عندما يتحول النقش بالحناء من لحظة متعة إلى وشم ألم في الجسد والذاكرة

في كل المدن المغربية تقريبا، وفي المواقع السياحية تحديدا، تنتشر نساء وفتيات يعرضن على الزوار والسياح الاستمتاع بنقش الحناء، خلال جلسة سريعة تخط فيها هؤلاء النساء خطوطا فنية تتسم برقتها وجمالها، وتختلف أشكالها وأنواعها حسب رغبة المستفيدين من نساء وأطفال على الخصوص. يجف النقش بسرعة على البشرة، وينصرف الزوار حاملين معهم وشما جميلا كزينة وذكرى.
لكن لحظة السعادة هاته قد تنقلب أحيانا إلى كابوس.. خصوصا مع التغييرات التي بدأت تطرأ على هذه الممارسة التقليدية وغير الخاضعة لضوابط فعلية. فالحناء الخضراء القادمة من الطبيعة، والتي كانت تتزين بها النساء ويعالجن بها كثيرا من العيوب في الجلد والشعر، أصبحت تخلط بمواد مصنعة وكيماوية لا تخلو من خطورة.
ومع تطور الأذواق بدأت تدخل عليها أيضا بعض الألوان وعلى رأسها اللون الأسود فيما أصبح يعرف بالحناء السوداء التي أضحت موضة هذه الأيام. كل هذه التغييرات حولت عملية الوشم بالحناء إلى مغامرة تنطوي على مخاطر صحية، حيث يمكن أن تؤدي المواد المخلوطة مع الحناء إلى حساسية وحروق شديدة تستلزم تدخلا طبيا عاجلا وعلاجا قد تقصر مدته أو تطول، بل إن الوشم العابر على الجلد قد يتحول إلى ندوب دائمة على الجلد ووشم ألم في الذاكرة لا تمحوه الأيام.
هذا ما حدث مؤخرا لسائحة بريطانية كانت مع عائلتها في زيارة إلى المغرب وتحديدا إلى مدينة أكادير، حيث عرضت عليهم “النقاشات”، خلال جولة بأسواق المدينة، الاستفادة من النقش بالحناء، ولبت السائحة رغبة طفليها في الحصول على وشم بالحناء السوداء، أحدهما على شكل “تنين”، والآخر على شكل “بيت رجل العنكبوت سبايدرمان”.
لكن متعة اللحظة تحولت إلى رعب وألم مباشرة بعد مغادرة الأسرة لمدينة أكادير حيث ظهرت الحروق والتقرحات على ذراعي الطفلين مما تطلب نقلهما إلى المستشفى على عجل، ومتابعة العلاج لاحقا بالمضادات الحيوية ومضادات الحساسية، مع ما رافق ذلك من ألم ومعاناة وشعور بالندم والذنب خاصة لدى الأم التي حملت نفسها مسؤولية الرضوخ لرغبة الطفلين.
ولأنها فوجئت بخطورة الأمر، عمدت الأم إلى مشاركة التجربة على مواقع التواصل الاجتماعي بهدف توعية المتابعين بضرورة الابتعاد عن عروض الحناء السوداء، مؤكدة أنها “لم تكن لتقترب منها لو كانت تعلم العواقب”، وأن كثرة العروض التي قدمت لها في مدينة أكادير جعلتها تشعر بـ “الغضب الشديد والهلع” لاحقا، عندما تصورت عدد الضحايا الذين يمكن أن يكونوا قد تعرضوا لمثل ما تعرض له طفلاها.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، حيث تناقلت الصحف والمواقع الإلكترونية البريطانية الحادث مؤكدة على مخاطر الحناء السوداء ومحذرة من عواقبها على الصحة.
التحذيرات العلمية والطبية من مخاطر مادة الحناء السوداء ليست بجديدة، بل إنها ما فتئت تثير الجدل منذ أن تحول التزين بهذه المادة إلى موضة بين النساء والفتيات عبر العالم، وخاصة في دول آسيا والشرق الأوسط، ومن ثم انتقلت هذه الموضة إلى بلادنا منذ فترة حيث أصبحت الحناء السوداء المستوردة من دول آسيا تسوق على نطاق واسع بالمدن المغربية، وخاصة في الأسواق الشعبية. ورغم ما تبث عنها من مضاعفات خطيرة إلا أنها مازالت تنتشر بقوة في تلك الأسواق.
وللحصول على اللون الأسود يتم خلط الحناء الطبيعية بعدة ملونات ومواد كيماوية كاوية، من بينها مادة “بارافينيلين ديامين”، المعروفة بالرمز العلمي “PPD” والمسببة للحساسية الشديدة. هذا فضلا عن مواد أخرى تضيفها “النقاشات” إلى الحناء لإعطائها لونا أفضل وتثبيتها على الجلد، وعلى رأس هذه المواد مادة كحول الاشتعال أو “الدوليو”.
وإذا كان من الضروري بذل مجهود أكبر، على مستوى المراقبة والحماية، لمواجهة انتشار مثل هذه الخلطات الخطيرة التي يتم تسويقها كمادة تجميلية في حين أنها تشكل خطورة على جمال وصحة المستهلكين، فإن العمل الأكبر يجب أن يتم في مجال التوعية والتحسيس بمخاطرها ومضاعفاتها، سواء في صفوف المستهلكين من نساء وأطفال، أو حتى في أوساط النساء والفتيات الممتهنات لحرفة النقش بالحناء، مع ربط ذلك بمسؤولية الحفاظ على طقس تقليدي يندرج في صميم تراثنا الشعبي الجميل، بدل تحويله إلى ممارسة عشوائية خطيرة على الصحة العامة.

> سميرة الشناوي

Related posts

Top