بمساحة تفوق مساحة العاصمة السعودية الرياض، وقع صندوق الاستثمارات العامة السعودي مذكرة تفاهم مع «سوفت بانك» الياباني لإنشاء مدن لتوليد الطاقة باستخدام الألواح الشمسية في المملكة. أرقام هذا المشروع ضخمة وتستحق التأمل، فالطاقة الإنتاجية حال اكتمال المشروع تقارب 200 غيغاواط، وهو أكثر مما تنتجه فرنسا من الطاقة، ويعادل نصف الطاقة المولدة من الألواح الشمسية حول العالم، وهو أيضا ثلاثة أضعاف ما تستهلكه السعودية من الطاقة سنويا.
يفترض أن يكتمل هذا المشروع مع موعد الرؤية السعودية، وأن تنتهي أولى مراحله منتصف العام القادم بإنتاجية تقارب 7.2 غيغاواط، وهو رقم كبير بحد ذاته. جميع هذه الأرقام تجعل من مشروع المدينة الشمسية الأضخم حول العالم، هو مشروع طموح ويحمل في طياته الكثير من التحديات والاستفسارات حول جدواه الاقتصادية بشكل خاص. لهذا المشروع مرحلتان أساسيتان توضحان أهميته الاقتصادية المباشرة للمملكة، المرحلة الأولى حين يتمكن هذا المشروع من تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة للمملكة، أي أن المشروع في حال قدرته على إنتاج 70 غيغاواط سنويا (وهي ثلث الإنتاجية الكاملة للمشروع) سيمكن المملكة من الاكتفاء الذاتي من الطاقة النظيفة. وتستهلك المملكة من النفط ما بين 300 و800 ألف برميل يوميا لإنتاج الطاقة، حسب وكالة “رويترز”، وتصدير هذه الكمية من النفط يزيد العائدات السعودية ما بين 7 و20 مليار دولار سنويا (في حال كان سعر البرميل 70 دولارا). أما المرحلة الثانية فهي مرحلة ما بعد الـ70 غيغاواط، وهي المرحلة التي ستمكن المملكة من تصدير هذه الطاقة إلى الخارج واعتمادها مصدرا للدخل. ويجدر الذكر هنا أن هذا المشروع سيموّل من عدة مستثمرين ممن يهمهم بكل تأكيد أن يكون سعر هذه الطاقة قابلا للبيع، لذلك فإن تكلفة التصنيع والإنتاج مهمة جدا حتى يكون المشروع مربحا.
وتتناسب بيئة المملكة مع هذا المشروع بأشكال عدة، فالمملكة مشمسة على مدار العام تقريبا، وأرضها غنية بالمواد الخام المستخدمة في تصنيع الألواح الشمسية، ولا تشكل مساحة المشروع أي عائق في المملكة، خصوصا أن المشروع سيتم في مواقع عدة وليس في موقع واحد. ولهذا المشروع أثر إيجابي غير مباشر أيضا، ذلك أن تصنيع هذه الألواح لا بد أن يتم محليا، صحيح أن الألواح الشمسية سيتم استيرادها في السنوات الأولى، إلا أن نقلها يزيد تكلفة المشروع على المدى الطويل، ولذلك فإن في تصنيعها محليا توفيرا للتكلفة. هذه المصانع ستجلب معها حركة اقتصادية، وهي ستستمر في العمل حتى بعد انتهاء المشروع لصيانة واستبدال الألواح الشمسية، وقد تفتح مجالا جديدا لصناعة وتصدير الألواح الشمسية على مستوى العالم. ويتوقع أن يتم توقيع الاتفاقية بعد دراسة الجدوى الاقتصادية وتقييم التحديات التي ستواجه هذا المشروع، ولعل أكبر هذه التحديات هو تطوير شبكة الكهرباء في السعودية، فعلى ضخامة شبكة الكهرباء الحالية في المملكة، فإنها تحتاج إلى توسعة تقارب 3 أضعاف على مدى العقد القادم حتى تتمكن من نقل الطاقة المولدة من الألواح الشمسية. أما التحدي الثاني فهو صناعة الألواح الشمسية نفسها، فحتى يتمكن هذا المشروع من إنتاج 200 غيغاواط في 2030 فهو يحتاج كل سنة إلى إضافة ألواح تقارب إنتاجيتها 17.5 غيغاواط، وهو ما يزيد على إنتاج الولايات المتحدة السنوي من الألواح الشمسية، لذلك فإن إنشاء وتأسيس مصانع الألواح الشمسية يعد تحديا كبيرا لهذا المشروع، ولا شك أن الإمكانات متوفرة في المملكة لهذا التحدي.
مشروع الطاقة الشمسية فيه من الطموح الشيء الكثير، والمملكة هي المستفيد الأول منه، فاعتماد المملكة على النفط ليس بالدخل الوطني فقط، بل هو في إنتاج الكهرباء وفي تحلية المياه، وفي حال مكن هذا المشروع المملكة من الاستغناء عن النفط في توفير المياه والكهرباء للبلد، فقد يكون المشروع هو الأهم في تاريخ المملكة. وبه يضمن المواطن السعودي توفر الماء والكهرباء بغض النظر عن أسعار النفط وعن توفره، وقد تكفي هذه النقطة وحدها لجعل المشروع مهما للمواطن السعودي. إضافة إلى ذلك، ومع الأهمية الاستراتيجية للمملكة كونها أحد أكبر مصادر الطاقة في العالم بوجود النفط، فإن هذه الأهمية تزداد بلا شك بعد أن تصبح أكبر مزود للطاقة النظيفة على مستوى العالم.
> عبد الله الردادي (*)
(*باحث سعودي)