الديون والركود الأوروبي  يهددان اقتصادات شمال إفريقيا

هل تؤثر في تشكيل آفاق الاقتصاد المغربي ؟
كشف تقرير صادر عن شركة “كوفاس” المتخصصة في إدارة المخاطر الائتمانية، أول أمس الثلاثاء، أن عام 2025 سيشهد استقرارا محدودا في النمو الاقتصادي العالمي عند معدل 2.7%، وسط تصاعد المخاطر التي تهدد الأسواق الناشئة، بما في ذلك دول شمال إفريقيا.
يؤكد التقرير، الذي يسلط الضوء على المخاطر الاقتصادية والقطاعية، أن الاقتصادات الناشئة تواجه تحديات متزايدة بسبب ارتفاع قيمة الدولار وهروب رؤوس الأموال، وهي عوامل قد تؤثر بوضوح على اقتصادات المنطقة.
ولا شك، أنه في ظل هذه التحولات الاقتصادية المتسارعة التي يشهدها العالم، يبرز الاقتصاد المغربي كنموذج ضمن اقتصادات شمال إفريقيا التي تواجه ضغوطا متزايدة، ومع اعتماد المملكة على شراكاتها التجارية مع الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى تطلعاتها لتعزيز مكانتها كجسر بين أوروبا وإفريقيا، تبدو التأثيرات العالمية لعام 2025 ذات أهمية خاصة في تشكيل آفاق الاقتصاد المغربي.
ضغط الدولار وتصاعد المخاطر المالية
يعيد انتخاب دونالد ترامب، وفقا للتقرير، تشكيل الخريطة المالية العالمية، ما يضع الاقتصادات الناشئة في موقف حساس، مبرزا (التقرير) تأثير ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية، الذي يؤدي إلى زيادة الضغط على الدول ذات الديون المقومة بالدولار.
وتشمل هذه الدول بعض الاقتصادات الرئيسية في شمال إفريقيا التي تعتمد بشكل كبير على التمويلات الخارجية، مما يعرضها لمخاطر مالية كبيرة إذا استمر تراجع العملات المحلية أمام الدولار.
التحديات الأوروبية تنعكس على المنطقة
في الوقت الذي تتعمق فيه الفجوة الاقتصادية بين الولايات المتحدة ومنطقة اليورو، تعاني أوروبا – الشريك الاقتصادي الأهم لشمال إفريقيا – من تباطؤ النمو بسبب التحديات في قطاعات الصناعة والبناء.
ويتوقع التقرير أن يؤدي هذا التباطؤ إلى تقليص الطلب على صادرات شمال إفريقيا من المواد الخام والخدمات، ما يزيد من الضغوط على اقتصادات المنطقة التي تعتمد بشكل رئيسي على الشراكات التجارية مع الاتحاد الأوروبي.
الصين والانعكاسات على الأسواق الناشئة
من جهة أخرى، يتوقع التقرير تباطؤا ملحوظا في النمو الاقتصادي الصيني، الذي قد ينخفض إلى 4.3% عام 2025.
ويشير إلى أن هذا التباطؤ، مقترنا بالمنافسة الشرسة من المصنعين الصينيين، قد يؤدي إلى تفاقم التحديات التي تواجهها قطاعات مثل التصنيع والطاقة في شمال إفريقيا، حيث تعتمد هذه الدول على الطلب الصيني على المواد الخام.
التكيف مع بيئة اقتصادية مضطربة
في ظل هذه التحديات، يشدد تقرير “كوفاس” على ضرورة اتخاذ دول شمال إفريقيا خطوات حاسمة لتعزيز استقرارها الاقتصادي.
تشمل هذه الخطوات تقليل الاعتماد على الديون الخارجية بالدولار، وتحفيز القطاعات المحلية لتعزيز الصادرات، وتنويع الشراكات الاقتصادية لتقليل تأثير الأزمات الأوروبية أو الصينية.
قطاع السيارات كمؤشر اقتصادي
وفي سياق آخر، يشير التقرير إلى أن قطاع السيارات الأوروبي، الذي يواجه صعوبات كبيرة بسبب المنافسة الصينية وعدم اليقين في الأسواق الأمريكية، يمكن أن يكون مؤشرا على التحولات التي قد تضرب بعض القطاعات الصناعية في شمال إفريقيا.
الاقتصاد المغربي: قراءة في السياق
بالانتقال إلى المغرب، يبرز دوره كمحور اقتصادي رئيسي في شمال إفريقيا، حيث يعتمد بشكل كبير على شراكات تجارية مع الاتحاد الأوروبي، خصوصا في قطاعات الزراعة، الفوسفات، وصناعة السيارات؛ ومع تراجع النمو في أوروبا، قد يواجه الاقتصاد المغربي تحديات تتمثل في انخفاض الطلب على هذه الصادرات.
من جهة أخرى، يمثل ارتفاع قيمة الدولار تحديا إضافيا، حيث إن المغرب، الذي يعتمد على الديون الخارجية لتمويل مشروعاته التنموية الكبرى، قد يجد نفسه تحت ضغط مالي إذا استمرت التقلبات في أسواق الصرف العالمية.
الاستثمار في القطاعات ذات الأولوية
وفي ظل هذه المعطيات، تظهر الحاجة الملحة لتقليل اعتماد المغرب على الشراكات التقليدية مع أوروبا والبحث عن أسواق جديدة في إفريقيا وآسيا.
كما يمكن للمملكة أن تعزز مكانتها الاقتصادية عبر الاستثمار في القطاعات ذات الأولوية، مثل الطاقة المتجددة والصناعات التحويلية، وتنويع صادراتها لضمان مرونتها أمام الأزمات العالمية.
قطاع السيارات: نجاحات محلية تحت الاختبار
قطاع السيارات في المغرب، الذي يعتبر من أهم القطاعات التصديرية، يواجه تحديات إضافية، حيث إن التقرير يشير إلى الضغوط التي يعاني منها قطاع السيارات الأوروبي نتيجة المنافسة الصينية وعدم اليقين في الأسواق الأمريكية.
بالنسبة للمغرب، الذي يحتل مركزا متقدما كقاعدة إنتاج إقليمية لصناعة السيارات، يمكن أن تتأثر صادراته بهذا المناخ العالمي المضطرب.
إصلاحات هيكلية
رغم التحديات الاقتصادية المتوقعة لعام 2025، يبقى المغرب في موقع متميز لإعادة توجيه اقتصاده نحو مزيد من التنويع والابتكار.
ومع استمرار الضغوط العالمية، سيظل النجاح مرتبطا بقدرة المملكة على تبني إصلاحات هيكلية وتحقيق توازن بين التزاماتها الدولية واحتياجاتها الوطنية.
عبد الصمد ادنيدن
Top