خصصت مجلة “جون أفريك”، التي تصدر من العاصمة الفرنسية باريس، غلافها لبلادنا، حيث جاء متضمنا للوني العلم المغربي “الأحمر والأخضر” والنجمة الخماسية، مع عبارة باللغة الإنجليزية تفيد كون: “الإرهاب ولد في المغرب”، وأرفقت ذلك بصور عشر شباب أوربيي الجنسية ينحدرون من أصول مغربية هم منفذو الاعتداء الإرهابي الأخير الذي ضرب الجارة إسبانيا في برشلونة وكامبرليس.
كل من يطلع على تركيب الغلاف ويطلع على مضمون المادة الصحفية وشكلها الإخراجي يستنتج أن الأمر فيه سطحية مستفزة، ويقوم على فهم بليد تجووز في هذا الزمن.
“جون أفريك” ترى أنه مادام الإرهابيون العشرة تنحدر أصولهم من المغرب، فهذا يعني أن المغرب مصدر للإرهاب، وهذا الأخير ولد في المملكة، أي كما لو أنه يمكن القول، على سبيل القياس، إن ألمانيا إرهابية أو بلد نازي ما دامت هي التي أنجبت هتلر، أو أن إيطاليا فاشية ما دامت هي التي أنجبت موسوليني، وهكذا، أي إذا لم يكن هذا المنطق سطحيا وبليدا فماذا سنسميه إذن؟
وفضلا عما سبق، فاليوم أغلب منفذي العمليات الإرهابية هم يحملون جنسيات أوروبية، وولدوا ونشأوا في أوروبا، ومنهم من درس في مدارسها وجامعاتها، ولا تربطهم أي صلة بالمغرب عدا ما يرويه لهم آباؤهم من ذكريات، فهل الدول الأوروبية ومجتمعاتها وسياساتها المرتبطة بالهجرة والاندماج ليست لها أي مسؤولية في كل هذه المآلات؟
بالفعل هناك تنام للتطرف والفكر الإرهابي وسط فئات من شبابنا، وأيضا في أوساط شباب الجالية المغربية والمغاربية والعربية في أوروبا، وهناك تجنيد واستقطاب من طرف العصابات الإرهابية لهؤلاء الشباب، ولكن القراءة الموضوعية لمثل هذه التحولات لا تستقيم بربطها، عسفا وجهالة وبلادة، بالأصول الجغرافية لهؤلاء الشباب وذويهم، كما لو أن “منظري” مجلة “جون أفريك” يسيرون على خطوات منطق الرئيس الأمريكي ترامب بمعاقبة الدول التي ينحدر منها الإرهابيون، وهو، على كل حال، منطق لا علاقة له بأي قانون.
من جهة أخرى، صياغة هذا الاتهام الضمني للمغرب بكونه مصدرا للإرهاب والإرهابيين، يقفز على كامل الجهد الأمني والاستخباراتي المشهود للمملكة به حتى من لدن سلطات فرنسا وإسبانيا وباقي دول أوروبا وكل المجتمع الدولي.
وهنا نحيل الأسبوعية الفرنسية على دور المغرب خلال الهجوم على مجلة “شارلي إيبدو” الفرنسية، ونحيلها كذلك على زيارة وزير الداخلية الإسباني، أول أمس، إلى المملكة وتصريحاته المتعلقة بالتعاون الأمني بين الرباط ومدريد، فضلا على كامل منظومات عمل المغرب وسياساته في محاربة التطرّف والإرهاب، وتميز نموذجه الديمقراطي المنتصر لقيم الحرية والانفتاح والتحديث.
هذا الكلام ليس بروباغاندا أو احتماء بشوفينية بلا معنى، ولكن الأمر يتعلق بوضع نقاط الوضوح على حروف الكلمات كلها.
المغرب ليس إرهابيا، وفِي بلادنا لم يولد الإرهاب.
ومجلة “جون أفريك”خرقت أخلاقيات المهنة لما امتطت ظهر مشاعر الفرنسيين والإسبان لكي توجه اتهاما واضحا لبلد بكامله وشعبه بكون الإرهاب ولد هنا في هذه الأرض، ومن يعرف تاريخ هذه المجلة وأساليب تعاملها مع الدول الإفريقية ورؤسائها يدرك أن استفزازها اليوم للمملكة ليس بلا حساب أو من دون خلفيات، كما أنه ليس مقبولا إطلاقا أن تعمد “جون أفريك” لتقليد “شارلي إيبدو” في اللغة المستفزة والمضمون التهجمي على البلدان والشعوب والديانات، والسير على ذات الخط التحريري المتلاعب بمشاعر الفرنسيين، وذلك من دون أي مبالاة بشعور الشعب المغربي، الذي لم تتردد المجلة في إهانته واستهداف كرامته وإشاعة المغالطات في حقه.
إن ما روجت له “جون أفريك” وسطحية مقاربتها ليس حقيقة أو واقعا كما خرج يقول بعض “فهايمية” الفايسبوك في الأيام الأخيرة، فتحليل الوقائع والظواهر بموضوعية واستخراج الخلاصات لصياغة مواقف وسياسات رصينة، ولتحديد المسؤوليات بدون عقد أو مركبات نقص، هذا شيء والكثيرون يقومون به هنا والآن، لكن أن نجر معايناتنا من ذيلها ونركب عليها عراة حفاة من كل ذكاء أو فهم، وفقط لكون الأمر يتعلق بانتقاد أو تنفيس على غرائز، فهذا ليس موقفا أو سياسة أو تحليلا، هو فقط “لعب الدراري”.
“جون أفريك” أخطأت في حق قرائها، وانتهكت قواعد مهنة الصحافة من حيث استغلالها لظاهرة لتتهم عبرها بلدا وشعبا بكاملهما، وذلك بإطلاقية يتضح طابعها المستفز منذ عنوان وشكل الغلاف.
و”جون أفريك” أخطأت كذلك في حق المغرب والمغاربة.
هي سقطت، أو اقترفت سقطة جديدة في مسارها.
المغرب ليس إرهابيا…
الوسوم