واقع جامعة ابن زهر.. بين صراعات الفصائل والنزاعات الأثنية..!؟

من المسلم أن الكلية فضاء للتحصيل والمعرفة والثقافة وكذا لممارسة الأنشطة الفنية وساحة يعرض من خلالها الطالب ويعبر بالحرية الكافية عن ميوله المذهبي أو السياسي، إنها محطة متميزة من عمر الإنسان، تبصم بقوة في ذاكرة المارين على دربها على أنها ظلت أبدا تلك المؤسسة التي يفترض فيها أن تسهر على مصلحة الطالب وتتعهد موهبته وطاقته لتعده للانصهار في بوتقة مجتمعه والاندماج في سوق الشغل.

قد لا تشد جامعة ابن زهر عن هذه القاعدة إلا أن خصوصيات الجامعة  جعلتها تشهد من فينة إلى أخرى بعض الاضطرابات التي تسفر كثيرا عن ضحايا كثر ومتابعات قضائية قادت العديد من الطلبة إلى السجون.

 

تتسم جامعة ابن زهر بخصوصيات تجعل منها حالة متفردة على المستوى الوطني نظرا لتغطيتها لمساحات شاسعة من المملكة ولعدة جهات انطلاقا من جهة سوس ماسة درعة إلى الصحراء قاطبة، وقد أثر ذلك على تركيبتها التي جعلت من بعض طلابها عبارة عن مجموعات تتصرف من منطلقات اثنيه وقبلية متنافرة.

تتشكل الساحة الطلابية من عدة فصائل يمكن نعتها بعضها بالتقليدية حيث ألفنا وجودها بين أسوار الكليات منذ عهود غابرة كما هو شأن الراديكاليين والمجموعات الاسلامويين، خصوصا منهم أولئك الذين يعانقون مبادئ العدل والإحسان، الجماعة المحظورة.

وإذا كان هؤلاء يعمدون لإقامة أيامهم الثقافية وعرض أروقتهم على امتداد السنة بمختلف الكليات، هم أساسا المسؤولون عن النزاعات الدموية التي ألفت الكليات أن تعيشها، فان واقع الحال بجامعة ابن زهر يعرف معطيات أخرى ميزت النزاعات القائمة بطابع اثني ووسمته بمواصفات عرقية وعدائية اتجاه العنصر المخالف ثقافة أو عرقا.++ تعيش الجامعة نظرا لكونها مؤسسة مشيدة بتخوم الصحراء على أعداد كثيرة من الوافدين من الأقاليم الصحراوية للمملكة ساهمت في جعل هذه الفئة تشكل كثلة طلابية ضخمة توحدت فئات عريضة منها على رؤى ومطالب موحدة، وعلى وقع كثلة أخرى لا تقل قوة تمثلت في الحركة الأمازيغية التي تشكل بتصوراتها ومطالبها طرفا نقيضا يسير بشكل مخالف تماما مع منظور الفئة الأولى.++ تستمد الحركة الأمازيغية قوتها من أعدادها ذلك لطبيعة التشكيلة العرقية المكونة لجهة سوس، وكذالك لإيمان بعض قياداتها بمشروعية مطالبهم المتمثلة أساسا في ضرورة اعتبار الأمازيغية لغة رسمية بالبلاد ورفع الحيف عما يعتبرونه جورا وتهميشا يمس ثقافتهم.

إلا أن الملاحظة الجوهرية التي عبّر عنها مجموعة من الطلاب لجريدة بيان اليوم دلت أن النزاعات التي تعرفها الجامعة من حين لآخر لا تعدو كونها عبارة عن خلافات شخصية تنشب بين طالب منتمي لهذه الكتلة وطالب آخر منتمي للكتلة الأخرى ليتحول فيما بعد إلى نزاع بين رفقاء المتخاصمين ثم إلى نار ضارية يجند فيها كل طرف كل ما لديه لأجل فرض هيمنته موظفا ترسانة من المصطلحات والمغالطات التي تعبق بكراهية عرقية لا محل لها بثقافة الإنسان المغربي.وفي نفس الإطار صرح بعض الطلاب من بينهم  (محمد.م) قائلا:

ـ إن النزاع الذي يعيشه طلاب ابن زهر لا يرقى بالبث الى مستوى الصراع المبدئي الجاد، انه نزاع اثني ضيق الأفق لا يخدم بالمطلق مصلحة الطالب…

وصرح آخرون أن أحداثا كثيرة يتم تغيير مسارها الطبيعي لتتخذ أبعادا أخرى.

إلا أن هذا لا ينفي وجود تشكيلات واعية معتدلة تتخذ من مصلحة الطالب وهمومه التي تتشابك ويتداخل فيها البيداغوجي والاجتماعي والمادي والتي لا تتوانى بالدخول في محطات نضالية لتحقيق مطالب عادلة للطلاب الذين أبدا سيظلون مشعلا تنويريا لشعوبهم.

إن جنوح وانحراف مسار بعض الفصائل الطلابية إلى نزاع عرقي يوظف مقاربات اثنية لمواجهة خصومه يعتبر تعبيرا عن تراجع نضج الفصائل المعنية  كما يقودنا هذا الوضع إلى التساؤل عن مدى التواجد الفعلي للأحزاب السياسية الوطنية وتأثيرها الذي بات شبه منعدما على مستوى الساحة الطلابية والذي بوسعه أن يؤطر الطلاب ويحد من ميولاتهم للعنف وتبنيهم لمقاربات عرقية عنصرية.

للمرة الثانية، وللمرة الألف، سيظل المغرب أبدا بلدا يحتضن كافة أبنائه بمختلف انتماءاتهم العرقية واختلافاتهم الثقافية، وسيظل اختلافه هذا تنوعا ثقافيا يغني حضارة المغرب ويدفع كل مغربي فخور بانتمائه لهذا البلد للتباهي بهذا الزخم الحضاري الفريد مرددا العبارة التي قيلت وستقال إلى الأبد: “كلنا أمازيغ وكلنا عربا”.

Top