بدأ تأجيل الدخول المدرسي برسم الموسم الدراسي 2021-2022 إلى فاتح أكتوبر المقبل بعدما كان مقررا في 10 شتنبر الجاري، يطرح الكثير من الأسئلة حول مستقبل التلاميذ بالمغرب، حيث يحمل معه مجموعة من المؤشرات السلبية التي سترخي بظلالها على الحياة المدرسية هذه السنة، بحسب كل من الخبيرين التربويين سعيد اخيطوش وعبد الرزاق بنشريج.
وعبر العديد من أولياء أمور المتعلمين، في حديث لبيان اليوم، عن مخاوفهم من مصير أبنائهم، محتجين على القرارات الارتجالية التي تصدرها وزارة التربية الوطنية، في ظل غياب استراتيجية خاصة بتدبير الأزمة.
وإذا كانت الوزارة قد اهتدت إلى تأجيل هذا الدخول المدرسي لتطعيم التلاميذ الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و17 سنة، بذريعة “توفير الظروف المواتية لاعتماد نمط التعليم الحضوري”، فإن السؤال الذي يطرحه الآباء، هو لماذا لم يتم إعطاء الانطلاقة بالنسبة للتلاميذ الأقل من 12 سنة والذين يتابع أغلبهم دراستهم بسلك التعليم الابتدائي؟
آثار سلبية
ويرى سعيد اخيطوش، الباحث في قضايا التربية والتكوين والمفتش التربوي، أن بلاغ وزارة التربية الوطنية بتاريخ 6 شتنبر2021، جاء لدغدغة وتوهيم آباء التلاميذ بأن التأجيل سيمكن من استئناف الدروس الحضورية، حيث تم التسويق للقرار بشكل إيجابي من خلال جملة: “توفير الظروف المواتية لاعتماد نمط التعليم الحضوري”.
وقال سعيد اخيطوش، في تصريح لجريدة بيان اليوم: “إن الوزارة تشترط كطرح أول لتحقيق التعليم الحضوري، توفر المؤسسة على أقسام لا تتجاوز فيها أعداد المتعلمين والمتعلمات العشرين في كل قسم، وهو ما يغيب بشكل كلي في المدن والمراكز الشبه حضرية التي تتراوح فيها هذه الأعداد بين 38 و41 تلميذا في القسم”.
أما الطرح الثاني، يوضح اخيطوش: “فيتعلق بتحقيق نسبة %100 من عملية تلقيح المتعلمين، علما أنه لا يمكن الوصول إلى هذا المستوى، على اعتبار فئة التلاميذ الأقل من 12 سنة والمتمركزة أساسا في المستويات الابتدائية فئة واسعة. بالإضافة إلى كون تلقيح أي متعلم أو متعلمة يبقى اختيارا للأب أو الولي وبالتالي يستحيل بلوغ النسبة المحددة لتحقيق التعليم الحضوري”.
ويرى الباحث في قضايا التربية والتكوين أن التبريرات التي قدمتها الوزارة في بلاغها، “جاءت لإسكات الشارع ليس إلا”، علما أنه خلال السنة الماضية قد مر المغرب من ظروف وبائية صعبة إضافة إلى انعدام المعلومات المتوفرة اليوم حول هذا المرض الجديد آنذاك، لكن لم يتم تأجيل الدخول المدرسي بهذا القدر الزمني”.
ويأتي هذا القرار، وفق تصريح المفتش التربوي، بعد سنة كان فيها التعليم تناوبيا، ما يعني أن فترة الراحة كانت أطول، لاستحالة الحديث عن وجود ما سمي بالتعلم الذاتي، وقد زادت هذه الراحة جراء هذا التمديد الإضافي، الشيء الذي “سيعقد من مهمة تشخيص التعثرات وتصفيتها لفائدة المتعلمين، لأنه لا يمكن تعويض عدم التمكن من عدة كفايات أساسية بالشكل المطلوب في أسبوع واحد فقط، كما سنواجه صعوبات كبيرة مرتبطة بجدولة الفروض والامتحانات الإشهادية خصوصا”.
ولا يستبعد المتحدث ذاته، وجود مجموعة من العواقب السلبية على المتعلمين والموارد البشرية بهذه الخطوة، مشددا بأنه “ليس من السهل تعويض شهر من الزمن المدرسي، خصوصا وأن التلاميذ المغاربة اعتادوا على تقليد مغادرة حجرات الدراسة بداية شهر ماي، ومن ثم سيكون من الصعب إتمام الموسم إلى غاية شهر يوليوز، الذي يشهد درجة حرارة مرتفعة في بعض المناطق، وما يستتبعها من انتشار الحشرات السامة المهددة لسلامة المتعلمين في ظل الظروف المادية لأغلب المؤسسات التعليمية”.
وسيؤثر هذا التأجيل على “تنفيذ المناهج الدراسية، ومنه الانعكاس الكبير على المستوى المعرفي، إذ سنصبح وقتها أمام تراكم النقص والعجز الذي حصل السنة الماضية، مما يعني تراجع المستوى الدراسي لدى المتعلمين، نظرا لعدم استفادتهم من حصتهم الدراسية الكاملة” يقول سعيد اخيطوش.
وتحدث اخيطوش لبيان اليوم عن تبعات هذا الوضع، إذ “سنجد العديد من المتعلمين فاقدين للمواصفات المطلوبة في نظام الإشهاد، خصوصا الباكالوريا، بفعل عدم الاستفادة من جميع الدروس بالشكل الصحيح، كما أن نظام امتحان الباكالوريا يقتضي فترة فاصلة بين الدورة العادية والاستدراكية وبالتالي استحالة التعلم خلال شهر يوليوز، ومن تم السقوط في فخ غياب الإعداد الجيد لامتحانات نهاية السنة”.
وتطرق الباحث في قضايا التربية والتكوين إلى معاناة تلاميذ الباكالوريا نهاية الموسم الدراسي في الاستعداد لامتحانات ولوج المعاهد والمدارس الوطنية والدولية، بفعل ضيق الوقت وعدم التمكن من إنهاء المقرر الدراسي في وقته المحدد ودون إغفال كون تأخير الامتحانات إلى غاية شهر يوليوز سيفوت على المتعلمين المغاربة إمكانية التباري للالتحاق بعدة مؤسسات دولية.
وبالعودة إلى عملية التطعيم، قدم المفتش التربوي، عملية حسابية بهذا الشأن، نتيجتها تحقيق التطعيم الجماعي إلى غاية يناير 2022 في أحسن الأحوال، وذلك بناء على المعطيات التي قدمتها الوزارة، بعدما كشفت يوم 15 شتنبر الجاري أن مليون تلميذ تلقوا الجرعة الأولى، ومن هنا فإن تلقيح تسعة ملايين تلميذ سيستغرق وقتا طويلا.
وفي ظل هذه المؤشرات لا يمكن الحديث عن التعليم الحضوري إلا خلال الموسم الدراسي المقبل، حيث ستستمر المؤسسات التعليمية في وضعها الاستثنائي كمراكز للتلقيح، إلى حين انتهاء تطعيم فئة التلاميذ التي تتراوح أعمارها بين 12 و17 سنة، وهو ما سيثقل كاهل الموارد البشرية أكثر وخصوصا بعد الالتحاق الجماعي للمتعلمين ابتداء من فاتح أكتوبر.
وبخصوص المذكرة الوزارية 2021/78 حول وضع برنامج العمل التربوي الخاصة بفترة التأجيل وإنجاح الدخول المدرسي، نبه سعيد اخيطوش إلى عدم وجود أي تصور من قبل الأكاديميات الجهوية إلى حد الآن، وبالتالي يسجل وجود تأخر كبير في هذا الباب، وهو ما يجعل إمكانية تجاوز تأثير الفترة الزمنية المبتورة بفعل التأجيل مستحيلة، زد على ذلك تأخر تحيين المقرر الوزاري المنظم للموسم الدراسي الحالي وما يرتبط بذلك من عشوائية التدبير وغياب النجاعة في اتخاذ القرار التربوي محليا على صعيد المديريات والمؤسسات التعليمية.
خطوة ارتجالية
وجوابا عن سؤال الجريدة حول مدى وجود الآثار السلبية على قرار تأجيل الدخول المدرسي، قال عبد الرزاق بن شريج الخبير التربوي، إن الخطوة كانت ارتجالية مؤكدا سلبية القرار، ومتسائلا عن سبب عدم استئناف الدراسة بالسلك الابتدائي بالنسبة لفئة التلاميذ الأقل من 12 سنة إذا كان الأمر يهم التلاميذ بين 12 و17 سنة.
وأوضح عبد الرزاق بن شريج في تصريح لبيان اليوم، أن سبب هذا التعثر في عدم احترام الموعد المحدد للدخول المدرسي راجع إلى التسيير العشوائي للوزارة، وهو ما ينعكس على التلاميذ المغاربة، مشددا بأن: “قرار التأجيل لم يكن في محله”.
وذكر بن شريج أن برمجة الوزارة بشأن إنهاء الموسم الدراسي في شهر يوليوز غير منطقي، مشيرا إلى أن التلاميذ يغادرون المؤسسات التعليمية ابتداء من شهر ماي، كما أن موسم الصيف يكون حارا بالمناطق الصحراوية، وهو ما سيرخي بظلاله على إنجاح الموسم الدراسي الذي لم ينطلق بعد.
وتحدث الخبير التربوي أيضا، عن استمرار الدراسة إلى شهر يوليوز حسب قرار الوزارة الوصية والتأخير الذي سيحصل عن إعلان نتائج امتحانات الباكالوريا، الأمر الذي سيؤثر سلبا على التلاميذ الراغبين في الولوج إلى المعاهد والمدارس المغربية والدولية.
وانتقد المتحدث بشدة، خيار التأجيل في ظل وجود اقتراحات عملية أخرى، مرجعا سبب هذه الخطوة غير الصائبة إلى غياب الاستشارة، وارتكاب أخطاء تدبيرية فادحة يؤدي ثمنها التلميذ والأستاذ المغربي.
وستفاقم مثل هذه القرارات من تدني المستوى التعليمي للتلاميذ الذين يعانون سلفا من الفشل، لاسيما وأن تحقيق المناعة الجماعية للتلاميذ غير قابل للتحقق، لأن فئة واسعة منها يقل سنها عن 12 سنة، على حد تعبير عبد الرزاق بن شريج.
ويرى هذا الأخير أن هذه الخطوة عبثية وتساهم في النفور من المدرسة، لأن قرار توقيف الدراسة طيلة هذه الفترة كان يجب أن يستثني تلاميذ المؤسسات الابتدائية.
وقدم الخبير التربوي، ملاحظات عن البرامج التربوية التي لن يتم احترامها هذا الموسم، نظرا لافتقاد الوزارة وبالضبط مديرية البرامج والمناهج إلى منهاج للطوارئ، وهو الأمر الذي لم يتم التفكير أو البدء فيه بعد! على الرغم من أن أزمة فيروس كورونا وصل عمرها السنتين.
ومن المستبعد وفق المتحدث ذاته، أن يتم تحقيق جميع الكفايات في 5 أشهر فقط دون تغيير في منهجية تقديم الدروس، ولأن الأطر التربوية مكونة على أساس تقديم المناهج في 9 أشهر، بالإضافة إلى ظاهرة الهروب الجماعي من المدرسة وخاصة التعليم الثانوي بداية شهر ماي.
ولم يقتنع عبد الرزاق بن شريج بهذا الإجراء الوزاري الذي لا يزيد الأزمة إلا تعميقا بدل إيجاد حلول واقعية لها، خصوصا من قبل مديرية المناهج بوزارة التربية الوطنية التي لم تقدم أي بديل تربوي يفيد المتعلمين في مرحلة الجائحة.
< يوسف الخيدر
< تصوير: عقيل مكاو