النقل المستدام وطموح المغرب نحو تحقيق التنمية المستدامة

يتطلب المستقبل القائم على التقنيات الخضراء الكثير من المواد الخام التي إذا لم تتم إدارتها بشكل صحيح يمكن أن تمنع البلدان المنتجة من تحقيق أهدافها المتعلقة بالمناخ والتنمية المستدامة. وبعبارة أخرى فإن التقنيات الخضراء ليست خضراء في جزء كبير منها لأنها تعتمد على صناعة التعدين التي يقال إنها الأكثر تلويثا في العالم فإنتاج الألمنيوم يستهلك ثلاثة أضعاف الطاقة التي يستهلكها الفولاذ وينتج عن هذا الإنتاج الكثير من غازات الاحتباس الحراري ثاني أكسيد الكربون ومركبات الكربون المشبعة بالفلور. ترى هل تمتلك وسائل النقل القائمة على الطاقة الكهربائية أدنى فرصة لإيصالنا إلى عالم أكثر رصانة، أم أنها ستنتهي بدفعنا إلى عالم من الإفراط في الحركة والاستهلاك المفرط؟ وهل من الممكن مكافحة الاحتباس الحراري من خلال دعم صناعة السيارات الكهربائية؟ وهل لذلك لا يزال هناك متسع من الوقت لتطوير الأبحاث حول التنقل المنخفض لانبعاثات الغازات الدفيئة؟ وبالتالي ثمة إشكالية مركزية تطرح نفسها في هذا الصدد: كيف نلبي الحاجيات إلى التنقل وإلى تمويله، مع الحد من الآثار السلبية التي يخلفها؟ وكيف يمكن الانتقال من منظومة قصيرة المدى يعتريها الإجهاد وتغذي اقتصادا يشكو من العجز في الاستدامة إلى نموذج شمولي أكثر استدامة؟

تلك عدة أسئلة تطرح نفسها بإلحاح في ظل الإقبال الكبير لدول العالم على السيارات النظيفة خصوصا في النرويج فنلندا والسويد الدول الرائدة مناخيا. في حين تظل نسبة السيارات النظيفة لا تتجاوز 1 في المائة في المغرب من مجموع الأسطول الوطني إذ أن عدد السيارات الكهربائية لا يتعدى 300 سيارة في حين أن عدد العربات الهجينة يبلغ حوالي2000 سيارة، أما الباقي فهو يشتغل بالبنزين والديازل، إذ وصل معدل السيارات ما يقارب 65 سيارة لكل 1000 نسمة مما صنف المغرب السادس افريقيا. ولخفض أو لوقف التلوث كل ما علينا فعله هو تغيير السيارة، هذه هي الرسالة التي أطلقتها بعض البلدان عبر نهج خطة دعم “السيارات النظيفة” بغلاف مالي مهم لدعم صناعة السيارات ولتشجيع جميع المواطنين حتى الأكثر تواضعا، على اقتناء سيارة نظيفة، وأقل تلويثا وانبعاثا لغازات الدفيئة، مع مساعدة لشراء سيارة كهربائية بحوالي عشرة آلاف يورو. فانخفض سوق السيارات بنسبة 3٪ وعكس ذلك حافظت السيارة الكهربائية على مسارها وتجاوزت عتبة 10000 سيارة بيعت شهر شتنبر الماضي فقط، في حين وعلى مدار العام 2020، تجاوزت السيارة الكهربائية الآن علامة 7000 تسجيل أي ضعف ما كانت عليه في عام 2019. وعلى العكس من ذلك، فإن القطاعات الأخرى تراجعت مع تسجيل انخفاض مبيعات السيارات بنسبة 35٪ بالنسبة للبنزين مقابل 40٪ عن العام الماضي.

إذن هل تنبعث من المركبات الكهربائية كميات غاز  ثاني أوكسيد الكربون أقل من تلك المنبعثة من السيارات ذات المحرك الحراري؟

لأكثر من عشر سنوات، ناقشت فرق البحث من جميع أنحاء العالم ذلك من خلال تحليلات دورة الحياة، هذه الدراسات التي تحدد العواقب على البيئة لجسم ما منذ استخراج المعادن اللازمة لتصنيعه، حتى التخلص منها.

بين عامي 2010 و 2019، تم إجراء ما لا يقل عن 85 دراسة من هذا القبيل على السيارات الكهربائية من قبل معاهد بحثية مختلفة، حيث حصل هناك إجماع على نقطة واحدة: إنتاج سيارة كهربائية يتطلب طاقة أكبر بكثير، وينبعث منه ضعف كمية الغازات المسببة للاحتباس الحراري مقارنة بإنتاج مركبة حرارية، وذلك بسبب إنتاج بطاريتها وتشغيلها، وبالتالي فإن عمل تحليلات دورة الحياة هذه يتمثل في تحديد كمية هذه الانبعاثات “الرمادية”، وفي حساب عدد الكيلومترات المقطوعة، فإن هذا الإنتاج الملوث يجعل السيارة الكهربائية مفيدة مقارنة بنظيرتها من البنزين أو الدييزل، إذن من الواضح أن أحد العوامل الحاسمة في السؤال هو مصدر الطاقة التي تم استخدامها لإنتاج السيارة، ثم مصدر الكهرباء التي تحركها: الطاقة النووية، والفحم، والديزل، والطاقات المتجددة. مسألة أخرى من بالأهمية بمكان تتعلق بحجم البطارية، والتي يمكن أن تصل الى 700 كيلوغرام، ويعتمد ذلك أيضا على عمر البطارية، لأنه إذا كان لا بد من استبدالها، فيمكن مضاعفة الانبعاثات المرتبطة بإنتاجها لنفس السيارة، مع توازن ثاني أكسيد الكربون المحتوي على الرصاص بالكامل، وتبقى البطاريات مضمونة لمدة 8 سنوات لمسافة 160.000 كم مع العلم أنها تفتقد لقوتها أيضا إذا لم يتم استخدامها.

ويدافع بعض الخبراء عن السيارة الكهربائية معتبرين أن السيارة الكهربائية الصغيرة تنبعث منها كمية أقل من ثاني أكسيد الكربون عند قطع مسافة من 30000 الى 40000 كيلومتر ، وهم يعتمدون بشكل خاص على المعهد السويدي لأبحاث البيئة، حيث خلصت دراسة أجريت على  السيارات الكهربائية الصغيرة إلى أنه كان من الضروري قطع مسافة 250 ألف كيلومتر للتعويض عن الانبعاثات المرتبطة بتصنيع بطارية السيارة  أي أكثر من عمر البطارية. لكن في عام 2019، تم إصدار تقرير جديد كان أكثر ملاءمة بشكل ملحوظ، وكما يقول مؤلفو الدراسة، إذا تحسنت النتائج فجأة، فذلك لأن دراستهم الأخيرة تستند إلى “إنتاج بطاريات بدون كهرباء من أصل أحفوري، وهذا ليس هو المعيار بعد،” ولكن يمكن أن تصبح كذلك في المستقبل القريب”. فرضية متفائلة. لأنه أثناء انتظار إطلاق “إيرباص البطاريات” على المستوى الأوروبي، يتم إنتاج الغالبية العظمى منها في آسيا في مصانع تعمل على الفحم، والفحم الذي يظل المصدر الرئيسي من الكهرباء المستهلكة حاليا في جميع أنحاء العالم 38٪. بالإضافة إلى ذلك تشير الدراسة السويدية بوضوح إلى أنها مهتمة فقط بإنتاج البطارية، وليس بالانبعاثات الناتجة عن إعادة تدويرها، وتصدر السيارة الكهربائية الألمانية مثلا مكافئ ثاني أكسيد الكربون أقل من مثيلتها الحرارية، ولكن ليس إذا تم إنتاج بطاريتها في الصين بالفحم، إذا تم إنتاجها في أوروبا فهي تنافس السيارة التي تعمل بالبنزين من 137000 إلى 207000 كيلومتر فقط – ونأمل أن تستمر إلى هذا الحد دون الحاجة إلى تجديد البطارية وتكون النتائج مشجعة أكثر إذا تم إنتاجها وتزويدها بالكهرباء من مصادر متجددة؛ وأكثر من ذلك إذا أخذنا في الاعتبار توفير الطاقة الذي تم تحقيقه من خلال إعادة استخدام البطارية بعد انتهاء “عمر السيارة” عنما تفقد 70٪ فقط من سعتها لتخزين الكهرباء أثناء الثبات ، على سبيل المثال في الجزء السفلي من المبنى، من ناحية أخرى فإن إنتاجها أكثر بشكل ملحوظ التوهج: تسمم وإغناء احتياطيات المياه العذبة بالمغذيات، والتصنيع وفقدان التنوع البيولوجي، والسمية للإنسان، والتلوث الإشعاعي، واحتلال الأراضي الزراعية … لاحظ هؤلاء الباحثون أن “إغفال العواقب المرتبطة بإنتاج الإلكترونيات هو شبه منهجي “في معظم الدراسات المنشورة حتى الآن وأن القليل منها يأخذ في الاعتبار أشكال التلوث الأخرى، بصرف النظر عن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

البشرية تبدع في إنتاج أنواع جديدة من التلوث

قدم تقرير عام 2018 من وكالة البيئة الأوروبية نفس الملاحظة: انبعاثات أوكسيد النيتروجين وثاني أوكسيد الكبريت والجزيئات من إنتاج السيارات الكهربائية أعلى بمقدار 1.5 إلى 2 مرة من تلك الناتجة عن مركبات الاحتراق، تتضاعف العواقب فيما يتعلق بتلوث التربة والمياه أو حتى ثلاثة أضعاف عن طريق استخراج المعادن وتكريرها والإنتاج الإلكتروني، هذا أمر مثير للقلق لأن هذه التقارير لا تقدم أكثر من تقديرات تستند جزئيا إلى الأرقام التي قدمتها شركات التعدين غير معروفة حقا بشفافيتها، فكيف يمكن لتحليلات دورة الحياة هذه أن تحدد كمية تلوث التعدين؟ فإلى يومنا هذا نرى أن الضرر البيئي لم يتم تحديده كميا – دراسات التأثير غير موجودة – وأن السكان المحليين يكافحون دون جدوى لضمان تلوث التربة و يؤخذ المجرى المائي في الاعتبار، فلا أحد قادر اليوم على حساب البصمة الكربونية للصناعة ذات المواد الخام المعدنية الموجودة في السيارة”، لذلك يحدث كل شيء كما لو كان الاتفاق الضمني للسيارة الكهربائية على النحو التالي: الأمل في خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، والذي يعتمد في حد ذاته على سلسلة من الافتراضات الهشة – السيارات الصغيرة وإطالة عمر البطاريات وتعميم الطاقات المتجددة – بالإضافة إلى الحد من التلوث والضوضاء في المدن يجب توليد تلوث آخر في أماكن أخرى، بالنسبة لألما دوفور من منظمة أصدقاء الأرض فرنسا فإن هذا يطرح مشكلة خطيرة للعدالة الاجتماعية: “إن مسألة الوصول إلى المياه في مناطق العالم التي تتأثر بشدة بتغير المناخ لا تقل أهمية عن ثاني أكسيد الكربون”، لذلك من الواضح أن مصطلح “السيارة النظيفة” الذي يروج له يبقى تسمية خاطئة بالنسبة لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون، فإن قدرة السيارات الكهربائية على تقليلها ليست واضحة بأي حال من الأحوال بل إنها تثبت نتائج عكسية عندما ينظر إلى السيارة الكهربائية على أنها بديل بسيط لمحرك الاحتراق، فالسيارة الكهربائية تكون اقتصادية فقط إذا كانت تستهلك بطارية صغيرة، لذا فإن الطرازات الكبيرة التي تسمح لك بالذهاب في إجازة مع 500 كيلومتر من الاستقلالية، ليست مستدامة بيئيا، فللحد من التلوث وللحد من تغير المناخ فإن الرافعة الأولى هي الرصانة: الحد من السفر، وتقصير سلاسل اللوجستيك ثم استخدم وسائل النقل العام، وركوب الدراجة ومشاركة المركبات والرهان على الكفاءة الفنية للمركبات، فالخزانات الكهربائية التي تزن طنين لا علاقة لها بالبيئة، فلا يمكن للتنقل الكهربائي أن يحل محل التنقل الحراري بنفس الاستخدامات.

فمن وجهة نظر بيئية، فإن التحول إلى التنقل الكهربائي هو رهان هش على أقل تقدير، فلا تزال السيارة الكهربائية تثير أسئلة أخرى حيث يمكن للمرء أن يتساءل ما هي العواقب البيئية للتجديد السريع لأسطول المركبات الناجم عن “مكافآت التحويل”، إذا تم التخلص من السيارات التي تعمل بالبنزين قبل الأوان قبل أن يؤتي الإنتاج بالفعل ثماره، فما مدى تبرير التحول إلى الكهرباء؟ القليل من الدراسات تخبره، وإذا تركت هذه السيارات الحرارية نفسها السوق الفرنسي إلى الأرض، على سبيل المثال في بلدان المغرب العربي، ألا نخاطر  بدلا من الاستفادة من استبدالها، بإضافة التكاليف البيئية على المستوى العالمي؟ الكهربائية والحرارية؟ إن تدفق المركبات الرخيصة المستعملة والملوثة إلى البلدان الفقيرة، المرتبط بانخفاض برميل النفط، أفلا يشجع على استهلاك السيارات الشخصية في المناطق التي لم يتم اتباعها بشكل منظم بعد؟ ؟ في البلدان الغنية، على مستوى الاستخدام، بدأ نشر السيارات الكهربائية بالفعل في إحداث تأثير ارتداد أي تأثير غير مقصود للاستهلاك المفرط الناجم عن زيادة كفاءة الجسم، فقد وجدت وكالة البيئة الأوروبية في السويد والنرويج أن مالكي السيارات الكهربائية يميلون إلى استبدال بعض رحلاتهم سيرا على الأقدام أو بوسائل النقل العام باقتنائهم الجديد، لماذا؟ لأن “تكلفة تشغيل السيارة الكهربائية أقل بكثير من تكلفة السيارة الحرارية” ؛ نظرا لارتفاع سعر شراء الكهرباء، “قد يميل أصحابها إلى استخدامها أكثر لاستهلاك هذا الاستثمار” بسبب “حوافز السلطات المحلية لاستخدام السيارات الكهربائية”  من مواقف مجانية للسيارات وإعفاءات من رسوم المرور وما إلى ذلك ومن وجهة نظر بيئية، يبدو أن التحول إلى التنقل الكهربائي هو مقامرة هشة على أقل تقدير.

السيارة الكهربائية تسبب تلوثا ضخما للتعدين

كيف يمكننا تبرير تدمير مناطق مثل حوض ساليناس غراندز وبحيرة غواياتايوك التي يقطنها حوالي 7000 نسمة و 33 من المجتمعات الأصلية والعرقية، وطريقة حياة كاملة تقوم على المسؤولية المشتركة والديمقراطية المباشرة كيف يمكننا تبرير ذلك التدمير باسم مكافحة تلوث الهواء في المدن ، تلوث لم تشارك فيه هذه المجتمعات، فمجتمعات الكوالا تعيش عيشا رصينا من تربية اللاما و الأغنام، والتعدين الحرفي للملح والحرف اليدوية والسياحة، حيث في هذه المرتفعات من جبال الأنديز  وإلى ارتفاع يزيد عن 3000 متر  تستعد إحدى الشركات الكندية لاستغلال ما يقرب من 180 ألف هكتار من بحيرات الملح الجافة التي منها الليثيوم الموجود في  صناعة أجهزة الحاسوب والهاتف وبطاريات السيارات الكهربائية، ويمكن أن تحتوي بطارية سيارة كهربائية على 8 كيلوغرام من الليثيوم مقابل 300 غرام في الدراجة الكهربائية، فأي وسيلة جيدة للحفاظ على أسلوب حياة المواطن الأمريكي والذي إذا تم تعميمه سوف تتطلب ثلاثة إلى خمسة كواكب، فعلى الرغم من عدم تمتعهم جميعا بحق الملكية رسميا إلا أن المجتمعات المحلية لها نظرية السيادة على أراضي الأجداد الجماعية هذه، وتستفيد من حقوق الشعوب الأصلية المعترف بها من قبل منظمة العمل الدولية والأمم المتحدة تفرض “الموافقة الحرة” للسكان قبل أي مشروع، بينما في بعض أكثر المناطق القاحلة في العالم تقوم مناجم الليثيوم بتبخير موارد المياه الشحيحة بسرعة، ففي موقع أتاكاما في الشيلي يقوم عمال المناجم بإزالة ما يقرب من 200 مليون لتر يوميا، ويؤدي ضخ المحلول الملحي من التربة السفلية الغنية بالليثيوم إلى حدوث فراغ يتسبب في هجرة المياه العذبة المتوفرة إلى الأعماق، ويؤدي هذا الفقد المزدوج للمياه إلى خفض منسوب المياه الجوفية، ويجفف التربة والغطاء النباتي على حساب الحيوانات والمحاصيل والبشر”، ويضاف إلى ذلك معالجات الكلور والتشتت في الماء من ضخ النفايات الممزوجة بالمذيبات، مما يقضي على الكائنات الحية الدقيقة التي لا يعرف عنها سوى القليل، إلا أنها أقدم الكائنات الحية من الكوكب، ومع ذلك، فإن جميع المناجم قيد الإنتاج حاليا تعلن عن مضاعفة أو مضاعفة أنشطتها ثلاث مرات لتضع نفسها في سوق الليثيوم ، الذي يمكن أن ينمو الطلب عليه بنسبة 18٪ سنويا بحلول عام 2025.

الليثيوم رمز للتحول الإيكولوجي

على النحو الذي وصفه البنك الدولي في تقرير عام 2017 ولضمان مستقبل “منخفض الكربون” من الواضح أنه لا توجد مسألة تقليل طريقة الحياة في البلدان الغنية: سيكون التحدي هو تحويل الطلب على الطاقة إلى المعادن والذي كان منذ بدء التصنيع حيث يعتمد على الوقود الأحفوري بالنظر إلى التقنيات المستخدمة – الخلايا الكهروضوئية، وتوربينات الرياح والرقمية والشبكات والمركبات الكهربائية – فإن بعض المعادن مهمة بشكل خاص النحاس والفضة والألمنيوم والنيكل والأتربة النادرة والمفارقة الكاملة للسيارة الكهربائية التي تلوث ضعف إنتاجها من السيارة الحرارية، في هذا التوليف: “إن التقنيات التي يمكن أن تسمح بالمرور إلى طاقة نظيفة تتحول في الواقع إلى مواد أكثر كثافة في تركيبها من الأنظمة الحالية القائمة على الوقود الأحفوري، فللحصول على الألومنيوم فإن الخطوة الأولى هي تطبيق البوكسيت في محلول مع الصودا، ثم يتم تسخين الراسب إلى 1200 درجة مئوية، هذا العلاج هو أصل سدود المخلفات العملاقة: هذه السدود، التي تحتفظ بمخلفات التعدين السائلة في تجاويف الوديان، وبالتالي تخزن ما يعادل علب الصودا التي تستخدم لفتح المراحيض ولكن بتركيزات ثابتة أعلى، وهذا ما يسمى “الطين الأحمر”: مثل سدود المخلفات الأخرى فإنها تفسح المجال بانتظام مع عواقب لا يمكن تصورها. في أكتوبر 2010 في موقع إنتاج الألومنيوم أكجا بالقرب من كولونتار انفجر السد مما تسبب في أخطر كارثة في التاريخ المجري: موجة مد من أكثر من واحدة مليون متر مكعب من المخلفات اجتاحت سبع قرى وتلوث ألف هكتار من التربة و10 ملايين متر مكعب من المياه، وتوفي عشرة أشخاص وأصيب ما يقرب من 300 بحروق خطيرة بالصودا على مدى السنوات العشر الماضية وقع ما لا يقل عن أربعة حوادث من هذا القبيل في مناجم البوكسيت في جميع أنحاء العالم.

حرمان الأطفال من التعليم بسبب الحفر عن المعادن

لتزويد المركبات بالكهرباء تحتاج أيضا إلى النحاس، يوجد أربعة أضعافها في السيارة الكهربائية حوالي 90 كيلوغرام منها في سيارة تعمل بالبنزين دون احتساب البنية التحتية للشحن – المقبس الذي يمكنه تشغيل 120 مركبة يحتوي على 100 كيلوغرام تقريبا، هو أنه يوجد بشكل طبيعي مرتبط بالعديد من المعادن العديد منها شديد السمية مثل الزرنيخ أو الرصاص أو الكادميوم، وبالتالي فإن تعدين النحاس ينطوي على تشتيت هذه المعادن الأخرى في الطبيعة في شكل أبخرة أو انبعاثات جسيمية أو عن طريق جريان المخلفات، تضاف إلى هذه المشكلة حقيقة أن محتويات النحاس، أي الكمية الموجودة في الصخر  قد انخفضت بشكل كبير بسبب الإفراط في استغلال الرواسب: فقط بين عامي 1990 و 2008 كانت مقسومة على اثنين لذلك من الضروري استخراج كميات أكبر من الصخور ومعالجتها كيميائيا لاستخراجها، وبالتالي تتراكم مناجم النحاس كميات هائلة من النفايات مما يزيد من التلوث وخطر كسر السدود المحملة بالحمأة السامة وللحصول على فكرة عن حجم الإنتاج الحالي والمشاكل التي يطرحها بالفعل، علينا أن نفكر أنه اليوم، قبل طفرة السيارات الكهربائية، ننتج نحاسا أكثر بثلاثمائة ضعف مما كان عليه الحال في الستينيات، فإلى جانب الليثيوم تحتوي البطاريات معدن الكوبالت ويأتي أكثر من نصفها من الكونغو كينشاسا حيث يتم تعدينها مع النحاس لعدة سنوات تم وضع “المعدن الأزرق” الشهير في دائرة الضوء من قبل المنظمات غير الحكومية: يتم استخراج جزء من الخام بواسطة حوالي 200000 عامل منجم بما في ذلك الأطفال المحرومين من التعليم “يدفعون دولارا إلى دولارين في اليوم” و بيعت للشركات الصينية التي تقدم معظم التكرير.

في أواخر عام 2019 بعد وفاة أربعة عشر طفلا قدم المدافعون عن الحقوق الدولية في واشنطن شكوى ضد العديد من الشركات بما في ذلك شركات غوغل تيسلا وآبل، وفي مواجهة هذا الوضع المعروف منذ أكثر من عشر سنوات ولكن أيضا في أعقاب الزيادة في الضريبة على الاستخراج من قبل الحكومة الكونغولية (من 3.5 إلى 10٪)، يحاول المصنعون تقليل كمية الكوبالت في البطاريات، ومن أجل استخدام أقل، اختارت شركة رونو لصناعة السيارات تقنية (الليثيوم والنيكل والمنغنيز والكوبالت) التي تحتوي على كمية أقل من الكوبالت، ولكنها تعتمد بشكل كبير على الليثيوم والنيكل والمنغنيز، ولكن هنا مرة أخرى يتم حل المشكلة أقل من حلها في غير محلها، ويتم تأمين الإمدادات من خلال حقيقة أن النيكل يأتي من كاليدونيا الجديدة، وهي مستعمرة فرنسية والمنغنيز من الجابون وهي مستعمرة فرنسية سابقة حيث تم استغلاله من قبل شركة إيراميت منذ الستينيات، ومن ناحية أخرى تسبب استخراج المنغنيز في شرق الغابون حالة صحية كارثية، بينما يتم تصريف نفايات التعدين الناتجة عن استغلال المنغنيز في نهر موليلي بسبب جريان مياه الأمطار، وتمثل هذه النفايات كمية هائلة للغاية ملايين الأطنان تتراكم عاما بعد عام في هذا النهر وتسبب غمر موليلي في الاختفاء التام لجميع أشكال الحياة المائية في هذه البيئة، ففي الواقع الأسماك التي كانت وفيرة حسب السكان تفسح المجال لمساحة شاسعة من المياه الموحلة وذات الرائحة الكريهة، وسوف تكون المياه السطحية ملوثة بحمض الكبريتيك والسيانيد والزئبق والزرنيخ، ولكن جزء من السكان ليس لديه خيار آخر سوى الاستمرار في استخدامها على الرغم من أن شركة إيراميت بدأت في احتواء مخلفات التعدين في السدود منذ عام 2006 إلا أن الحمأة السامة تستمر في الجريان أثناء هطول الأمطار الغزيرة وتتسرب إلى التربة بسبب نقص الأغشية في قاع بعض الأحواض وبسبب إزالة الغابات فاليوم على المواطن أن يسافر أكثر من عشرة كيلومترات للذهاب لضخ كميات المياه  للشرب حيث أشغال التعدين تستعمل كميات كبيرة من المياه التي يتم ضخها حتى حصل تجفيف للآبار والينابيع”.

خطورة انفجار السيارات الكهربائية

في الوقت الحالي لا توجد إعادة تدوير ذات حلقة مغلقة لبطاريات الليثيوم أيون في أوروبا، فهل يجب أن نقلق بشأن تأثيرات هذا الطلب المتزايد على المعادن والتي وفقا للبنك الدولي يمكن أن تزيد بنسبة 1000٪ لتصنيع البطاريات الكهربائية؟ في أوروبا ووفق مخطط متوسط المدى يهدف إلى تشجيع عامة الناس على شراء سيارة كهربائية، لأن “80٪ من البطاريات قابلة لإعادة التدوير، ولكن في حالة وجود بطارية 300 إلى 600 كجم تحتوي على كمية جيدة من الفولاذ والبلاستيك، فهل يتم إعادة تدوير المعادن الأكثر تلوثا؟ على أي حال ليس الليثيوم رخيصا جدا للشراء: “لدى شركات التعدين سياسة الإفراط في الإنتاج التي تقلل من تكلفة المواد الخام” كما تشرح ألما دوفور  عن منظمة أصدقاء الأرض فرنسا حيث يمكن للدولة أن تفرض إعادة تدوير الليثيوم.

لكن تبقى السيارات الكهربائية بعيدة كل البعد عن أن تكون بديلا سحريا للحد من الكارثة البيئية حيث  ينتج عن تصنيعها حوالي ضعف كمية غازات الدفيئة مثل مكافئاتها الحرارية وتولد المزيد من التلوث السام بسبب الكمية الكبيرة من المعادن التي تحتوي عليها ونظرا لأن بطارياتهم لا تدوم سوى حوالي عشر سنوات سواء كنت تستخدمها أم لا، فمن الصعب امتصاص كل هذا التلوث حيث يجب أن تحتوي المركبات على بطاريات صغيرة، وبالتالي تستخدم فقط للسفر المحلي ولا يمكن استخدامها بشكل مكثف وإلا تفقد البطارية قوتها حتى قبل استخدامها لتقليل التلوث – وبالتالي تتم مشاركة المركبات بدلا من إنفاق 95٪ من عمرها وهي متوقفة، ويجب إعادة شحن هذه البطاريات في الوضع البطيء وليس  في وقت الذروة في استهلاك الكهرباء بالإضافة الى أن المعادن الموجودة في هذه البطاريات يجب إعادة تدويرها أو على الأقل إعادة استخدام البطاريات على نطاق واسع لتخزين الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، وبالتالي فإن مشروع جعل السيارات الكهربائية أساسا للتنقل الأكثر مراعاة للبيئة لا يعتمد بشكل أكبر على النظرة العامة الحالية وأكثر على سلسلة من الافتراضات المعلقة على التقدم المستقبلي، ويمكن أن تشجع المزيد من الرحلات بالسيارة على حساب المشي أو النقل العام، وأظهرت العديد من الدراسات أن المركبات ذاتية القيادة تخاطر بالتسبب في تأثيرات ارتداد أكثر دراماتيكية لذلك فمن المشكوك فيه ما إذا كان التنقل في المستقبل الذي يجمع بين المركبات الكهربائية وخدمات التنقل والمركبات المستقلة.

خارطة الطريق حول التنقل المستدام بالمغرب

 سبق للمغرب أن قدم مسودة خارطة الطريق حول التنقل الميتدام بالمغرب خلال مؤتمر الدول الأطراف في الاتفاقية الإطار للأمم المتحدة حول التغيرات المناخية ببون في دورتها الثالثة والعشرون، ويندرج مشروع خارطة الطريق في إطار التزام المغرب، خلال ترؤسه لمؤتمر مراكش للمناخ من أجل تشجيع بلدان أخرى على أن تحذو حذوه في ما يتعلق بالتكيف، على المستويين الإقليمي والوطني، وذلك استنادا للخريطة الشمولية لتطوير النقل التي طورتها المنصة الدولية “مسلسل باريس للتنقل والمناخ” مشروع يأتي استجابة لارتفاع التنقلات المتزايدة باستمرار، وتحسين نجاعة حركة الأشخاص والبضائع والخفض من تأثيرها على البيئة، كما يتوخى المشروع الممول من طرف الوكالة الألمانية للتعاون الدولي، بشراكة مع شركة الاستثمارات الطاقية، وضع أداة لخلق رؤية مشتركة للتنقل المستدام وتيسير الولوج إلى التمويلات، وذلك على أساس استراتيجيات نقل مستدامة ومتسقة لدى المانحين الدوليين والمستثمرين من القطاع الخاص، وتمت بلورة هذا المشروع الذي يتضمن ثمانية محاور للتدخل، بتكامل مع الاستراتيجيات والمخططات التي تم وضعها، ولاسيما تلك المتعلقة بقطاع اللوجستيك وإعداد المدن والطاقة والتنمية المستدامة، مع الحرص على أن تكون طموحة على صعيد التكيف والتخفيف واستباق تطور حاجيات النقل في عالم متصل ومتحرك وإدخال تكنولوجيات حديثة وطرق الحكامة، وتجدر الإشارة إلى أن المغرب لديه استراتيجية لتطوير الطاقات المتجددة في أفق 2030 والتي يمكن أن يستفيد منها في مجال النقل وبالتالي تقليص الاعتماد على الطاقات الأحفورية، بالإضافة إلى أن مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة كانت قد أطلقت مشاريع عديدة بهدف تعزيز التنقل المستدام منها برنامج الهواء والمناخ لمؤسسة محمد السادس لحماية البيئة الذي يهدف إلى تحسيس جميع الفاعلين بهذه الإشكالية وحثهم على تقليص إصداراتهم من الغازات المسببة للاحتباس الحراري، بهدف تخفيف تأثيراتها على المناخ مع العلم أن المؤسسة سبق أن وضعت مخططات المناخ الترابية التي تهم ثلاث جهات بالمغرب وهي الرباط ومراكش والدار البيضاء والتي تروم مواكبة الجهات لإعداد خارطة طريقها الطاقية بالإضافة إلى مشروع النقل الكهربائي الذي أطلقته مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة في إطار شراكة مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة والذي يروم إدراج بشكل فعال النقل الكهربائي على مستوى مدينة مراكش من أجل مواجهة إشكالية التلوث الناجمة عن استعمال الدراجات النارية بمدينة مراكش.

أهمية النقل المستدام في تحقيق التنمية المستدامة

يعتبر احترام حقوق الإنسان مطلبا اساسيا لتحقيق التقدم، إنه التزام أخلاقي على كل الحكومات وأكثر السبل التي يمكن من خلالها بناء السلام والرخاء المستدامين، إن النقل المستدام يقوم بدور مهم في النهوض بجهود تحقيق التنمية المستدامة فالتجارة الدولية تعتمد على الطرق والسكك الحديد والخطوط الجوية والمعابر المائية، كما يعد قطاع النقل مصدرا ضخما للوظائف ومحركا للنمو الاقتصادي،  بل إن هناك بعدا إنسانيا وبشريا أيضا، يتعدى البعد الاقتصادي للنقل، اليوم وعبر ربوع العالم يجب أن يشعر الجميع بالقلق بشأن من لا تتوفر لهم سبل النقل التي يستحقونها، حيث لا زالت المجتمعات القروية لا تتوفر على نقل مستدام، كما أن الملايين من ذوي الإعاقة لا يستطيعون استخدام وسائل النقل العام بسبب عدم توفرها لهم، في الوقت الذي يواجه فيه كبار السن صعوبات في التنقل من مكان إلى آخر، فاليوم توفر وسائل النقل لا يعني بالضرورة أنها آمنة، وخاصة بالنسبة للنساء والفتيات وفي الأخير يجب أن نركز على التحديات الكثيرة التي تواجهها الاستدامة في مجال النقل من أهمها تعزيز أنظمة أفضل للنقل في المدن، وجعل كل أنظمة النقل آمنة ومعالجة الآثار البيئة السلبية فاليوم يعتبر قطاع النقل مسؤول عن نحو ربع انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وأيضا أكثر من 1.25 مليون شخص يموتون سنويا في حوادث المرور على الطرق، للأسف يحدث 90٪ من حالات الوفيات تلك في البلدان النامية، هذا في الوقت الدي يساعد فيه النقل المستدام على تهيئة البنيات التحتية التي تمكننا من بناء مستقبل مستدام، فهو يوفر الوصول إلى التجارة وفرص العمل والأسواق والتعليم والرعاية الصحية وغيرها من الخدمات التي تعمل على تحسين حياة الناس وبالتالي تنزيل أهداف التنمية المستدامة بشتى أنواعها.

بقلم: محمد بن عبو

Related posts

Top