المجانية في الجامعة

التصريحات التي أدلى بها مؤخرا وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، لحسن الداودي، حول مجانية التعليم العالي، تستحق فعلا الدراسة والتفكير؛ لأنها تمس واحدا من المواضيع المهمة بالنسبة لتطوير جودة منظومتنا التعليمية، والتي لم تسمح الاعتبارات السياسوية والانتخابوية بالانكباب عليها بجدية وجرأة وشجاعة لحد الآن.
إن ما طرحه الوزير الداودي لا يجب أن يقابل بكلام المزايدة، أوبمحاولة تسجيل إصابات من كرة مهترئة في مرمى الحكومة، كما حاول ذلك بعض كتاب الأعمدة في الأيام الأخيرة، إنما بدل ذلك يجب إعمال تفكير شجاع ورصين لبلورة الأجوبة لمعضلة حقيقية، موجودة ويدركها الكل.
إن قضايا الحق في التعليم، وحدود مجانية ذلك، وجودة العرض الجامعي الوطني، وعلاقة التعليم بالتكوين المهني مثلا، ومقاييس الأداء في مؤسسات التعليم العالي، وعلاقة التعليم الجامعي بسوق الشغل، وغير هذه الإشكالات الكبرى المطروحة على بلادنا منذ سنوات، تستدعي اليوم بلورة منظومة متكاملة للحل، وجعل إجراءاتها تدخل حيز التنفيذ من دون تباطؤ أو تأخير، كما أن الحكومة مطالبة أيضا بعدم جر الإصلاح من ذيله، وبالتالي تكتفي فقط بما يهم الأداء مقابل الولوج إلى الجامعة، وترك باقي محاور الإصلاح، إنما الأمر يقتضي مخططا على المدى القريب جدا يستحضر المؤسسة وآفاقها، والمدرس ومطالبه، وأساسا الطالب، ثم المحيط المجتمعي العام، وأهداف البلاد في التنمية والتكوين والبحث العلمي والديمقراطية والحداثة.
من البدهي أن نطالب السلطات ذات الصلة بالحرص على تمكين أبناء الأسر الفقيرة والمتوسطة من حقهم في التعليم العالي، ودعم ذلك، لكن في نفس الوقت لم يعد مقبولا الاستمرار في اعتماد المجانية المطلقة بالنسبة للأسر الثرية، والتي بإمكان مساهمتها المالية أن تساعد الدولة على التكفل بأبناء الفقراء، وأيضا أن تحفز على توفير البنيات التحتية، وتشجيع تنويع العرض التعليمي، وإقامة المدارس العليا ذات الجاذبية الكبرى وغير ذلك.
نأمل إذن ألا تبقى تصريحات الوزير الداودي مجرد كلمات قيلت ردا على أسئلة صحفية، وإنما أن يعقبها تشاور واسع وسريع حول مضامين الكلام، وحول سبل تنزيله في إطار مخطط متكامل وشمولي للنهوض بتعليمنا العالي، والأمل ذاته معقود على طبقتنا السياسية ونخبتنا المثقفة من أجل مواكبة مثل هذا النقاش الحيوي لمستقبل بلادنا وشبابنا، وذلك من دون شعبويات فجة لا تسمن ولا تغني من جوع.
إننا اليوم نعاين ما أفضت إليه الشعبوية بالنسبة لقضايا التعريب ولغات التدريس والازدواجية اللغوية، ولا يجب مواصلة سجن النقاش حول المجانية في التيه نفسه، لأن السياقات اختلفت، وأعداد الضحايا من شبابنا تكاثرت، وشجاعة القول والفعل باتت اليوم واجبا على الجميع.
إلى العمل..
[email protected]

Top