا من كل دعم شعبي داخلي، فضلا عن انهيار الجيش السوري نفسه، وبعد التطورات الدراماتيكية المتسارعة في كامل المنطقة (غزة، لبنان…)، فإن الحلفاء الأجانب لم يستطيعوا مواصلة دعمه أو العمل على إنقاذه.
إيران باتت تفضل مصالحها الذاتية وتناقشها بواقعية جديدة، حزب الله مثخن بالجراح الأخيرة، روسيا غيرت أولوياتها ولم تعد متحمسة لمواصلة دعم وإنقاذ نظام آيل للسقوط، وكل هذا لم يستوعبه الطبيب بشار، ووجد نفسه بلا أفق أو إسناد، وكان هذا السقوط المدوي، ولم يبق بجانبه لا«محور مقاومة»ولا هم يحزنون.
ما حدث في سوريا يؤكد أن الحسابات الجيو استراتيجية بصدد التغير السريع في كامل المنطقة، وأن الذكي من استطاع التقاط الإشارة في وقتها.
لقد أضاع بشار الأسد، كما والده من قبله، فرص المصالحة مع شعبه وإحداث التغيير السياسي الداخلي المطلوب، وتحقيق الديموقراطية والتنمية بما يعزز الوحدة والجبهة الداخلية، كما أنه وضع نفسه والبلاد بين أيدي قوى أجنبية وجماعات مسلحة لحمايته، وفقد، بذلك، السيادة الوطنية، ولما انقلب عليه الجميع تحقق السقوط بسرعة استغرب لها الكثيرون عبر العالم.
من المؤكد أن ما حدث يؤسس لمرحلة تاريخية جديدة ومختلفة في سوريا، وربما في كامل المنطقة، وعديد حسابات وتموقعات وموازين قوة ستتبدل تدريجيا، لكن كل ذلك يطرح، في المقابل، تخوفات وأسئلة عن المستقبل.
اليوم يسود القلق وسط السوريين عن مكونات المعارضة المسلحة التي سيطرت على الحكم، ما هي هويتها؟ ما هي ايديولوجيتها؟ كيف تدير التناقضات الموجودة فيما بينها؟ وما هي ولاءاتها الخارجية؟ وكيف ستتعامل مع المؤسسات ومع الحريات ومع الوضع السياسي والمجتمعي العام؟ ومع طوائف وإثنيات الشعب السوري؟
هناك أيضا من يطرح كثير أسئلة حول الدور الأجنبي، وحول أدوار دول وقوى إقليمية وعالمية في ترتيب هذا الذي وقع، وكيف ستتعامل هذه القوى الأجنبية، الظاهرة والمستترة، مع مستقبل الأحداث؟
كل هذه الأسئلة مشروعة وحقيقية، ولكن مسؤولية النظام السوري تجاه شعبه وبلده هي الأساسية، وهو من كان عليه منذ سنوات حماية البلد واستقراره وسيادته، وقراراته الخاطئة هي التي قادت إلى ما توجد عليه البلاد اليوم، كما أنه المسؤول عن استثمار فرص الإصلاح الداخلي وتعزيز الجبهة الوطنية وتلبية مطالب وانتظارات الشعب.
نأمل للشعب السوري الآمان والاستقرار والوحدة والتقدم، ونأمل لكامل المنطقة تحقيق السلم والاستقرار والازدهار.
ونذكر، مرة أخرى، أن السياسة والتقدير السياسي الجيد يفرضان التقاط إشارة الإصلاح وفرصه في الوقت المناسب، وأن تقوية الجبهة الداخلية وتعزيز الوحدة الوطنية هي الورقة الرابحة دائما لمواجهة كل المخاطر والتحديات. 
ما حدث في سوريا يسطر بوضوح على أهمية هذا الدرس.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Top