أحمد بطان: هدفي من كتاب “متعة القراءة” إنعاش المطالعة في المغرب وحل معضلة العزوف عنها في مجتمعنا

منذ القدم كانت القراءة هي الطريق نحو النجاح، فمن لا يقرأ لن يكون بمقدوره استيعاب ما حوله. وليس الغرض من هذه العملية هو الاستمتاع فقط، وليست محصورة على فئة معينة، فالجميع معنيون بها وفي كل المجالات، علمية كانت أم أدبية.
وبالحديث عن القراءة، لابد من أنك عزيزي القارئ صادفت خطابا يروج بأننا “أمة اقرأ لا تقرأ”، وهذا الخطاب هدفه الأساسي، حسب الكثير من المتتبعين، هو تدمير رغبة القراءة عند الشباب العربي وليس تحفيزهم عليها، كما أنه – أي الخطاب- لا يستند على أية أرقام أو دراسات موثوقة تثبت صحة هذا الكلام، ومن هنا يمكننا القول إن الهدف منه هو الاستمرار في تقديس الإنسان الغربي على حساب العربي ولو بطرق منافية للصواب، وهو نقص يعاني منه العديد في مجتمعنا للأسف.
لكن لا يمكننا أن ننكر أن المجتمع العربي بشكل عام والمغربي بشكل خاص، لا يعاني من مشكل نفور بعض الشباب عن القراءة، بسبب كثرة المشتتات التي يتعرضون لها يوميا، خصوصا الجيل الجديد الذي نشأ وسط طغيان وسائل التواصل الاجتماعي وليس المكتبات، ولهذا اخترنا أن نتحدث في هذا الحوار عن موضوع القراءة وبعض أسرار تعزيز هذه الملكة عند الأطفال والشباب مع الأستاذ أحمد بطان مؤلف كتاب “متعة القراءة: أسرار ومفاتيح”، وهو باحث ومهتم بإشكالية القراءة في المغرب والعالم العربي، من مواليد مدينة الدار البيضاء سنة 1979، حاصل على الإجازة في مهن الكتاب والإجازة في الحقوق، وموثق سابق بمؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود، ومدرب معتمد في التنمية الذاتية.
الكتاب صدر سنة 2018، إلا أن صداه لا زال يتردد إلى الآن، وهو يأتي في 78 صفحة، لقول صاحبه بأنه اختار تفادي الحشو والإطناب في هذا الموضوع لكي لا يثقل على الشباب، خصوصا “الذين يعانون من مشكل في القراءة ويريدون التحفيز عليها”. ولهذا فالكاتب قسم كتابه إلى ثلاثة فصول؛ الفصل الأول بدوره قسمه إلى ثلاثة فروع، إذ تحدث في الفرع الأول عما أسماه “البيئة الاجتماعية”، وهي التي تساهم في زرع وتعزيز حب القراءة لدى الطفل. أما الفرع الثاني فخصصه لجانب الاشتغال الذاتي بالنسبة لأولئك الذين لم تساعدهم العوامل السابقة على اكتساب عادة القراءة. فيما كان جوهر الفرع الثالث عن أهمية التوازن الذاتي لدى القارئ.
أما الفصل الثاني فنجده حول الملكات الذهنية التي تساعد على تحصيل وجمع المعلومات، وحصرها الكاتب في الذاكرة والحواس الخمس، وبين أدوارها في عمليتي القراءة والتعلم وكيفية تطويرها في كل مرحلة من مراحل حياتنا. ليختم كتابه بفصل ثالث وأخير، خصصه للجانب العملي، المتمثل في رواق القراءة والكتابة وكيفية تنظيمهما، مشيرا إلى تقنيات القراءة السريعة والكتابة المتخصصة الاحترافية.
في هذا الحوار، سنتحدث مع الكاتب أكثر حول فصول كتابه، وسنتطرق لكل فصل على حدة، على أمل تقريب القارئ أكثر من أسرار القراءة، التي من الممكن أن يستفيد منها أيضا الآباء والأساتذة في تعاملهم مع الأطفال بوجه الخصوص.

< أستاذ أحمد، تناولت في أول فرع من الفصل لأول من كتابك مصطلح “البيئة الاجتماعية” وأنها يمكن أن تكون سببا في زرع حب القراءة لدى الطفل، هل حقا هناك تأثير لوسط الطفل على حبه للقراءة رغم صغر سنه؟
> بطبيعة الحال، الإنسان ابن بيئته، وهي قاعدة معروفة في علم الاجتماع وعلم النفس، يعني أن 90 في المائة من شخصية الإنسان يكتسبها من أسرته ومحيطه الاجتماعي، فإذا كان فيها ما هو حسن أخذه، إذا كان ما هو سيء -للأسف- يأخذه أيضا، وبالتالي إذا كانت الأسرة محفزة ومشجعة على القراءة وبدورها تقرأ، فبدون أدنى جهد سيكون الطفل متشبعا بعادة القراءة هو الآخر، من خلال رؤية والديه وإخوانه وهم يقرؤون (يمارسون هذه العادة الحميدة).
بالنسبة للمفاتيح الموجودة في فرع البيئة الاجتماعية، حاولت أن أعطي بعض الحلول، وفي البداية الأمهات، باعتبار الأم هي أول إنسان يتواصل معه الطفل منذ ولادته، بالتالي بإمكانها غرس هذه العادة الحميدة من خلال حكايات قبل النوم- وإن لم تكن هي قارئة-، فإذا التفتت إلى هذه المسألة مبكرا فبإمكانها حفظ حكايات بالعامية وتعود ابنها قبل النوم على سماع حكايات، ثم تبدأ في سن السنتين بتعزيز تلك الحكايات بنسخ مصورة مليئة بالصور والألوان، لكي يبدأ الطفل يتمسك شيئا فشيئا بالكتاب، ثم بعد التحاقه بالتعليم الأولي يتم إرفاق تلك القصص المصورة بقصص مصورة ومكتوبة في نفس الوقت، وهناك يبدأ تعلم تهجئتها شيئا فشيئا إلى أن يكبر حب وشغف القراءة لديه، ثم عندما يلتحق بالمدرسة الابتدائية يأتي دور أمين المكتبة المدرسية الذي يكون مكونا تكوينا متخصصا في هذا المجال ويكون واعيا بميول الطفل القرائية التي تختلف باختلاف المراحل العمرية.
بعد ذلك يأتي دور الوسط الاجتماعي، وبالأخص الأصدقاء. عندما يلتحق الطفل بالمدرسة الابتدائية، يبدأ اختياره لأصدقائه، ولهذا فنمط الأصدقاء هو أيضا يساهم في تنمية ملكة القراءة، فإذا كانوا يرتادون المكتبات ويقرؤون الكتب، فهو الآخر سيتأثر بهم ويكتسب منهم هذه العادة على اعتبار “أن الصاحب ساحب”. ثم يمكن أن يكتسبها من وسائل الإعلام، وذلك بتوجيه الآباء طفلهم إلى مشاهدة البرامج الهادفة التي تنمي العادات الحميدة من قراءة، وتعبد، وفضائل أخرى تنصب في هذا الاتجاه المتعلق بحب العلم وطلب المعرفة وارتياد المكتبات. ثم أيضا الانترنيت، وهو سيف ذو حدين، قد يستخدمه التلميذ في الألعاب وفي كل ما هو سلبي، وقد يستعمله في طلب العلم وتحميل الكتب والقصص وقراءتها للإطلاع على مختلف أصناف المعرفة.

< يعني أن في هذه المرحلة المهمة تكون على عاتق الأسرة والمدرسة والمجتمع، لكن في حالة لم يستطع الطفل أو الشاب اكتساب هذه العادة من ومحيطه الاجتماعي ماذا يجب عليه أن يفعل؟
> في هذه الحالة يكون مدعوا إلى الاشتغال على نفسه بمفاتيح التنمية الذاتية، إذ من الممكن أن تكون لديه روابط سلبية من هذا الوسط الاجتماعي عندما يصبح شابا مراهقا، مثلا في 15-16 سنة، ويجد في نفسه عزوفا ونفورا من القراءة، بسبب ذكريات سلبية معها مرتبطة بالتوتر والعقاب عندما لا يحفظ أو لا ينجز تمارينه، وبذلك يصبح في كل مرة يمسك كتابا- حتى وإن كان في عطلة أو خارج فترات الدراسة- يحس بالخوف والتوتر. والحل هو أن يغير ذلك الرابط النفسي السلبي برابط آخر إيجابي، كأن يتذكر مثلا جائزة نالها بفضل موضوع قدمه أو بحث أنجزه في المدرسة، ويحاول استرجاع إحساس السعادة والسرور الذي انتابه في تلك اللحظة وهو يحظى بالثناء والشكر. كما يجب أن يكون خلال ممارسة القراءة مرتاحا ذهنيا ونفسيا ويبتعد عن المشتتات الداخلية من حزن، وغضب، وفرح زائد، وقلق، وجوع، وعطش كذلك، لأن القراءة تتطلب الهدوء والتركيز.

< بالفعل القراءة تتطلب تركيزا وهدوءا حتى نستوعب ما نقرأه، وأعتقد هذا ما تطرقت له في الفرع الثالث، وأطلقت عليه اسم “التوزان الذاتي”، فكيف يكون هذا التوازن؟
> لا يمكن أن نكون قراء مستمتعين بالقراءة ما لم نعمل على تنمية جوانب ذواتنا؛ فالذات الإنسانية تتكون أساسا من عقل، وروح، وجسد، وعاطفة. والقراءة هي فقط تنمية للعقل، أي أن اكتساب عادة القراءة يساعد على تنمية العقل فقط، هذا الأخير لا يمكنه أن ينمو وحده بمعزل عن الجوانب الأخرى في الذات الإنسانية. والعاطفة نعني بها علاقاتك مع الآخرين، أولهم أسرتك هل هي جيدة؟ هل هناك جو من الحب والمودة يسود العلاقات الأسرية؟، علاقاتك في المدرسة مع أساتذتك، في المحيط المهني، كل هذا يعطيك دافعا وحافزا قويا من أجل الاستمرار والنجاح في الحياة، لأن القراءة بالأساس الهدف منها ومن اكتسابها كعادة هو النجاح في الحياة. بالإضافة إلى الجانب العاطفي والجانب العقلي هناك الجانب الروحي والمتمثل في علاقتك بالخالق وبالعبادة، هل أنت مواظب على العبادة وخشوعك أثناء العبادة ليس فقط أداء الصلاة بشكل آلي؟، لأن المهم من الجانب الروحي هو الشعور بالطمأنينة، وهو يتأتى بالصلاة والدعاء وجلسات التأمل كذلك والسكينة…لهذا لابد من ربط القراءة بالجانب الروحي. ثم بقي الجانب البدني (العقل السليم في الجسم السليم)، هل أنت تواظب على ممارسة الرياضة بانتظام؟، أكلك هل هو صحي؟ هل تنام باعتدال؟ وما إلى ذلك. كل هذه الجوانب خصصت لها الفرع الثالث من الفصل الأول على اعتبار أنها مكملة ومقوية لعادة القراءة وفعل القراءة في حياتك، وستساعدك على ممارسة هذه العادة الحميدة بشكل صحي وقوي.

< أكيد كل الجوانب التي تمت الإشارة إليها مهمة، الآن دعني أنتقل معك إلى الفصل الثاني من الكتاب، والذي تناولت فيه “الملكات الذهنية” التي تساعد على تحصيل وجمع المعلومات، ما هي هذه الملكات وما هي أدوارها في هذه العملية؟
> بالنسبة للفصل الثاني خصصته لأدوات القراءة، ويمكننا القول بأنها الأدوات التي نحتاجها في القراءة وهي مرتبطة بعقولنا، أي بالجانب الذهني، وبالخصوص الذاكرة والحواس الخمس، هذه الأخيرة هي القنوات التي تمككنا من التقاط المعلومات من العالم الخارجي سواء من الكتب او غيرها، والذاكرة هي الخزان الذي يمكننا من تخزينها واستدعائها فيما بعد، وبالتالي فقط أعطيت المهارات والتقنيات التي يمكن التعامل بها مع حواسنا وذاكرتنا من أجل اكتساب سريع وأكبر للمعلومات من مختلف مصادر المعرفة، هذا التعامل الجيد سيساعدنا على اكتساب أكبر وبشكل أكثر فائدة للمعارف من مختلف المصادر.
بالنسبة للملكات الذهنية التي تطرقت لها في الفصل الثاني، فالحواس يجب التركيز على العين والأذن، على اعتبار أنهما الحاستين الأساسيتين لاكتساب المعلومات، سواء عن طريق القراءة البصرية من خلال قراءة الكتب التي نستعمل فيها العين، أو القراءة السمعية للمحاضرات والأشرطة المسجلة، وهنا قدمت بعض المهارات التي تساعد على الالتقاط السريع، كأخذ رؤوس الأقلام في المحاضرات، وتكلمت أيضا على دور الموسيقى كذلك في تطوير الملكات الذهنية، وأيضا دور التلخيص على شكل خطاطات في تسهيل عملية تخزين المعلومات، بالإضافة إلى الألعاب والمسابقات الثقافية التي تساعد هي الأخرى في اكتساب المعلومات المفيدة بالنسبة للتلاميذ في المستوى الابتدائي والإعدادي.

< أستاذ أحمد، وصلنا الآن إلى أخر فصل من الكتاب وهو الذي خصصته للجانب العملي، ما هي أهم النقاط التي جاء بها هذا الفصل؟
> الفصل الثالث أتممت فيه الحديث عن المهارات والتقنيات الخاصة بالقراءة السريعة، وعن الملكات الذهنية بشكل أكثر تركيزا، خصوصا في الجانب الذي يهم القراءة السريعة، إذ ابتدأت فيه بآلية التركيز. ثم انتقلت إلى حركة العين الايقاعية، أي طريقة تحريك العين بين السطور حتى تتمكن من التقاط السطور بسرعة القراءة سطرا سطرا، أو جملة جملة، عوض التهجئة بالحرف-التي تعلمناها في المدرسة-. ثم تقنية الاحتفاظ، أي كيفية الاحتفاظ بالمعلومات بشكل سريع بمجرد القراءة الأولى، والتي يساعدنا فيها التركيز. ثم الاستدعاء، أي استدعاء المعلومات من الذهن. ثم المرونة، وتعني تنويع إيقاع القراءة حتى لا نشعر بالملل ونحن نقرأ وحتى نتمكن من استيعابٍ أكبر لبعض الفقرات المعقدة أو المضامين المعقدة التي تحتاج قراءة بطيئة، أما فيما يخص المفردات المعقدة نحتاج في بعض الأحيان إلى التسطير عليها فقط بقلم الرصاص حتى لا تعيق إيقاعنا في القراءة، على أمل الرجوع إليها بعد ذلك، وهي –أي القراءة السريعة- تساعدنا على التركيز أكثر وتساعدنا على ربح الوقت خصوصا في فترة الامتحانات.

< أخيرا، ما هي رسالتك للقراء ولمن يرغبون بشراء هذا الكتاب؟
> في البداية يجب أن أشير إلى أن الكتاب تكلفت بطبعه وتوزيعه بشكل شخصي، بعدما رفضت مجموعة من دور النشر تبني المشروع، والكتاب حاليا موجود في بعض مكتبات مدينة الدار البيضاء، من بينهم مكتبة “دار الثقافة”، مكتبة “خدمة الكتاب” بالمدينة القديمة، ومكتبات بأحياء موجودة بعين الشق، كما أنني أتكلف بشكل شخصي بإرسال الكتاب لكل الذين يتواصلون معي عبر الفيسبوك، وثمنه رمزي في حدود 20 درهما فقط.
وفي الختام أتقدم بجزيل الشكر لجريدة بيان اليوم على هذا الحوار الممتع والشيق، والذي كان هدفنا منه في الأول والأخير هو إنعاش القراءة في المغرب وأن يصبح لدينا مجتمع قارئ إن شاء الله.

< حاوره: عبد المجيد جمال

Related posts

Top