الكلام الأخرق للريسوني

توفق الأصولي الريسوني عبر خرجته الإعلامية الأخيرة في منحنا تعريفا واضحا عن شخصه وفكره وقناعاته المتطرفة، بلا لبس أو تمويه، ورمى كل من يختلف معه بتهمة الإلحاد، ولم يتردد في التأكيد على أن الملحدين تغلغلوا في الدولة (كذا)، وإن لم يكن مثل هذا الكلام يعني تكفير الكثيرين، بل والدولة أيضا بكل مؤسساتها، فإنه قد يكون أقرب إلى زرع الفتنة و…الترويع وسط البلاد.
الريسوني هذا يقف اليوم فوق رؤوس كل من كان يعتبره فقيها معتدلا أو مقاصديا، ويسخر منهم قبل غيرهم، ويخرج لسانه وعينيه فيهم متنطعا ومرددا أنه من منظري التطرف فعلا ومن مروجيه…
إن ما اقترفه الأصولي العائد من مجمع جدة يوجب إعلان الرفض والتنديد والإدانة، ويستدعي مزيدا من الانتباه واليقظة وسط مجتمعنا دفاعا عن استقرارنا المجتمعي، وعن أفقنا الديمقراطي المنفتح.
لم يعد المتطرفون الدينيون يكتفون بمهاجمة المهرجانات الفنية، أو التشنيع بالفنانات وترويج الاتهامات والأكاذيب عنهن وعن أعمالهن الفنية، ولم يكتفوا بمهاجمة المدافعات والمدافعين عن المساواة وعن حقوق الإنسان وعن الحرية، إنما انتقلوا، مع الريسوني، إلى سرعة أكبر، ورموا المجتمع برمته بتغلغل الملحدين في الدولة، وهو التفكير نفسه الذي كانت بعض الجماعات الإرهابية والسلفية المتشددة تنشره عندما تعمد إلى تكفير المجتمع والنظام وتحريض الناس على رفض مؤسسات المجتمع وقوانينه وعدم الامتثال لها.
لكن الفرق الجوهري الذي يغفله المتطرفون عادة هو أن المغاربة مصرون على حماية تميز نموذجهم المجتمعي والتنموي والحضاري، وأنهم هم الذين هبوا بالآلاف لحضور المهرجانات الفنية التي طالب المتزمتون الدينيون بمنعها، وهم الذين يقبلون على انتاجات وإبداعات الفنانين والكتاب والمبدعين، وهم أيضا الذين يقبلون على الاستمتاع بالبحر، وبالفرح، وبالاحتفال، ومن ثم فهم في معيشهم اليومي يحيون تميزهم وخصوصياتهم التي لا علاقة تجمعها بعقلية المشارقة، ولا صلة توصلها بطائفياتهم.
وإن ملك البلاد هو من توقف في خطاب العرش الأخير عند هوية الإسلام المغربي القائم على الوسطية والتسامح والاعتدال، وكان بذلك يوجه رسالة أوضح من الوضوح إلى الكل، بأن المغرب عاش هكذا لقرون، وسيبقى ملتزما بهويته المتعددة وبأفقه الحداثي والديمقراطي.
ولهذا، فإن خرجات المتطرفين الدينيين تفرض اليوم تمتين جبهة مدنية، سياسية وثقافية وإعلامية، للدفاع عن الحريات وعن الديمقراطية وعن المساواة وعن حقوق الإنسان، وتستوجب الاستمرار في الإصلاحات السياسية والديمقراطية، كما تنبه بعض الفعاليات الإسلامية المعتدلة إلى ضرورة تطوير منظوماتها الفكرية والسياسية ومواقفها بمزيد من الشجاعة والجرأة، خصوصا في قضايا مثل: حقوق المرأة والمساواة، إلغاء عقوبة الإعدام، كونية حقوق الإنسان، حرية الفن والإبداع والرأي والتعبير، وإعلان هذه المواقف بالشجاعة ذاتها التي ميزت مقاربتها لعملها التنظيمي والسياسي في الفترة الأخيرة.
إن مواجهة التطرف والمتطرفين مسؤولية الجميع إذن.

[email protected]

Top