شهدت الرباط أول أمس مسيرة دعت إليها منظمات حقوقية وطنية، من أجل المطالبة بالتنفيذ الكامل لتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة.
الاستنتاج الأول الذي يلفت انتباه كل مراقب للمشهد الحقوقي المغربي هنا، يتعلق أولا بهذا الالتفاف الجمعوي حول مطلب تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، علما أن بعض مكونات الحركة الحقوقية كانت ترفض المسار أصلا، وكان قد جرى سجال طويل على هذا الصعيد في السابق.
أما الاستنتاج الثاني، وهو مرتبط بسابقه، فيكمن أساسا في أن هذا الالتفاف الحقوقي والسياسي لو تحقق منذ البداية، وجرى تمكين الهيئة، وبالخصوص توصياتها، من احتضان وتعبئة وطنيتين، لكان ذلك ضغطا مجتمعيا من أجل تسريع وتيرة التنفيذ.
والاستنتاجان معا يسائلان اليوم نسيجنا الجمعوي الحقوقي، وأيضا الأحزاب ووسائل الإعلام والبرلمان، حول ما إذا لم يكن الجميع قد أضاع الفرصة من أجل خلق احتضان مجتمعي وسياسي لتوصيات الإنصاف والمصالحة، والضغط لتنفيذها، والانطلاق من ذلك لتطوير مسلسلات الإصلاح والدمقرطة في البلاد.
الكلام هنا لا يقصد إبعاد المسؤولية عن الدولة وأجهزتها، إنما ينطلق من الاهتمام بموازين القوى في مجتمع مثل مجتمعنا، ومن استحضار كون النضال الديمقراطي لا يكون دائما خطا مستقيما، وإنما قد تصادفه منعرجات وربما تراجعات، وهنا بالذات تصير الحاجة ملحة إلى تعزيز التعبئة وسط المجتمع، وبالتالي اتخاذ الموقف المناسب في اللحظة المناسبة، وتفادي تضييع كل فرصة بإمكانها تقديم مسارات الديمقراطية والإصلاح.
من جهة أخرى، إن توصيات كثيرة تضمنها تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة لا زالت تنتظر التنفيذ، ولسنا في حاجة إلى عبقرية ما للقول بأن جهات مقاومة لذلك قد تكون موجودة بالفعل، وهي ترفض أصلا أن ينجح المغرب في انتقاله الديمقراطي، ولأن مثل هذه الجهات موجودة، فهنا التفاعل الذكي مع الصراع وحسن التقاط الإشارات يصير أكثر من ضروري.
لقد قطع المغرب خطوات مهمة على مستوى جبر الأضرار الفردية، وإن كانت بعض الحالات لا زالت عالقة، كما أنه باشر برامج مهمة على مستوى جبر الضرر الجماعي، لكن في نفس الوقت هناك تأخر بشأن تنفيذ التوصيات ذات الصلة بالإصلاحات السياسية والتشريعية والمؤسساتية، ومن مصلحة المغرب اليوم استثمار الالتفاف الجمعوي والحقوقي الذي جسدته مسيرة الرباط، لبلورة دفعة جديدة في مسار إعمال توصيات الإنصاف والمصالحة، وبالتالي لتفعيل جيل جديد من الإصلاحات في بلادنا.