المعرض الدولي للفرس بالجديدة في دورته الـ 15.. تظاهرة تكرس العناية بالفرس وتحتفي بالموروث الثقافي للمملكة

انطلقت أول أمس الثلاثاء، فعاليات الدورة الخامسة عشر لمعرض الفرس، بالجديدة، والتي تستمر إلى غاية السادس من أكتوبر الجاري، تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس، وسط حضور نوعي للتلاميذ الأطفال وشبه غياب للفئات العمرية الأخرى، وذلك لتزامن المعرض، من جهة، مع أيام الدراسة والعمل، ومن جهة أخرى لاعتماد نفس برامج الدورات السابقة إلى حد كبير.

وفي وقت عاينت فيه بيان اليوم حضورا نوعيا لتلاميذ المؤسسات التعليمية، في سياق رحلات جماعية منظمة ومؤطرة، أكد عدد من المنظمين والمشرفين على الأروقة بالمعرض، ضعف إقبال الفئات العمرية الأخرى من اليافعين والكبار خلال اليوم الأول، معربين عن أملهم في تزايد عدد الزوار خلال الأيام الموالية.

وأرجع عدد من المواطنين الذين التقتهم الجريدة، عدم الإقبال الكبير على المعرض خلال الأيام الأولى، إلى تزامن الفعاليات مع أيام العمل والدراسة، مبرزين أنهم سيبرمجون زيارتهم للمعرض خلال عطلة نهاية الأسبوع، فيما أفصح آخرون عن عدم رغبتهم في زيارة المعرض، مبررين ذلك بتكرار نفس البرنامج والفعاليات مع تعديلات بسيطة منذ النسخة الأولى. 

تعزيز رقمنة الفلاحة والنهوض بفن الفروسية

تميز اليوم الأول من الدورة الـ15 لمعرض الفرس للجديدة، المنظمة تحت شعار “تربية الخيول في المغرب.. الابتكار والتحدي”، بالتوقيع على اتفاقيتين تهدفان إلى تطوير التقنيات والتكنولوجيات المعتمدة في المجال الفلاحي والنهوض بفن الفروسية.

وتجسد الاتفاقية الأولى، التي وقعها وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، محمد صديقي، والمدير العام لشركة هواوي المغرب، دافيد لي، الإرادة المشتركة لدعم التحول الرقمي في القطاع الفلاحي في إطار استراتيجية الجيل الأخضر.

وتروم هذه الاتفاقية إدخال منصات متصلة بالإنترنت ونشر خدمات إلكترونية فلاحية في مواقع رائدة، فضلا عن تقوية قدرات الفلاحين والمهنيين وتشجيع ريادة الأعمال لدى الشباب.

أما الاتفاقية الإطار الثانية التي تهم النهوض بفن الفروسية، فقد وقعت بين الشركة الملكية لتشجيع الفرس، ومؤسسة المدرسة الملكية الأندلسية لفنون الفروسية (إسبانيا).

وتهدف هذه الاتفاقية، التي تندرج في إطار دينامية تثمين فن الفروسية كعامل رئيسي ضمن الهوية الأندلسية والمغربية، إلى إرساء تعاون ذي منفعة متبادلة، يركز على تعزيز وحماية الموروث الثقافي للفروسية، ومد الجسور بين المؤسسات وتنظيم أنشطة التكوين وتقاسم الخبرات في مجال الفروسية.

ومن خلال هذا التعاون، يلتزم الطرفان بتعزيز الروابط المهنية والأكاديمية، مع المساهمة في الإثراء الثقافي والاجتماعي في الجوانب المشتركة بين الطرفين.

برنامج متنوع

يعد المعرض واجهة لاكتشاف مختلف تجليات التراث المغربي الأصيل المرتبط بالفرس وإشعاعه الدولي، عبر برنامج متنوع يبرز غنى هذا الموروث الثقافي اللامادي الوطني.

كما تشكل هذه التظاهرة السنوية فرصة أمام الزوار لاكتشاف عالم الفروسية بمختلف تجلياته عبر برمجة متنوعة تلبي رغبات مختلف الفئات، بمن فيهم الجمهور الناشئ، الذي يتوافد على المعرض بأعداد غفيرة تصل في إطار زيارات منظمة تشرف عليها مؤسسات تعليمية وجمعيات فاعلة في مجال الطفولة والشباب.

ويتمثل الهدف الأساسي لهذا المعرض، الذي تنظمه جمعية معرض الفرس، في استعراض الفرس وكل ما يتعلق به، حيث يقترح هذا الحدث العديد من الفضاءات، يتطرق كل منها لمجال محدد، لينصهر الكل ضمن مفهوم فريد يستلهم عالم الفرس، بمرابطه وحلباته وحظائره وحواجزه.

وفي هذا السياق، يقترح (قطب المعارض) فضاءات للعارضين مخصصة للجهات والهيئات المؤسساتية والفن والخيول، فيما يتضمن (قطب الفرجات) والمسابقات أنشطة يومية كألعاب الفروسية وبطولات وطنية للاستعراض خاصة بأنواع الخيول كالبربرية والعربية الأصيلة والإنجليزية البربرية.

كما سيتم تنظيم المباراة الدولية لجمال الخيول العربية الأصيلة، وكأس المربين المغاربة للخيول العربية، والبطولة الوطنية للخيول العربية البربرية، فضلا عن المباراة الدولية للقفز على الحواجز، من فئتي نجمة واحدة وأربع نجمات، المؤهلة لكأس العالم وباعتبارها المحطة الثالثة من الدوري الملكي المغربي الدولي.

ويتضمن المعرض عددا من الأروقة منها بالخصوص، رواق القوات المسلحة الملكية، والحرس الملكي، والدرك الملكي، والأمن الوطني، والقوات المساعدة، وكذا رواق الجامعة الملكية المغربية للفروسية، والمركب الملكي دار السلام للفروسية والشركة الملكية لتشجيع الفرس.

ويشمل برنامج المعرض أيضا عدة ندواة ومحاضرات تهم عدة مواضيع اجتماعية واقتصادية، ثقافية، تاريخية، علمية، منها على الخصوص “القطب الرقمي للفلاحة والغابات ومرصد الجفاف” و”العلوم، الابتكارات والتحديات: حالة قطاع الخيول” و” البيولوجيا الجزيي ية في خدمة تربية الخيول”.

فنون الفروسية التقليدية

انطلقت، خلال اليوم الأول من فعاليات معرض الفرس، منافسات الأدوار النهائية للدورة السابعة للجائزة الكبرى لجلالة الملك محمد السادس لفنون الفروسية التقليدية، التي تقام ضمن فعاليات المعرض.

وعرف اليوم الأول لنهائيات الجائزة الكبرى، المنظمة تحت إشراف الجامعة الملكية المغربية للفروسية، مشاركة 17 مجموعة (سربة) في فئة الكبار، تمثل مختلف جهات المملكة.

وتتميز هذه الدورة بمشاركة أجود الفرسان والخيول المغربية، فضلا عن أفضل السربات التي تمثل جهات كلميم – واد نون مراكش – آسفي، فاس – مكناس، العيون – الساقية الحمراء، الدار البيضاء – سطات، سوس – ماسة، الرباط – سلا – القنيطرة، الشرق، بني ملال – خنيفرة، درعة – تافيلالت، طنجة – تطوان – الحسيمة.

وكان لقب الدورة السادسة للجائزة الكبرى لجلالة الملك محمد السادس لفنون الفروسية التقليدية، قاد عاد لسربة المقدم أسامة العسري من جهة الدار البيضاء – سطات.

ويتضمن برنامج التباري الإنجازات التي يحققها فرسان “السربة” تحت قيادة “المقدم” والتطابق الحركي الجماعي والسير بانضباط (الهدة أو التشويرة) ووحدة حركة البنادق والطلقة الجماعية الموحدة ووحدة اللباس والسروج.

ويؤخذ بعين الاعتبار التنسيق بين فرسان السربة ودرجة التواصل والسيطرة على الجواد، بالإضافة إلى طريقة الركوب والهيأة العامة للفارس والجواد، وفق معايير يحددها الحكام التابعون للجامعة الملكية المغربية للفروسية.

وتمثل عروض التبوريدة، التي تستقطب يوميا مئات المهتمين والمتتبعين، عرسا حقيقيا يختزل أروع وأجمل اللوحات الفلكلورية التي تجسد تنوع الموروث الحضاري لمختلف جهات المملكة.

وما فتئت تشكل سربات الخيالة، التي تضفي رونقا خاصا على فضاءات المعرض بألوان وأشكال أزياء فرسانها وبديع صناعة سروج خيولها، أصدق تجليات ولع الإنسان المغربي بالفرس.

وتتضمن منافسات الفروسية التقليدية عروضا تقدمها السربات، التي تضم كل واحدة منها 15 فارسا وفرسا إضافة إلى “العلام” أو المقدم”، وتكون في غاية الانضباط لتنفيذ “التبوريدة” بدقة متناهية، على أن يتكلف “المقدم”، الذي غالبا ما يكون أكبر الفرسان سنا، بمهمة تنظيم وتحفيز فرسانه.

وقبل أي انطلاقة (محاولة) يستعرض المقدم فرسانه قبل أن تدخل المجموعة إلى فضاء العرض (المحرك) وتبدأ بتحية الجمهور (الهدة أو التشويرة أو التسليمة).

إثر ذلك يعود الفرسان إلى نقطة الانطلاقة، حيث يصطفون في خط مستقيم في انتظار إشارة “المقدم”، لتنطلق الخيول في سباق بديع يبرهن خلاله الفرسان عما يتوفرون عليه من مهارات سواء بالنسبة للسيطرة على الجياد لإبقائها في الصف أو في ما يخص الحركات الدائرية التي يؤدونها ببنادقهم قبل تنفيذ الطلقة بالبارود.

ويحرص الفرسان على ارتداء الزي التقليدي الذي يتكون من “الجلابة” و”السلهام” و”العمامة” و”السروال الفضفاض” وكلها بيضاء، ويتمنطقون بالخنجر “الكمية” فيما ينتعلون نعلين من النوع العالي، أما السلاح التقليدي لفنون الفروسية التقليدية فيتمثل في البندقية المعروفة ب “المكحلة” وتكون مرصعة بخطوط ونقوش متموجة.

وتزيد السروج التي يبدع الصناع إعدادها صهوات الجياد رونقا وتضفي على الفارس مزيدا من الوقار وتبرز مكانته الاجتماعية وحظوته في قبيلته.

وقد تصدرت سربة المقدم عبد الغني بنخدة، من جهة بني ملال خنيفرة، أول أمس  الثلاثاء، ترتيب منافسات اليوم الأول للجائزة الكبرى لصاحب الجلالة الملك محمد السادس لفنون الفروسية التقليدية (التبوريدة.
واحتلت سربة المقدم بنخدة المركز الأول بمجموع 74.86 نقطة، متقدمة على سربة المقدم شرف البحراوي من جهة مراكش – آسفي بمجموع 73.12 نقطة، وسربة رشيد سكاس من جهة الدار البيضاء سطات (69.71 نقطة)، وسربة المقدم حميد سرفاق من جهة مراكش ٱسفي (69.03 نقطة).
وتواصلت منافسات الدورة السابعة لهذه الجائزة، المقامة تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس، أمس الأربعاء، بإجراء اليوم الثاني.

احتفاء بالموروث الثقافي

يشكل المعرض الدولي للفرس بالجديدة، الذي يطفىء هذه السنة شمعته الخامسة عشرة، مناسبة للاحتفاء بالموروث الثقافي الوطني الغني المرتبط بالفرس، وفرصة للتعرف على مختلف أنواع الخيول، العربية الأصيلة منها أو العربية-البربرية أو الانجليزية.

كما تكرس هذه التظاهرة، مدى العناية التي يحظى بها الفرس من لدن المغاربة على مر العصور، والتي تجد صداها الواسع في ما يزخر به تراث المملكة من تقاليد عريقة.

وإذا كان المعرض يكتسي بعدا ثقافيا، فإن بعده السوسيو- اقتصادي لا يخلو من أهمية كبيرة أيضا، حيث يشارك مجموع الفاعلين المرتبطين بتربية الخيول، لاسيما الصناع التقليديون والمقاولات الصغرى والمتوسطة، بغية تثمين مهن القطاع.

وقد شكل الفرس على الدوام، جزء من تاريخ وثقافة المغرب، حيث ظل موضوع الفروسية حاضرا في الذاكرة الجماعية على مر القرون، من تربية الخيول إلى ترويضها، ومن علم الخيول إلى الأدب المتعلق بها، ومن فن استعمال الأسلحة إلى الترفيه.

وقد تجلى هذا الاهتمام في السنوات الأخيرة في تنظيم مختلف الأنشطة المرتبطة بالفرس من مباريات لتشجيع تربية الخيول وتظاهرات وطنية ودولية في رياضة القفز على الحواجز، وكذا في فنون الفروسية التقليدية، التي تبرز العناية التي تحظى بها من خلال تنظيم مسابقات وطنية سنويا، لاختيار أحسن “السربات” وأحسن فارس وأحسن فرس وأحسن لباس (زي تقليدي)، وكذا عبر رصد جوائز مالية لتشجيع هذه الرياضة المتجذرة في الثقافة المغربية والتي تشكل جزء من أصالة المملكة وتاريخها.

ضمان الاستدامة

تشكل الدورة ال 15 لمعرض الفرس، محطة وطنية هامة لتطوير قطاع الفروسية بالمغرب، وتعزيز وحماية التراث الثقافي اللامادي الغني المرتبط بالفروسية.

ويسلط المعرض، الذي تنظمه جمعية معرض الفرس، الضوء على الابتكار والتحديات التي يجب العمل عليها لتحديثه وضمان استدامته، خاصة أن هذا المجال يشكل عاملا في التنمية الفلاحية والاقتصادية والثقافية بالمغرب.

ويروم هذا الحدث السنوي، تكريس الاهتمام بالبعد الاجتماعي – الاقتصادي، المتمثل في تمثيل جميع المهن المرتبطة بالخيل : صناعة السروج العصرية والتقليدية، الحدادة العصرية، تصنيع بنادق التبوريدة، شركات متخصصة في أعلاف الخيول، مختبرات الأدوية البيطرية، مهنيو الفروسية السياحية.

ويعمل معرض الفرس للجديدة كذلك على دعم وتشجيع الحرفيين المغاربة الذين ورثوا خبرة أصيلة تعود إلى قرون، كما يسعى إلى جمع وتوحيد كل مكونات قطاع الخيول.

وتشكل هذه التظاهرة احتفالا بتراث الفروسية في بعده الثقافي والتاريخي والعلمي، من خلال عرض لوحات وأعمال فنية ومخطوطات ذات الصلة، بالإضافة إلى تنظيم ندوات ومحاضرات موضوعاتية ثقافية وعلمية.

ويعمل هذا القطاع على تحسين سلالات الخيول وتعزيز استخدامها في مختلف المجالات الرياضية، السياحية، الفلاحية، إلى جانب الحفاظ على تقاليد الفروسية، وذلك في الوقت الذي يمكن الابتكار في تقنيات التربية من تحسين صحة الخيول وأدائها، وكذا الاستجابة للتحديات البيئية والاقتصادية.

مبعوثا بيان اليوم إلى الجديدة

تغطية: عبد الصمد ادنيدن

تصوير: عقيل مكاو

Top