الباك صار مشكلة

يعاني الناجحون في الباكالوريا وأسرهم من مشكلة اسمها المعدلات العالية التي تشترطها الكثير من المؤسسات الجامعية والمدارس العليا والمعاهد للتسجيل في أسلاكها، وقد تحول الأمر فعلا إلى معضلة حقيقية، قد تكون سببا مباشرا في وقف المسار الدراسي لكثير من أبناء وبنات المغاربة.
لم تعد الأسر المغربية في السنوات الأخيرة تفرح فقط لمجرد وجود اسم ابنها أو بنتها في قوائم الناجحين في امتحانات الباكالوريا، ولكن العيون صارت تتحول مباشرة إلى المعدلات المحصل عليها، وما ستفتحه من آفاق دراسية مستقبلا، لكن في كل عام صارت هذه المعدلات تزيد في الارتفاع، ومعها يتزايد عدد التلاميذ الذين لا يجدون من يقبل بمعدلاتهم، حتى وهي تتجاوز 12 أو 13/20.
المشكلة هنا أولا أن المعدلات المطلوبة تختلف بين هذه المؤسسة وتلك، وبين هذا التخصص وذاك، وهي تتغير من هذه السنة إلى تلك، وكل هذه التبدلات تخلف ضحايا ومحبطين بالمئات، إن لم نقل بالآلاف، ما يعني الحاجة المستعجلة  لتوحيد الدرجة المطلوبة في المعدل الوطني، أو على الأقل جعل الاختلاف بسيطا وواقعيا.
المشكلة الثانية، أن شبح البطالة بعد التخرج يدفع الكثير من الأسر إلى توجيه فلذات أكبادهم نحو مؤسسات معينة، حتى وان كان الأمر يكلفهم مبالغ مالية وأقساط سنوية باهظة، وعندما يتكثف الطلب والإقبال على هذه المؤسسات بالذات، فهي تعمد إلى رفع سقف المعدل المطلوب كأسلوب للانتقاء القبلي، ما يفرض اليوم إما جعل الولوج إلى هذه المدارس يندرج ضمن منظومة متكاملة تسعى لتأهيل عرضنا التعليمي العالي، أو الانكباب على ضرورة الرفع من عدد هذه المدارس المتميزة على الصعيد الوطني.
المشكلة الثالثة، تعني قيمة الشهادة المحصل عليها، أي الباكالوريا الوطنية، وسمعتها، وهذا يفرض جعلها مدخلا يمكن الشباب المتوفر عليها من ولوج التعليم العالي، وليس أن يتأبطها ويلف على ساحات الاحتجاج، أو يجرب مختلف الطرق المؤدية للهجرة نحو الخارج بحثا عن مقعد دراسي.
المشكلة الرابعة، أن قلة عدد المدارس المتميزة في بلادنا، وحجم الإغراءات التي تستهدف خريجيها، يجعل الكثيرين منهم يختارون الهجرة إلى الخارج بمجرد نيل ديبلوم التخرج.
المشكلة الخامسة، أن بلادنا مطالبة بتفكير جريء وشجاع حول مختلف قضايا التربية والتعليم، بما في ذلك ما يتعلق بتدريس اللغات ولغات التدريس، وما يرتبط بالتوجيه، وما يتعلق بالتعليم العام والتكوين المهني، ومنظومة مغادرة الدراسة الجامعية والعودة إليها، وأيضا علاقة التعليم بالشغل، ثم تمويل التعليم وأسطورة المجانية، أي متى يكون التعليم مجانيا وإلزاميا وواجبا على الدولة، ومتى يكون مفروضا على المتمدرسين تأدية مقابل…
إن مشكلة المعدلات اليوم، وعطالة الخريجين هي نتائج، والمطلوب اليوم الانكباب على الأسباب، والإقدام على معالجة الاختلالات البنيوية، ووقف النزيف…
التعليم قضية جوهرية تسائل بلدا بأكمله.
[email protected]

Top