خمسينية الجزائر

يخلد الشعب الجزائري هذه الأيام خمسينية استقلاله، ويحتفي بثورته التي خلدتها شعوب العالم، وكتب عنها وتغنى بها الكثيرون.
الحدث تاريخي بالفعل، ويستحق الاحتفال والتهنئة والتبريك للأشقاء في الجزائر، كما أن الذكرى مناسبة لاستحضار الرباط التاريخي العميق بين الشعب المغربي وشقيقه الجزائري، وانصهار مقاومتيهما في النضال الوطني ضد الاستعمار الفرنسي…
إن خمسينية الاستقلال في الجزائر تمثل مناسبة سانحة ليتأمل سياسيو البلد الجار مسيرة بلادهم طيلة نصف قرن من الاستقلال، لكن أيضا لتأمل حصيلة العلاقات المغربية الجزائرية، وحصيلة العمل المغاربي المشترك، وما قدمته عقود الاستقلال لشعوب البلدين وللمنطقة برمتها، ومن ثم، فإن أكبر احتفاء بذكرى الاستقلال، وأنبل تخليد لأرواح شهداء التحرير والمقاومة في الجزائر، وفي المغرب وتونس أيضا، هو أن تكون دماؤهم وأرواحهم وبطولات شعوب البلدان الثلاثة بمثابة النبراس والدافع اليوم لتجاوز الضغائن والأنانيات والحسابات الضيقة، والانطلاق بجدية لبناء وتعزيز العمل المغاربي المشترك، والانكباب الجماعي من أجل تلبية تطلع الشعوب المغاربية للوحدة والحرية والديمقراطية والعدالة والتقدم والتنمية.
عندما يخلد المغاربة في الرباط أربعينية شخصية وطنية جزائرية كبيرة، وعندما يحتفل الجمهور الجزائري وسط الجزائر العاصمة وفي مدن أخرى مع الفنانين المغاربة، وعندما يحضر إلى مهرجان وجدة مثلا أغلب نجوم الفن في الجزائر، فإن كل هذا وغيره يمثل لحظات دالة للتأكيد على تواصل الشعبين والتحامهما وقوة التفاعل الثقافي والفني والروحي والإنساني بينهما، وهذه أيضا رسالة يجب أن يلتقطها وزراء خارجية البلدان المغاربية الخمسة الذين يجتمعون الاثنين في الجزائر، حتى يجعلوا من اجتماعهم مناسبة للإعلان عن قرارات مهمة تكون هي الاحتفال المشترك مع الشعب الجزائري بمرور نصف قرن على استقلاله، وعلى ملحمته الوطنية البطولية.
إن خمسينية الاستقلال الجزائري تعيد إلى الواجهة اليوم كثير أسئلة هي ليست مطروحة على الجزائر فقط، وإنما تعني باقي الدول المغاربية، وتتعلق بمشكلات الديمقراطية والتنمية، بالإضافة إلى تمتين التعاون والوحدة ضمن اتحاد مغاربي قوي وفاعل.
وعلاوة على ما سبق، فإن لتمازج الدم بين الشعبين المغربي والجزائري في المعركة من أجل الاستقلال، وتلاحم الحركات الوطنية والتحريرية في البلدين، ثقلهما التاريخي الممتد إلى اليوم، والحاضر بقوة في الضمير الشعبي، وهو يجسد المشترك الأساس والعميق بين الشعبين، والذي بإمكانه أن يكون حافزا حقيقيا، فضلا عن المصالح المشتركة، في النهوض إلى العمل بدل فكر الهيمنة والأنانية الذي أهدر عن البلدين الجارين كثير فرص للتقدم والتنمية ولتعزيز الوحدة المغاربية.

[email protected]

Top