مع فلسطين

يجري اليوم في نيويورك حدث تاريخي فعلا يتجسد في التصويت المرتقب على رفع مستوى وضع فلسطين في الأمم المتحدة من «كيان مراقب» إلى «دولة غير عضو»، وهو المسعى الذي يتوجه اليوم الفلسطينيون لتحقيقه، مساندين من طرف العرب وكل المناصرين للحرية والاستقلال والعدالة عبر العالم. سيكون التصويت في الأمم المتحدة اليوم امتحانا لضمير الدول، وصراعا بين المبادئ والمصالح، ويتطلع كافة محبي السلام أن تنتصر المبادئ، خاصة أن أزيد من 130 دولة في الأمم المتحدة تعترف اليوم بالدولة الفلسطينية المستقلة في حدود 1967، وهذا العدد وحده يشكل أغلبية مريحة لصالح القرار إن التزمت كل الدول بالمنطق والمبدأ في التصويت، وإن نجحت في هزم مختلف الضغوط الإسرائيلية والأمريكية المكثفة هذه الأيام لإجبار بعض هذه الدول إما على التصويت بالرفض أو على الأقل الامتناع عن التصويت.
وقد جاء الموقف الفرنسي الذي أعلن عنه وزير الخارجية فابيوس بالتصويت لصالح القرار انتصارا للموقف الفلسطيني، وضربة لمساعي تل أبيب التي تحاول جر الدول الكبرى إلى صفها، وذلك حتى تقول في النهاية بأن فقط أغلبية أوتوماتيكية وسط الدول الأعضاء في الأمم المتحدة هي التي مررت القرار، ذلك أن الرمزية التي جسدها الإعلان الفرنسي، باعتبار أهمية باريس وموقعها في الاتحاد الأوروبي وفي العالم، تعزز المعركة لصالح المبادئ والقيم على حساب المصالح وضغوط اللوبيات.
إن التصويت اليوم في الأمم المتحدة لصالح فلسطين، وإن كان يمثل اعترافا جزئيا فقط، فهو سيساهم، من دون شك، في تقوية وتعزيز النضال الوطني الفلسطيني دفاعا عن الحرية والاستقلال وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وسيكون ربما في المستوى نفسه الذي كان قد جسده الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني، لكن هذا الانتصار الديبلوماسي الأممي، إن تحقق اليوم، فسيضع على عاتق السياسيين الفلسطينيين مسؤولية جسيمة أخرى، تتمثل في ضرورة إسناده بوحدة فلسطينية داخلية قوية، وبالتالي ستكون مختلف الفصائل (وخصوصا فتح وحماس) أمام مسؤولية الاستعجال بتقوية البيت الداخلي، ووقف التقسيم، والحرص على إنجاح المصالحة الوطنية في أقرب وقت، وبناء المؤسسات الفلسطينية على أسس متينة، ما سيمكن من مواجهة مختلف التحديات الحالية والمستقبلية المحيطة بالقضية الفلسطينية وبالوضع الملتهب في منطقة الشرق الأوسط.
وفي السياق نفسه، فإن الوحدة الفلسطينية الداخلية هي القادرة على تثمين الاعتراف الأممي، واستثمار دلالاته ميدانيا وسياسيا وعمليا، والحيلولة دون جعله في النهاية مكبلا للتحرك الفلسطيني، أو مجرد إجراء شكلي بلا امتداد في الواقع وفي موازين القوى.
سيكون الفلسطينيون اليوم مسنودين أيضا بنداءات كافة القوى المحبة للسلام عبر العالم، حيث أن يوم التصويت هذا يتزامن مع حلول اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني (29 نونبر)، وهو مناسبة يجدد فيها مناصرو النضال الفلسطيني منذ عقود تضامنهم، وتنديدهم بالهمجية الصهيونية، كما أن المناسبة هذا العام جاءت مباشرة عقب العدوان الإسرائيلي على غزة، والذي شهد جرائم بشعة اقترفتها الآلة العسكرية الإسرائلية في حق المدنيين الفلسطينيين ما أدانه العالم برمته، وخرج عشرات الآلاف في مختلف مدن الدنيا يستنكرون الصلف الإسرائيلي، ويطالبون بالحرية والاستقلال لفلسطين.
إنها المبادئ التي توجد اليوم في الامتحان بنيويورك، وتتطلع شعوب العالم كي تنتصر في المعركة ضد اللوبيات الصهيونية.
كل قوى السلام هي اليوم مع الحق الفلسطيني.
[email protected]

Top