سوريا في المنعطف

دخلت الأحداث المأساوية في سوريا منعطفا حاسما، عقب الهجوم الانتحاري الذي استهدف مبنى الأمن القومي في دمشق الذي كان يحتضن اجتماعا للحلقة الأمنية المقربة من رأس النظام السوري، ما أدى إلى مقتل وزير الدفاع وكبار قادة المؤسسة الأمنية… بغض النظر عن طبيعة الهجوم، والجهة الواقفة وراءه، فإن النتيجة واحدة، وهي أن الأمر أصاب أقرب المقربين للنظام البعثي الديكتاتوري، ومثل ضربة قوية له، ما جعل المراقبين يطرحون الكثير من الأسئلة حول ما تبقى لهذا النظام من قدرات، وهو الذي لم يستطع حماية حتى كبار قادته الأمنيين.
في السياق نفسه، فإن الضربة المذكورة تأتي ضمن انشقاقات متعددة تشهدها المؤسسة العسكرية، ويتم تصريف ذلك في الشوارع من خلال مواجهات مسلحة بين الجنود والضباط المنشقين، وبين من بقي على ولائه لقوات النظام، كما أنها تأتي بعد انشقاق قائد عسكري من المقربين للنظام، وهو نجل وزير الدفاع السابق طلاس، وأيضا بعد توارد كثير أخبار حول انشقاق فاروق الشرع وخروجه من البلاد، ثم انشقاق عدد من السفراء والديبلوماسيين، وكل هذا يقود إلى نتيجة واحدة، وهي أن النظام البعثي يتآكل ويترنح، ولئن لم تنجح العملية التفجيرية الأخيرة في الإسقاط الفوري للنظام، فإنها وجهت له ضربة قوية وموجعة ستكون بلاشك علامة فارقة في تطور الأحداث وموازين القوى ميدانيا وسياسيا.
التفجيرات وصلت إذن إلى عمق العاصمة، واستهدفت مكاتب المؤسسة الأمنية والاستخباراتية على مقربة من القصر الجمهوري، وقتلت كبار الدائرة الأمنية الضيقة المحيطة برأس النظام، وهذا يعني تطورا نوعيا في العمل الميداني لعناصر الجيش الحر، ولمختلف مكونات المعارضة ما يكسبها انتصارا معنويا هاما، كما أن ما حدث يؤكد أن نظام بشار الأسد وقواته الأمنية والعسكرية وشبيحته أثبتوا جميعهم أنهم أقوياء وشرسين فقط ضد شعبهم، وضد المدنيين والأطفال والنساء، أي ضد المواطنات والمواطنين السوريين، لكنهم لم ينجحوا حتى في حماية أنفسهم ومكاتبهم من الاستهداف والاختراق..
النظام السوري لا يبدو أنه سيحسن قراءة الرسائل مما وقع، ومن المؤكد أنه مرة أخرى سيركب على التفجيرات لمواصلة جرائمه ومجازره في حق الشعب السوري، وللاستمرار في التدمير والقتل والخراب…، لكن ذلك لن يستطيع إخفاء ورطة النظام السوري الدموي، وتوالي الضربات الموجهة إليه، خصوصا من خلال استمرار الثورة والغضب الشعبيين، ووصول الرفض والغضب إلى داخل أجهزة النظام، بالإضافة إلى الضربات الدولية المتعددة.
المجتمع الدولي مطالب اليوم بالقطع مع التردد والتلكؤ، والانتقال إلى دعم حقيقي وملموس وفوري للشعب السوري من أجل إنقاذه من نظام دموي قاتل، كما أنه بات اليوم من المستحيل على نظام الأسد استعادة الثقة داخليا، بما في ذلك وسط المؤسسة العسكرية والأمنية التي استهدفتها ضربات قاسية وموجعة، وعرضها النظام لكثير من الإهانات، فضلا عن سخط الشعب.
[email protected]

Top