يعد مراد الخطيبي واحدا من الكتاب المغاربة الذي لا ينضب معينه، إذ لا تكاد تنهي قراءة مؤلف له حتى يطالعك الرجل بإصدار جديد، وليس ذلك بعزيز على كاتب ترعرع وشب وسط أسرة مولعة وعاشقة للأدب.
مراد الخطيبي ينحدر من عائلة وارفة الظلال، وموغلة في الإبداع، ينتمي لهرم في الأدب المرحوم عبد الكبير الخطيبي والوالد محمد الخطيبي تغمدهما الله بواسع
رحمته، اللذان شكلا النبراس الذي أنار الطريق للخطيبي الإبن الذي تشبع بتوجيهات الوالد الذي اشتغل في سلك التعليم وعشق الأدب، ونهل من فكر العم العالم
عبد الكبير الخطبيي الذي يعد
من العلامات المتميزة والبارزة في المشهد الثقافي المغربي والعربي، نظرا لعطاءاته المعرفية المتنوعة بين الإبداع والفلسفة والسوسيولوجيا.
وفي خضم هذه الأرضية الخصبة، ظهر للوجود الخلف مراد الخطيبي الشاعر والمترجم والباحث الأكاديمي ليغني الساحة الثقافية بإسهامات في الشعر
والنقد والترجمة وأدب الرحلة، ولاستجلاء الجوانب المضيئة في الحياة الإبداعية للكاتب، جالسته “بيان اليوم” تزامنا مع صدور ديوانه الشعري الجديد
بعنوان ” شهقات الرياح”،
لمساءلته عن إصداره الجديد وعن بداياته في عالم الكتابة، ومشاريعه المستقبلية، وأشياء أخرى يكشف عنها الحوار التالي.
> من أين استمد الباحث مراد آلیات الكتابة، بتعبیر آخر هل للأسرة دور، وخاصة والدكم رحمة الله علیه؟
< لا بد أن أعترف بدایة أنني كنت محظوظا جدا، هناك عوامل ربما ساهمت بشكل مباشر أو غیر مباشر في ولعي الشدید بالكتابة، والدي رحمة الله علیه محمد الخطیبي، وهو خریج جامع القرویین ورجل تعلیم كان عاشقا جیدا للأدب، أتذكر أنه كانت له مكتبة مهمة جدا تحتل غرفة بكاملها، تضم روایات ودواوین شعریة باللغة العربیة تحدیدا، في هذه المكتبة الغنیة تعرفت على العقاد وطه حسین ونجیب محفوظ وعبد المجید بنجلون ومیخائیل نعیمة وتوفیق الحكیم وابن زیدون وجرجي زیدان وغسان كنفاني والجاحظ وابن المقفع وغیرهكثیر، قبل اكتساب المهرات والآلیات المعرفیة الضروریة التي تمكنني من اقتحام
مكتبته والتهام ما فیها من كنوز معرفیة وإبداعیة، كان الوالد في نهایة كل أسبوع وأنا في مرحلة الابتدائي بالمدرسة المركزیة لسیدي إسماعیل حیث كان یعمل مدیرا لها، یطلب مني عند نهایة كل أسبوع، ونحن عائدون إلى مدینة الجدیدة مسقط الرأس أن أكتب تقریرا مفصلا في شكل إنشاء أعبر فیه عن كل ما قمت به في هذا الأسبوع، كان تمرینا أسبوعیا صعبا جدا على مستوى الكتابة، ینبهني إلى أخطائي ویطلب مني عدم تكرارها مرة أخرى، طبعا هذه كانت البدایات الأولى
التي تعلمت خلالها الكتابة بلغة عربیة سلیمة، في مرحلة الثانوي وفي ثانویة ابن خلدون بمدینة الجدیدة تحدیدا، بدأت أكتب خواطر ونصوص قصصیة ومقالات نشرت الكثیر منها في سن مبكرة خاصة بالصفحة الثقافیة لجریدة المیثاق الوطني، وتوجت هذه البدایات بجائزتین نلتهما في الشعر والقصة كانت قد نظمتهما ثانویة ابن
خلدون بمدینة الجدیدة.
> هل لك أن تحدثنا عن جدید أعمالك؟
< آخر إصدار لي هو دیوان شعري بعنوان “شهقات الریاح” صدر سنة 2018 عن منشورات”
إديسيون بلوس ” بالدار البیضاء. وقبل ذلك صدر لي كتاب نقدي تحت عنوان: “عبد الكبیر الخطیبي الأجنبي المحترف” عن سلیكي أخوین للنشر بطنجة، وكذا مؤلفان نقدیان بالإنجلیزیة صدرا بألمانیا عن “دار النشر نور”، واحد یتعلق بإشكالیات ترجمة الخطاب السیاسي من اللغة العربیة إلى اللغة الإنجلیزیة، والثاني یتعلق بدراسة حول القضایا النسائیة في روایات الكاتبة الإنجلیزیة فرجینیا وولف.
> أین یجد مراد الخطیببي ذاته،هل
في الشعر أم في أجناس أدبیة أخرى؟
< أنا أعشق الشعر لكنني لا زلت أبحث عن قصیدتي، أجتهد عن طریق القراءة والبحث والاحتكاك بشعریات مختلفة منهنا ومن هناك، لكي أطور آلیات اشتغالي وتحقیق كتابة متجددة شكلا ومضمونا.
لكنني أحاول الكتابة في أجناس أدبیة أخرى مثل الروایة و أدب الرحلة، بالإضافة إلى انشغالاتي الأخرى في البحث العلمي وفي الترجمة، فقد ترجمت مؤلفین في شعر الهایكو من العربیة إلى الإنجلیزیة، كما
ساهمت في عدة مؤلفات نقدیة جماعیة حول جاك دریدا مثلا ورولان بارت أیضا.
> الشعر هو الشعر كما قال هايدغر فماذا يقول مراد الخطيبي؟
– الشعر بالنسبة لي هواء أتنفس به لكي أعيش ولا أختنق، خاصة في ظل التلوث الذي يحيط بنا من كل الجوانب وهو موسيقى روحي يأتي إلي بدون استئذان عندما يسمع أنيني ويحس بمعاناتي وضجري وهو إحساس وفكر في نفس الوقت.
>ماذا عن المواكبة النقدیة للأعمال الأدبية المغربیة؟ *
< هناك إنتاج وافر يتطلب مواكبة موازية على مستوى النقد وأن يتم الالتفات للنصوص عوض أصحاب النصوص، لأن هناك أعمالا جيدة لا تتم الإشارة إليها ولا التطرق إليها بالدراسة والتحليل وهناك في المقابل أعمال رديئة تصنف كأنها أعمال ممتازة وهذا يسيء للمشهد الإبداعي المغربي.
وبالطبع لیست هناك مواكبة نقدیة توازي ما ینشر من أعمال إبداعیة، یبقى التأكید على أن هناك محاولات فردیة یقوم بها بعض النقاد المغاربة مشكورین لمواكبة الأعمال الإبداعیة الجدیدة والتعریف به سواء
في المغرب أو خارج المغرب من خلال مجلات عربیة مرموقة، تبقى مع ذلك هذه المواكبة غیر كافیة طبعا، هناك أعمال إبداعیة ممیزة لم تنل حقها من النقد ولا یتم الالتفات إلیها إلا عندما تحصد الجوائز خارج المغرب.
> ماذا عن ظروف الطبع والنشر؟
– مثل جمیع الكتاب المغاربة طبعت كل مؤلفاتي على نفقتي باستثناء مؤلفین دعمتهما وزارة الثقافة.
> هل یجد الباحث المغربي دعما من طرف الجهات الوصیة، على قطاع الثقافة ؟
< فیما یخص النشر، فینبغي التأكید على أن وزارة الثقافة تدعم الناشر ولیس الكاتب، طبعا المخطوط الذي یقترحه الكاتب على دار النشر یتم عرضه على أنظار لجنة تشكلها وزارة الثقافة، وهذه اللجنة هي
المخولة لها تحدید الكتب التي حصلت على الدعم، وما یستفیده الكاتب هو بعض النسخ من الكتاب، طبعا هذا غیر كاف ولا یمكن أن نحمل وزارة الثقافة أكثر من طاقتها، ماذا تقدم مثلا الجمعیات الثقافیة الإقلیمیة
للكاتب وللكتاب؟ في بعض الأحیان تصرف أموال طائلة في مهرجانات بعیدة كلیا عن الثقافة ولا تنتج مع الأسف إلا الإسفاف والفساد الأخلاقي والضحالة الفكریة.
> أنهيت مؤخرا مؤلفا عن أدب الرحلة، هل لك أن تتحدث لنا عن هذه التجربة الجديدة؟
<بعدما أنهیت كتابة روایة ومؤلفا في فن الرحلة، أنا الآن أشتغل على كتاب جدید حول رحلة قمت بها إلى ألمانیا. وابتداء من شهر ماي سأشرع في كتابة عمل آخر في فن الرحلة حول إقامتي
بالدیار الكندیة في فترة من الفترات. سیكون الكتاب باللغة الإنجلیزیة.
*كلمة أخيرة؟
<في الأخیر لا یسعني إلا أن أشكركم على هذه الفسحة الجمیلة، وأتمنى أن تتوفر للكتاب ظروف جیدة لمردودیة أكبر وأرقى خدمة للأدب المغربي وللثقافة المغربیة، لأن الثقافة هي الأمل وهي الأبقى في ظل
الانتكاسات المتعددة التي تحیط بنا من كل جانب.
>حاوره : عبد الله مرجان