أطلقت حركة الشباب من أجل المناخ بتونس عريضة موجهة لوزير التربية الوطنية التونسي تحت عنوان: ”نريد تربية مناخية في تونس” من أجل إدراج التربية المناخية والبيئية في جميع المنشآت التربوية العمومية وضمن البرامج المدرسية لدى الناشئة التونسية وأغلب المستويات الدراسية ابتداء من السنة الدراسية المقبلة.
وتؤكد حركة الشباب من أجل المناخ على أنه بناء على اتفاق باريس لتغير المناخ والموقع من قبل تونس والذي ينص مادته الثانية عشرة على ضرورة تعاون الأطراف في اتخاذ التدابير اللازمة، حسب الاقتضاء، لتعزيز التعليم والتدريب والتوعية العامة والمشاركة العامة ووصول الجمهور إلى المعلومات في مجال تغير المناخ، مسلمة بأهمية هذه الخطوات فيما يتعلق بتعزيز الإجراءات المتخذة في إطار هذا الاتفاق.
ونظرا لأهمية التربية على التغيرات المناخية بالمؤسسات التربوية، ترى حركة الشباب من أجل المناخ التونسية أنه “قد أصبحنا وبصفة مستعجلة في حاجة إلى التعليم المناخي من أجل تثقيف الأجيال القادمة حول التهديد الذي يواجه البشرية وهو تغير المناخ، مع تحسين النظام المدرسي في تونس الذي يتكون من ساعات طويلة من الدروس دون إعطاء الطلاب الوقت الكافي للتفكير لاستكشاف العالم من حولهم ومعرفة ما هي التهديدات الكبرى التي تواجه حياتهم، نريد تحسين الدروس القليلة ذات الصلة بتغير المناخ في نظامنا الحالي من خلال جعل التربية المناخية مادة مستقلة”.
التربية على التغيرات المناخية في فرنسا
في فرنسا تغلغلت حالة الطوارئ المناخية التي أثارها المواطنون في ميدان التربية والتعليم من خلال رسالة مفتوحة تقدمت بها الحركات الشبابية من أجل المناخ إلى وزير التربية و التعليم الفرنسي مرفوقة بعريضة حملت عنوان: “يجب ألا يختفي المناخ من المناهج الدراسية”، عريضة حملت آلاف التوقيعات لنساء ورجال التعليم والتلميذات والتلاميذ والطالبات والطلبة من أجل إدماج حقيقي للتربية على التغيرات المناخية في مناهج التربية والتكوين، إذن كيف يمكننا دمج هذه القضية الواضحة والمؤثرة بشكل خاص لمستقبل الطلاب من خلال التدريس؟
كخلاصة مؤقتة لاستكشاف ما يمكن أن يكون للتربية على التغيرات المناخية في ضوء الأدبيات العلمية في مجالات البحث المختلفة، اتخذت العريضة الوطنية من أجل إدماج التربية على التغيرات المناخية كنقطة انطلاق في تدريس قضايا البيئة والتنمية على أساس بحث اجتماعي حول موضوع أهداف التعليم لاقتراح إطار مفاهيمي لتدريس التربية على البيئة والتنمية المستدامة، حيث يمكن تقسيمه إلى ثلاث لحظات منهجية: محو الأمية البيئية، والمداولات البيئية، والمواطنة البيئية “ليتم التعبير عنها بفضل النوع الرابع لحظات التعلم تحتل موقعا محوريا: لحظات تهدف إلى التنشئة الاجتماعية الديموقراطية”.
محو الأمية البيئية
في البداية يمكن القول إنه من الصعب بناء سيرة ذاتية لخبراء المناخ بصفة متماسكة حول المعرفة الواقعية المتعلقة بتغير المناخ، حيث أظهرت دراسة لليونسكو حول تضمين أطر المناهج الدراسية للقضايا المتعلقة بالمواطنة العالمية والتنمية المستدامة أن هذا الاعتبار بعيد عن القاعدة وهو مؤشر غير موجود أو منخفض في معظم البلدان، فهو مرتفع في ثلاثة دول فقط هي جزر موريشيوس والهند وجزيرة توفالو، ومتوسط في 29 دولة يغيب عنها المغرب وفي مقدمتها نجد قطر والعراق والبحرين وفرنسا
في المغرب، يتم دعم التربية من أجل التنمية المستدامة بشكل أساسي من خلال تخصصات ”علوم الحياة والأرض” عبر دراسة المنظومات البيئية والتنوع البيولوجي والقضايا المتعلقة بالبيئة، والموارد الطبيعية، وتخصص الجغرافيا: الاستهلاك، والتنقل، والموائل، وتخطيط استخدام الأراضي، في حين تظهر مراجعة مناهج المدارس الثانوية ومشاريع المناهج أنه في تخصص الفيزياء، لا ترتبط دراسة الطاقة بالضرورة بتغير المناخ، هذا المصطلح من “تغير المناخ” ورد مرة واحدة في موضوع “تحدي الطاقة”.
في حين، في فرنسا، يتم حاليا تدعيم التربية على التنمية المستدامة، عبر اتباع تخصص علوم الحياة والأرض في السنة النهائية من التعليم الثانوي عبر “قضايا الكواكب المعاصرة” الغلاف الجوي والغلاف المائي والمناخات: من الماضي إلى المستقبل، حيث يمكن للطلاب الحصول على المعرفة النظرية اللازمة للتعامل مع تغير المناخ باستخدام العمق الكافي للعرض، ودراسة المناخ على مدى 800 ألف سنة الماضية في البرنامج، مع مساهمات من علم الجليد لتطور تكوين الغلاف الجوي لثاني أكسيد الكربون، وعلم الحفريات، وتأثير المعلمات الفلكية، وتأثير الاحتباس الحراري الذي يفسر بأرصدة إشعاعية عند التوازن،
وتجدر الإشارة إلى أنه قد تمت معالجة أزمة التنوع البيولوجي السادسة في مشاريع برنامج العلوم المشتركة للعام الثاني، فيما يتعلق بنهج أخلاقي لفهم المسؤوليات في الحفاظ على موارد الكوكب، من ناحية أخرى “نظرية تأثير الاحتباس الحراري”.
ويبقى “موضوع الطاقة” هو الاقتراح الثالث للمحور الثاني في منهج تدريس التاريخ والجغرافيا في السنة الثانية من التعليم الثانوي الفرنسي، بالنظر إلى الطبيعة التكنولوجية لهذا الموضوع والتي قد تؤدي إلى نفور بعض مدرسي الآداب والعلوم الإنسانية، وسيكون من المثير للاهتمام دراسة نسبة مدرسي التاريخ الذين يطبقون هذا الموضوع بالفعل، بينما يشير مدرسي العلوم إلى أن “التوفيق بين النهج الاستقصائي ودراسة المساهمات العلمية في الأسئلة المتعلقة بتغير المناخ “ليس بالأمر السهل في المدرسة الثانوية، إنه تحد للتفكير طوال فترة الدراسة دون الوقوع في فخ التبسيط، لكن هذا النهج ضروري لفهم أن وراء المناقشات بين الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ والمتشككين في المناخ تكمن قضايا مختلفة”.
اقترح ليونيل سكوتو دابولونيا، عالم الاجتماع الفرنسي والباحث بجامعة مونبوليي الفرنسية، اقترح في مجال تدريس العلوم تنفيذ التدريس المتوازن الذي يعين نقل “نفي تغير المناخ” إلى المدرسة من أجل “تحقيق التوازن” في ”علوم المناخ”، حيث كشفت ملاحظاته لدى طلاب السنة الرابعة من التعليم الثانوي أن الجهاز الذي يهدف إلى تقديم حجج المتشككين في تغير المناخ والمدافعين عن البشر على قدم المساواة يميل إلى إحداث بعض الارتباك بين الطلاب الأكثر التزاما.
ويشير ”فابر” الفيلسوف والباحث في العلوم التربوية، إلى أن عقلانية العلم والتكنولوجيا من الناحية الأنثروبولوجية هي عقلانية إيجابية وتنطوي على علاقة بين الوسائل لتحقيق الغاية، والتي
“تمثل التكنولوجيا تعبيرها الأيديولوجي”، ويلاحظ أن المعرفة لا تنفصل عن المصالح التي تجعلها ممكنة، الأمر الذي يشكك في حيادية هذه المعرفة، أما بالنسبة إلى للعالم ”نيديليك”، فإن تقديم تعليم العلوم من المعرفة “يعتبر مكتسبا ومقدما بشكل مستقل عن سياق إنتاجهم فقط يعزز منطق التكاثر الاجتماعي الذي يديم عدم المساواة في الوصول إلى المعرفة والقدرة على التصرف”، في هذا الصدد تمثل برامج تعليم العلوم للصفوف العامة الأولى تطورا حيث تم إعطاء مكان خاص لتاريخ العلوم.
المداولات البيئية
تم تفصيل المداولات البيئية في البيداغوجيا بشكل خاص بمناسبة انعقاد قمة المناخ باريس عام 2015، حيث اقترحت منظمة ”شبكة المدرسة والطبيعة” تنظيم مداولات بيئية داخل الفصول، من خلال تفصيل الأساليب التربوية لإنشاء هذا النقاش عبر توسيع دائرة الضوء على التوصيات المتعلقة بأسابيع المناخ، حيث يمكننا أن نذكر أيضا تنظيم محاكاة المؤتمرات حول تغير المناخ والتي تتابع تنظيم المؤتمرات محطة بمحطة.
ويتساءل المواطنون تدريجيا عن المشاركة الكبيرة في إطار الديمقراطية التشاركية، على اعتبار أن المعرفة مكملة لمعرفة المتخصصين، ومكانا في عملية صنع القرار هذه، أما بالنسبة للفيلسوف هابرماس فيعتبر السياسة: “مساحة مشتركة للنقاش وتكوين الرأي العام” بين العقلانية والمعرفة العملية” و”لا يمكن إيجاد حل لمشكلة ما من خلال التحليل العقلاني الصارم وحده، بل في التكيف الاجتماعي ذهابا وإيابا” وبالتالي فإن النقاشات هي جزء جوهري من المجتمع، والعلم يخضع “لتفسير متعدد، حيث تريد الجماعات والجهات الفاعلة الاجتماعية إعادة تسييسه وتنظيمه وتأكيد عقلانيته الخاصة”
في هذا الصدد، يمكن أن يكون المثال الذي يقدمه مجال المناخ نموذجا أصليا للموضوعات المثيرة للجدل إلى حد كبير، نظرا للمصالح المعرضة للخطر، والجهات الفاعلة المعنية، والخطاب القوي الذي طوره معارضو أدلة تغير المناخ، اختلال توازن الأحزاب ومكانها في وسائل الإعلام وحقيقة أنه لا يمكن ضمان مجمل الحقائق على الرغم من الحقائق العلمية المثبتة: الأحداث المناخية المتطرفة، والتغير التدريجي في المواسم، وانهيار السكان، وفقدان التنوع البيولوجي.
المواطنة البيئية
وفقا لسليماني وآخرين، يهدف نهج المواطن الإيكولوجي إلى شمول مجموعة متنوعة من وجهات النظر، يتعلق الأمر بالتعرف على “الأدوار الاجتماعية في مجتمع المواطنين البيئيين الناشئة من خلال مطلب الحد من البصمة البيئية”، عبر نهج أدوات التشخيص مثل حساب البصمة الكربونية الذي يجعل من الممكن المضي قدما في التحليل، وكانت قضايا البيئة والتنمية قد هزت الجمهور من خلال نوع جديد من التعبئة السياسية التي تميز المجتمعات المعاصرة من خلال التعبئة البيئية، هذه التعبئة التي تتوافق مع التنبيهات في مواجهة أزمة بيئية عالمية، تعكس الوعي بالتأثير الكارثي المحتمل للنشاط البشري على الأداء البيئي للكوكب وهكذا كما تظهر التساؤلات حول البيئة و التنميةـ، ويشير إلى نقطة تحول في الحياة السياسية في عصر الأنثروبوسين.
وظهرت التعبئة البيئية في الحياة في شكل حركات شعبية على النطاق الدولي العالمي مثل حركة “المدن التي تمر بمرحلة
انتقالية” وحركة “العدالة المناخية” في أوروبا، وإذا كان المثال الأول يقدم الحركات كبدائل لحياة حضرية أكثر مرونة في مواجهة الأزمات الاقتصادية والمناخ والثاني يتطلب دمقرطة الخطاب حول المناخ ولتوسيع نطاق تغير المناخ من خلال مواجهة النظام الرأسمالي المسيطر بأفعال العصيان لكسرها. تحليل حديث للخطاب من التحولات يظهر أن الأخير يصبح غير متجانس ومشترك بين اتجاهين: الخطاب “المحلي” والمسيّس في مبادرات المواطن والسياسات العامة، من جهة وخطاب فني متمركز في المجال الاقتصادي من جهة أخرى.
تساعد مقارنة مفاهيم “المجتمع السياسي” في هاتين الحركتين أيضا في توضيح الاتجاهات الأخرى التي تتقاطع معها، في الواقع فإن الجهات الفاعلة في حركة “المدن التي تمر بمرحلة انتقالية”تسعى إلى رؤية نفسها كمجتمعات متناغمة ومرتبطة بالمجتمعات المحلية المماثلة، في حين أن الجهات الفاعلة في حركة “العمل من أجل العدالة المناخية”، تصور المجتمع بشكل صريح بشروط متضاربة ويقترح الاندماج بوعي في هذا السياق من الاحتجاج المسيس صراحة.
بالتوازي مع هذه الحركات الشعبية، يظهر المشهد السياسي الدولي أيضا حركة لمأسسة هذه التعبئة، إذن هي موجة لإضفاء الطابع المؤسساتي، الذي كان جزءا من المؤتمر الدولي حول كانت البيئة المنعقد عام 1972 في ستوكهولم، والذي اهتم بصياغة التوقعات بين الرابط بين المشكلة البيئية مع تنمية المجتمعات البشرية بينما كانت الموجة الثانية داخل اللجنة العالمية للبيئة والتنمية (1983-1987) مما أدى إلى إنتاج “تقرير بروندتلاند”، تقرير أتاح إعادة صياغة المشكلة البيئية على ضوء اهتمامات وتوقعات مختلف الفاعلين، بينما كانت الموجة الثالثة في إطار
مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية في ريو دي جانيرو في عام 1992 مما أدى إلى إبرام العديد من الاتفاقيات الموضوعاتية: الاتفاقية الإطارية بشأن تغير المناخ، واتفاقية التنوع البيولوجي واتفاقية التصحر، إلى جدول أعمال القرن 21 و”الأهداف الإنمائية للألفية”، وتبقى الموجة الأكثر حداثة هي التي أدت إلى ولادة خطة عام 2030 في شكل 17 هدفا للتنمية المستدامة والتي أخذت كموعد نهائي لها عام 2030.
في تونس، انتعشت النضالات البيئية في فترة ما بعد 2011، في الواقع، كان سياق التغيير السياسي الذي تم إطلاقه هور الحركات الاجتماعية البيئية بطريقة تجعل من الصعب التوصيف، حتى العام لمثل هذه الحركات، ومع ذلك، فإن البصمة السياسية لهذه الحركات لا تزال بارزة، ومن اللافت أيضا أن الإدارة السياسية للنزاعات المتعلقة بالأراضي العامة يظهر اتجاه مأسسة لهذا النوع من التعبئة في تونس. هذه اتخذت إضفاء الطابع المؤسسي شكل مشروع لتعزيز المنظمات وآليات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني طرح مثل هذا المشروع من قبل الحكومة التونسية في إطار التعاون مع منظمة العمل الدولية بتمويل من هولندا ويمتد لفترة 4 سنوات من 2016 إلى 2019 حيث كان إنشاء إطار قانوني ومؤسساتي خاص بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني هو المحور الرئيسي ضمن هذا المشروع.
وتظهر الدراسات الميدانية للتعبئة البيئية أن هذه الممارسات التي هي جزء من التعليم غير النظامي للسياسة من خلال التربية والتعليم هي تطوير للممثلين الذين يشاركون في هذا التعلم المدني عبر الصراع وبناء الاتفاقات الجماعية من خلال المشاركة وتشكل المداولات عملية تعليمية غير رسمية للتنشئة الاجتماعية من أجل المواطنة الديمقراطية. وفقا لكلوتز ووالتر، وتشمل هذه التعبئة ثلاثة مستويات من التعلم السياسي غير الرسمي المترابط:
– المستوى الأول: المجهري، يتوافق مع التعلم الذي يتطلبه الأمر الولادة في مواقف التوجيه الذاتي في مواقف المراقبة والتجريبية من قبل النشطاء أو أثناء مواقف المحادثة بين النشطاء في أوراش العمل التي تنظمها منظمات غير حكومية؛
– المستوى الثاني: الميزوسكوبي، ويشمل التعلم الذي يتم عندما يأخذ النشطاء في الاعتبار، عند تطوير استراتيجياتهم النضالية الخبرات في سياق أكبر يتضمن تجارب نشطاء آخرين؛
– المستوى الثالث: الماكروسكوبي ويتوافق مع تعلم السياسة التي تنشأ عندما يتفاعل النشطاء مع حلفائهم أو مع الخصوم بتأليفهم الاحتجاجات.
في التعليم غير النظامي، تعد المدارس البيئية واحدة من الأجهزة الرائدة التي تم تنفيذها حول أسئلة للبيئة والتنمية متعلقة ببرنامج الإدارة البيئية وإصدار الشهادات والتطوير المستدام للمدارس عبر نهجها الشمولي والتشاركي ومزيجها من التعلم والعمل اللذان يجعلانها طريقة مثالية للمدارس للمشاركة فيها، كطريقة لتحسين البيئة في كل من المدرسة والمجتمعات المحلية والتأثير على حياة الشباب وموظفي المدارس والأسر والسلطات المحلية والمنظمات غير الحكومية. ويصفه ”نيديليك” بأنه “تحول في المنظور، هذا النشر الاجتماعي للمعرفة العلمية، الذي يتميز بتنوع العقلانيات التي تؤدي إلى وجود خبرة مضادة”، في حين يظهر ”تولبانن” بتحليل ردود الطلاب السويديين على مسألة تغير المناخ أن الطلاب قادرون على النظر في الجوانب العلمية والاجتماعية والأخلاقية لتغير المناخ في نهج متعدد التخصصات ومعقد حتى ولو لم يكن لدى الطلاب والمعلمين كل الحقائق تحت تصرفهم، فإن الوعي بمكان وتأثير المجتمع الاستهلاكي على التوازن الكوكبي يمكن أن يكون في أصل هذه المواطنة البيئية.
غالبا ما يتم اختزال المواطنة البيئية في إيماءات بيئية تنتقل إلى الطلاب. ويحلل ”كوفاكس” الأفلام الوثائقية البيئية للأطفال والتي تميل إلى تقديم حلول سلوكية بسيطة وفردية للمشاكل المعقدة، وتفضل هذه الأفلام الوثائقية رؤية مختزلة للظواهر العلمية دون معالجة السياقات الاجتماعية والمؤسسية والسياسية في النظام المدرسي، حيث يمكن أن تسمح اللغات للطلاب بمناقشة أمثلة على المواطنة البيئية المتعلقة بكل بلد وطريقة الحياة، حيث يؤكد ”مارتيناند” أنه على الرغم من تكامله، إلا أن المناهج التعليمية الثلاثة : المعرفة أو تعليم المواطن البيئي أو القضايا الاجتماعية والتقنية الحيوية – “يمكن أن تجد جميعها مكانها ولكنها متباينة”.
التنشئة الاجتماعية الديموقراطية والتفكير في المستقبل
وتتكون التنشئة الاجتماعية الديمقراطية للتعلم “بمساعدة الخبرات السياسية القائمة على الإجراءات البيئية الجماعية، مثل الجهود التي يشارك فيها عدد كبير من الجهات الفاعلة الموجهة نحو إنتاج السلع البيئية، على مستوى المؤسسة التعليمية عبر وضع تصور لطرق التعلم هذه من قبل الباحث ”مارتيناند” تحت مصطلح الإجراءات التعليمية من أجل التنمية المستدامة، وبالمثل يقترح فابر حل تناقضات “التعليم الاكيد” عبر رد الاعتبار للبناء الديمقراطي باعتباره عملا بحد ذاته أو “مهمة” تسمح بالتحرر من الاندماج في مناهج الطلاب، حيث يمكن أن ترتكز هذه الاجراءات في مسارات الكلية: المسار المستقبلي، المسار الصحي، المسار الفني والمسار المدني، ولدمج هذه الأبعاد الثلاثة، يتم التعامل مع النظرية والتطبيق معا، دون تسلسل هرمي لأحدهما على الآخر، عبر تجارب في الموقع، على أشياء حقيقية يكون حلها “هدفا وليس ذريعة”، وهناك انتقال للمعرفة وتصبح المشاكل ملموسة، يؤدي تفاعل الموضوع مع الموضوع إلى “ظهور المعرفة”.
في هذا السياق، يمكن تعريف التعليم كعملية ومنتج يجب أن يكون متسقا مع غرضه، وهو التنشئة الاجتماعية الديمقراطية، وبالتالي، فإن الأمر يتعلق ببناء مقترحات الطلاب أو تنفيذ الإجراءات للحد من تأثير المناخ أو التكيف مع تغير المناخ، ويتم تنفيذ هذا البناء التشاركي للتربية من أجل التنمية المستدامة، في إطار جماعي وشراكة عبر مشروع التنشئة الاجتماعية الديمقراطية التكاملية هو عملية قائمة على “أنشطة البناء الإبداعي للمعنى، غير محددة مسبقا وتقع في قانون ديمقراطي يجعل التعليم ممكنا”.
وبالطريقة نفسها، يمكن إعادة الاستثمار في المشاركة المدنية للمعرفة البيئية المكتسبة في المناهج الثانوية، وقد عمل الحس النقدي في الفصل ليكون قادرا على إشراك الشباب في المشاركة بما يتجاوز الإيماءات الخضراء التقليدية، من خلال دمج تأثير هذه الإيماءات البيئية عبر تطوير ثقافة الحلول الملموسة داخل المدارس يسمح بالتدريب على المرونة في مواجهة تغير المناخ يروج معهد اليونسكو للتعلم مدى الحياة للأنشطة التشاركية للشباب “كمبدعين مشاركين في بناء “مدن التعلم”، مثل تعلم الدورة، وزيادة الوعي عادة التدوير، وتنظيم ورش العمل بين الأجيال، وإنشاء الحدائق التعليمية أو تشخيص الأموال المخصصة للتعليم من أجل التنمية المستدامة، من منظور الاستدامة الحضرية، درس الباحثون الإسبان تحقيق المباني المدرسية متعددة الوظائف بما في ذلك البيوت الزجاجية على أسطح المدارس بهدف توفير الدعم المحلي للتربية البيئية والاجتماعية، وتعزز اليونسكو تكامل التعليم مع المبادرات الاقتصادية والاجتماعية المتعلقة بالتنمية المستدامة، وتظهر أمثلة مدينتي كوريبيتا وميديلين أن سياسة التعليم الرسمي المدمجة في التنمية الحضرية المحلية هي ناقل للتحولات الاجتماعية والبيئية.
التربية البيئية في النظام التعليمي الفرنسي
تدريجيا بدءا من عام 2004 ثم عام 2007 ثم عام 2011، دمجت منشورات وزارة التربية الوطنية الفرنسية المتعلقة بتعميم التربية من أجل التنمية المستدامة بالمؤسسات التعليمية في نهج ملموس عبر تعزيز برنامج المدارس الإيكولوجية في نسختها الفرنسية منذ عام 2005 لتعبئة الفاعلين التربويين بالمؤسسات التعليمية ومحيطها، على سبيل المثال وفي مذكرة وزارة التربية الوطنية الفرنسية لعام 2013 والتي حددت معايير التنفيذ والتسمية، حيث يهدف نهج التربية البيئية في المؤسسات إلى إنشاء مراكز بيئية متماسكة ضمن مشروع مؤسسات في عملية التنمية المستدامة من أجل دعم تدريس هذه المفاهيم.
في وقت مبكر من تقريره لعام 2008، حدد بريجون أنه من خلال الشراكة بين الجهات الفاعلة المحلية، والمجتمع التعليمي والمجتمعات والعائلات، والجمعيات الصحية المهنية يمكن إنشاء تربية حقيقية على التنمية المستدامة، هذا ما أشار اليه منشور 2015 الهادف إلى نشر التربية من أجل التنمية المستدامة في جميع المدارس الفرنسية، حيث يلاحظ لانج، مع ذلك عدم وجود أهداف “كمية وهرمية ومخطط لها” في هذه النصوص، والأوامر المتناقضة لـ”التكامل في الأنظمة القائمة والعمل على مستوى المؤسسة”، ولقد ثبت أن أكثر العوامل ملاءمة لتخطيط المدرسة البيئية هي تلك التي تضمن حوكمة مرضية، ولا سيما الارتباط بين الآباء وفريق المدرسة، ومع ذلك فإن هذا النهج “المجتمعي”، الذي يفضل التزام موضوع “متجذر” من أجل الصالح العام، لا يتوافق مع المفاهيم التربوية السائدة للثقافة الفرنسية، والتي تتمحور حول مقاربة نقدية وفردية في إطار مشروع ليبرالي.
يبدو من الصعب تقييم آثار مشاريع التنمية المستدامة هذه على الطلاب، يبدو أن وجود معيار يجعل من الممكن الحكم على إبداع الحل في بيئة مدرسية متناقضا مع هذا الإبداع ولتعزيز تحرر الطالب، سينشئ المعلم عملية تفويض “تجعل المدرس من خلالها يتحمل مسؤولية موقف التعلم” وفقا لبروسو، ومع ذلك، فإن هذا الطرح يتضمن تناقضه الخاص بقدر ما لا يمكن فرض الحكم الذاتي للآخرين، فقط من خلال التأكيد على استقلاليته سيتمكن الطالب من الاستيلاء عليها والتغلب على الاستقلالية التي يضعه فيها مجتمع “اللوبيات والهوايات”.
تقييم أداء التربية البيئية
ومع ذلك، إذا كانت السيطرة تهدف إلى تحقيق التوافق، فإن التقييم هو تساؤل عن المعنى، وينطوي هذا الاستجواب على تعددية التفرقة، والمستودعات “يتم تطويرها كعملية”، والتي لا تغلق أبدا، حيث يستنتج كلافير من هذا أنه “لا يمكن أن يكون هناك مقيم باستثناء المقيم نفسه”.
من خلال العمل على حل المشكلات عند ظهورها، يقوم الطلاب ببناء نزعات مثل الإحساس بالصالح العام وتطوير قيم لا يمكن فهمها من حيث التنسيق يدعو الحكم الأخلاقي إلى التفكير الاحتمالي، إنه يتعلق بالتصرف بشكل وثيق الصلة في حالة معضلة حقيقية، ولتطوير هذا الحكم، يوصي بالتدريب من خلال الموقف الحقيقي، “تضارب القيم والمعايير، تتطلب هذه الحالة التحكيم والتمييز وتحديد الأولويات ، لأنه لا يوجد تفسير واحد ممكن وعادل” وفقا للانج، يتم ذلك من خلال المشاركة أثناء التعليم، في إجراءات التعبئة لمتعلقة بالقضايا الاجتماعية، المجتمعية
والأخلاقية، أن يطور الطالب مهارات العمل، مثل الإرادة والتعاون والالتزام، هذه المهارات خاصة بتنفيذ الديمقراطية التداولية، بالإضافة إلى مفاهيم المعرفة والمهارات والمواقف.
قدرات الطلاب والتكيف مع حالة الطوارئ المناخية
وضع التقرير الثالث للفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ قابلية تأثر الأنظمة بتغير المناخ على جدول الأعمال، ويعتمد هذا الضعف على شدة التعرض، والقدرة على التكيف للتعامل مع التغييرات، وأحدث عمل للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ لا لبس فيه بشأن حالة الطوارئ المناخية ومع ذلك، على الرغم من النداءات العاجلة من العلماء، لا يزال هناك “انقسام في الواقع”، وبين هذه الملاحظة المقلقة من جهة، ومن جهة أخرى الأفعال المتخذة أو القرارات مأخوذة سواء على المستوى الفردي أو الجماعي طلاب اليوم هم أول من يتأثر بالتطور الذي يؤثر على ظروف عملهم و على الحياة المستقبلية، فكيف تتغلب على هذا الالتباس في التدريس؟ التي هي المعارف والمهارات اللازمة لتصبح “متعلما بالمناخ” أو مواطنا بالمناخ؟ هل يتعلق الأمر بفهم الظواهر الموجودة في اللعبة، وفصل المسؤوليات، لمراعاة التحديات المجتمعية للنظر في إمكانيات العمل؟
لفهم الظاهرة من جميع جوانبها وجب على الأطر التربوية والتلاميذ تسليط الضوء على أرصدة الكربون أو أرصدة غازات الاحتباس الحراري، على المستوى على الصعيدين الفردي والجماعي، وأن الأسباب الرئيسية لتغير المناخ مرتبطة بالطاقة المستهلكة في قطاعي النقل والغذاء والسكن وباستهلاك البضائع للسنوات العشر القادمة كلها عوامل ستكون حاسمة لتنفيذ اتفاق باريس (2015)، أي احتواء ظاهرة الاحتباس الحراري إجمالا إلى زيادة 1.5 درجة مئوية في نهاية القرن، وبالتالي فإن البيانات المطروحة تسمح لتعيين مشكلة في قلب تعقيد تنظيم المجتمع و فهم أن التربية على التغيرات المناخية تشكك في النموذج التنموي التي سادت خلال القرن العشرين في المجتمعات الغربية.
التلوث والكوارث البيئية الأولى
كما ذكرنا سابقا فقد تمت التوصية بالتنمية المستدامة متابعة لتقرير برونتلاند (1987)من قبل الهيئات الدولية، مع تفسيرات متفاوتة لمنتقديها ومنتقدي التربية على التنمية المستدامة، تقوم على إيماءات بيئية صغيرة الحجم وتتميز بقلة الانعكاس العميق، ويتعلق بالحفاظ على نظام يساهم في تدمير النظم البيئية وهو “مجال معين من التربية البيئية الهادفة إلى تصميم وتطوير الاستجابات التعليمية بما يتفق مع أهداف التخفيف من غازات الاحتباس الحراري ومع بحاجة إلى التكيف مع العواقب الحتمية لتغير المناخ”.
استخدمت اليونسكو مصطلح “التربية على تغير المناخ” لمدة عشر سنوات لكنه حاليا موجود بشكل مؤلم حاليا حيث تم تضمين التربية على التغيرات المناخية في احتجاجات حركات الشباب من أجل المناخ عبر العالم، لقد كان موضوع التماسات للحكومات لتسجيل هذا التدريس في المناهج وأوصى به مؤخرا في فرنسا من قبل المجلس الأعلى للبرامج، لقد دخلنا بالفعل العصر الجيولوجي الأنثروبوسين: حيث يعمل البشر على نظام الأرض، كما أن البيئة العميقة لها حق المواطنة، ففي الجامعات يذهب برنامج التربية على التغيرات المناخية إلى ما هو أبعد من التعليم المناخي البسيط، فهو يتضمن النظر الى النموذج الحالي لإنتاج وتوزيع واستهلاك الطاقة والسلع والخدمات ويرتبط بقضايا العدالة الاجتماعية، ويشمل التعليم النقدي والمكون المدني.
محو الأمية المناخية
يتعلق الأمر بمحو الأمية لمتعلقة بمحو الأمية العلمية التي تضع التركيز على عملية إنتاج البحث العلمي ومهاراته عندما يتعلق الأمر بحل المشكلات، هي أيضا مرتبطة بمحو الأمية التكنولوجية، أي القدرة على الاستخدام ولفهم الأنظمة التكنولوجية، هؤلاء يجب أن تمكن القراءة والكتابة الطلاب من التفاعل مع عالم تشكله العلوم والتكنولوجيا، بالنظر إلى نطاق وتعقيد المعرفة العلمية الحالية، نشير إلى أن يجب أن يحدد البحث في تعليم العلوم ما هي المعرفة ضرورية وتعتبر الطاقة مفهوما أساسيا للفهم من الفيزياء هذه محو الأمية أصبحت ممكنة بواسطة النهوض بعلوم المناخ، وقدرات غير المتخصصين تحليل نقدي للمعلومات التي تنشرها وسائل الإعلام على تغير المناخ.
يفترض هذا الفهم تكاملا منهجيا للمعرفة من مختلف المجالات الأكاديمية، تكملها الممارسات الثقافية، سياسي ومهني حيث أظهرت انه يمكن تحفيز هذا الوعي بكيفية تطور العلم من خلال نهج متعدد التخصصات يقارن استكشاف موضوع علمي مرتبطة بتغير المناخ وخلافاته وقضايا المجتمع معرفة الطاقة، أساس تعليم تغير المناخ تغير المناخ سببه بشكل رئيسي الإنتاج و استهلاك الطاقة، وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، “ويرجع ذلك أساسا إلى احتراق الوقود الأحفوري وبعض الممارسات الزراعية والصناعية، لذا فإن التربية على التغيرات المناخية تنطوي على ذلك اكتساب المعرفة الأساسية لمفاهيم الطاقة، فمعرفة الطاقة الراسخة في العلاقة بين العلم والمجتمع كان محو الأمية في مجال الطاقة بالفعل
لمحة عن محو الأمية في مجال الطاقة
لمعرفة مفاهيم الطاقة يجب فهم المصادر ومحاور التنمية والتكاليف والفوائد وأنواع مختلفة الطاقة، مع التفكير في قضايا الطاقة وتقييم موثوقية المعلومات المتعلقة بالطاقة؛ مع نهج أسلوب حياة منخفض المحتوى في الكربون عبر المساهمة من السلوك الفردي إلى إدارة الطاقة؛ والانخراط في أنشطة توفير الطاقة والتوجه نحو المجتمع المستدام؛ مع القدرة على حمل الحكم المستنير على استخدام الطاقة واتخاذ إجراءات فعالة لإدارة الطاقة وترتبط هذه المعرفة العلمية بالتفكير في الاستهلاك الطاقة وتأثيرها على استدامة المجتمعات.
ويبقى المغزى من وراء تعليم العلوم هو فهم المواطن للطاقة بطريقة تنطوي على القدرة على تحليل المعلومات بشكل نقدي لاستنباط المرجع قائم على العلم و يؤكد هذا النهج وكذلك أهمية المعرفة العملية المتعلقة بالطاقة، ومهارات في صنع القرار والأخلاق مع التركيز على المعرفة العلمية، حيث يضيق مفهوم محو الأمية في مجال الطاقة والسعي لتحقيق مستوى عال، حيث قد يرقى التدريب في هذا المجال إلى إنشاء “نخبة من المتعلمين وكتلة من الناس مستبعدين من العمل البيئي المستنير”، لذلك يعتبر التربية على الطاقة هي بالفعل تربية بيئة حيث يتعلق الأمر بتكوين السكان ممن لديه المعرفة والمهارات المواقف والدوافع ضرورية لصنع القرار باستخدام معايير موضوعية حل المشكلات الجارية ومنع المشاكل المستقبلية ويتعلق الأمر بتعبئة المواقف مثل “المسؤولية المدنية للمجتمع نحو نهج أسلوب حياة مستدام منخفض الكربون لإشراك الطلاب في هذه التطورات حسب الرغبة وتبني نتائج التربية
على التغيرات المناخية بعد أن تتبناها الوزارة الوصية وتقوم بإدماجها في المقررات الدراسية ابتداء من السنة المقبلة كما تطمح الى ذلك حركة الشباب من أجل المناخ بتونس.
بقلم: محمد بنعبو
خبير في المناخ والتنمية المستدامة
رئيس المكتب الوطني لجمعية مغرب أصدقاء البيئة