اليمن… التعيس

أول أمس الإثنين، أدى الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، الذي يوصف بالراقص على رؤوس الثعابين، رقصته الأخيرة، وأكملها ممددا على الأرض، مقتولا ومضرجا في دمائه، وعمم قتلته من الميليشيات الحوثية صور البشاعة على كل وسائل الإعلام، ولم يترددوا في التشنيع بجثته إمعانا في إذلاله والتنكيل به بعد قتله رفقة أقرباء ومعاونين له.

الرئيس المقتول وأنصاره كانوا يتوقعون مصيره المأساوي مُذ اختلف مع الحوثيين الذين تحالف معهم في السنوات الثلاث الأخيرة، وبعد أن اندلعت المواجهات المسلحة بين الطرفين الخميس الماضي، ثم إعلانه فك التحالف وعزمه إعادة العلاقات مع دول التحالف، وخصوصا السعودية.

اليمن كانت منذ فترة طويلة قد بلغت القعر، ووصل شعبها إلى الكارثة الإنسانية والأمنية والسياسية، بل لم تعد هناك دولة أصلا أو مؤسسات منذ سنوات، وعمت الكوليرا مؤخرا المجتمع، وبلغت مستويات اعتبرها المجتمع الدولي غير مسبوقة ومرعبة، وبدل شعار السعادة الذي كان يلصق مبالغة باليمن، بات هناك إجماع حول وصف آخر أكثر تعبيرا عن الواقع، وهو “اليمن التعيس”، حيث الشعب المسكين وحده يدفع الثمن، زمن صالح أو بعده أو اليوم.

هذه المأساة اليمنية فتحت اليوم أمامها أبواب جهنم، وهي تدخل مرحلة أخرى من المعاناة والبشاعة والرعب.

علي عبد الله صالح، من المؤكد، هو مستبد وديكتاتوري ومجنون سلطة، مثل آخرين داخل اليمن أو في كامل هذه المنطقة العربية الأكثر اشتعالا في العالم، ولكن، استحضارا لتعقد التركيبة القبلية والسياسية والديموغرافية للمجتمع اليمني، وبالنظر لمعادلات المنطقة وتداخل المصالح الإقليمية والحسابات التي يجري تصريفها داخل الساحة اليمنية، فإن مقتله يفتح الباب اليوم لتشكل تحالف يشمل التيارات المناهضة للحوثيين وأتباع صالح والتشكيلات القبلية والعوائل التي سارعت إلى إعلان سعيها للثأر.

كما يجب هنا أخذ خطاب الرئيس عبد ربه منصور هادي بعين الاعتبار في إطار رسم معالم المرحلة المقبلة، وخصوصا مطالبته الجيش بخوض المعركة لاستعادة العاصمة صنعاء، ثم هناك، بالطبع، الاصطفافات التي ستلتزم بها القوى الإقليمية، وخصوصا إيران وبلدان الخليج، وأيضا التوجهات التي ستسير عليها الميليشيات الحوثية التي كانت تركب على تحالفها مع صالح لتسويق غطاء سياسي داخلي لتحركها ولعلاقتها مع طهران، وفي غياب هذا الغطاء الآن، فاللعب سيكون مكشوفا، واليمن سيستمر في كونه ساحة لحروب بالوكالة بين قوى إقليمية متصارعة.

أمام كل هذه التطورات المأساوية المتسارعة في اليمن وحواليه، تبقى مسؤولية المجتمع الدولي أن يتدخل بقوة وحزم لحماية الشعب اليمني، وتمكينه من الحد الأدنى الضروري للعيش، من غذاء وماء وعلاج، وذلك تفاديا لتفاقم الكارثة الإنسانية والصحية، علاوة على أنه من الضروري دفع مختلف الأطراف المحلية والإقليمية الم -تناحرة إلى بناء مسار حواري توافقي يسعى إلى وقف الاقتتال وتثبيت الأمن والسلم الداخليين، ومن ثم صياغة دينامية مشتركة للبناء، من شأنها إعادة الحياة لمؤسسات الدولة وللدينامية الاقتصادية والإدارية والتنموية، وبالتالي، الاتفاق على محددات المستقبل، بما يحفظ لليمن وحدته واستقراره وأمنه، ويؤمن للشعب اليمني حياة كريمة في إطار الحرية والديموقراطية والسلم.

هذه مهمة مستعجلة للقوى الكبرى في العالم، وللقوى الإقليمية ذات المصالح والحسابات على أرض اليمن ووسط مكوناتها السياسية والقبلية وجماعاتها المسلحة.

محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top