فنانون عند رئيس الحكومة

اللقاء الذي جمع رئيس الحكومة بعدد من الفنانين والفعاليات الثقافية، وحضره وزير الثقافة، ليس واحدا من اللقاءات التشاورية أو التفاوضية المعهودة بين السلطات الحكومية والمنظمات المهنية، وإنما هو أهم من ذلك، ويجسد إشارة رمزية قوية الدلالة تجاه علاقة رئيس الحكومة بالفن والثقافة وبقضاياهما في بلادنا.

لقد اختص اللقاء بتدارس مقترحات قدمها فنانون مغاربة من أجل تعزيز العمل الثقافي والفني ببلادنا، وهي مقترحات تجاوز عددها الثمانين، وتقدمت على شكل مذكرة كان أفرزها لقاء دراسي سابق عقد في الدار البيضاء وحضره أزيد من مائة مشارك.
إن الرسالة التي وجهها لقاء رئيس الحكومة مع الفنانين لم تكن محصورة في شخص المسؤول الحكومي نفسه أو انتمائه السياسي والفكري، ولا في التصريحات التي نقلتها القصاصات الإخبارية عنه، وإنما أيضا في الفنانين الذين حضروا اللقاء، وما يميز انشغالاتهم الثقافية ومواقفهم، ولهذا، فاللقاء في حد ذاته يعتبر إيجابيا.
في السياق نفسه، فإن تأكيد رئيس الحكومة على حاجة الإبداع الفني إلى الحرية، والارتباط الجدلي بين الثقافة والحرية يمثل كذلك رسالة طمأنة بكون المغرب لن يتراجع عن مكتسباته المتعلقة بحرية الإبداع الفني، وبحرية الرأي والتعبير، وباحترام الانفتاح والتنوع الثقافي والفني في المجتمع.
وعندما يعد رئيس الحكومة بالزيادة في ميزانية وزارة الثقافة العام القادم، ورفعها إلى ضعف ما هي عليه اليوم، فإن ذلك يعني بداية وعي الدولة بحاجة الثقافة إلى الدعم والتمويل، وإلى رفع «الحكرة» عنها.
قبل يوم اللقاء هذا، كان وزير الثقافة قد أكد في برنامج تلفزيوني على القناة الأولى أن من أولويات وزارته سن سياسة القرب ودعم الإبداع وتثمين التراث وتكريس الحكامة الجيدة، وتحدث كذلك عن محورية الدور الذي تلعبه الثقافة في تعزيز مشروعنا المجتمعي الديمقراطي الحداثي، وفي إنتاج القيم وفي ترسيخ الوحدة والمواطنة وسط المجتمع، وجعل المغاربة يرتبطون ببلدهم ويستشرفون المستقبل، ولذلك فالقطاع يتطلب دعما قويا، وانخراطا جماعيا من أجل إنجاح كل أوراشه المفتوحة اليوم.
إن الثقافة اليوم تمثل جبهة ذات أولوية بالنسبة لمغرب يتطلع إلى إنجاح نموذجه الديمقراطي المتميز، ويحرص على إنجاح مسلسلات التنمية والتحديث والتربية على قيم المواطنة والنزاهة والتخليق والانفتاح والمساواة، ولهذا، فإن هذه الجبهة تستحق التفاف الكل من أجل كسب كل رهاناتها.
وإن تصريح رئيس الحكومة اليوم لصالح حرية الإبداع الفني يحمل رسالة قوية لفنانينا ومثقفينا وصناع أذواقنا وقيمنا، ولابد من الحرص على جعل هذا التصريح ذا امتدادات عملية في الواقع من خلال ترسيخ هذه الحرية بشكل ملموس، وتقوية الدعم العمومي وتقنينه، والحرص على تطوير الحركية المهرجانية في بلادنا ودعمها، والتصدي الجماعي لكل من يحاول التضييق على الفنانين وعلى حرية الفن وتنوعه.

[email protected]

 

Top