معرض الفرس بالجديدة.. ثراء ثقافي وتعزيز للهوية الوطنية

تضرب مدينة الجديدة، موعدا لعشاق الفرس، ابتداء من الثلاثاء القادم، حيث ستقام الدورة الخامسة عشرة لمعرض الفرس، تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس، إلى غاية يوم الأحد 6 أكتوبر.

ويعد معرض الفرس بالجديدة، المنظم تحت شعار “تربية الخيول في المغرب: الابتكار والتحدي”، مناسبة لاكتشاف مختلف تجليات التراث المغربي الأصيل المرتبط بالفرس وإشعاعه الدولي، عبر برنامج متنوع يبرز غنى هذا الموروث الثقافي اللامادي الوطني.

وتؤكد هذه الدورة التزام معرض الفرس للجديدة بالمساهمة في تطوير قطاع الفروسية بالمملكة، مع التركيز على إبراز الابتكارات التي يجب العمل على تطويرها والتحديات التي يجب التغلب عليها لضمان استدامة القطاع، لا سيما أنه يشكل عاملا أساسيا في التنمية الفلاحية والاقتصادية والثقافية في المملكة.

وتشكل هذه التظاهرة السنوية فرصة أمام الزوار لاكتشاف عالم الفروسية بمختلف تجلياته عبر برمجة متنوعة تلبي رغبات مختلف الفئات، بمن فيهم الجمهور الناشئ، الذي يتوافد على المعرض بأعداد غفيرة تصل إلى حوالي 30 ألف طفل في إطار زيارات منظمة تشرف عليها مؤسسات تعليمية وجمعيات فاعلة في مجال الطفولة والشباب.

التراث المغربي الأصيل

يعد الاهتمام بالتراث الوطني أحد ركائز البرنامج العام للمعرض، خاصة وأن الفروسية تشكل قطاعا يمزج بين مجموعة من المهن والحرف المرتبطة به، من بينها الصناعة التقليدية، وبالتالي فإن هذه التظاهرة السنوية تسعى إلى إبراز مجهودات مختلف المتدخلين في قطاع الفروسية ببلادنا من بينهم الصناع التقليديين، حيث يمنح معرض الفرس للجديدة لهؤلاء المبدعين فرصة لعرض منتوجاتهم، وأيضا مناسبة للقاء الجمهور التواق للتراث الوطني عن قرب، من خلال أروقة تمنحهم فرصة لملامسة الورشات المباشرة والمحاكاة الآنية التي يقدمها الصناع التقليديون الحاضرون بالمعرض.

وهكذا، يشكل معرض الفرس للجديدة، منصة لإبراز الصناعة التقليدية التي تعنى بهذا الموروث الوطني، من خلال عدد من الفضاءات والأروقة المتنوعة والغنية.

-“فضاء جهات المملكة” الذي يعرض مختلف أنواع الملابس والحلي والسروج والبنادق التي تزخر بها أقاليم وجهات المملكة، وهو الجناح الذي يعرف إقبالا كبيرا من طرف الزوار لاكتشاف إبداعات أنامل الصناع التقليديين المغاربة التي تشكل علامة فارقة في التراث الوطني نظرا لجودتها وفنيتها وقيمتها.

-رواق لمؤسسة “دار الصانع” التابعة لوزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد التضامني، ينشطه عدد من الصناع التقليديين، وخلاله يتم منح جائزة أفضل “السروج”، فضلا عن تقديم محاكاة لعدد من فروع الصناعة التقليدية؛

عدة أروقة مخصصة لبيع منتوجات الصناعة التقليدية المنتمية لعدد من أقاليم المملكة.

التبوريدة.. هوية وطنية

وفي المقابل، تعد التبوريدة  وحبها ميزة خاصة  للهوية الوطنية، حيث تحظى باهتمام خاص من لدن مختلف الشرائح، لما لها من أبعاد اجتماعية وثقافية ترتبط ارتباطا وثيقا بهويتنا الحضارية المتجذرة في التاريخ، ومما عزز عراقتها هو إدراجها، في دجنبر 2021، ضمن قائمة التراث الثقافي اللامادي لمنظمة “اليونسكو”.

وضمن فعاليات المعرض، تتنافس عدة سربات (فرق التبوريدة) تمثل مختلف جهات المملكة، للظفر بالجائزة الكبرى لجلالة الملك محمد السادس للتبوريدة، التي تجذب أطوارها أنظار الزوار الذين يحضرون بكثافة ليستمتعوا بالمشاهد الفلكلورية للفرسان والخيول مختلفة الأصناف والألوان.

وفي السياق ذاته، تحتفي مجموعة من الفنون ضمن فعاليات معرض الفرس للجديدة بـالتبوريدة، نذكر من بينها، على سبيل المثال لا الحصر:

-تخصيص فئة خاصة بالتبوريدة، ضمن جائزة سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان الفوتوغرافية التي تقام بشراكة مع اتحاد المصورين العرب.

-تقديم مجموعة من المؤلفات الشعرية والزجلية التي تحتفي بالفروسية التقليدية يقدمها عدد من الكتاب المغاربة.

-عرض مجموعة من اللوحات والمنحوتات التي تحتفي بهذا الرافد التقليدي الوطني من إبداع الفنانين التشكيليين والنحاتين المغاربة.

الابتكارات والتحديات بقطاع تربية الخيول بالمغرب

يعمل قطاع الفروسية على تحسين سلالات الخيول وتعزيز استخدامها في مختلف المجالات (الرياضية، السياحية، الفلاحية)، إلى جانب الحفاظ على التقاليد المتوارثة. في الوقت الذي يُمَكّن الابتكار في تقنيات التربية من تحسين صحة الخيول وأدائها، والاستجابة للتحديات البيئية والاقتصادية.

ويشكل اختيار شعار “تربية الخيول في المغرب: الابتكار والتحدي”، مناسبة سانحة أمام المهنيين لـ:

-تسليط الضوء على أهم المشاريع والبرامج الوطنية الكبرى التي تتماشى مع الاستراتيجيات الوطنية المتعلقة بتربية الخيول.

-العمل على تطوير قطاع الفروسية وانخراط مختلف المتدخلين فيه من أجل ضمان تطويره بالاعتماد على أساليب مبتكرة تتماشى مع التحديات التي يعرفها القطاع.

-تبادل التجارب والخبرات بين مختلف المتدخلين من أجل إنجاح المشاريع المهيكلة لتطوير القطاع.

-تقييم التطورات التكنولوجية في هذا المجال وإبراز القيود والتحديات التي يجب تجاوزها على الصعيد الوطني والدولي.

وقد عرف قطاع تربية الخيول في المغرب، خلال السنوات الأخيرة، تطورات ملحوظة، عبر:

-جعله ركيزة أساسية من ركائز الاقتصاد الوطني، سواء تلك المرتبطة بالتنمية الفلاحية أو القطاع الرياضي.

-تقوية الجانب التكويني في قطاع تربية الخيول للمساهمة في تعزيز الابتكار والتحدي الذي يهدف إليه مختلف المتدخلين في القطاع، مع تعزيز تكوين الشباب ومهنيي القطاع في مختلف التخصصات المرتبطة بسلسلة تأهيل الفرس وإيواء التظاهرات الوطنية والدولية التي تقام في مجال الفروسية.

تنمية سلسلة الخيول

يشار إلى أن الدورة الماضية من معرض الفرس للجديدة، قد شهدت مراسيم التوقيع على عقد برنامج جديد لتنمية سلسلة الخيول، ترأسها الشريف مولاي عبد الله العلوي، رئيس الجامعة الملكية المغربية للفروسية، ورئيس جمعية معرض الفرس للجديدة، بحضور وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، محمد صديقي.

وذلك في إطار تنزيل استراتيجية الجيل الأخضر، يهدف إلى تعزيز إنجازات سلسلة الخيول، إذ شكل إبرام هذه الاتفاقية الجديدة فرصة لتطوير سلالات الخيول البربرية والبربرية-العربية ودعم سلسلة التبوريدة، كما تهدف إلى تشجيع انبثاق طبقة وسطى من المهنيين على طول سلسلة قيمة هاتين السلالتين من الخيول، قادرة على المساهمة بشكل فعال في التنمية الشاملة لقطاع الخيول، مع ضمان الحفاظ على الموروث الجيني للخيول البربرية والبربرية-العربية من خلال تثمين استعمالاتها.

اكتشاف عالم الخيول

كما يعمل المعرض على نقل حب الخيول وأهمية هذا التراث الثقافي إلى الأجيال الجديدة من خلال:

-تنظيم فضاء للطفل يقدم مجموعة من الورشات المعرفية والتربوية تعرف بالفرس وأدواره، كما تمكن الأطفال من المشاركة في مسابقات ثقافية لتقييم مدى تفاعلهم مع تلك الورشات.

-تمكين الأطفال من حضور مختلف المباريات المبرمجة في المعرض لمشاهدة تنافس الفرسان للفوز بتلك المسابقات.

-منح الطفل فرصة امتطاء الفرس من صنف “البوني” للقيام بجولة في حلبة مخصصة لذلك تحت إشراف منشطين تربويين.

-زيارة أروقة مختلف العارضين، لا سيما أروقة الحرس الملكي، والقوات المسلحة الملكية، والدرك الملكي، والأمن الوطني، والقوات المساعدة، التي تقدم بشكل تفاعلي معلومات تاريخية حول مساهمة الفرس في مختلف الوحدات العسكرية والأمنية ببلادنا.

الأطفال…

وفي نفس السياق، تحرص جمعية معرض الفرس للجديدة، كل سنة على توجيه الدعوة لمجموعة من الجمعيات الفاعلة في مجال الطفولة، خاصة الأطفال في وضعية إعاقة أو المتخلى عنهم، حيث يتم استقبالهم من طرف اللجنة المنظمة، ويتم منحهم فرصة المشاركة في توزيع الجوائز على الفائزين في مجموعة من المباريات المبرمجة ضمن فعاليات المعرض.

هذا، ويهتم معرض الفرس للجديدة، أيضا بالجانب الفني والإبداعي لدى الصغار، خاصة ذلك المرتبط بالفرس، من خلال تنظيم مسابقة في “الفنون التشكيلية” التي تسعى إلى إبراز الملكات الإبداعية لدى البراعم، والتي تعرف مشاركة تلاميذ يمثلون مجموعة من الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، ويشرف على اختيار الفائزين في هذه المسابقة، عدد من الفنانين المشهود لهم بإبداعاتهم ومكانتهم الفنية.

إعداد: عبد الصمد ادنيدن

Top