طرح المحامي كريم نايت الحو عضو مجلس رئاسة حزب التقدم والاشتراكية، أمام المشاركين في الندوة التي نظمها قطاع المحامين التابع لحزب الكتاب، الخميس الماضي بالرباط، عشر مقترحات، يراها ضرورية، لتعديل القانون الصادر في 2 أكتوبر 1984 والمتعلق بالتعويضات عن حوادث السير.
في هذا السياق، اقتراح كريم نايت الحو أثناء مشاركته في هذه الندوة التي أدارتها المحامية لبنى الصغيري عضوة الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، وحملت عنوان “القانون المتعلق بالتعويض عن حوادث السير ظهير 1984 .. حان وقت التعديل”، اقترح ضرورة مراجعة الجدول المرفق بظهير 1984 والمنصوص عليه في المادة الخامسة من القانون ذاته، والرفع من الحد الأدنى للأجر والأرباح المهنية إلى القدر الذي يغطي الأضرار الفعلية اللاحقة بالضحايا، ويسمح بتغطية التكاليف الطبية، وفقدان الدخل، بالإضافة إلى تعديل سقف التغطية ليشمل كافة الأضرار، مع التفكير الخلاق في إدراج وسن تأمين تكميلي إلزامي للحالات الجسيمة والحرجة.
كما شدد كريم نايت الحو المحامي بهيئة مكناس، على ضرورة تفعيل المرسوم المؤرخ في 14 /01 / 1995 على اعتبار أن هذا المرسوم هو الذي يجبر شركات التأمين على تنفيذ الأحكام داخل آجال محددة بموجب هذا المرسوم، الذي يحدد أيضا، نسب العجز، لكن يضيف المتحدث، أن هذا المرسوم لا يتم تطبيقه لا من طرف القضاة، ولا من طرف الأطباء الخبراء المعنيين.
وأوضح نايت الحو أن المادة الأولى من هذا المرسوم، عرفت العجز البدني الدائم، بالنقصان النهائي الطارئ على قدرة المصاب البدنية والنفسانية، مشيرا إلى أن هذا الجانب المرتبط بالأضرار النفسية لا يأخذ بعين الاعتبار لا من طرف الأطباء ولا من طرف القضاة، حيث يتم الاقتصار فقط على الأضرار البدنية.
ومن بين المقترحات التي أوردها كريم نايت الحو، الرفع من مبالغ التعويض المعنوي المحدد جزافيا في 13905 درهما، والغير خاضع لارتباط ارتفاع الدخل من عدمه، والرفع من مصاريف الجنازة، وكذا التفكير في إحداث تأمين صحي للمصاب بموجبه يتلقى العلاج في ظروف جيدة في نفس تاريخ وقوع الحادث، بالإضافة إلى رفع التعويضات الممنوحة لذوي حقوق من توفي في حوادث السير، وفقد مورد عيشه، وخاصة الأرامل والأطفال، سواء قبل سن التمدرس أو خلاله، أو بعده إلى حين بلوغهم سن الرشد، مشيرا إلى أن التعويضات التي تحتسب في صندوق الإيداع والتدبير، تشكل حرمانا للضحايا وأوليائهم لعدم انتفاعهم بها في عيشهم ونفقات تمدرسهم، وعلاجهم، وتصبح الحادثة المرتكبة في ثانية واحدة وبالا على الأسرة.
كما طالب القيادي في حزب التقدم والاشتراكية بإعادة النظر في صفة المستفيدين من التعويض الناجم عن الضرر، إثر فقدان عضو من العائلة، وذلك عوض حصرها في الأصول والفروع والأزواج، لتشمل باقي أفراد العائلة وذلك حسب الضرر الذي لحق بهم، مؤكدا في السياق ذاته، على ضرورة إدراج إجبارية اللجوء إلى مسطرة الصلح في كل حادثة سير، أي عدم اللجوء إلى القضاء إلا في الحالات الاستثنائية، التي تقتضي التصريح بفشل الصلح بن شركة التأمين والضحية، مشيرا إلى أن اللجوء إجباريا، إلى إعمال مسطرة الصلح فيه إيجابية بالنسبة للمصاب وأيضا بالنسبة لشركة التأمين.
إلى ذلك شدد كريم نايت الحو على ضرورة إعادة النظر في طريقة تنظيم وعمل صندوق مال الضمان لفائدة الضحايا وإيجاد صيغة ملائمة لتمويله، واعتباره صندوقا يخوله القانون تعويض الضحايا الغير مشمولين بتعويضات شركات التأمين، مع التعويض الكامل للضحايا ليس فقط عن الأضرار البدنية ولكن أيضا الأضرار المعنوية والنفسية، بالإضافة إلى دعوته لتفعيل الجزاءات الإدارية المنصوص عليها في المادة 22 من القانون المتعلق بحوادث السير.
إلى ذلك أكد المحامي بهيئة مكناس، على أن حزب التقدم والاشتراكية يولي أهمية كبيرة لمعضلة حوادث السير بلادنا باعتبار أن الظاهرة تعد من أبرز ما يواجه بلادنا من إشكاليات لم تجد الحل لها، على الرغم من كل الجهود المبذولة سواء على صعيد السياسات العمومية أو من طرف المجتمع المدني، مشيرا إلى أن حودث السير تؤثر بشكل مباشر على المجتمع برمته، وأن هذا الجانب، يعبر عن واقع يختلف عن واقع بعض الدول المجاورة لبلدنا كفرنسا وإسبانيا حيث حوداث السير قليلة جدا بالمقارنة مع ما نعيشه في بلادنا.
وأضاف نايت الحو أنه خلال سنة 2023 بلغت حوادث السير المسجلة في المجال الحضري الحضري حوالي 85475 حادثة، وهو ما يمثل زيادة قدرها 7 في المائة مقارنة مع سنة 2022 كما سجلت هذه الحوادث في المجال الحضري 993 وفاة، فيما سجلت الإصابات الخطيرة 4413 إصابة بينما الإصابات الخفيفة وصلت إلى 111478 إصابة، مشيرا إلى أن هذه الإحصائيات، تجعل المغرب يتبوأ المرتبة الأولى عالميا، في حوادث السير وعدد الوفيات والجرحى والمعطوبين والمصابين، وأنها أدرجت المغرب في خانة البلدان التي تعرف حرب الطرق، وهي حرب يومية.
ويأتي اهتمام حزب التقدم والاشتراكية بالظاهرة، حسب عضو مجلس رئاسة الحزب، من منطلق أن حوادث السير تشكل عبء اقتصادي كبير على المغرب حيث تؤدي إلى خسائر مباشرة وغير مباشرة تتمثل في التكاليف الطبية اللازمة للعلاج وتكاليف إصلاح المركبات بالإضافة إلى التعويضات الضئيلة التي تمنح للضحايا من طرف شركات التأمين، مشيرا إلى أن الخسائر المباشرة، تتمثل في فقدان الإنتاجية بالنظر إلى حجم الخسائر البشرية من وفيات ومعطوبين وكلهم من القوى العاملة ومن القوى المنتجة داخل المجتمع.
هذه الحوادث، يضيف كريم نايت الحو، تؤدي إلى فقدان الإنتاجية وتقليصها بسبب الإصابات أو الوفيات، في الوقت الذي كانت هذه الإنتاجية ستساهم في الرفع من الناتج الداخلي الخام، حيث تشير الأرقام والتقديرات، إلى أن الكلفة السنوية الإجمالية لحوادث السير في المغرب تصل الى 1905 مليار درهم، وهو ما يعادل 1.69 من الناتج المحلي الإجمالي، مشيرا إلى أن هذه الوضعية وهذه الإحصائيات والأرقام تمثل هاجسا وهوسا بالنسبة لحزب التقدم والاشتراكية، من اجل إيجاد الصيغ الملائمة لتجاوزها وتبني سياسة وطنية تهدف إلى التقليل من الحوادث والتكاليف المرتبطة بها.
وبحسب كريم نايت الحو فإن ظهير 1984 حذف السلطة التقديرية للقاضي، وهو ما يعني، في نظره، أن هذا القانون حذف مبادئ قانونية تعتبر قواعدها من النظام العام، مثل قاعدة التعويض الكامل عن الضرر نتيجة الخطأ أو الفعل الجرمي أو الجريمة، وأن الحياد على هذا المبدأ العام، أضحى الضرر بمقتضى ظهير 84 خاضعا لتعريفة غير ملائمة لمبدأ التعويض الكامل وتتسم بالطبقية في التعويض عن الضرر الحاصل لأشخاص مماثلين إذ أن تعويض المصاب الذي لا يتوفر على دخل ليس هو نفس التعويض الذي سيمنح لشخص ذو دخل مرتفع على الرغم من إصابتهما بنفس الإصابة أو بأقلها بالنسبة لذوي الدخل المرتفع.
وأشار القيادي في حزب التقدم والاشتراكية إلى أن قانون 1984 يضرب في العمق مصالح المصابين والضحايا وأسرهم، وخول لشركات التأمين امتيازات ضخمة، حيث استطاعت مع مرور الوقت، أن ترفع من أقساط التأمين دون أن يتم الرفع من التعويض لفائدة الضحايا خلال الـ 40 سنة الماضية، علما أن كل شيء خضع للزيادة والارتفاع إلا التعويضات المخولة لضحايا حوادث السير.
فبالإضافة إلى الارتفاعات المهولة في أقساط التأمين، يقول نايت الحو “عرفت الغرامات الناتجة عن خرق أحكام مدونة السير ارتفاعات مهولة فاقت 1000 في المائة، فيما ظلت تعويضات الضحايا معتقلة في خانة الجدول الملحق بظهير حوادث السير، المتعلق بكيفية التعويض البدني الناتج عن حوادث السير والمرتبطة بالأجرة والأرباح المهنية مقارنة مع سن المصاب أو الضحية، لتحديد ما أسماه الجدول برأس المال المعتمد”.
ويرى المحامي بهيئة مكناس أن ظهير 2 أكتوبر كان من المفروض أن يرتبط بقرارات وزير المالية لتغيير المبالغ الدنيا، لأن الحد الأدنى للأجر في المغرب حسب قانون حوادث السير هو 815 درهم، وهو المبلغ الذي يطبق عليه جميع أنواع التعويض منذ حوالي أربعين عاما، سواء تعلق الأمر بالعجز الجزئي المؤقت أو العجز الجزئي المستمر، مشيرا إلى أن كل هذه التعويضات تخضع للرأسمال المعتمد، الذي يعتمد الحد الأدنى للأجر الذي هو 815 درهم.
وأكد نايت الحو على أن العمل بهذا المقتضى يؤدي إلى المساس بالتعويضات المفروض منحها للضحايا ما بين 3 إلى 4 مرات، وهو ما كان سيكون عكس ذلك لو طبق الحد الأدنى للأجر المحدد في 3150 درهم، حيث سيصبح الفرق هو أربع مرات، كل ذلك أدى إلى المساس بمبدأ تحقيق العدالة، مشيرا إلى أن الهدف من المطالبة الآنية والفورية بتعديل قانون 2 أكتوبر 1984، هو إصلاح أعطابه كقانون غير منصف من جهة، وتحسين الكفاءة لضمان تحقيق العدالة نصرة للضحايا.
حسن بيرواين: الحكومة غير قادرة على مواجهة ضغوطات شركات التأمين
من جانبه، أكد النقيب حسن بيرواين على أهمية الموضوع المرتبط بمقتضيات ظهير 1984، مشيرا إلى أن هذا الموضوع لم يحظ باهتمام المحامين ولا القضاة ولا المجتمع المدني كما أنه لم يحظ باهتمام المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وذلك لارتباطه بحق الإنسان وبالعدالة وبالكرامة.
وبحسب النقيب برواين فإن التعويض عن حوادث السير قبل صدور ظهير 1984 كان يخضع للسلطة التقديرية للقضاة الذين كانوا يمارسون استقلاليتهم قبل صدور هذا الظهير، رغم أنهم كانوا تابعين حينذاك للإشراف المباشر لوزارة العدل، مشيرا إلى أنه بعد صدور هذا الظهير فقد القضاة استقلاليتهم، لأنهم أصبحوا ملزمين بالتقيد لضوابط ومقتضيات محددة في جدول 1984.
وذكر النقيب بيرواين أن سبب نزول ظهير 1984 لم يكن كما تم الترويج له حينذاك، بسبب أزمة مالية لشركات التأمين الناتج عن التعويضات الباهظة التي يحكم بها القضاة لفائدة الضحايا، لكن السبب الحقيقي هو الاختلالات المالية الخطيرة التي عرفتها، وذلك في ظل غياب آليات المراقبة الموجودة حاليا كالمجلس الأعلى للحسابات والرقمنة وآليات التدقيق وغيرها، حيث كان العمل في شركات التأمين بشكل تقليدي.
بالإضافة إلى ذلك، أوضح النقيب حسن بيرواين أن المغرب في تلك الفترة أي مطلع ثمانيات القرن الماضي كان يمر من أزمة اقتصادية خانقة، اضطر معها المغرب للتخلي عن التصميم الخماسي، واعتماد برنامج التقويم الهيكلي، والخضوع لإملاءات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، حيث قررت الحكومة آنذاك وقف كل التوظيفات المالية ذات الصلة بالقطاعات الاجتماعية.
وذكر النقيب بيرواين أن العنوان الذي تم اختياره لهذه الندوة “القانون المتعلق بالتعويض عن حوادث السير ظهير 1984 : حان وقت التعديل” يمثل شعارا للمرحلة الراهنة، مشيرا إلى أن الكل بات مقتنعا بضرورة تعديل هذا القانون، بما في ذلك المسؤلين الحكوميين والبرلمانيين والمحامون والقضاة وفعاليات المجتمع المدني، لكن الذي ينقص في نظره، هو غياب الشجاعة لطرح لهذا التعديل، لأن الحكومة غير قادرة على مواجهة الضغوطات التي تمارسها الشركات الكبرى وشركات التأمين.
ولتأكيد ما ذهب إليه، من وجود ضغوطات من قبل شركات التأمين، ذكر النقيب حسن بيرواين أن وزير العدل عبد اللطيف وهبي عندما كان يجيب على سؤال شفوي بمجلس النواب، حول الموضوع قال إنه سيعمل في القريب العاجل لعقد لقاءات مشتركة مع شركات التأمين من أجل إيجاد توافقات وتوازنات بين حقوق الضحايا والحقوق المتعلقة بشركات التأمين، مشيرا إلى أن هذه الشركات هي شركات افتراضية على حد تعبير الأستاذ إدريس الضحاك، حيث أنها تراكم أرباحا طائلا، دون أن تقوم بأي استثمارات فعلية، وكل ذلك على حساب قوة المواطن المغربي وعلى حساب الضحايا الذين فقدوا عملهم وفقدوا مورد رزقهم.
وخلص النقيب حسن بيرواين إلى أن ضحايا هذا القانون، لا يتمتعون بمحاكمة عادلة، وأن هناك تفاوتا حقيقيا وكبيرا بين حق الضحية وشركات التأمين، مشيرا إلى أن الصعوبات المرتبطة بقضايا حوادث السير تبدأ منذ الوهلة الأولى أي منذ ارتكاب الحادثة، وصعوبة المساطر القضائية، بالإضافة إلى التكاليف التي تثقل كاهل الضحية المغلوب على أمره، ثم المعاناة الكبيرة التي يعانيها الضحايا أثناء مرحلة التنفيذ، حيث أن شركات التأمين تتماطل في تنفيذ الأحكام، وأنها تنفذ الأحكام القضائية في الوقت الذي تراه مناسبا لها.
وأكد النقيب بيرواين على أن كل الصعوبات والعراقيل، التي تواجه ضحايا حودث السير، توضح بما لا يدع مجالا للشكل، أن ظهير 1984 يضرب في العمق قواعد المحاكمة العادلة، ويمس بالمقتضيات الدستورية، وهو ما يفرض في نظره تدخل المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي عليه أن يفتح هذا الملف، وأن يضطلع بدور محوري في المرحلة المقبلة من أجل بلورة قانون جديد يراعي قواعد المحاكمة العادلة وينسجم مع دستور المملكة.
إدريس جدي: ظهير 1984 لا يعكس قيمة الإنسان المغربي وتعديله بات ضرورة ملحة
وقبل أن يتطرق للتجربة الإسبانية، في مجال قانون التعويض عن حوادث السير، أكد إدريس جدي المحامي بهيئة مدريد باسبانيا، أن إصلاح مهنة المحاماة وتحسين وضعية المحامي، رهين بتعديل القانون المتعلق بحوادث السير، وهو ما يفرض في نظره، على المحامين الضغط على الجهات المسؤولة من أجل تحسين التعويض عن حوادث السير، واصفا، ظهير 1984 بـ “القانون الغير إنساني، والغير أخلاقي، ولا يعكس قيمة الإنسان المغربي، كإنسان، مؤكدا أن تعديل هذا القانون بات ضرورة ملحة”.
ودعا إدريس جدي المحامي بهيئة مدريد مختلف المحامين المغاربة إلى اللجوء إلى الاتفاقية الموقع في 4 ماي سنة 1971 وهي اتفاقية وصفها بـ”المهمة جدا” وصادق عليها المغرب سنة 1986 إلى جانب العديد من الدول الأوروبية كفرنسا وإسبانيا وبلجيكا.
وأوضح إدريس جدي أن هذه الاتفاقية تقول بتطبيق قانون البلد الذي وقعت فيه حادثة السير، مع استثناء أنه إذا كانت السيارة تحمل ترقيما اسبانيا مثلا، ووقعت حادثة السير في المغرب، يمكن اللجوء إلى القضاء الإسباني، مشيرا إلى أنه على المسؤولين تطبيق هذه الاتفاقية الملزمة، متسائلا عن جدوى المصادقة على اتفاقية إذا لم يتم تطبيقها.
وأثناء عرضه للتجربة الإسبانية في مجال قانون التعويض عن حوادث السير، أوضح المحامي بهيئة مدريد أن القانون في الجارة الإيبيرية، يرسخ تعويضات تتوافق مع الحالة الصحية للضحية، مع أخذها بعين الاعتبار الظروف الشخصية والعائلية، والمهنية والعملية للضحية، ويلزم هذا القانون بتنفيذ هذا التعويض في آجال لا تتعدى ثلاثة أشهر، مع الإحالة على عدم الاتفاق على مسطرة الوساطة والمصالحة قبل اللجوء إلى القضاء.
وأضاف المتحدث أن شركات التأمين، في الغالب تفضل اللجوء إلى المصالحة بدل القضاء، حتى تتفادى الفوائد والمصاريف القانونية ومصاريف الدعوى التي تحكم بها المحكمة لفائدة الضحايا الذين يبقى لهم الحق في استلام التعويضات مع الاستمرار في الدعوى المتعلقة بحادثة السير، دون التنازل عن الدعوى.
وذكر المحامي بهيئة مدريد أن التعويض عن حادثة سير بموجب القانون الإسباني محدد في التعويض عن الوفاة والتعويض عن العجز البدني الدائم وعن العجز البدني المؤقت، ويمكن الجمع بين التعويضات الثلاثة، وكل هذه التعويضات هي محددة في جداول ملحقة بهذا القانون، مشيرا إلى أن التعويض عن الضرر الشخصي فيما يخص العجز المؤقت، يجب أن لا يقل عن 500 درهم في اليوم، كما يتم التعويض عن الضرر المالي، أي كل المصاريف التي تم صرفها من قبل الضحية يتم استرجاعها بالكامل، موضحا على أن التعويض بموجب القانون الإسباني يعتمد على مبدأ جبر الضرر الشامل الناتج عن حوادث السير.
علال البصرواي: ظهير 1984 خارج السياق الدستوري
بدوره، أشاد النقيب علال البصرواي بمبادرة حزب التقدم والاشتراكية لفتح النقاش حول القانون المتعلق بحوادث السير، مشيرا إلى أن هذه المبادرة تدخل ضمن الدينامية التي يعرفها قطاع المحامون بالمغرب، على إثر الحراك الذي عرفته الساحة الوطنية حول مشروع قانون المسطرة المدنية.
وبخصوص ظهير 1984 أكد النقيب البصراوي، على أنه لا يمكن تشكيل صورة حقيقية حول هذا القانون دون إجراء مقارنة في إطار القانون المقارن، مشيرا في هذا الصدد إلى التجربة الإسبانية التي تعد الأقرب إلينا، وأنه من المفيد الإطلاع على هذه التجربة وعلى القوانين التي تؤطر مجال حوادث السير بها.
وتساءل النقيب البصرواي حول ما إذا كان ظهير 1984 منسجما مع الدستور المغربي، مشيرا إلى أن السياق الذي وضع فيه هذا القانون هو سياق سياسة التقويم الهيكلي، وتدخل صندوق النقد الدولي بالإضافة إلى سنوات الجفاف التي كان يعرفها المغرب، مشيرا إلى أن هذا القانون لم تتم مناقشته قي البرلمان، وتم إصداره فيما بين الدورتين، وفق رؤية وتصور معين، وأن ما يحدث اليوم، في الواقع جراء تطبيق مقتضيات هذا القانون هو نتيجة لكل ذلك.
وأضاف النقيب البصراوي، أن هذا الظهير مرت عليه أكثر من أربعين سنة، وأن هذه الفترة عرف فيها المغرب مجموعة من المتغيرات ، والتي باتت تفرض في نظره، تغيير القانون بتغير الواقع الذي أنتجه، مشيرا إلى أن أهم شيء لم يتغير في القانون وتغير في الواقع هو الحد الأدنى للأجر الذي بقي في حدود 1800 درهم وهو الذي تعتمده المحاكم في قضايا تعويضات حوادث السير، في الوقت الذي وصل فيه في الواقع، الحد الأدنى للأجر إلى 3150 درهم، مضيفا إلى أن العديد من الدول كفرنسا على سبيل المثال، تحدد نقطة العجز في أربعين ألف درهم في حين المغرب يحددها في ألفي درهم فقط.
وبحسب النقيب البصراوي، فإن ترك هذا القانون على شاكلته ودون تعديل، هو بمثابة إبقاء على باب من أبواب الفساد المستشري في هذا المجال، مشيرا إلى العديد من الضحايا يلجؤون إلى إرشاء الخبراء من أجل رفع نسبة العجز، وأنه لو رفع المشرع من نسبة التعويض عن النقط، إلى واحد في المائة، سيكون تعويضا عادلا، مؤكدا على أنه عندما يكون القانون غير عادل يفتح أبوابا أخرى للفساد، على اعتبار أن إصلاح منظومة العدالة، وإصلاح القوانين، يعد مدخلا من مداخل محاربة الفساد.
وأوضح النقيب البصراوي أن الدستور الذي أقره المغاربة جاء بالعديد من المقاربات والعديد من المبادئ الحقوقية ومن أهمها مبدأ المساواة، بالإضافة المقاربات الحقوقية التي جاء بها الدستور والتي تهم الفئات الهشة كالأطفال والشيوخ والنساء، مشيرا إلى أن هذه الفئات خصها الدستور بامتيازات حقوقية، لكن ظهير 1984 لا يراعي مطلقا، هذه المقاربات الحقوقية، وبالتالي يضيف المتحدث، فإن هذا الظهير أصبح خارج السياق الدستوري.
وساق النقيب علال البصراوي مثالا على عدم المساواة في هذا القانون، حيث أنه في حالة وقوع حادثة إذا اكتسبت طابع حادثة سير يطبق ظهير 84، يحدد لها تعويض أقل من نفس الحادثة إذا اكتست طابع حادثة شغل، حيث يحدد لها تعويض آخر أكثر من الأول، رغم أن الحادثة هي نفسها، والضرر هو نفسه، مشيرا إلى أن ذلك غير منطقي وغير مقبول، مضيفا أن هذا القانون مليء بالمتناقضات.
وعبر النقيب البصراوي عن تخوفه من أن يؤول تعديل هذا القانون إلى الأسوأ خاصة في ظل الحكومة الحالية، وذلك على غرار تعاملها مع المسطرة المدنية والمسطرة الجنائية وقانون الإضراب، والتي هي كلها، يضيف المتحدث، جاءت قوانين بما هو أسوأ وبالتالي من الصعب التنبؤ بتعديل إيجابي لهذا القانون يكون في صالح المواطنين.
وأعرب المتدخل، عن خشيته من أن يكون تعديل القانون المتعلق بحوادث السير، يخدم، فقط، مصالح شركات التأمين، مشيرا إلى أن وزير العدل كان قد صرح بأنه من أجل تعديل هذا القانون، شكل لجنة مكونة من قضاة ومن ممثلي شركات التأمين، وهذا ما يطرح في نظره، أكثر من علامات استفهام، لأن شركات التأمين لا يمكن أن تقترح تعديلات ستكلفها ماليا.
وأضاف النقيب علال البصراوي، أن التأخير في تنفيذ الأحكام مرده لكون شركات التأمين تلجأ إلى تقنية، استثمار مبلغ التعويض المقدر مباشرة بعد وقوع الحادثة، ويتم وضع هذا المبلغ في البورصة، ويطيلون في المدة حتى يتضاعف المبلغ في البورصة، ومن ثمة لا تؤدي شركات التأمين، مؤكدا على أن من شروط المحاكمة العادلة هي أن تكون سريعة، حتى يصل الإنسان إلى حقه بشكل سريع، وفي وقت معين، موضحا أن السرعة لا تعني التسرع، ولأن تأخير تنفيذ الأحكام يعتبر ظلما حقيقيا.
ودعا النقيب البصرواي، إلى تقييد آجال تنفيذ الأحكام الخاصة بتعويض ضحايا حودث السير، وتسريعها، مشيرا إلى أن تأخير الأحكام مخالف للدستور الذي يؤكد على المحاكمة العادلة والتي من شروطها السرعة في تنفيذ الأحكام.
ويرى النقيب علال البصراوي، أن من شأن تعديل قانون 2 أكتوبر 1984 أن يكون في صالح المواطنين، إذا ما لم يكن فيه تراجع، وهذا ما يخشى منه، لأن شركات التأمين مساهمة في وضع القانون، في غياب المحامين وفي غياب ممثلي جمعيات حماية المستهلك عكس ما هو موجود في دول أخرى، مشيرا إلى أن شركات التأمين هي أغلى الأسواق في العالم، هي السوق المغربية، وفي الوقت ذاته هي أقل الدول من حيث التعويضات، وهو ما يفسر في نظره، تراكم الثروات لدى شركات التأمين المغربية.
محمد حجيوي
تصوير رضوان موسى