أنديتنا والتخلف الرقمي الفظيع

سلطت التقارير الصادرة عن العصبة الاحترافية لكرة القدم، بموافقة الجامعة المسؤولة، عن عمق الأزمة التي تعاني منها الأغلبية الساحقة من الأندية الوطنية، وفداحة الاختلالات التي تعاني منها.
أزمة برزت مظاهرها في حجم الديون المتراكمة، والتي تصل حسب التقرير الصيفي، إلى الملايير من السنتيمات، مما قادها مباشرة نحو إفلاس حقيقي، يصعب معه الخروج منه في الأفق المنظور.
صحيح أن الأسباب الظاهرة لهذه الأزمة يلخصها البعض في غياب موارد قارة، تغدي باستمرار ميزانية الأندية، لكن وجه واحد للعملة، لأن ما خفي أعظم وأفدح، ما دام الأمر مرتبط بواقع يسيطر عليه نوع من التسيير، في غياب تام للوضوح ومبدأ الشفافية، تحول إلى نموذج يحتذى من طرف كل من تحمل مسؤولية أي ناد، كيفما كانت قيمته ولا تاريخيه، ولا قاعدته الجماهيرية…
فهناك غياب فادح للبعد المؤسساتي والمقاولاتي، وانعدام التفكير في الهيكلة، وعدم احترام التخصصات… كلها قواسم مشتركة تطغى على الساحة الوطنية، وعندما يسأل أي رئيس، أو أي مسؤول عن جانب من هذه الجوانب المتعارف عليها، هناك جواب جاهز على لسان الكل: “أودي حنا غارقين غير في اليومي ومشاكل الفريق الأول…”.
المؤكد أن المال هو عصب الحياة، لكن أنديتنا تستهلك أكثر مما تنتج، والكل ينتظر الدعم والمنح، والموارد الآتية من إحدى الجهات، لكن على المستوى الذاتي فلا شيء يذكر.
فانعدام الفكر المقاولاتي والبعد الاستثماري، وعدم الانفتاح على موارد أخرى، يجعل الأندية مجرد هياكل فارغة على عروشها، غير قادرة على الإنتاج، ليس لديها رد فعل، أو أفكار منتجة، ولا تتفاعل مع العصر وهنا، بيت القصيد…
فهناك أندية جماهيرية تتوفر على قاعدة واسعة، ليس فقط وطنيا وجهويا؛ بل حتى دوليا، وهذه الخاصية المهمة، يمكن أن تشكل متابعة كبيرة يمكن أن تعود بالنفع المادي، على ميزانية هذه الأندية، في حالة تهيئة أرضية للتسويق والانتشار والتفاعل الايجابي المؤسساتي.
فالاستغلال الأمثل لوسائل التواصل الاجتماعي، وإنشاء مواقع وصفحات خاصة على شبكة الإنترنت، ولم لا إطلاق محطات إذاعية أو قنوات تلفزية، يمكن أن يمنح النادي ميزانية سنوية مهمة، تساهم في تقوية مداخيله، وأيضا تقوية الروابط مع المشجعين، وإرساء قواعد تواصل مؤسساتي.
إلا أنه وللأسف هناك أندية مرجعية لا تتوفر على موقع خاص، بل حتى صفحة من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي غير متوفرة، كل شيء مؤجل؛ وكل المبادرات والاقتراحات يتم التفكير فيه، إلى أجل غير مسمى.
إنه تخلف مركب، وأفق محدود، وتفكير يعود لأزمنة غابرة، غير قادرة على مسايرة العصر، بل ليست لها القدرة على تتفاعل مع كل مستجداته؛ إذ نجد هناك مسيرين غير مؤهلين للتفاعل حتى مع محبي الأندية، بل قادرين على مواكبة تفكيرهم المتقدم، مع العلم أن هناك شبابا كثرا مكونين على أعلى مستوى، على استعداد للعمل في هذا الإطار، لكن أبواب الأندية موصدة بالكامل…
يقول المثل الشائع: “فاقد الشيء لا يعطيه”، وإذا كان هذا هو الواقع المؤلم، فما ذنب أندية كبيرة أصبحت رهينة تفكير غارق في التخلف والأنانية الهدامة والمحبطة لكل العزائم والهمم؟!..

محمد الروحلي

Top