عبد اللطيف وهبي: موضوع مدونة الأسرة هو الحد الفاصل بين الحداثة وغير الحداثة
قطاع المحاماة التابع لحزب التقدم والاشتراكية ينظم ندوة حول مشروع قانون المسطرة الجنائية
أجمع خبراء في القانون ومحامون وفاعلون سياسيون وحقوقيون، على أهمية ومفصلية قانون المسطرة الجنائية في التشريع المغربي، باعتبارها تهم المجتمع بأسره، وباعتبارها تشكل المعيار الأساسي لمدى احترام الدولة لحقوق الإنسان ولتعزيز ضمانات المحاكمة العادلة، وترسيخ دولة القانون والمؤسسات.
وأبرز المتدخلون، خلال ندوة نظمها قطاع المحاماة التابع لحزب التقدم والاشتراكية، حول موضوع “مشروع قانون المسطرة الجنائية مضامين، رهانات وآفاق”، يوم الخميس 20 فبراير الجاري بالمقر المركزي للحزب بالرباط، (أبرزوا) أهمية تعميق النقاش خلال هذه المرحلة من مشروع قانون المسطرة الجنائية، من أجل تجويده، وسد الثغرات التي يمكن أن تشوبه على اعتبار أنه قانون هيكلي يوازن بين حقوق الأفراد وحقوق المجتمع.
وفي كلمة له خلال افتتاح هذه الندوة، أكد الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، محمد نبيل بنعبد الله على أهمية الحوار المجتمعي في الوصول إلى التوافق في القضايا التشريعية الكبرى، على غرار مدونة الأسرة والقانون الجنائي وقانون المسطرة المدنية وقانون المسطرة الجنائية، مشيرا إلى أن الدينامية التي تعرفها الساحة القانونية من شأنها أن تحدث زخما إيجابيا، خلال هذه المرحلة أو تساهم في تحريك النقاش حول عدد من القضايا التشريعية الأساسية، مما يسمح بتطوير المنظومة القانونية بشكل أكثر توازنا ونجاعة.
وبحسب الأمين العام لحزب الكتاب، فإن من يتواجد في موقع القرار يتحمل مسؤولية إيجاد التوافقات الضرورية، عبر الموازنة بين السعي الديمقراطي والتوجه السياسي الإصلاحي، وبين واقع تفرضه تحديات متعددة تجعل من مسار الإصلاح عملية معقدة، مشيرا إلى أن هذا الواقع يفرض البحث عن حلول وسطى تضمن فعالية الإصلاحات القانونية مع مراعاة الإكراهات المرتبطة بتنفيذه.
وشدد محمد نبيل بنعبد الله، خلال هذه الندوة التي أدارها المحامي بهيئة الرباط العربي أفندي عضو قطاع المحامين التابع لحزب التقدم والاشتراكية، على ضرورة تطوير المقاربات الإصلاحية، من خلال اعتماد رؤية توافقية تأخذ بعين الاعتبار مختلف الإشكالات المطروحة، مع التركيز على تحسين جودة التشريعات وتعزيز فعاليتها.
وفي هذا السياق، أكد أن حزب التقدم والاشتراكية، بتنظيمه لمثل هذه اللقاءات، إنما يطمح إلى دعم كل المشاريع الإصلاحية وإلى تقديم المقاربة الصحيحة التي تخدم المصلحة العامة، بما يسهم في تعزيز المنظومة القانونية وتقوية أسس العدالة.
ويرى الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، أن النقاش حول مضمون الإصلاحات القانونية يظل طبيعيًا ومشروعًا، على اعتبار أن التعددية في الآراء، وتباين وجهات النظر يشكلان عنصرًا أساسيًا في عملية التشريع، وهو ما يساهم في الوصول إلى توافقات أكثر نضجًا وتوازنًا، كما أن نقاط الاختلاف التي قد تبرز خلال النقاش ليست سوى تعبير عن حيوية الحوار الديمقراطي، وأنها تشكل فرصة لتجويد الإصلاحات وتعزيز نجاعتها، مشيرا إلى أن النقاش الحالي حول قانون المسطرة الجنائية يأتي استكمالًا لمسار مناقشة مشاريع قوانين أخرى، كقانون المسطرة المدنية، في أفق مناقشة مشروع القانون الجنائي.
إلى ذلك، كشف عبد اللطيف وهبي وزير العدل عن وجود اختلافات جوهرية داخل الحكومة حول مشروع قانون مدونة الأسرة، بين تيار محافظ قال إنه يلعب دوره، مقابل تيار حداثي يعاني، مشيرا إلى أن النقاش حول موضوع المدونة لازال يراوح مكانه، وأنه يتحرك، فقط بحسب الظروف، مرة يتقدم خطوة إلى الأمام، ومرة أخرى يتراجع خطوتين إلى الوراء، لأن موضوع المدونة، بحسبه، هو الحد الفاصل بين الحداثة وغير الحداثة.
وبحسب عبد اللطيف وهبي، فإن نفس النقاش الحاد يثيره موضوع مشروع القانون الجنائي لأنه جاء بمشكلتين رئيسيتين وهي عقوبة الإعدام، وكذا تلك النصوص التي تنص على قضايا لها علاقة بالدين، وسيبقى التشريع بصفة عامة، يضيف الوزير، دائما موضوع صراع ويعبر عن طبيعة موازن القوى داخل المجتمع، كما يعكس طبيعة الصراع السياسي بين التيار الحداثي والتيار المحافظ، مما يجعله عملية معقدة تستدعي توازناً بين الطموحات السياسية والواقع المؤسساتي للدولة.
وأكد وزير العدل على أن عملية التشريع ليست مسألة مرتبطة بالوزير بل هي شأن دولة تشارك فيه مختلف الوزارات، والمؤسسات، وأن أحلام الوزير كيف ما كانت ستصطدم بما أسماه “صخرة الدولة”، مشيرا إلى أن التشريع يندرج ضمن القرار السياسي حيث يتعين على الوزير أن يقرر ما إذا كان مستعدًا لمواجهة التحديات ووضع يده في “عش الدبابير”، أو الاكتفاء بأداء مهامه الوزارية دون إثارة أي إشكالات. وأكد أنه حين يكون الوزير محاميًا، فإنه غالبًا ما يبحث عن القضايا الجدلية، ما يدفعه إلى التشريع، وهو ما يؤدي إلى فتح باب النقاش والمساءلة حول القوانين التي يطرحها.
وساق الوزير في معرض مداخلته أرقام وإحصائيات صادمة تعكس الوضع الجنائي الصعب الذي تعيشه البلاد، وكذا التحديات الكبيرة التي تواجه النظام القضائي والسجني المغربين مشيرا إلى أن القضايا المطروحة أمام المحاكم تبلغ حالياً حوالي 24 ألف قضية، مع توقعات بأن يصل العدد إلى 700 ألف قضية برسم سنة 2024، وأنه على مدى العشرين سنة الماضية، تم تسجيل ما يقارب عشرة ملايين قضية، نتج عنها متابعة أكثر من تسعة ملايين شخص.
وأضاف عبد اللطيف وهبي أن نسبة الاعتقال الاحتياطي تشكل 32 في المائة من مجموع السجناء، حيث بلغ عدد المعتقلين احتياطيًا 105 آلاف شخص خلال سنة 2024، كما سجل أن المغرب يعمل على تقليص هذه النسبة من خلال إجراءات جديدة، مثل اعتماد السوار الإلكتروني.
إلى ذلك، أورد وزير العدل أن الجرائم المنظمة تشكل نسبة 4.84 في المائة من إجمالي القضايا، بينما تمثل الجنايات والجنح ضد الأشخاص 22.6 في المائة من القضايا. أما الجرائم ضد الأموال ونظام الأسرة والأخلاق العامة والأمن العام، فتشكل 0.5 في المائة من إجمالي القضايا، مؤكدا على أن المحاكم تعاني من طول الفترة الزمنية المطلوبة للبت في القضايا، بالإضافة إلى غياب تدابير تحفيزية خلال مرحلة العدالة التصالحية، والتي تعتبر في نظره، أهم المواضيع التي تمت مناقشتها في مشروع قانون المسطرة الجنائية.
عبد العزيز الرويبح: غياب التوازن بين قوة النيابة العامة ومهام الدفاع يؤثر على المحاكمة العادلة
وحول موضوع الطعون ووظائفها، ذكر النقيب عبد العزيز الرويبح أن الطعن في جوهره، هو مراقبة قضائية تهدف إلى توفير شروط مراقبة الأحكام التي تصدر، وبالتالي استدراك ما قد يكون قد شابها من عيوب أو نواقص، مشيرا إلى أن الطعن قد يكون عادياً أو غير عادي، مبرزا نماذج من الطعون التي ترتبط بالحرية، وبحقوق المتهم، وبمقتضيات المحاكمة العادلة.
ويرى عبد العزيز الرويبح أن من بين المكتسبات التي جاء بها مشروع المسطرة الجنائية، حق الطعن في الأمر بالإيداع في السجن، حيث كان قرار الإيداع الصادر عن وكيل الملك غير قابل للطعن، المشروع الجديد يعطي حق الطعن أمام الغرفة الجنائية التي ستبت في القضية، أو أمام غرفة قضائية تتكون من ثلاثة قضاة إذا تعذر ذلك، مشيرا إلى أن الطعن أمام الغرفة التي ستبت في القضية يعتبر بمثابة طلب للإفراج المؤقت أكثر منه طعن في قرار الإيداع.
وفي الوقت الذي أكد على الجانب الإيجابي في هذا التعديل، الذي أتاح إمكانية استئناف القرار أمام الغرفة الجنائية، أعرب عن أمله في إحداث مؤسسة قضائية مستقلة ومحايدة تبت في استئنافات أوامر الاعتقال الاحتياطي، لأن ذلك، في نظره، سيوفر توازناً أكبر بين قوة النيابة العامة ومهام الدفاع، على اعتبار أن غياب هذا التوازن يؤثر على المحاكمة العادلة، ويجعل الاعتقال الاحتياطي أداة ميسرة للنيابة العامة.
وأوضح نقيب هيئة المحامين بالرباط، أن المحاكمة العادلة لا تبدأ من لحظة المحاكمة، بل من لحظة إلقاء القبض، مروراً بكل مراحل المسطرة، وحتى صدور حكم نهائي، وان حقوق الدفاع يجب أن تكون حاضرة في كل هذه المراحل: الحراسة النظرية، البحث التمهيدي، البحث التلبسي، مشيرا إلى أنه رغم الإكراهات والصعوبات، يجب أن لا يصبح التشريع مجرد رد فعل على واقع منحرف أو فاسد، فهذا يعتبر بحسبه، تكريساً للانحراف والفساد أكثر من كونه مواجهة له.
وأضاف عزيز الرويبح أن مشروع المسطرة الجنائية الجديد يتضمن مكتسبات مهمة، مثل حق الطعن في قرار الإيداع، وحق الاطلاع على الملفات، ولكن هناك أيضاً ثغرات تحتاج إلى معالجة، خاصة فيما يتعلق بحقوق الدفاع وموازن القوة بين النيابة العامة والدفاع.
عبد الرحيم الجامعي: مشروع قانون المسطرة الجنائية لا يمكن أن يظل بين أيدي السياسيين والحكومة فقط
من جانبه، شدد النقيب عبد الرحيم الجامعي، على الإشكالات العميقة التي تطرحها ظاهرة الجريمة وتأثيرها على المجتمعات والحكومات والأفراد، مشيرا إلى أن الجريمة ليست فقط انتهاكًا للقوانين، بل هي أيضًا تهديد مباشر للسلم الاجتماعي والاستقرار المجتمعي، حيث أشار إلى أن الجريمة مخيفة للمجتمعات، وللحكومات، ومخيفة للأفراد والجماعات، فهي تخلق اضطرابًا بشتى مظاهره.
وأضاف النقيب الجامعي قائلاً: “أعتقد بأن هذه الإجراءات أخطر من الجريمة؛ فالجريمة أحيانًا تأخذنا لتحليلها وتحليل أسبابها وآثارها، والتنسيق من أجل مواجهتها. لكن حينما نكتشفها، نسقط في مخاطر كبرى، لأن البحث، التحقيق، وجمع الأدلة، ووسائل الإثبات، والمحاكمة، والحكم، كلها تتعلق بالإنسان، وبأخطر ما يملك الإنسان، وهو حياته وحريته.”
وبحسب عبد الرحيم الجامعي فإن المسطرة الجنائية هي مادة استراتيجية في المجتمعات، كيفما كانت، وأنها تشكل مادة استراتيجية بين من يحكم المجتمعات، سواء كانت حكومة ديمقراطية، أو حكومة استبدادية، أو فاشستية، أو محافظة أو ديمقراطية. وأكد قائلاً: “لا بد أن تكون المسطرة حاضرة ولا بد أن تكون آثار المسطرة حاضرة”، مؤكدا على ضرورة تطوير آليات مواجهة الجريمة كما تتطور آليات ارتكاب الجرائم.
وعاب الجامعي على الحكومة، عدم إشراك المجتمع المدني في نقاش مشروع قانون المسطرة الجنائية، مشيرا إلى أن الأمر لا يمكن أن يظل بين أيدي السياسيين والحكومة فقط، بل يجب أن تكون المسطرة الجنائية نتيجة لحوار وطني حقيقي مجتمعي ومؤسساتي. وقال إن”المسطرة يصنعها أولًا الخبراء والتقنيون، ويصنعها كذلك الأمنيون بلا شك، لأن لهم دورًا كبيرًا جدًا في محاربة الجريمة، من أجل استقرار الأوطان والأبدان.”
وشدد النقيب الجامعي على أن الصياغة الدقيقة والواضحة للنصوص القانونية تُعد شرطًا أساسيًا لضمان حسن تطبيقها وتحقيق الأمن القانوني وتفادي أي تأويلات خاطئة أو متضاربة، مشيرا إلى أن الغموض أو الازدواجية في التعابير والمفاهيم قد يؤديان إلى اضطرابات في الممارسة القضائية، سواء على مستوى القضاة أو المحامين أو الضابطة القضائية، مبرزا أن كل كلمة أو فاصلة أو نقطة في النص القانوني يجب أن توضع بعناية لما لذلك من تأثير مباشر على فهم القاعدة القانونية وتنزيلها بشكل سليم. وأوضح أن جودة التشريع لا تُقاس فقط بنواياه أو أهدافه المعلنة، بل أيضًا بمدى وضوحه ودقته وإمكانية تطبيقه عمليًا دون إثارة اللبس أو الجدل. لأنه إذا فسدت المسطرة تفسد المحاكمة.
وتطرق عبد الرحيم الجامعي إلى أهمية تحقيق التوازن بين الصلاحيات الممنوحة للنيابة العامة والضابطة القضائية وقضاء التحقيق من جهة، وضمانات حقوق الأفراد من جهة أخرى، معتبرًا أن هذا التوازن يمثل حجر الزاوية في أي مسطرة جنائية عادلة وفعالة. وركز بشكل خاص على مرحلة الحراسة النظرية، التي وصفها بأنها من أكثر المراحل حساسية وخطورة في المسطرة الجنائية، نظرًا لما تنطوي عليه من وضع الفرد تحت تصرف السلطات الأمنية لفترة قد تكون حاسمة في مجريات الدعوى. ودعا إلى ضرورة تعزيز الضمانات القانونية المرافقة لهذه المرحلة، بما في ذلك الحق في الاتصال بالمحامي فور التوقيف، والحق في إعلام العائلة، والخضوع للفحص الطبي عند الاقتضاء، مع التأكيد على أن أي إخلال بهذه الضمانات قد يفتح الباب أمام انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ويمس بمصداقية العدالة.
وتساءل النقيب عن أسباب عدم تسجيل لحظات الاستنطاق في محاضر التحقيق بنفس الطريقة التي يتم فيها تسجيل لحظات توقيع المحاضر، وعن غياب تحديد ساعات الاستنطاق، مما يساهم في تعريض المتابعين لعدة ضغوطات. كما أشار إلى ضرورة منع الاستنطاق في ساعات متأخرة من الليل، وكذلك منع الاستنطاق الذي يتم تحت الإكراه أو التعذيب، مشيرا إلى ضرورة ضمان سلامة الأشخاص أثناء الحراسة النظرية من خلال تحقيق التوازن بين صلاحيات الضابطة القضائية وحقوق المشتبه بهم.
وأورد الجامعي في معرض مداخلته، قضية عدم السماح للمحامين بالحضور في مختلف مراحل التحقيق، رغم أن العديد من القرارات القضائية الكبرى تدعو إلى تفعيل دور المحامين في الدفاع عن حقوق المشتبه بهم. كما تحدث عن المواثيق الدولية المتقدمة في مجال حقوق الإنسان، والتي يجب أن تلتزم بها السلطات القضائية المغربية، مؤكدا على أهمية الحفاظ على حقوق المتابعين والمشتبه بهم في إطار المحاكمة الجنائية، وعلى ضرورة إدخال إصلاحات تشريعية تواكب التغييرات في المعايير الدولية وتضمن حماية الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين.
السعدية مجيدي: مشروع قانون المسطرة الجنائة لم يرتب جزاءات كافية
بدورها أكدت الأستاذة الجامعية السعدية مجيدي على أهمية وضوح ودقة النصوص القانونية، حيث يجب أن تكون القوانين واضحة حتى يقتصر دور القاضي على التحقق من الوقائع فقط. وأضافت أن لغة التشريع يجب أن تكون دقيقة ومحددة، مع تجنب المصطلحات الفضفاضة التي قد تؤدي إلى تأويلات متعددة، مشيرة إلى أن المسطرة الجنائية هي القانون الذي يوازن بين الحقوق الفردية وحريات المواطنين من جهة، وحق الدولة في ممارسة العنف المشروع من جهة أخرى. وأكدت أن هذه الموازنة يجب أن تكون دقيقة وحذرة، خاصة في ظل التطورات الدستورية التي عرفها المغرب، لا سيما دستور 2011 الذي عزز مفهوم المحاكمة العادلة وضمانات حقوق الدفاع.
وشددت السعدية مجيدي على أهمية ضمانات المحاكمة العادلة، بدءاً من لحظة إلقاء القبض على المشتبه به ومروراً بجميع مراحل المسطرة الجنائية. وأشارت إلى أن مبدأ قرينة البراءة، وإن تم إزالته من الفصل الأول، لا يزال حاضراً في العديد من الفصول الأخرى. كما نوهت بأهمية أن يفسر الشك لصالح المتهم، وأن تكون الوشاية مدعومة بأدلة جدية.
وانتقدت المتدخلة بعض الثغرات المتعلقة بالاعتقال الاحتياطي والحراسة النظرية، مؤكدة أن المشرع لم يرتب جزاءات كافية على مخالفة الضمانات المقررة في هذه الإجراءات. وأشارت إلى أن الاعتقال الاحتياطي يجب أن يكون استثناءً وليس قاعدة، ودعت إلى إقرار تعويضات للأشخاص الذين يتم اعتقالهم احتياطياً دون مبرر، مشيرة إلى أهمية مسألة إشعار عائلة الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية، مؤكدة أن هذا الحق يجب أن يكون مكفولاً للعائلة وليس للشخص نفسه. وأوضحت أن تنازل الشخص عن هذا الحق قد يخلق مشاكل اجتماعية وقانونية، خاصة في حالات البحث أو التفتيش، داعية إلى تبني مقاربة تشريعية تعزز استقلالية القضاء وتضمن حقوق الأفراد، مع تجنب النصوص الفضفاضة التي قد تؤدي إلى تأويلات متضاربة.
عبد الجليل العينوسي: إلغاء مؤسسة قاضي التحقيق يرتهن بما ستسفره عن الممارسة العملية
من جانبه أوضح أستاذ التعليم العالي عبد الجليل العينوسي، أن من جملة الأمور التي يقاس بها مدى احترام الدول لحقوق الإنسان، هي قانون المسطرة الجنائية، معتبرا أن تعديل هذا القانون أخطر من تعديل القانون الجنائي.
وتطرق عبد الجليل العينوسي في هذه الندوة إلى موضوع التحقيق القضائي، من خلال ثلاثة محاور وصفها بالأساسية، وهي الإبقاء أو الإلغاء لقضاء التحقيق، وعلاقة التحقيق بالنيابة العامة، ثم قرارات قضاة التحقيق، مركزا على المضامين التي وردت بخصوص هذه المحاور في مشروع قانون المسطرة الجنائية، في إطار علاقتها بالقانون الساري حاليا، وأيضا ببعض التشريعات المقارنة.
وفي هذا السياق، ذكر العينوسي، أن التحقيق الإعدادي هو مرحلة وسط، تأتي ما بين مرحلة البحث التمهيدي الذي تقوم به الشرطة القضائية تحت إشراف النيابة العامة، ومرحلة التحقيق النهائي، الذي يجرى داخل الجلسة من طرف هيئة المحكمة، وهو ما يعني في نظره أن التحقيق الإعدادي يعد من أهم الضمانات الأساسية المخولة للمتهم على اعتبار أن هذا التحقيق يشرف عليه قاض، وفي نطاقه يتم احترام كافة ضمانات المحاكمة العادلة.
وبخصوص محور الإبقاء أو إلغاء مؤسسة قضاء التحقيق، ذكر عبد الجليل العينوسي، أن هذا الموضوع يتجدد كلما أثير النقاش حول تعديل قانون المسطرة الجنائية، من طرف الفاعل الحقوقي والقانوني وكذا من طرف رجال ونساء القضاء.
وفي نظره فإن الإبقاء أو إلغاء هذه المؤسسة مرتبط بمدى تحقق ضمانات المحاكمة العادلة في مرحلة البحث التمهيدي، الذي يجرى من طرف الشرطة القضائية، تحت إشراف النيابة العامة، في نطاق مشروع القانون الحالي، وفي ضوء المستجدات التي عرفتها بلادنا خاصة منذ سنة 2017، بمقتضى القانون 33/17 الذي كرس استقلال النيابة العامة، على السلطة التنفيذية، من خلال اسناد مهمة رئاسة النيابة العامة إلى الوكيل العام للملك لمحكمة النقض بدل وزير العدل.
وأشار المتدخل، في السياق ذاته، إلى أن المملكة المغربية قطعت أشواطا مهمة في نطاق تعزيز ضمانات المشتبه بهم خلال مرحلة البحث التمهيدي، وذلك من خلال إقرار عدد من الحقوق بعضها ينطوي على طابع دستوري، كقرينة البراءة، والحق في التزام الصمت، وبعض الحقوق الأخرى التي وردت في قانون المسطرة الجنائية، من أهمها على الإطلاق عدم الاعتداد بأي اعتراف يتم انتزاعه عنوة، أو عن طريق الإكراه، مشيرا إلى أن هذه الضمانات تعززت بمقتضى مشروع قانون المسطرة الجنائية الحالي، من خلال إحداث آلية التسجيل السمعي البصري، والتنصيص عليها في نطاق المادة 66/3، بالإضافة إلى التنصيص على اعتبار اعتراف المشتبه فيه، المدون في محضر البحث التمهيدي، باطلا في حالة رفض إجراء الفحص الطبي لوجود أثار للعنف إذا طلبه المشتبه فيه أو دفاعه، معتبرا ذلك يشكل تطورا نوعيا، ومهما، بالإضافة إلى إقرار الاتصال بالمحامي ابتداء من الساعة الأولى لوضع المعني بالأمر تحت الحراسة النظرية، ودون أي ترخيص مسبق من طرف النيابة العامة.
وبحسب عبد الجليل العينوسي فإن ضمانات المحاكمة العادلة، أثناء مرحلة البحث التمهيدي في مشروع قانون المسطرة الجنائية المعروضة على النقاش العمومي، لم يتم تكريسها بصورة مطلقة، ولعل من أهمها، يضيف المتحدث، غياب الإشارة إلى حضور المحامي خلال عملية الاستماع للمشتبه فيه من طرف الشرطة القضائية، وهو مطلب حقوق ومطلب للدفاع، خلاف ما تقرر لفئة الأحداث وأيضا الأشخاص الذين ورد ذكرهم في البند الأول في المادة 316، عكس مرحلة التحقيق الإعدادي، حيث أن المتهم لا يجوز استنطاقه إلا بحضور محاميه، أو بعد استدعائه بصورة قانونية.
وفي نظر عبد الجليل العينوسي فإن هذا الإشكال يصبح أكثر حدة، خاصة وأن مشروع القانون الحالي، أحدث تغييرا جوهريا، يتعلق بالتنصيص لأول مرة، على مبدأ اختيارية التحقيق الإعدادي في الجنايات، مشيرا إلى أنه كان هناك مد وجزر ما بين ظهير 1959 وظهير الإجراءات الانتقالية 1974 وصولا إلى قانون المسطرة الجنائية الحالي فيما يتعلق بهذه المسألة، مع العلم أن التحقيق خلال مراحل المحطات الثلاثة كان يكتسي طابعا إلزاميا، بالنسبة للجنيات. فلأول مرة، يضيف المتحدث، يتم الاعتداد بمبدأ اختيارية التحقيق في الجنيات، كما تم التنصيص أيضا على أن التحقيق لا يكون في الجنح إلا بنص خاص، وبصفة اختيارية في الجنح الواردة في المادة 8 من مشروع القانون.
وأوضح العينوسي أن البحث والتحقيق في الجرائم، يعد اختصاصا أصيلا للنيابة العامة، وأن أعضاء هذه الأخيرة يخضعون لإشراف الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، بمعنى أنهم تابعين لسلطة قضائية وليس لسلطة تنفيذية عكس ما هو موجود في فرنسا، وبالتالي المنطق يقتضي أن يتم إسناد البحث والتحقيق في الجرائم للنيابة العامة.
وعلى ضوء هذا التحليل يرى المتدخل أن المشرع المغربي بقي وفيا لمبدأ التدرج في كل ما له علاقة بحقوق الإنسان بصورة عامة، وبحقوق المشتبه بهم والمتهمين بصفة خاصة. وبالتالي يضيف المتحدث، فإن إلغاء مؤسسة قاضي التحقيق، في التشريع المغربي، قد اقترب من نهايته، وأن هذا الأمر سيرتهن بما ستسفر عنه الممارسة العملية، في ضوء السلطة التقديرية الممنوحة للنيابة العامة في إحالة الجنايات على التحقيق أو عدم إحالتها.
وحول علاقة قضاء التحقيق بالنيابة العامة، ذكر عبد الجليل العينوسي أن مشروع القانون الحالي احتفظ بنفس المقتضيات التي تكرس مبدأ فصل سلطة المتابعة عن سلطة التحقيق، ولكن هذا الاستقلال هو استقلال جزئي، وأن نفس المقتضيات التي تكرس هذا الاستقلال الجزئي، تم الاحتفاظ بها، خاصة تلك المتعلقة بحرية النيابة العامة في اختيار قاضي التحقيق، في حال تعدد قضاة التحقيق، ومنح الحق للنيابة العامة في سحب ملف التحقيق من قاض للتحقيق، وإحالته على آخر بمقتضى مقرر معلل، ليتم إحالته أمام الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف، ثم كذلك لازال المشرع المغربي يصر على منح قاض التحقيق صفة ضابط سامي للشرطة القضائية مما يجعله خاضعا لإشراف النيابة العامة.
وبخصوص قرارات قضاة التحقيق، أوضح عبد الجليل العينوسي، أن القرارات أو الأوامر كما يصطلح عليها فقها وتشريعا، والتي يصدرها قضاء التحقيق، تنقسم إلى أوامر يصدرها قاضي التحقيق أثناء سير عملية التحقيق، وإلى أوامر يصدرها بعد انتهاء عملية التحقيق.
وقد ركز العينوسي في هذا الموضوع على التعديلات التي وصفها بـ”الجوهرية” والتي طالت الأوامر التي تتعلق بشخص المتهم، في إشارة إلى الاعتقال الاحتياطي، على اعتبار أن ما يحسب لهذا المشروع ولمن وضع هذا المشروع يقول المتحدث “هو أن الاعتقال الاحتياطي، أخيرا تمت عقلنته وترشيده، من خلال وضع الأسباب والموجبات التي تؤيده، خاصة في المادة 1/175 وبالتالي هذا من شأنه أن يعيد الاعتقال الاحتياطي، ويضيق نطاقه، في إطاره السليم باعتباره تدبيرا استثنائيا وليس تدبيرا أصليا”.
وأضاف أن تخفيض مدد الاعتقال في الجنايات والجنح، يعد تطورا نوعيا، مع الاحتفاظ بنفس المدد المقررة بالنسبة لجرائم أمن الدولة أو الإرهاب شهرين قابلة، التمديد خمس مرات بمعنى سنة باحتساب التمديدات، مشيرا إلى أن هذه التمديدات أساسية عكس ما يذهب إليه البعض الذي يقول “إن التمديد لا ينبغي أن يستثني جرائم دون جرائم أخرى”.
وفي نظر عبد الجليل العينوسي فإن التنصيص على أن الوضع تحت المراقبة القضائية يعد بديلا للاعتقال الاحتياطي، بحيث لا يمكن أن يتم اتخاذ التدبيرين معا، فإن ذلك يعد تطورا نوعيا، بالإضافة إلى تقليص مدد الوضع تحت المراقبة القضائية، مشيرا إلى أن ما يحسب للمشرع، هو أنه ميز ما بين مدة الوضع تحت المراقبة القضائية، وما بين الجنايات والجنح، حيث خص الجنايات بشهرين والجنح بشهر واحد، عكس ما هو سائد في نطاق القانون الحالي، الذي سوى بين الجنايات والجنح من حيث مدة الوضع تحت المراقبة القضائي في شهرين.
وخلص عبد الجليل العينوسي إلى القول بأن التحقيق الإعدادي قد طالته تغييرات، وصفها بـ”المهمة وغير المسبوقة” خاصة ما يتعلق بإقرار اختيارية التحقيق في الجنايات وتقليص مدة الاعتقال الاحتياطي في الجنايات والجنح، مشيرا إلى أن ذلك سيؤدي إلى استرداد النيابة العامة لوظيفتها الأصلية في التحقيق، إلى جانب البحث في الجرائم. وبالتالي إلغاء هذه المؤسسة التي عمرت طويلا، أسوة بتشريعات إجرائية تنتمي إلى مدارس قانونية عريقة كالتشريع الألماني، الذي ألغى هذه المؤسسة سنة 1975، والتشريع الإيطالي الذي ألغاها سنة 1988، واستحضارا للوضعية الحالية في بلادنا، النيابة العامة هي تابعة للسلطة القضائية عكس ما هو سائد في الدولة التي ورثنا من خلالها مؤسسة قضاء التحقيق حيث النيابة العامة التابعة للسلطة التنفيذية، مؤكدا على أن أي إلغاء محتمل، ومستقبلي لمؤسسة قاضي التحقيق، لا يجب أن يتم على حساب ضمانات المحاكمة العادلة، وفي طليعتها الحق في الدفاع.
عبد المجيد خشيع: عوض اقتصار التسجيل السمعي البصري في الجنايات على التوقيع على المحتضر يتعين توسيع نطاقه ليشمل جميع مراحل التحقيق
وحول موضوع مكانة الدفاع والمحاكمة تطرق المحامي بهيئة الدار البيضاء، عبد المجيد خشيع، إلى مختلف الجوانب المتعلقة بالمكانة القانونية للدفاع في المحاكمات الجنائية، مع التركيز على تدبير المساطر الجنائية، بدءًا من مرحلة الحراسة النظرية وصولاً إلى ما بعد الحكم. وقد تناول في مداخلته تفاصيل المسطرة الجنائية الجديدة وأثرها على سير الإجراءات الجنائية، مشيرًا إلى مجموعة من الملاحظات والمقترحات، التي تهم بالأساس إجراءات الحراسة النظرية والتحقق من الهوية، وتمتيع المتهم بالضمانات الشكلية، وحضور المحامي في مراحل التحقيق وإجراءات التوقيع على المحضر، وكذا الإصلاحات التي همت الطب الشرعي.
وفي السياق ذاته، أكد عبد المجيد خشيع على أهمية أن يعفي ما سطره المشرع في المسطرة الجنائية من المشاكل القانونية والدفوع الشكلية. وقال “إنه من المفترض أن تكون الإجراءات منصوصًا عليها بشكل دقيق في المسطرة الجنائية، بما في ذلك الجزاء المترتب على أي خرق” مشيرا إلى أن الضابطة القضائية لا تزال تفتقر إلى الوسائل التقنية الكافية للتحقق من هوية الأشخاص في عين المكان، أو التأكد ما إذا كانوا مبحوثًا عنهم، أم لا.
وذكر عبد المجيد خشيع مسألة تمتيع المتهم ببعض الضمانات الشكلية خلال فترة الحراسة النظرية، مثل الحق في الاتصال بالمحامي منذ الساعة الأولى، لكنه أشار إلى أن عدم حضور المحامي لا يترتب عليه أي جزاء قانوني، مؤكدا على أهمية تمكين المحامي من حضور عملية الاستماع إلى المشتبه فيه، خاصة في قضايا الأحداث، موضحًا أن المحامي يجب أن يكون على اطلاع مسبق على المحاضر الإلكترونية قبل أن يتم عرض المشتبه فيه على وكيل الملك أو الوكيل العام، لضمان توازن القوى بين الدفاع والنيابة العامة.
وأشار عبد المجيد خشيع إلى أن التسجيل السمعي البصري في الجنايات يقتصر حالياً على عملية التوقيع على المحاضر فقط، مما يترك ثغرات في الإجراءات. وطالب بتوسيع نطاق التسجيل ليشمل جميع مراحل التحقيق لضمان الشفافية وحماية حقوق المتهمين.
وثمن خشيع اعتماد الطبيب الممارس في مجال الطب الشرعي بدلاً من الاعتماد على الطب العام، معتبراً أن هذه الخطوة تعزز جودة الأدلة الطبية في التحقيقات الجنائية. وأكد أن هذا التغيير سيسهم في تحسين مصداقية التقارير الطبية ودقتها، مشددا على أهمية ترشيد الاعتقال الاحتياطي، ووصفه بأنه تدبير استثنائي يجب أن يقتصر على الحالات الضرورية. وأثنى على الضوابط الجديدة التي وضعت لتقليص مدد الاعتقال، لكنه أشار إلى استمرار وجود مشكلات متعلقة بالمادة 108، التي تسمح بالاستماع إلى المكالمات الهاتفية في قضايا لا تتعلق بالجنايات.
وبخصوص التصريح ببطلان الاعترافات، طالب عبد المجيد خشيع بإضافة مادة جديدة تنص على أن محاضر الاستماع التي يرفضها قاضي التحقيق أو وكيل الملك أو الوكيل العام يجب أن تتضمن إشارة إلى أنه لا يمكن الطعن فيها، خاصةً أن المتهم لا يتوفر على نسخة من المحضر، كما اقترح إلزام حضور المحامي عند إصدار أمر الإيداع في السجن، لتمكينه من
الطعن في القرار.
محمد الحسني كريط: قانون المسطرة الجنائية يهم الجميع ويوفق بين حق الفرد وحق المجتمع
وبحسب المحامي بهيئة الرباط محمد الحسني كريط، فإن موضوع المسطرة الجنائية هو موضوع دقيق جدا، مؤكدا أن مشروع المسطرة الجنائية الحالية، عرف تعديلات فيها محاسن كثيرة، وأن العمل الذي تم القيام به هو عمل مضني وشاق، مشيرا إلى أن المشكل الحقيقي هو أنه منذ الاستقلال إلى اليوم، الكليات المغربية لا تتوفر على ماستر واحد متخصص في اصول التشريع، او علماء القاعدة ، على اعتبار أن صياغة النص لها قواعد.
وأوضح الحسني كريط، أن هذه المرحلة التي يوجد فيها مشروع قانون المسطرة الجنائية هي مرحلة تعميق النقاش، من أجل الإصلاح وسد الثغرات، لأن النقاش البعدي سيكون غير ذي جدوى، مشيرا إلى أن قانون المسطرة الجنائية ليس كالقوانين الأخرى كقانون الشغل الذي يخص الطبقة العاملة، أو قانون التجارة الذي يهم التجار، لكن القانون الجنائي يهم الجميع، وبه تقاس الحضارات، فهو يوفق بين مبدأين حق الفرد وحق المجتمع، وهو ما يفرض، في نظر المتحدث، إيجاد توازن بين حق الفرد وحق الجماعة، لأنه إذا طغى حق الفرد على الجماعة كان هناك خلل، وإذا كان العكس كانت هناك مصادرة للحريات.
ويرى محمد الحسني كريط، أن المشتغل على قانون المسطرة الجنائية، كالمشتغل على الرمال المتحركة، لصعوبته، وللمشاكل التي يطرحها باستمرار، مشيرا على سبيل المثال إلى احتمال وجود قاعدة دستورية تكرس مبدأ معينا، لكن في قانون المسطرة الجنائية، يتم وضع استثناء تفرغ بموجبه تلك القاعدة الدستورية، وتصبح وكأنها غير موجودة.
وتساءل الحسني كريط، عن السبب في عدم إعادة صياغة قانون مسطرة جنائية مغربية الأصل والصنع، عوض الاكتفاء بتعديل المسطرة الموروثة عن الاستعمار الفرنسي، مشيرا إلى أن مشروع قانون المسطرة الجنائية عدلت فيه 420 فصل ما بين تغيير وتتميم وإضافة ونسخ وتعويض من أصل 757 فصل، وهو ما يمثل أكثر من 60 في المائة من مجموع فصول قانون المسطرة الجنائية.
وأضاف محمد الحسني أن صناعة قانون مسطرة جنائية مغربي، سيمكن من جمع شتات المسطرة الجنائية الموزعة ما بين العديد من القوانين، كقانون المحاكم الإدارية أو القانون الجنائي أو غيرها والتي تخلق نوعا من الاضطراب لدى الطلاب وحتى الممارسين، بالإضافة إلى استمرار وجود بعض المقتضيات الغير قابلة للتطبيق كما هو الحال بالنسبة للمادة 324 التي تقول في إحدى فقراتها “إذا أدى بطلان الإجراءات إلى بطلان الإجراءات اللاحقة كلا أو بعضا، فإن المحكمة تأمر بإجراء تحقيق تمهيدي إذا ارتأت بالإمكان تدارك البطلان”، وفي حالة العكس “تحيل المحكمة القضية إلى النيابة العامة، وتبث على ذلك، وعند الاقتضاء في الاعتقال الاحتياطي أو المراقبة القضائية” مؤكدا أنه منذ الاستقلال لا يوجد حكم واحد بهذا المقتضي، وبالتالي لماذا لا يتم حذفه ما دام لا يطبق، خاصة في ظل دستور 2011 الذي ينص على حقوق الدفاع ويؤكد على أن الحرية مقدسة.
وعاب محمد الحسني كريط، صياغة بعض الفصول بشكل مطول، تحولت معها من فصول إلى ما يشبه المقال، كما هو الحال بالنسبة للفصل 59 والفصل 39 والفصل 40 وهي كلها فصول طويلة، في الوقت الذي تقتضي في أصول التشريع وفي طبيعة الصياغة القانونية التلخيص والاقتضاب مع الدقة والوضوح، مشيرا إلى أن الإطالة تعد عيبا في التشريع.
وبخصوص موضوع حقوق الدفاع بين السلطة التقديرية وجزاء البطلان، يرى محمد الحسني كريط أن جزاء البطلان في قانون المسطرة الجنائية هو أصلا باطل، لأنه لا ينفذ، مستدلا بمقولة عمر ابن الخطاب الذي قال ” لا خير في حق لا نفاذ له”، مشيرا إلى أن هناك عدد من الحقوق والحريات التي يمنحها الدستور وتترجمها القوانين، لكن القضاء يقول لا جزاء، وهي كثيرة، حيث نجد مثلا في قانون المسطرة الجنائية نوعين إما بطلان قانون وهو نادر جدا، أو بطلان قضائي يقول إنه “غير مفعل عمدا”.
وقال الحسني كريط “إن قواعد المسطرة كأي قانون وأن من خصائص القانون والتي يحفظها الطلاب من السنة الأولى هي أن القاعدة القانونية هي قاعدة عامة ومجردة مصحوبة بالجزاء، إلا قواعد المسطرة فلا جزاء، وهو ما يعني أن هذه القواعد، هي بمثابة أخلاق إن شاء احترمها القاضي وإن لم يشأ فلا حرج عليه، فلنسميها إذن قواعد أخلاق المسطرة الجنائية بدل من قانون المسطرة الجنائية”، مضيفا أن المادة 24 في إطار التعديل، والتي تقول بضرورة إخبار المشتبه فيه بالأفعال المنسوبة إليه، في جميع المحاضر حول القضية موضوع البحث، سواء تعلق الأمر بشاهد أو مشتبه فيه، أو متهم أو غيرها، فالقضاء لم يرتب الجزاء، وهو ما يخالف المادة 23 من الدستور والمادة 66 من قانون المسطرة الجنائية حيث يتم فيهما التأكيد على ضرروة إشعاره بدواعي الاعتقال.
وبحسب محمد الحسني كريط، فإنه كان من المنتظر بخصوص فصول الحراسة النظرية، والتي تم توسيع أسبابها بشكل كبير إلى درجة أنه يمكن لكل شخص أن يكون موضوع حراسة، أن يتم تعديلها وفق مبادئ تراعي الكرامة والحرية، وأن يتم ترتيب الجزاء في حال كانت المقتضيات معيبة، مشيرا إلى أن هناك حالة ظلت تحت الحراسة النظرية لدى الدرك الملكي لمدة سنة، لكن محكمة النقض لم ترتب أي جزاء.
وتساءل الحسني، عن خلفية التنصيص على عدم التعرض للأحكام الغيابية القابلة للاستئناف، هل هي إقصاء المتقاضي، أو كثرة الملفات، مشيرا إلى أن في ذلك حرمان من حق التقاضي على درجتين، وهو مناف لحقوق المتقاضين، موضحا بخصوص الفصل 108 أن الجزء الأول من هذا الأخير غير دستوري، لأن القاعدة العامة في الدستور هي المنع، وأيضا في القانون يمنع التقاط المكالمات، قاضي التحقيق يمكن له ذلك في جميع الجرائم، وبالتالي فإن الأصل هو المنع والاستثناء هو الإجازة كاملة، وهو ما يعتبر في نظره تضاربا في التفكير.
محمد حجيوي